آراء

إلى السيّد ماكرون (9):

حسين سرمك حسنفرنسا والمجازر الجماعية في الجزائر (أمثلة)

* الاحتلال الفرنسي للجزائر (5 يوليو 1830 - 5 يوليو 1962)

* ا لجزائر قبيل الاستعمار


كان للجزائر قبل الاستعمار أسطول قوي تحكم في البحر المتوسط لمدة ثلاث قرون، ومع مرور الزمن تقادم الأسطول حتى تحطم كليا في معركة نافرين في 1827 عندما ساعدت الجزائر الدولة العثمانية ولم يبقَ منه سوى خمسة سفن، فاغتنمت فرنسا الفرصة لتنفيد مشروعها الاستعماري في الجزائر. كانت الجزائر في القرن التاسع عشر كغيرها من الدول العربية تتبع الدولة العثمانية وإن كانت تبعيتها شكلية فقط .إذ كان لها عَلَمها وقوانيها واسطولها البحري الضارب في حوض البحر الأبيض المتوسط والمُسيطِر عليه ، وكانت علاقتها بالدولة العثمانية علاقة تعاون لا علاقة استعمار. بدأ الوهن يدبّ في الدولة العثمانية (الرجل المريض) وتزايّد طمع الدول الأوربية الاستعمارية فيها وفي أقاليمها حيث وقعت كلها تحت الاحتلال الاوربي بمختلف اشكاله (وصاية . حماية . انتداب . استعمار مباشر).

فرنسا، التي كانت تنوي احتلال الجزائر منذ عهد نابليون بونابرت، استعملت حادثة المروحة كذريعة لاحتلال الجزائر. فهاجمت الجزائر من ميناء طولون بحملة بلغ قوامها 37600 جندي. وصلت هذه الحملة إلى سيدي فرج في 14 يونيو 1830.

* ما هي حادثة المروحة؟

جرت الحادثة في قصر "الداي حسين" الوالي العثماني على الجزائر عندما جاء القنصل الفرنسي "بيار دوفال" إلى قصر الداي يوم عيد الفطر، وهناك طالب الداي فرنسا بدفع الديون المقدرة ب 24 مليون فرنك فرنسي، عندما ساعدت الجزائر فرنسا حين أعلنت الدول الأوروبية حصارا عليها بسبب إعلان فرنسا الثورة الفرنسية. فرد القنصل على الداي بطريقة غير لائقة بمكانته إضافة إلى أن الداي صاحب حق، فردّ الداي حسين بطرده ولوح بالمروحة. فبعث شارل العاشر بجيشه بحجة استرجاع مكانة وشرف فرنسا. وهذه الذريعة كانت السبب في الحصار على الجزائر سنة 1828 لمدة 6 أشهر وبعدها حصل الاحتلال ودخول السواحل الجزائرية.

1964 فرنسا 1

 (حادثة المروحة بين الباشا التركي الداي حسين والقنصل الفرنسي بيار دوفال والتي كانت ذريعة الحرب وتسببت في الحصار البحري على الجزائر العاصمة من قبل البحرية الفرنسية في 1827)

* السبب الحقيقي

أمّأ السبب الحقيقي فهو أنّ فكرة احتلال الجزائر أصبحت فكرة ملحة منذ أن تأسست الشركة الملكية الإفريقية الفرنسية بمينائي القالة وعنابة. خصوصا بعد أن ظهرت الأطماع البريطانية في الجزائر من خلال حملة إكسموت سنة 1816. وفي هذا الإطار كلف نابليون المهندس الفرنسي بوتان سنة 1808 م بإعداد دراسة عن الساحل الجزائري وضبط الخريطة المفصلة لأحسن موقع لإنزال الجيش على التراب الجزائري. أي أنّ الخطة الفرنسية لاحتلال الجزائر وُضعت قبل حادثة المروحة بسنوات طويلة.

* جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر: الإبادة الجماعية- أمثلة على المجازر الفرنسية في الجزائر

ارتكب جيش الاحتلال الفرنسي العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سمّاها المؤرخون بالرازيا (بالفرنسية: Razzias):

* مجزرة قبيلة العوفية في الحراش

قام العقيد ماكسيميليان جوزيف شوينبيرغ بمجازر كثيرة منها مجزرة قبيلة العوفية من 6 إلى 10 أبريل 1832م قرب الحراش. كما حدثت مجزرة عرش بن ناصر قرب مدينة شرشال والظهرة قرب الشلف.

1964 فرنسا 2

 * مجزرة بني يلمان

أو مجزرة ملوزة كما تعرف، هي مجزرة وقعت في 1957/05/28 ابان الثورة الجزائرية في منطقة مشتة القصبة ببني يلمان الواقعة شمال غرب ولاية المسيلة والتي راح ضحيتها 357 قتيلا تمت تصفيتهم ذبحا ورميا بالرصاص.

* مجازر 8 ماي 1945 : 45000 قتيل احتفلوا بانتصار الحلفاء وطالبوا بإيفاء الفرنسيين بوعودهم

وشملت معظم أرجاء الجزائر. كانت هذه المجازر القطرة التي أفاضت الكأس حيث تيقن الجزائريون أن المستعمر الفرنسي لا يفهم لغة الحوار وكل وعوده وشعاراته بالمساواة والديمقراطية هي شعارات كاذبة ، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. فكانت الشرارة التي مهدت للثورة الجزائرية. وكانت أكثرالمدن تضررا سطيف ، قالمة ، وخراطة.

1964 فرنسا 3

* الوضع في الجزائر قبل مجازر 8 ماي 1945:

كانت الجهود مبذولة بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ يناير 1945 تدعو الناس إلى التحمس لمطالب البيان. وقد انعقد مؤتمر لأحباب البيان أسفرت عنه المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكري في الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية، ثم المطالبة بإطلاق سراح القائد مصالي الحاج. وقد أدّى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولوا توقيفه عن طريق اللجان التي تنظر في الإصلاح، وكان انشغالهم بتحرير بلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص بالجزائريين ، وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية. وقد وعدوا الجزائريين أيضا إن شاركو معهم في الحرب العالمية الثانية أن يحرّروا بلادهم ، فكان الجنود الجزائريون في الصف الأول في الحرب يعني مجموعة دروع بشرية للجنود الفرنسيين، فخرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية للتعبير عن فرحه إذ وُعد من طرف المستعمر الفرنسي باستقلال بلاده. لكن هذه المظاهرات قوبات بالعنف واول ضحية لإطلاق الرصاص الحي الشهيد بوزيد سعال.

مظاهر الاحتفال بنهاية الحرب الثانية

شرع زعماء الحركة الوطنية الجزائرية بالتحضير للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية بالتظاهر. إبتداء من عيد العمال 1 أيار كان الجزائريون يحتفلون في مختلف أنحاء البلاد عن طريق تنظيم تجمعات و مسيرات ليتم إستغلالها كوسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، و نجحت المظاهرات في كل القطر الجزائري، ونادى الجزائريون بإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني الذي أُنتج خصيصا لهذه المناسبة. وكانت المظاهرات سلمية. وادّعى الفرنسيون انهم اكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الاعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين. ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 أيار ، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانا خاصا بهم ونادوا بالحرية والاستقلال بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية للمشاركة في احتفال انتصار الحلفاء.

نتائج المجازر

كان الرد بقمع المظاهرات التي نظمها الجزائريون وارتكاب المجازر في حق السكان الأصليين، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي واستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودُمرت قرى ومداشر ودواوير بأكملها. نتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45000 جزائري، دُمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها. ووصلت الإحصاءات الأجنبية إلى تقديرات أفظع بين 50000 و70000 قتيل من المدنيين العزل فكانت مجزرة بشعة على يد الفرنسيين الذي كثيرا ما تباهوا بالتحضر والحرية والإنسانية. ويعود التضارب في عدد القتلى إلى تحاشي السلطات الإستعمارية في 1945 تسجيل القتلى في سجلات الوفيات هذا إذا كانوا فعلا متوفين. لهذا السبب لازالت بعد الاستقلال طلبات تسجيل الوفيات تبت في محاكم الجزائر المستقلة لسنة 2013.

1964 فرنسا 4

 * مجزرة ملعب سكيكدة 23 آب 1955: 12000 قتيل

بعد أن تمكن جيش التحرير من توجيه ضربة خاطفة للمراكز الاستعمارية الفرنسية عبر كامل أنحاء الشمال القسنطيني في 20 آب 1955، لجأت قوات العدو والمدعمة بالمستوطنين وتوجيهات سلطاتها السياسية إلى شن عمليات انتقامية وقمعية رهيبة ضد المدنيين الجزائريين في المناطق التي شهدت الهجومات في كل من سكيكدة وعين عبيد والميلية والحروش والسمندو، خلفت مجازر جماعية بلغ عدد ضحاياها مايقارب 12 ألف جزائري ، حيث نشرت جبهة التحرير حينها قائمة اسمية لعدد الضحايا. وما يزال يتذكر احد معاصري الحدث والذي يُدعى ” بوزيد الشبل ” أحداث المجزرة حيث يقول: ” بعد هجومات المجاهدين الشاملة والخاطفة، أعلنت قوات العدو حالة الطوارئ في كامل أنحاء المدينة – أي سكيكدة – وفي حدود الساعة السادسة مساءً أعلنت قوات العدو حالة استنفار قصوى وراحت تعتقل المواطنين جماعيا، وفي البداية سيق حوالي 1500 مدني إلى ملعب كرة الطائرة تحت الضربات والرفس بمؤخرة البنادق والأيدي المرفوعة فوق الرؤوس"

…وفي يوم الأحد 21 آب 1955، شرع رئيس بلدية سكيكدة "كروفو" بالإشراف على عملية الفرز التي أسفرت عن إبادة جماعية…، في الوقت الذي سلطت فيه شتى أنواع التعذيب الوحشي على بقية المعتقلين المدنيين…ومكث الجميع في الملعب وشبح الموت يخيم على الجميع… فالكل عرضة للضرب بالخناجر والتشويه الجسدي… وكان كل من يُقتل يرمى في خنادق خُصصت للدفن الجماعي، فتحّول الملعب البلدي إلى مقبرة جماعية"

وتأتي اعترافات المجرم السفّاح "بول اوساريس" لتحكي لنا ما جرى بالتفصيل، حيث يقول: "قمنا بجمع الموتى المنتمين لجبهة التحرير المتواجدين في الشوارع وفي الملعب البلدي. كانت هناك 134 جثة مصطفة فوق أرضية الملعب وتحت حراسة جنود من الكتيبة 18، أما الذين سقطوا في الأحراش، فلم نعثر عليهم إلا بعد أيام من ذلك عن طريق الروائح الكريهة المنبعثة لأنّنا كنّا في عز شهر آب.. قمنا باستعارة جرّافة (حفّارة) وقمنا بحفر حفرة تبلغ 100 متر طولا و 2 متر عرضا و 1 متر عمقا، وقمنا بدفن الجثث… وفي الغد قدمت امرأة من مصلحة النظافة التابعة للمحافظة إلى مكتبي،… حيث قاموا بتزويدي بـ : اوكسيد الكالسيوم من اجل إخفاء الجثث"

وعن الحصيلة الإجمالية لهذه المجزرة التي حضيت مدينة سكيكدة بالنصيب الأكبر في عدد القتلى من المدنيين العزل حيث أقدمت القوات الفرنسية على إعدام 1500 مواطن ، من مختلف الأعمار بالرصاص عبر مختلف أحيائها وتجميعهم في ملعب المدينة المذكور سابقا. ونستدل كذلك بشهادة لجندي فرنسي: "إننا شرعنا نطلق الرصاص على الجميع بدون تفريق … وكان قادتنا يحدّدون الأوامر باستهداف كل العرب الذين نلقاهم… وبعد عمليات كبيرة من القتل… انتهى كل شيء.. وكانت إعدادهم هائلة لدرجة أن عددهم استوجب استعمال الجرافة"

1964 فرنسا 5

 - وقد حددت اعترافات اوساريس بعد 55 عاماً على الحادثة التي أوردها في مذكراته ما يلي:

حددت العدد الإجمالي بـ: 135 جزائرياً ومؤكدا أن معظم الضحايا من المدنيين وأنهم قتلوا بالرصاص.

- اعترف إن عملية التقتيل كانت عشوائية من خلال ماقاله: "كنا كل من نجده أمامنا نقتله وللأسف كان من بينهم الأطفال والنساء"

وهذا يثبت ان العدد الحقيقي يتجاوز ما ذكر أضعاف مضاعفة ويتقارب مع الإحصائيات الأجنبية. وتكمن الأهمية التاريخية لهذه الاعترافات كونها جاءت لرفع اللبس عن الادعاءات التي أطلقتها السلطات الفرنسية إبان الثورة التحريرية بكون الضحايا سقطوا نتيجة الهجومات التي شنها الثوار يوم 20 آب 1955.

إن هذه المجزرة ماهي إلا عيّنة لعشرات المجازر التي ارتكبتها القوات الفرنسية عبر كامل الشمال القسنطيني، كمجزرة وادي الزناتي وعين عبيد والحروش..

 

الدكتور حسين سرمك حسن

 

في المثقف اليوم