آراء

ماذا نقول في الذكري السابعة والأربعين لنصر أكتوبر 1973 (2)

محمود محمد عليإن نصر السادس من أكتوبر لم يكن فقط نصرا مبينا أعاد الأرض المباركة الطيبة إلى أحضان أمها الحنون، بل كان بمثابة بعث الحياة من جديد فى الجسد العربى، الذى راهن العالم أنه لن تقوم له قائمة مرة أخرى بعد نكسة 67 التى فجعت الأمة العربية باحتلال العدو الصهيونى بمساعدة وتأمر الدول الغربية، لأجزاء كبيرة من أربع دول عربية هى مصر والأردن وسوريا وفلسطين، وبدأت الدول الغربية فى وضع سيناريو لاستغلال الوطن العربى وسرقة مقدراته والاستيلاء على موارده، ولكن جاء نصر أكتوبر العظيم ليقلب مؤامراتهم وخططهم الدنيئة رأسا على عقب، ويضخ دماء العزة والكبرياء والكرامة فى جسد الأمة العربية، فكان السادس من أكتوبر يوما فارقا فى التاريخ الحديث للأمة العربية .

إن ما قدمته العسكرية المصرية فى حرب أكتوبر المجيدة من بطولات وتضحيات سيظل مبعث فخر واعتزاز لنا ولأبنائنا ولمئات الأجيال القادمة على مدار السنين، مهما حاول الخونة والمرتزقة التشويش على عظمة هذا النصر، أو التقليل من الملحمة البطولية التى سطرها أبطال مصر على شاطئ قناة السويس بطول 170 كيلو متر، بعدما عبروا أصعب الموانع، واحتلوا نقاط العدو الحصينة فى وقت قياسى، جعلنا نصل إلى الضفة الشرقية للقناة ونقيم رؤوسا للكبارى، ونعبر بجنودنا ودباباتنا وعتادنا مع غروب شمس يوم السادس من أكتوبر، لترتيب الصفوف قبل الدخول فى أكبر معركة للدبابات يوم 8 أكتوبر 1973، كبدنا العدو خلالها أكبر خسائر فى تاريخه على مستوى الأفراد والمعدات، بعدما فتحنا عليه نيران الجحيم وتم اصطياد وحداته وعناصره المدرعة كما الفئران المذعورة.

وفي هذا اليوم الخالد في تاريخ مصر، نتوجه جميعا بالتحية لكل شهيد سالت دماؤه لتطهر أرض الفيروز من رجس المحتل، وتحية لكل جندي وضابط وقائد وضع روحه علي كفه وخاض معركة الشرف يصبو للشهادة أو النصر، تحية وتقدير وإعزاز لكل قواتنا المسلحة في ذكري انتصارها الـ47 الذي هو بمثابة عيد لمصر كلها.

إن روح أكتوبر، ما أحوجنا إليها الآن، ونحن نعيش أجواء النصر والاحتفالات، فما أحوجنا للالتفاف خلف قيادتنا السياسية، ودعم مؤسسات بلادنا، في حربها على الإرهاب، واستكمال المشروعات الوطنية والتنموية، فالحرب لم تنتهي بعد، فالأعداء خلف أسوار الوطن يتربصون بنا، فاستعيدوا "روح أكتوبر" ودعموا بلادكم، حتى يكون النصر حليفنا، وتعيش بلادنا من "نصر لنصر"، ولو "كره الحاقدون .

علينا أن نؤمن نحن المصريون ونحن نحتفل بالذكرى الـ47 لحرب أكتوبر المجيدة، بأننا نخوض حربا شرسة ضد افتراءات والشائعات الحرام لأهل الفتنة والضلال، غير عابئين بالسهام المسمومة التي تبثها تلك القنوات المأجورة، ولسان حالنا "موتوا بغيظم" ونفول لهم: سنحتفل بذكرى حرب استطاعت تحطيم أسطورة أعتى الجيوش الذى قيل عليه في يوم من الأيام أنه جيش لا يقهر، لكن أراد الله أولا والمصريون، أن تجتمع  الروح القتالية والدبلوماسية الرائعة، كى يرفرف العلم المصرى خفاقا على أراضى الفيروز، ويقف التاريخ أمام تلك الحرب معظما، وتبقى مصر محروسة دائما وأهلها في أمن وأمان، كما جاء في كتابه الحكيم "وادخلوا مصر إن شاء الله آمنين .

ولهذا، فإن رسالتنا لأهل الفتنة والضلال، أثناء احتفالنا بنصر العزة والكرامة، أن سر نجاحنا في تحقيق هذا النصر، ما زال موجود حتى الآن، وهو أن "الشعب وقواته المسلحة إيد واحدة"، فلا تنسوا هذا يوما، بعد أن أثبتت حرب 1973 للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور من خلال دقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ، ليضربوا للعالم أجمع أروع صور البطولة في الوقوف إلى جوار قواتهم المسلحة داعمين ومسانداين.. وعليكم أيضا أيها الحاقدون، أن تعلموا، مهما صنعتم من أساطير من الكذب والافتراءات، فلا تنسوا أن المصريين قادرون على تحطيم أية أسطورة كاذبة، وليس ما حدث في أكتوبر 1973 ببعيد، ألم تحطم أكذوبة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، إذ استطاع الجيش المصرى عبور قناة السويس وتدمير خط الدفاع "الإسرائيلى" الحصين المعروف بخط "بارليف"، لتكون تلك الحرب بمثابة طامة كبرى لقادة تل أبيب لدرجة أن جولدا مائير لوحت باللجوء إلى السلاح النووى لإنقاذ جيشها، وفى نفس الوقت سارعت أمريكا بمد جسر تسليح جوى "عسكرى" مباشر لمساعدة "إسرائيل" وإنقاذها.. وعليكم أن لا تنسوا أيها الحاسدون المغرضون، ما أحدثته حرب السادس من أكتوبر من إعلاء مبدأ التضامن العربى فى وجه قوى الاحتلال ومعاونيه، فهم أيضا يعلمون جيدا أن هذا المبدأ واجب وضرورة الآن في ظل الحرب الخبيثة التي تشونها يوميا عبر منابر الكذب والضلال .

ولذلك فإن احتفالنا بنصر أكتوبر ليس مجرد فرحة وغناء، ولكنه تجديد سنوى للعهد مع الوطن يعنى أننا نحافظ على مكتسباته وعلى منجزاته بأرواحنا ودمائنا، وأننا نخوض جميع المعارك المفروضة علينا وأن نقف خلف القائد جنودا أوفياء بنفس روح أكتوبر، وفى وجه كل التحديات التى تواجهنا فى المعركة الأهم وهى معركة إعادة بناء الوعى والروح الوطنية، التى تعمل جماعة الإخوان الإرهابية على قتلها بخرافات استعادة الخلافة والحاكمية والحكم على المجتمعات والجيوش الوطنية بالجاهلية والكفر، وكذلك فى حربنا على إرهاب الأفكار والمعتقدات المنحرفة وهى لا تنفصل أبدا عن حربنا على الجماعات الإرهابية المسلحة فى سيناء وعلى كل شبر من أرض مصر، ونحتاج إلى روح أكتوبر أيضا فى معركة محاربة الفساد واستعادة دولة القانون وتعظيم شأن مخالفة القوانين، بحيث نقضى تماما على الاستخفاف بالنظام وبالقانون الذى انعكس على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية انعكاسا سلبيا، ونحتاج إلى روح أكتوبر فى معركة البناء والتنمية وبذل الجهد والعرق حتى تستعيد مصر مكانتها اللائقة بها حضاريا وتاريخيا، هذه المعارك والتحديات التى يقودها القائد الفذ الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أخذ على عاتقه عدم تأجيل أو تسويف أى منها، فمصر فى الحقيقة تدفع الآن ثمنا باهظا نتيجة التسويف والتأجيل الذى اتسمت به بعض الفترات من قبل، إن العقول والهمم المصرية التى يعمل فخامة الرئيس السيسى على استنهاضها واستنفارها من أجل بناء مصر القوية الحديثة، هى العقول التى عرفت أن فكر الجماعات الملوث هو فكر هدام لا يبنى وطنا ولا ينهض بأمة، وإن سواعد أبناء مصر التى تبنى وتعمر وتسير خلف القائد الذى يعمل ليل نهار من أجل تحقيق التقدم والتحديث والتطوير اللائق بمكانة مصر، هى سواعد لا تعرف الهدم ولا الإرهاب، بل لا تتقن إلا البناء والعمل الجاد الطموح وبذل الجهد والعرق من أجل تحقيق ما ترنو إليه عين الرئيس من مستقبل مشرق زاهر للأجيال القادمة، لقد استطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يجعل الشعب المصرى بروح وعزم وصلابة نصر أكتوبر أمام مواجهة تحديات كثيرة فى هذا العصر، لأن المعركة مهما كانت لا يمكن أن يتحقق النصر فيها إلا بالشعب وبتفهم الشعب لمتطلبات الإصلاح الحقيقى وليس إصلاح الهتافات والصراخ الحنجورى والأصوات العالية، التى لا تجيد الفعل ولا الإنجاز بقدر ما تجيد الصراخ والهتاف، إننا على يقين أن عملية الإصلاح الحقيقية التى يقودها الرئيس السيسى أشبه بجراحة مؤلمة نتيجة التراكمات السالفة، لكننا ندرك مهارة الجراح ومعرفته بالداء وقدرته على إجراء الجراحة، وما علينا إلا أن نصبر صبر من يرجو حقا الشفاء من هذا الداء، وأهم ما يميز شخصية الرئيس السيسى الصدق والصراحة المطلقة مع الشعب، ولا بد أن نثمن وأن نشكر له هذه الصراحة مهما كانت قاسية مؤلمة، ولا بد أن نثق فى القيادة الحكيمة للرئيس السيسى، الذى أثبت بألف برهان حبه لوطنه وشعبه وحرصه على تحقيق العبور العظيم بمصر، نستطيع أن نطلق عليه عبور التحديث العظيم، نصر الله مصر وقائدها وشعبها.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.......................

المراجع

1- محمود محيى الدين: الإعلام الإسرائيلي في ذكرى "الهزيمة" !.. مقال.

2- محمد حبوشه: انتصار أكتوبر من قلب الوثائق الإسرائيلية.. مقال.

3- حسين يوسف: نصر أكتوبر.. حرر الأرض وصان العرض وأنقذ العرب.. مقال.

4- محمد أحمد طنطاوى: ومادام جيشُكِ يحمى حِمَاكِ ستمضى إلى النصرِ دوما خطاكِ.. مقال.

5-  أكتوبر رمز التحدى والصمود.. مقال.

6- أحمد التايب: حرب أكتوبر المجيدة.. رسائل عاجلة لأهل الفتنة والضلال.. مقال.

7- محمود عبدالراضى: روح أكتوبر.. مقال.

 

في المثقف اليوم