آراء

إلى السيّد ماكرون (4):

حسين سرمك حسنكيف رمت الشرطة الفرنسية بالمتظاهرين الجزائريين في نهر السين مربوطي الأيدي؟ - مذبحة 17 أكتوبر 1961 ضد الجالية الجزائرية بفرنسا: 300 شهيد جزائري و 400 في عداد المفقودين وما يقارب من 9260 معتقل

1943 فرنسا 1

(من شهداء مذبحة 17 أكتوبر 1961)

هدفت الجمهورية الفرنسية الخامسة إلى القضاء على الثورة، ليس داخليا فقط، بل عن طريق مخطط ” موريس بابون” للقضاء على تنظيم جبهة التحرير، وتطهير فرنسا من إرهاب جبهة التحرير، حيث منحه الجنرال “ديغول” الضوء الأخضر في التصرف إزاء تلك الشريحة الجزائرية المهاجرة، الأمر الذي جعل المسئولين الفرنسيين ينشغلون بالطريقة التي تمكّنهم من وضع حد لهؤلاء الجزائريين الذين تمرّدوا على فرنسا في الجزائر وفي عقر دارها أيضا، وكان “موريس بابون” في رأي ديغول وحكومته، القائد المناسب للمرحلة، على كسر شوكة جبهة التحرير في العاصمة الفرنسية ” باريس” .

1943 فرنسا 2

(هكذا بدأ الجزائريون مظاهرتهم السلمية في باريس)

300 شهيد جزائري و 400 في عداد المفقودين وما يقارب من 9260 معتقل

وقعت هذه المجزرة الجماعية ضد المهاجرين الجزائريين بفرنسا، وتعود وقائعها إلى يوم 5 أكتوبر 1961 حينما اصدر محافظ الشرطة بباريس ” موريس بابون ” الذي اشتهر بجرائمه العنصرية ، مرسوماً يحمل رقم 13/61 وبنص على فرض حظر التجوال على الجزائريين فقط دون باقي الأقليات من الساعة الثامنة والنصف مساءً إلى الخامسة والنصف صباحا ويحدّد شروط تنقلهم.

وهو ما دفع بفدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا إلى دعوة الجالية الجزائرية إلى تنظيم مظاهرات سلمية يوم 17 أكتوبر 1961 للتنديد بهذا المرسوم العنصري. وتمكّن في حدود الساعة الثامنة في نفس اليوم عشرات الآلاف (أكثر من 50 ألف) من الجزائريين انطلقوا من أكثر من 20 ضاحية باريسية وتمكنوا من الوصول إلى ساحة الأوبرا في قلب العاصمة باريس رافعين شعارات مؤيّدة لجبهة التحرير الوطني واستقلال الجزائر. ونظرا لسلمية الدعوة على التظاهر، فقد شارك في تلك المظاهرات الاحتجاجية عدد كبير من الأطفال والنساء إلى جانب الرجال، قدموا جميعهم من الضواحي الباريسية مثل “كليشي لاغارين“، “نانتير“، “ارجونتاي“، أوبرفيلييه“، “أنيير“، “جانفيلييه” و“كولومب” وكذا الأحياء الفقيرة في العاصمة الفرنسية.

الشرطة الفرنسية وبناء على أوامر محافظ الشرطة موريس بابون قامت بإغلاق منافذ محطات الميترو وخاصة في ساحة “الأوبرا” حيث كان من المقرر أن يلتقي المتظاهرون ويواصلون مسيرتهم الاحتجاجية في شوارع العاصمة باريس.

1943 فرنسا 3

(ولأنها سلمية شارك فيها النساء والأطفال)

* رموا بعض المعتقلين من الطائرات في البحر

وللتغطية عن فظاعة الجريمة ووحشيتها، لجأ بوليس القمع الفرنسي إلى الإلقاء بالمهاجرين الجزائريين أحياء في نهر "السين" وأعلنت السلطات الفرنسية آنذاك عن سقوط 200 ضحية، في حين أن عدد الضحايا فاق الـ500 بين قتيل ومفقود، وامتدت حصيلة الاعتقالات لتشمل 7500 شخص من مختلف الشرائح زُج بالعديد منهم بالسجون.

وقد أوردت شهادات حية أن عشرات الجثث ظلت تطفو فوق نهر السين أياما عديدة بعد تلك الليلة السوداء، وعشرات أخرى اكتشفت في غابتي بولون وفانسون، بالإضافة إلى عدد غير معروف من الجزائريين تم التخلص منهم رمياً من على متن الطائرات ليبتلعهم البحر.

وتحدثت بعض المصادر – حسب بوابة المعرفة - عن أن عدد القتلى الجزائريين تجاوز 1500 قتيل مع اختفاء 800 شخص ألقي بهم في قنوات المياه القذرة وفي نهر السين والبحر بعد أن قيدتهم الشرطة وثبتت أرجلهم في كتل إسمنتية، كما جرح نحو 7 آلاف متظاهر ما زالوا حتى اليوم يعاني الأحياء منهم من مضاعفات.

وقد استمرت الشرطة الباريسية في التنكيل والقتل لمدة 15 يوما.  ثم تمّ ترحيل نحو عشرين ألفا من الجزائريين إلى الجزائر، حيث وُضعوا هناك في المعتقلات. 

1943 فرنسا 4

(السفّاح قائد شرطة باريس موريس بابون لم يحاسبه القضاء أبداً)

* لجنة تحقيقية فرنسية: اختفى 210 من المعتقلين

وحتى السلطات الفرنسية أكدت على الإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين وحدّدت عدد القتلى بـ 210 ضحية، وأثبتت عدم تعرّض أي شرطي أو مبنى عبر شوارع العاصمة إلى التخريب من طرف المتظاهرين، وهو ما يؤكد الطبيعة السلمية للمظاهرة، فقد جاء في لجنة القوانين بالجمعية الوطنية الفرنسية التي كلفت بالتحقيق في حيثيات الأحداث برئاسة النائب ”سينار ساماريل” يوم 09 نوفمبر 1961 وللتحقيق في الحقائق التي أوردتها بعض الصحف الفرنسية حول الأساليب غير الإنسانية التي مارسها رجال الشرطة على المقبوض عليهم في المظاهرات، وهذا مما جاء في بعض الصحف: "أثناء زيارتنا لمقر الشرطة ” بفانسان ” يوم 06 نوفمبر وجدنا تناقضاً بين السجلات الخاصة بتحديد هوية المقبوض عليهم في المظاهرات ، بوجود 1710 شخص فرنسي من المسلمين (إشارة إلى الجزائريين)، وبين العدد الذي قدمه رؤساء المصلحة وهو ما يدفعنا إلى طرح استفهام حول مصير 210 منهم.

1943 فرنسا 5

(شهيد جزائري كان طافياُ في نهر السين)

* شهادات فرنسية تؤكّد جرائم الشرطة الفرنسية ورميها 120 جزائرياً في نهر السين

ويكفي ان نسجل الشهادات الفرنسية التي تقرّ بفضاعة الجريمة التي اقترفتها الشرطة الفرنسية ومنها:

(1) أصدر حوالي 300 مثقفا بيانا يدين بشدة الجرائم البشعة التي ارتكبتها جمهورية ديغول الخامسة بقيادة موريس بابون، ومن بين الموقعين على هذا البيان الفيلسوف الفرنسي المعروف ” جان بول سارتر ” و ” سيمون دو بوفوار” الذي صدر بعد المذبحة مباشرة والذي جاء فيه: "عبّر الجزائريون بكل كرامة وشجاعة عن مواقفهم من خلال مظاهرة نظموها في 17 أكتوبر 1961 احتجاجا على أعمال القمع المتزايد ضدهم والمُسلط عليهم من طرف قوى الأمن الفرنسية…، هاهم الجزائريون يموتون من جديد لا لشيء إلا لأنهم يريدون أن يعيشوا أحرارا …"

"فإنّه ليس كافٍ علينا الاقتصار على الاحتجاجات المعنوية، بل علينا أن ندعو جميع الأحزاب والهيئات النقابية والمنظمات الديمقراطية – ليس فقط لالإلحاح على الالغاء الفوري للإجراءات غير المُشرّفة والعنصرية المُتخذة ضد الجزائريين والمعلقة بفرض حظر التجول- بل يجب علينا أن نبدي تضامنا مع العمال المهاجرين الجزائريين بصورة فعّالة. وقد لاقى هذا البيان ردّا واسعا في فرنسا من طرف الصحف الفرنسية وكذا المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي الذين ساندوا ووقفوا ضد الطبقة العاملة الجزائرية في فرنسا.

1943 فرنسا 6

(شهداء جزائريون قتلتهم الشرطة الفرنسية ملقون في الشارع)

(2) ما أقرّه عدد من الشرطة المنتمين إلى التيار الجمهوري في شهادتهم التاريخية، التي تؤكد على الفعل الإجرامي الذي مارسته الشرطة الفرنسية بأمر من قيادتهم وبتوجيه من السلطات السياسية.

(3)- ما أكده بعض الفرنسيين الذين شاهدوا الأحداث عن كثب ومنهم المخرج السينمائي الشهير ” جاك بانجيل- jak- panjel” الذي قال: " بالفعل ذهبتُ وشاهدت…مظاهرات سلمية، لا تكسير لزجاج النوافذ و المحلات ولا تحطيم للسيارات…غير أنها قوبلت بقمع وحشي تجاوز حتى الصلاحيات التي يخولها القانون في هذه الأحداث.

(4)- ما جاء على لسان الصحف الفرنسية التي عبّرت عن استيائها من النتائج التي انتهت إليها المظاهرات وأكدت بعض الحالات التي تُورّط الشرطة الفرنسية في قتل وتعذيب الجزائريين، ومنها صحيفة “الليبيراسيون”- “liperation ” الصادرة بتاريخ 19 أكتوبر 1961 والتطرحت عدة تساؤلات حول حالات القتل التي تعرّض لها الجزائريون في هذه المظاهرات من خلال:

"هل صحيح بان 120 جزائرياً قد أُلقي عليهم القبض هذا الأسبوع وأُلـقي بهم في نهر الـسين ؟ هل صحـيح أنّ عددا مـن الجزائريين قد تمّ شنقهم مؤخرا في غابات الناحية الباريسية ؟ هل حقيقة أن كل ليلة يختفي جزائريون دون ان نجد لهم ولجثثهم أثرا في العيادات الصحية او مراكز الشرطة أو السجون ؟

1943 فرنسا 7

(شهيد جزائري من المذبحة)

* صحف فرنسية تؤكد رمي الجزائريين في النهر وغرقهم وحرق جثثهم  30 جزائريا غرق منهم 15 !

وكتبت صحيفة ” فرانس لسوار ” – ” le soir-France ” الصادرة في 17 اكتوبر1961 تقول:” يوم الأربعاء 18 أكتوبر كانت الساعة 23:00 ليلا بالقرب من جسر النصر حوالي 30 جزائري تم جمعهم وضربهم ثم إلقاؤهم في نهر السين من أعلى الجسر من طرف أفراد الشرطة … غرق منهم 15 شخص.

وجاء في صحيفة “l’humanité ” الصادرة في 18 أكتوبر 1961 مقال مطوّل جاء فيها :” في ليلة واحدة في شارع ( شان ديني ) تمّ اغتيال 30 جزائريا برميهم في نهر السين بعد عمليات تعذيب بشعة. تمّ جرح العديد من الجزائريين وقذفهم في نهر السين أو تركهم جرحى …وفي غابات ” فانسان ” في الدائرة الباريسية الثامنة عشر قام أعضاء من الفرقة المتخصصة للشرطة بأعمال تعذيب وحشية ضد الجزائريين وإلقاء البنزين عليهم وإشعال النار فيهم"

1943 فرنسا 8

(متظاهرون جزائريون مُحتجزون وأمامهم جثث رفاقهم على الأرض)

* شهادة مؤرخ فرنسي: جريمة ضد الإنسانية

وسبق للمؤرخ الفرنسي جون لوك اينودي أن أكد أنّ سجلات مصلحة الطب الشرعي لا تشير إلى وجود قتلى خلال مظاهرة 17 أكتوبر-تشرين الأول 1961، وهو ما أرادته الشرطة الفرنسية، لكنه أطلق وصف “الجريمة ضدّ الإنسانية” على ما حدث في ذلك اليوم. جون لوك إينودي تطرق إلى موضوع رمي جثث الجزائريين في نهر السين في العاصمة باريس سواء من الذين تمّ اعتقالهم في مقرّ الشرطة أو أولئك الذين كانوا يفرون من بطش البوليس الفرنسي خلال محاولتها تفريق المتظاهرين. كما أكد اينودي مؤلف كتاب “مشاهد حرب الجزائر في فرنسا” أن الشرطة لجأت إلى التعذيب على نطاق واسع في حق المتظاهرين الجزائريين.

1943 فرنسا 9

(متظاهرون جزائريون بأيدي الشرطة الفرنسية)

* شهادة مؤرّخَين بريطانيين

وكان القمع غاية في الضراوة والوحشية، حسب المؤرخين البريطانيين، جيم هاوس ونيل ماكماستر، اللذين وصفا ما تعرض له الجزائريون يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول في كتابهما "الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة"، بأنه "أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر".

1943 فرنسا 10

(ضرب متظاهر جزائري)

* الفرنسيون يخلّدون المجزرة بلوحة كبيرة على الجسر "من هنا رمت الشرطة الجزائريين في مهر السين"

كما أن الفرنسيين من جانبهم خلدوا مجازر 17 أكتوبر 1961 اذ وضعوا لوحة كبيرة على جسر في سان ميشال وكتب فيها “من هنا كانت ترمي الشرطة الجزائريين في نهر السين في 17 أكتوبر 1961” وقد تعرضت هذه اللوحة للتخريب من طرف غلاة الاستعمار، إلا أنه أعيد تثبيتها وهي اليوم قائمة وشاهدة على جرائم فرنسا ضد الجزائريين.

1943 فرنسا 12

* ولم يحاسب القضاء الفرنسي السفّأح على قتل الجزائريين وسَجَنَه 10 سنوات لإرساله يهوداً فرنسيين إلى معسكرات النازية!

للتذكير لم يوجه القضاء الفرنسي أيّ إدانة لمحافظ شرطة باريس السابق موريس بابون حول مسؤوليته المباشرة في مقتل أكثر 300 جزائري خلال مظاهرات 17 أكتوبر-تشرين الثاني، وتوفي دون مثوله أمام القضاء، رغم أنه قضى عقوبة السجن لمدة عشر سنوات لضلوعه في نقل يهود فرنسيين إلى معسكرات نازية خلال الحرب العالمية الثانية عندما كان محافظا لشرطة مدينة بوردو.

1943 فرنسا 12

(الطفلة الجزائرية فاطمة قتلتها الشرطة الفرنسية في مذبحة 17 أكتوبر)

* مجلس الشيوخ الفرنسي يعترف بالجريمة بعد 30 سنة !

وبعد حوالي ثلاثين سنة من الحادثة اعترف مجلس الشيوخ الفرنسي في نصّ تشريعي سنة 1998 بكون مظاهرات 17 أكتوبر 1961 انتهت بقمعها بوحشية وإدراجها في المقررات الدراسية. هذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن فرنسا تعي جيدا مسؤوليتها اتجاه ما اقترفته من جرائم، وان تقادم بها الزمان لا يمكن أن تنساه ذاكرة الشعوب، كما أن اعتراف فرنسا بهذه الجريمة هو إدانة رَفَعَتها على نفسها بنفسها.

1943 فرنسا 13

(اعتقال نساء جزائريات)

 

 

في المثقف اليوم