آراء

الإخوان المسلمون والشيعة الإثنا عشرية في علاقات ملتبسة (1)

محمود محمد عليلقد شكل سقوط الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية 1299 هـ - 1924مـ) صدمة كبرى في أذهان العديد من مفكري وشخصيات العالم الإسلامي؛ حيث كان يُنظر إلى الخلافة باعتبارها حافظة الدين والداعية له؛ لذا بعد سقوطها انبرى عدد من الشخصيات الإسلامية في محاولة إحياء الخلافة الإسلامية؛ من أجل الحفاظ على الدين والتمسك به، وفي تلك الأجواء السياسية الملبدة بغيوم التعقيدات العالمية وتغيير موازين القوى، أُسست جماعة الإخوان في عام 1928؛ من أجل إحياء تلك الفكرة.

ففي مصر وبالذات في عام 1928م وجدنا الشيخ حسن البنا ينشئ حركة الإخوان المسلمين كأول إسلامي تحزبي يظهر للساحة بعد سقوط الدولة "العثمانية"، وقد استطاعت هذه الحركة الانتشار سريعا بسبب خلو الساحة من الحركات الاسلامية؛ وأما في طهران 1979م فقد وجدنا الخميني يعود من المنفي وينشئ الجمهورية الإسلامية في إيران ، ورغم تباعد الحدثين التقي احسن البنا وورثتهما مع الخميني وأتباعه حول نوع من الأخوية ، جوهره الخروج عن الفكر السياسي الإسلامي التقليدي عبر جعل الشريعة مصدر السلطة بدلاً من المجتمع، حتي وجدنا المستشرق الايرلندي فريديريك هاليداي قبل رحيله أصلا بحثاً يكتب بحثاً رائعاً بعنوان "  إيران والإخوان علاقات ملتبسة ؛ وفي رأيه قللت عقيدة الإخوان بشأن الفوارق بين السنة والشيعة علي اعتبار أن الأمة الإسلامية واحدة بطوائفها ، وساعد ذلك في تقرب الحركة الشيعية وجماعة الإخوان من بعضهما بعضا .

والشواهد علي ذلك أنه في عام 1945، توجه أحد متشددي التيار الديني الشيعي في إيران ومؤسس حركة "فدائيان إسلام" ويدعى نواب صفوي ليجتمع بسيد قطب أحد قادة الفكر الإخواني. وقد مثّلت تلك الزيارة التي قام بها صفوي دليلاً على مدى التقارب بين الجماعتين الراديكاليتين. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أي في عام 1948، قام حسن البنا -مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين عام 1928- بتأسيس جمعية التقارب بين المذاهب الإسلامية، وكانت تلك دعوة صريحة للتقارب بين الجماعات الإسلامية بغض النظر عن توجهاتها المذهبية، حيث كان تنظيم الإخوان المسلمين يرى أن التقارب بين المذاهب الإسلامية عام 1948 ؛ علاوة علي إفتاء رئيس الجمعية وهو شيخ الأزهر آنذاك  وهو محمود شلتوت بجواز التعود بالمذهب الشيعي الاثنا عشري والسماح بتدريسه في الأزهر.

كما وجدنا السيد عمر التلمساني (مرشد الجماعة الثالث) كتب، قائلا عام 1985 بعنوان "شيعة وسنّة" قال فيه: إنّ" التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن، وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شىء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة فى صفوف المسلمين".

وكانت دعوة التلمسانى أول خطوة حاول من خلالها الإخوان إحداث هذا التقارب بينهم وبين الشيعة بدعوة أن هذا سيصب فى صالح المسلمين. وفى حرب تموز 2006، التى خاضها حزب الله، اعتلى الإخوان فى هذا التوقيت دعوات التقارب بين السنة والشيعة، عبر دعوات التفخيم من حسن نصر الله، الذى قاموا بتشبيه بصلاح الدين الأيوبى.

وقبل ذلك كان وصول سيد قطب إلى نظرية الحاكمية متابعة لإرهاصات فكرية عند الندوي وعند المودودي بكتاب الأخير “المصطلحات الأربعة في القرآن”1941. هناك تأثرات واضحة بسيد قطب في كتاب فلسفتنا 1959 للسيد محمد باقر الصدر، الذي أسس في ذلك العام حزب الدعوة . وقد تأثر خميني و حزب الدعوة الشيعي كثيرا بافكار وتنظيم الاخوان المسلمين حتى قام خميني بترجمة العديد من كتب سيد قطب ومنهم اشتق اسمه “المرشد الاعلى” الذي ما زال ساريا في ايران.

وأوصى الخميني أتباعه في كافة الدول الإسلامية ـ وبالتحديد المناطق الشيعية التي تحاذي المناطق السنية في إيران ـ بعدم إثارة النعرات الطائفية وتجنب التحريض وسبّ رموز السنة، وإقامة صلاة جماعة مشتركة بين السنة والشيعة، وتأسس حينها مركز سمي”التقريب بين المذاهب الإسلامية” يكاد يكون كتاب “إيران والإخوان المسلمون” للباحث الإيراني عباس خامه يار، من الكتب النادرة التي تناولت بالتفصيل العلاقات بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979، وبعدها ويكتسب الكتاب أهميته من كون الإخوان المسلمين، أكبر الجماعات السنيّة ذات الصلة الطيبة بالشيعة ومراجعهم ورموزهم.

وهنا وجدنا نظام ولاية الفقيه يشترك مع جماعة الإخوان في العديد من القواسم الفكرية نتيجة للتأثير الكبير الذي مارسته الجماعة على الحركة الإسلاموية الإيرانية منذ «نواب صفوي» وحتى الخميني، ومن دلائل تأثر الحركة الإسلاموية الإيرانية بفكر الإخوان هو قيام المرشد الحالي للثورة الإسلامية «على خامنئي» بترجمة كتابي «في ظلال القرآن» و«المستقبل لهذا الدين» واللذين يعدان من أحد أهم مؤلفات المفكر الإخواني «سيد قطب» إلى اللغة الفارسية.

وتمر الأيام يتغير النظام في مصر ويتغير في إيران، ويتحول إخوان مصر طيارا عن استخدام العنف لقلب الحكم ويسطو الخميني علي ثورة شعبية أطاحت الشاه .. حضر الإخوان إلي العمل في السر وظهر الخميني وصحبه في العلن .. في الظاهر تغيرت الهوية .. وفي العمق حافظ الطرفان علي أخويتهما .. وما حصل حسب عقيدة الإخوان لم يكن تقارباً بين مذهبين ، وإنما بين مشروعين ، غاية كل منهما الإستئثار بالسلطة .. كان التقارب أوجه في تعاطف الخميني مع خالد الأسلمبولي (قاتل الرئيس المصري أنور السادات) عام 1981 ، وإطلاق اسمه علي شوارع طهران .. ولا يخفي أنه كان لفكر الإخوان وأدبياتهم وقع مؤثر فيما مر به إيران ؛ من أماراته ترجمة المرشد الأعلي الحالي " علي خامنئي لسيد قطب " إلي الفارسية ..

غير أن ثمانينيات القرن الفائت كشفت علي أن لإيران أهدافاً توسعية ، تتجاوز مصالحها المشتركة مع الإخوان ، ونتج منها فتوراً لم يؤدي إلي قطع الأواصر بينهما .

ومرت الأيام ووضعت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها وفارق الخميني الحياة في الثالث من يونيو عام 1989م ، واغتيل رئيس وزراء لبنان " فيق الحريري" عام 2005م ، وجر حزب الله لبنان إلي حرب مع إسرائيل عام 2006م .. وجاءت ثورة الربيع العربي عام 2011 وزادت إيران من تدخلاتها تحت ظل ولاية الفقيه وأطلقت يد حرسها الثوري عمداً علي زعزعة استقرار البحرين والكويت في عام 2912م ، وحركت الحوثيين في اليمن عام 2015م، وألهبت الحدود مع السعودية وألقت بحزب الله ومليشيات شيعية في القتال ( منذ 2013- 2017) إلي جانب بشار الأسد وتهجير مئات آلاف السوريين من بيوتهم وبلداتهم .

والجديد تخبط الإخوان في مواقف متناقضة تعبر عن استياء من الدور الإيراني ، ولكن من دون الوصول إلي حد القطيعة ، بل إن تجديد البيعة لإيران علي نحو مناصرة الحوثيين في مواجهة السعودية  عام 2009م  والانحياز إلي قطر في أزمتها مع السعودية ، والإمارات ، والبحرين ، ومصر .. يدافع الإخوان عن علاقاتهم لإيران بذريعة دعمها مقاومة حزب الله وحماس لإسرائيل .. ويذهب بهم ذلك مذهب التزلف علي حد الرمز الإخواني الراهن لفتحي يكن في قوله :" الصحوة الإسلامية تستمد عقيدتها من ثلاث مدارس: حسن البنا ، وسيد قطب ، والخميني.

إن ارتباطات تنظيم الإخوان المسلمين بإيران لا تقتصر على أفرع التنظيم في مصر أو ما حولها من دول عربية، بل يمتد ذلك إلى منطقة الخليج العربي، حيث لا يخفي عناصر التنظيم والمحسوبون عليه تعاطفهم مع النظام الإيراني أو أحياناً الحديث عنه على استحياء حينما يكون هذا الحديث متعلقاً بجرائم النظام. بتاريخ 28 يوليو 2017، بث تلفزيون أبوظبي برنامجاً وثائقياً تضمن اعترافات عضو تنظيم الإخوان المسلمين القطري محمود الجيدة، وورد فيه أن جماعات الإخوان المسلمين الخليجية قامت بتأسيس ما يسمى مكتب التنسيق الخليجي ليكون مظلة لجماعات الإخوان في المنطقة. وورد في الوثائقي الإماراتي أن المكتب التنسيقي الخليجي يرتبط بعنصر يمثل حلقة الوصل بين المكتب والنظام الإيراني، في دلالة على حجم الارتباط والتنسيق بين الإخوان وإيران حتى على مستوى دول الخليج العربي.

علاوة علي علاقة تنظيم "حماس" بالنظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني هي أفضل مثال على مدى قرب العلاقات بين إيران والإخوان المسلمين. تنظيم "حماس" يمثل ذراعاً عسكرية لتنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين. وقد رفع التنظيم منذ تأسيسه عام 1987 شعار تحرير فلسطين والقدس وغير ذلك، إلا أنه سرعان ما تبين أنه يسخّر جميع عناصره البشرية وقدراته خدمة لأجندة النظام الإيراني، وسرعان ما انكشفت الخيوط والحبال التي تربط أعلى كوادر التنظيم بالمرشد الأعلى الإيراني وحرسه الثوري. ولذلك، فقد عملت هذه الحركة على التحكم بالأوضاع في غزة وما دونها، وأسهمت في إلحاق الضرر الكبير بأمن الدول العربية، ومن ذلك دور "حماس" في عمليات اقتحام السجون المصرية عام 2011 وإطلاق المحكومين من تنظيم الإخوان المسلمين منها، والهجوم على أقسام الشرطة والمراكز الأمنية.

وفي دراسة لأستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت في فلسطين محمد أبو الرب بعنوان :" إيران وحماس: ما بعد انتخابات المكتب السياسي "، تناول خطاب حركة حماس، والتحولات المحتملة على منظومة علاقات الحركة بإيران وحلفائها في المنطقة، كحزب الله وسوريا بعيد انتخاب هيئة قيادية جديدة لها في فبراير (شباط) 2017، والتي أفرزت أسماء جديدة لقيادة المكتب السياسي لحماس لم تكن ضمن عضوية المجلس السابق. وتستعرض هذه الورقة المحطات الكبرى في علاقة إيران بحماس، في محاولة لاستشراف طبيعة العلاقة التي ستحكم الطرفين، خصوصاً بعد انتخاب يحيى السنوار لقيادة الحركة في قطاع غزة، فإلى أي حد ستقترب حماس من إيران أكثر في ظل قيادته؟ وإلى أي حد ستتفاوت رؤى قيادتي حماس السياسية والعسكرية من العلاقة مع إيران وملفات المنطقة الساخنة كالأزمة السورية؟ يرى الباحث أن انتخاب السنوار كان مفاجأة للمتابعين للشأن الحمساوي، خصوصاً أن الأخير خرج من سجون الاحتلال عام 2011 في صفقة تبادل الأسرى، كما أنه لأول مرة تنتخب حماس قائداً لها بخلفية عسكرية، فإسماعيل هنية وعبدالعزيز الرنتيسي والمؤسس أحمد ياسين، جميعهم من التيار المدني الدعوي لحركة حماس. كما أن انتخاب قيادة جديدة لحركة حماس وفوز يحيى السنوار فيها ينبئ -دون شك- بتقارب جديد بين الحركة وإيران، وخصوصاً أن السنوار محسوب على التيار العسكري لحماس، الذي لم يبارح مواقفه من إيران وسوريا وحزب الله، خلافا للمواقف السياسية الدبلوماسية لحماس.

وقبل أن ننهي هذا المقال الأول من حديثنا عن خصوصية العلاقة الملتبسة بين جماعة الإخوان والمسلمين والشيعة الاثنا عشرية نؤيد القول بأن تفسير سر العلاقة بين الشيعة الاثنا عشرية والإخوان المسلمين هو ان كلاهما يؤمنا بمبدأ اسلامي : ” التعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً في ما نختلف عليه.” والقاسم المشترك بين كلا الاتجاهين هو” الفكر” الوحدوى المتجسد فى هدف كلاهما تثبيت الإسلام كنظام للحكم أما دوافع الدعم الاميركي للاخوان فهو ياتي من مبدا ” دعم حركة الاخوان المسلمين في كل دولة يختلفون معها "؛ حيث تقوم فلسفة الاخوان وحزب الدعوة كلاهما على الاختباء تحت غطاء المناداة بالحريات وتحقيق العدالة وقمع الظلم ومحاربة الفساد والمظلومية. ويشتركا بسرية العمل واستخدام الاسماء الحركية التنظيمية. إن اغلب القيادات الرئيسية اي المؤسسة والامانة يرتبطون بعلاقة جيدة مع ايران.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم