آراء

من مظاهر التخلف.. ازدراء علم الاقتصاد والاقتصاديين

من الأمور التي يعرفها المختصون ان من بين ابرز اسباب سقوط الاتحاد السوفيتي وكامل المنظومة السوفيتية، هو ازدراء آراء الاقتصاديين الحقيقيين ومعاقبتهم مما ادى الى هجرة افضلهم الى الغرب (ليونيتف ولانگة، كأمثلة). والذين استفاد منهم الغرب كثيراً ..

لكن بلدانهم سخرت من افكارهم واعتبرتهم منظرين للرأسمالية ويريدون اشاعة القيم الرأسمالية في البلدان الاشتراكية التي تحارب الرأسمالية!!!

هكذا ولاسباب ايديولوجية تافهة تم حرمان البلدان الاشتراكية من قواعد الحساب الاقتصادي العقلاني ومن اعتماد الاسس الاقتصادية المنطقية في توزيع الاستثمارات، وصارت القرارات الاقتصادية اداة بيد السياسيين الجهلة ومن هم ينتمون الى اختصاصات اخرى (كالمهندسين والمحاسبين وغيرهم ممن كان هدفهم الاسمى ارضاء الحاكم المستبد)..

النتيجة انهم اقاموا صناعات عملاقة بدون جدوى اقتصادية وصارت عبئاً على الموازنة لانها كانت تتطلب دعماً كبيراً لكي تستمر.

خلقوا وظائف لاداعي لها للجميع وبأجور زهيدة لكي يقال انهم قضوا على البطالة.. (كان نصيب الفرد السوفيتي من الناتج المحلي الاجمالي عند سقوط الاتحاد السوفيتي بحدود ٦٦٠ دولار مقابل ٤٤٠٠٠ دولار للفرد الامريكي).

موّلوا تلك السياسات الشعبوية عن طريق استخدام الموارد الطبيعية الهائلة التي كانوا يبيعونها للعالم كمواد خام واستخدام ايراداتها لتمويل برامجهم البائسة (مثل وضع العراق الحالي)..

احد السادة الكتاب نشر موضوعاً يوم امس كان بالنسبة لي كخيبة أمل كبيرة وصدمة لاسيما وانه حظي بتقدير واعجاب عدد من القراء!!

كان الرجل يسخر من استخدام الادوات الاقتصادية للسيطرة على حركة الاقتصاد كالضريبة وسعر الصرف ويسخر من الاقتصاديين الذين يدعون الى استخدامها ويدعوهم الى ترك الامور "لليد الخفية" التي تستطيع وحدها تعديل وضع الاقتصاد وارجاعه الى حالة التوازن!!

يبدو انه لايعلم ان فكرة اليد الخفية سقطت في الثلاثينيات على أثر الكساد العظيم الذي اوشك ان يُسقط النظام الرأسمالي ويحقق نبؤة كارل ماركس بأن النظام الرأسمالي يسقط بفعل تناقضاته. لولا نظرية كينز الداعية الى تدخل الدولة عن طريق الانفاق، لسَقط النظام بالفعل.

 كان الجميع ينتظر اليد الخفية، التي دعى اليها الكاتب ودعمه مجموعة من غير الاقتصاديين، ولكن بدون جدوى الى ان تدخلت الدولة وعالجت المشكلة..

بعض الناس، سواء أكان اقتصادي او مثقف غير اقتصادي، لديهم معلومات وافكار اقتصادية قديمة تعود الى بدايات تأسيس علم الاقتصاد عندما كان منظروا الاقتصاد يحرّمون تدخل الدولة...

أنا أسأل المؤمنين بعدم تدخل الاقتصاديين وادواتهم في الحياة الاقتصادية:

 هل هنالك بلد واحد ناجح ومتقدم اقتصادياً يترك اموره لليد الخفية؟

امريكا زعيمة العالم الحر عالجت التضخم وبحزم من خلال رفع سعر الفائدة الذي أصر عليه وبثبات رئيس الاحتياطي الفدرالي (الذي هو اقتصادي) ولم يستطع حتى الرئيس الامريكي ايقافه

او التدخل في قراراته.

ألم يسمع هؤلاء السادة بالاداة الضريبية (رفعاً او خفضاً) ودورها في دفع النمو؟

ألم يسمعوا بقرارات الرئيس ترامب وتدخله في فرض ضرائب كمركية وقيود استيراد لغرض تحفيز الاقتصاد الامريكي؟

ألم يسمعوا بمفهوم حزمة التحفيز الاقتصادي التي استخدمها الرئيس اوباما لمعالجة آثار ازمة العام ٢٠٠٨؟

وبعدها استخدمها بايدن لمعالجة آثار مرض كورونا؟

الا يعلمون ان لكل رئيس امريكي مجلس استشاري اقتصادي؟

الاقتصاد وإشاعة الثقافة الاقتصادية الجادة بين الجمهور وبين السياسيين، ليست لعبة للهواة وغير المختصين.

انه فوضى اضافية تضاف لماهو موجود بالفعل من كم هائل من الفوضى على كل صعيد.

اعتراضي الاساسي على صيغة التعميم بدل التخصيص وتحديد من هو المقصود التخصيص.

لو قال بعض الاقتصاديين

او قال في العراق

لكان الأمر مفهوماً، اما التعميم وكأنه يتحدث عن العالم، فذلك غير مقبول.

وحتى لو كان يتحدث عن العراق، فأن الدعوة للاعتماد على اليد الخفية التي جاء بها آدم سمث، غير صحيحة وغير مقبولة.

***

د. صلاح حزام

في المثقف اليوم