آراء

إلى السيّد ماكرون (6):

حسين سرمك حسنفرنسا الحرّية تدشّن نصبا تذكاريا يُمجد منظمة الجيش الفرنسي السري التي قتلت الآلاف من الجزائريين- وقانون فرنسي لتكريم الخونة والسفّاحين الذين تعاونوا مع المُحتل خلال الثورة الجزائرية

منظمة الجيش السرّي (بالفرنسية ‏L'Organisation de l'Armée secrète‏ (OAS) هي منظمة إرهابية فرنسية أُسّست في 11 فبراير 1961 بعد لقاء مدريد بين جون جاك سوسيني وبيير لاغيار. وهي تضم المواليين لأطروحة الجزائر الفرنسية بالاعتماد على العمل المسلح. أول ظهور لعلامة OAS كان على جدران الجزائر العاصمة مصحوبة بشعارات « الجزائر فرنسية وستبقى فرنسية ».

* النشأة

في 8 ماي 1958 طلب روني كوتي من الجنرال ديغول بعد حركة التمرد التي قادها دعاة وأنصار الجزائر الفرنسية والديغوليين المجموعتان لم تكن منسجمتان. يوم 4 جوان 1958 الجنرال ديغول في الجزائر العاصمة نطق مقولته الشهيرة. « لقد فهمتكم ». هذا الكلام كان موجه للجماهير التي حضرت التجمع والمتكونة من المعمرين الأوروبيين المعروفين باسم الأقدام السوداء والجزائريين أي السكان الأصليين. بعد يومين في 6 حزيران 1958 ديغول يصرخ من مدينة مستغانم في الغرب الجزائري «تحيا الجزائر الفرنسية !».

يوم 16 سبتمبر 1959 يفاجأ الأروروبيون من الأقدام السوداء الذين ذُهلوا وإستيقظوا علي خطاب ديغول المُقر بحق تقرير المصير للجزائريين. وكان نتاج هذا قيام جوزيف أورتيز بإنشاء الجبهة الوطنية الفرنسية (Front National Français) هذه الجبهة مكونة من حركيين ومتمردين ومجموعات مسلحة صغيرة من أجل الانقلاب على ديغول الذي خانهم حسب نظرتهم وخضع لمطالب الجزائريين المسلمين بالاستقلال. في إطار التنسيق المحفوف بالسرّية التقى "جون جاك سوزيني" و"بيار لغيار" يوم 10/02/1961 في مدريد لتأسيس تنظيم إرهابي جديد يحمل اسم منظمة الجيش السري.O. A. S كبديل لكل التنظيمات السياسية العاملة على ترجيح فكرة "الجزائر فرنسية"، ترأسها الجنرال المتقاعد" صالان" بمساعدة الجنرال" جوهو" و"غاردي" وسوزيني. وبعد فشل انقلاب الجنرالات الأربعة شال وجوهو وزيلر وصالان في 22/4/1961 ،شرعت الحكومة الفرنسية في عملية تفتيش وملاحقة واسعتين شملت العناصر المتطرفة ، غير أن تواطؤ بعض أجهزة الشرطة المشكلة أساسا من الأقدام السوداء حال دون نجاح العملية مما أتاح مجالا أوسع لعناصر منظمة الجيش السري وفي مقدمتهم " جوهو "، "غاردي "، "سرجون"، "فرندي "، " بيريز" ،"غودار" وغيرهم لإعادة تنظيم صفوفهم من جديد بأن قادوا سلسلة من الاتصالات المحفوفة بالسرية انتهت بعقد اجتماعات تحضيرية في متيجة والعاصمة. وعلى إثر اجتماع سري بالعاصمة في 1 حزيران 1961 تمّ تبني الهيكل التنظيمي للمنظمة المعروض من قبل العقيد غودار، حيث ألح هذا الأخير على وجوب تعميمه في كل مدينة وقطاع. كما تعتبر المنظمة البوتقة التي انصهرت فيها مختلف التنظيمات الإجرامية مثلما تضمنه أول منشور لها والداعي إلى دمج كل الحركات السرية المقاومة في التنظيم المذكور. كما تم ضبط برنامج منظمة الجيش السري ليتضمن الأهداف والوسائل، واتخذ الصليب شعارا لها.

1952 فرنسا

(اغتيال المواطنين الجزائريين من نشاطات الجيش الفرنسي السري الإرهابية)

1952 فرنسا 2

(من الجرائم الإرهابية للجيش الفرنسي السري ضد المواطنين الجزائريين)

*  جرائمها

- استهداف عدد كبير من الجزائريين من مختلف الشرائح.

- قتل المساجين في زنزانات مراكز الشرطة مثلما وقع في مركز شرطة حسين داي.

- تنفيذ سلسلة من التفجيرات قدرت بنحو2293 تفجير بالعبوات البلاستيكية خلال الفترة الممتدة ما بين سبتمبر 1961 ومارس 1962 أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 700 ضحية.

- تصعيد العمل الإجرامي للمنظمة بعد التوقيع على وقف إطلاق النار، من ذلك إطلاق عدة قذائف مدفعية على أحياء سكنية بالقصبة السفلى يوم  20 مارس 1962 أودت بحياة 24 شخصا و59 جريحا وتفجير سيارة ملغمة قرب ميناء الجزائر مما خلّف 62 قتيلا و110 جريحا في صفوف العمال (الحمالون).

- الحرق العمدي للمؤسسات منها ما أصاب مكتبة جامعة الجزائر في     7 حزيران 1962 حيث أتى على أزيد من 600 ألف كتاب.

- حرق مكاتب الضمان الاجتماعي، المدارس والمستشفيات

1952 فرنسا 3

(حرق مكتبة جامعة الجزائر)

وقد أفاد، المؤرخ صادق بن قادة في دراسة علمية اشتغل عليها لمدة 10 سنوات بدون انقطاع، أن الجرائم البشعة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري الفرنسية “ أو-آ-أس” خلّفت أزيد من 1100 ضحية من المدنيين الجزائريين بوهران بين 1961 و1962.

*  تدشين نصب تذكاري يُمجد منظمة الجيش الفرنسي السري التي قتلت الآلاف من الجزائريين

تمّ يوم 5 تموز عام 2014 بجنوب فرنسا تدشين نصب تذكاري يمجّد منظمة الجيش السري ويذكّر بالعمل الذي قامت به فرنسا في الجزائر خلال 132 سنة من الاستعمار مما أثار استنكار مناضلين مناهضين للاستعمار. وفي رسالة لنائب منطقة فار حيث سيُنصب النصب التذكاري، استنكر رئيس الجمعية الفرنسية لحماية ذاكرة ضحايا منظمة الجيش السري "جان فرانسوا قافوري" مظاهرة تهدف إلى “تثمين ارهاب منظمة الجيش السرّي“. و قال أن هذا النصب التذكاري قُدّم إلى الموقعين على انه تمجيد لعمل فرنسا في الجزائر ورد الاعتبار للماضي الاستعماري. وفي رسالة اعتبر رئيس الجمعية بأنّ النصّ المقرر كتابته على النصب التذكاري (تكريما لأولئك  الذين سقطوا لتعيش فرنسا في الجزائر) "مُدان في حد ذاته” ، وأنّ اصحاب هذا المشروع يدركون الأخطار التي تعرضهم لها هذه المبادرة ازاء ضحايا هذه المنظمة. يوصي قافوري - الذي كان والده أول موظف ضحية لمنظمة الجيش السري في ماي 1961 - نائب رئيس بلدية فار بان يرفق ترخيصه بمنع وضع أيّ عنصر يمسّ بشكل مباشر أو غير مباشر بكرامة أو شرف ضحايا منظمة الجيش السرّي و تمجيد أشخاص جعلوا أنفسهم مذنبين أو متواطئين في عمليات اغتيال واعتداءات ارتُكبت باسم منظمة الجيش السري. ومن جهته  تطرّق رئيس جمعية الخروج من الاستعمار "هنري بويو" إلى شكل آخر من “المراجعة التاريخية” تجسّدت من خلال الرغبة في اعتبار بأن الاستعمار كانت له جوانب إيجابية. وقال هذا المناضل المناهض للاستعمار أنّ “أهم و أخطر هذه الأشكال هي إرادة ردّ الاعتبار لمنظمة الجيش السري كحركة “شرعية” للدفاع عن وحدة التراب الفرنسي من خلال اعتبار الجزائر فرنسية و كذلك من خلال تكريم أولئك الذين أُدينوا لعمليات القتل التي ارتكبوها“. و يعتبر أن التدشين الرسمي للنصب التذكاري لمنطقة فار يوم 5 يوليو “يذكر بما قامت به فرنسا في الجزائر خلال 132 سنة" من مجازر ومآس.

1952 فرنسا 4

* قانون فرنسي لتكريم الخونة والسفّاحين الذين تعاونوا مع المُحتل خلال الثورة الجزائرية

قدّمت الجمعية الوطنية الفرنسية “البرلمان” مقترح قانون جديد يهدف من جهة إلى تمجيد خونة الثورة الجزائرية التحريرية من "الحركي" وعائلاتهم، ومن جهة أخرى لتمكينهم من التعويض المادي والمعنوي من طرف الأمة الفرنسية، التي وجب عليها الاعتراف بمسؤوليتها عن إهمالهم، وما تعرّضوا له عشية استقلال الجزائر.

و”الحركي” هو اسم يُطلق على جزائريين خدموا الجيش الاستعماري الفرنسي خلال ثورة التحرير الجزائرية بين عامي 1954 و1962.

ويؤكد مؤرخون أنه بعد استقلال الجزائر عام 1962 غادر إلى فرنسا نحو 60 ألف من “الحركي” وعائلاتهم مع الجيش الاستعماري.

1952 فرنسا 5

(مواطنون جزائريون قبل إعدامهم من قبل المحتلين الفرنسيين المتحضرين)

وجاء في مقترح القانون الذي قدّمه ووقّع عليه 84 نائبا فرنسا من مختلف التشكيلات السياسية، مؤرخ في 5 أفريل 2016، وتمّت إحالته على لجنة الدفاع القوات المسلحة بالبرلمان الفرنسي، أن الأمة الفرنسية تعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية في الإهمال، وما تعرّض له الحركي وعائلاتهم، وتلتزم بتعويض وإصلاح الضرر الذي تعرّضوا له، سواء كان ماديا أو معنويا، زاعما أن الحركي وعائلاتهم تعرضوا “لمجازر” عشية استقلال الجزائر، وتم فيما بعد تكديسهم في محتشدات بفرنسا.

ونصّت الوثيقة على أن التبعات المالية الناجمة عن مقترح القانون المقدم يتم تغطيتها من خلال إقرار ضريبة “رسوم” إضافية على بعض المواد في قانون الضرائب الفرنسي، وهي المواد “575 و575 أ” إضافة إلى المادة 403 من ذات القانون.

وفي عرض الأسباب التي كانت وراء تقديم مقترح القانون ورد أن 70 ألف حركي يعانون الإهمال رفقة عائلاتهم، مشيرا إلى أن فرنسا اعترفت بفضل ودور الحركي إبان الثورة الجزائرية عبر قانون 1994 المتعلق بالمرحلين ضحايا الأسر، وقانون 23 شباط 2005 المُمجد للاستعمار، لكن فرنسا وجب عليها الاعتراف بمسؤوليتها تجاه الحركي، وما تعرضوا له عشية استقلال الجزائر.

ويضاف مقترح القانون هذا إلى قانون تمجيد الاستعمار لسنة 2005، الذي كان مستفزا لمشاعر الجزائريين، بحكم أن الدور الذي كان للاستعمار الفرنسي في الجزائر كان دورا للقتل والمجازر والجهل ومحاولة لطمس الهوية ونهب الخيرات ومصادرة الأراضي وتفقير السكان، كما أن هذا المقترح لا يقل استفزازا عن قانون 2005، بحكم الدور الذي لعبه الحركى في الثورة التحريرية، والذي كان مرادفا للقتل والتعذيب، وهو ما أكده تحقيق ميداني لصحفي فرنسي نشر مؤخرا، حين أكد على أن جل الحركى انخرطوا في عمليات التعذيب وبشكل واسع.

 

الدكتور حسين سرمك حسن

 

 

في المثقف اليوم