آراء

لماذا رفضت أثيوبيا الوساطة الرباعية لملف سد النهضة؟

محمود محمد عليتربط مصر والسودان علاقات قوية واستراتيجية منذ زمن بعيد، إلا أنها شهدت تطورا كبيرا على كافة الأصعدة، وخاصة بعد قيام الرئيس السيسي بزيارة مهمة للخرطوم هي الأولي له منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وهناك التقي السيسي برئيس الحكومة الانتقالية ورئيس مجلس السيادة، وفي كل هذه التحركات بدا واضحاً، أن ملف سد النهضة هو الهاجس الأكبر، فالقاهرة كما الخرطوم أعلنت رفضها لما قالت أنه سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها أديس أبابا، وكذا أي إجراءات أحادية بجانب لا تراعي مصالح دولتي المصب .

 تكرر الموقف نفسه خلال زيارة رئيس الوزراء السوداني " عبد الله حمدوك" إلي القاهرة، فيها استمع لرغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء، بتخفيف التنسيق بين البلدين وخوفهما من اعتزام أديس ابابا البدء من المرحلة الثانية لملئ سد النهضة التي يُفترض أن تكون في يوليو المقبل، ما يسعي إليه مسؤولو البلدين ألا تفعل إثيوبيا ذلك قبل الاتفاق معها، وبما يراعي مخاوفهما، فالقاهرة بحسب وزير خارجيتها "سامح شكري" تحذر ولا تكتفي بإبداء المخازف، فثمة تداعيات سلبية علي دولتي المصب، ويتمثل ذلك لا بقضم حصص البلدين المائية وحسب، بل وتهديد أمنهما المائية، وأكثر من ذلك ربما التهديد بتدمير السدود السودانية في حال غياب التنسيق بشأن تشغيل السد الإثيوبي العملاق.

 تقول إثيوبيا أن تريد حلاً يرضي دولتي المصب، لكنها بحسب هاتين الدولتين ترفض في الوقت نفسه فكرة الوساطة الرباعية وأكدت أن حل القضية ممكن بالصيغة الحالية للمفاوضات . مواقف تأتي بالتوازي مع أنباء بشأن عزم أديس أبابا ترشيد المرحلة الثانية من ملئ خزان السد في الصيف المقبل .

 وكان الناطق الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، أعلن الثلاثاء الماضي، أن أديس أبابا أبلغت الوفد الكونغولي بشأن موقفها الرافض للوساطة الرباعية وتمسكت بالوساطة الإفريقية. كما أشار إلى أن الوفد الكونغولي لم يطرح أي مبادرة حول عملية التفاوض المرتقبة بشأن سد النهضة، مشدداً على رفض إدخال أطراف أخرى في مفاوضات سد النهضة في ظل قيام وجود الوساطة الإفريقية.

 تتسارع التحركات والخطوات علي خطي أزمة سد النهضة، فالتنسيق المصري السوداني يشهد جولات متناقصة، حيث تستمر الجهود المبذولة من قبل الأطراف المعنية بسد النهضة في حل الملف، وعلي الرغم من تلك الجهود، تستمر حالة الجمود وشح الحلول في الهيمنة علي المشهد .

 في المقابل رفضت إثيوبيا مقترحاً سابقاًَ بإشراك لجنة رباعية لمفاوضات السد، تضم : الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة إلي جانب الاتحاد الإفريقي، ومع إصرار أديس أبابا علي موقفها هذا تبدو الحلول قليلة ومحدودة فما هي الخطوات المطلوبة لحلحلة هذه الأزمة؛ وما سبب التمسك المصري – السوداني للجوء للوساطة الرباعية؟

 بكل تأكيد الموقف واضح للغاية فلا يمكن بأي حال من الأحوال الاستمرار من خلال عشر سنوات من الكر والفر والمراوغات والتسويف من قبل إثيوبيا، بالإضافة إلي أن مصر والسودان قد جربا الاتحاد الإفريقي منذ عام كامل، وكانت جنوب إفريقيا كانت تلعب دور في أنها توفر غطاء للجانب الإثيوبي علي مدار العام، وسعت إلي التسويف والمراوغة هي الأخرى، وبالتالي لم تعد هناك ثقة في أن يقوم الاتحاد الإفريقي بالضغط المطلوب أو توفير كثير من استحقاقات التفاهم بين الأطراف الثلاثة، ومن هنا الحل الأمثل والأنجع هو اللجوء إلي توفير الغطاء الدولي لحل هذه الأزمة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الرهان علي الجانب الإثيوبي، وبالتالي لا بد أن يكون بالفعل وقفة علي الجانب الإثيوبي من الآن فصاعدا، واعتقد أن الجانب المصري والسوداني حددوا نهاية شهر إبريل القادم كحد أقصي لإمكانية التعاطي مع الأزمة الإثيوبية لسد النهضة، وإلا ستكون هناك خيارات أخري في قادم الأيام .

 بيد أن الموقف الإثيوبي يتعارض كلياً مع الموقفين المصري والسوداني اليوم، والتنسيق بين الخرطوم والقاهرة، يبدو أنه يدخل مرحلة جديدة، أمنياً، وعسكرياً، وسياسيا، وهنا أتساءل فأقول : فكيف سينعكس هذا التنسيق بين مصر والسودان علي حل أزمة سد النهضة، وإلي أي مدي تتطابق المواقف إزاء سد النهضة؟، وكيف يمكن ترجمة هذا التنسيق في القريب العاجل؟

 للأسف فإن الجانب الإثيوبي يثير كثير من المغالطات، حيث يتحدث هذا الجانب بأنه لا يوجد ضرر ولا ضرار وما إلي ذلك، كما أن هذا الجانب لم يقدم كثير من الوثائق الخاصة بالمخالفات الإثيوبية، ولم يريد هذا الجانب أيضا أن يحتفظ بما تم التوقيع عليه من اتفاقات دولية أبرمت في الماضي منذ عام 1902، 1929م، 1959، وبالتالي يعول هذا الجانب بأن الدولة الإثيوبية ذات سيادة، وهنا أتعجب فأقول لهذا الجانب : فهل أحد تدخل في سيادتك؟ .. وهل نهر النيل خاص بأثيوبيا فقط ؟ .. أم أن مصر والسودان دول المصب وفي نهاية الأمر سيكون هناك بالفعل كثير من بعض المواقف خاصة فيما يتعلق بتوزيع شراكة عادلة لمياه النيل .. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحدث هذا الجانب بأنه يسيطر ويهيمن وما إلي ذلك، فالمسألة ليست في أن تكون هناك فرض أمر واقع، ولا اتخاذ إجراءات أحادية الجانب .. إن إثيوبيا تمثل جزء من عشرة دول عشر دول في منطقة حوض النيل، وبالتالي ليس لها الحق في أن تكون لها السيادة والسيطرة والاستحواذ علي المياه .. إن هذا الجانب يتحدث بلا شك بلغة استعلائية وهذا ما نرفضه .. اللغة هي أن تكون مياه النيل موزعة بالتساوي وأن يكون هناك لجوء إلي الخيارات المتمثلة في الاتفاقيات الدولية الموقعة والتي تم التوقيع عليها مع حكام إثيوبيا السابقين، حتي نستطيع أن يكون التوزيع عادل وشراكة عادلة . إن مصر والسودان ليس لديهم أي اعتراض علي التنمية، فلتنمي إثيوبيا كما تريد أن تنمي، لكن في نفس لا تستطيع إثيوبيا أن تنتزع أو تجتزئ حصة مصر والسودان، أو تعبث بمياه النيل، فهذه مسألة وجودية أو تهديد وجودي للدولة المصرية والسودانية، وبالتالي عندما تستخدم إثيوبيا هذه اللغة في التسويف والمراوغة، وتقول أنه لا توجد أي تقارير، وما إلي ذلك فإن إثيوبيا تحكم علي هذا الامر من منطلق أنها لا يمكن أن تراعي مصلحة الدول الأخرى، وهذه نظرة أحادية الجانب، حيث لا يمكن القبول أو الاعتداد بها، وليست نظرة ناجعة، فعلي إثيوبيا أن تتصف بكثير من المناصفة، وأن يكون لديها درجة كبيرة من التعقل في الطرح قبل أن تتكلم إثيوبيا عن السيادة والسيطرة وما إلي ذلك، فكل هذه الأمور قد عفا عليها الزمن .

 وهنا نتساءل سؤالا آخر : عندما تقول إثيوبيا بأنها ربما لن تتراجع عن مسألة ملئ الخزان، وأن أي مرحلة لن تضر بالأطراف الأخرى، فما هي أوراق مصر والسودان لمواجهة هذا الأمر الواقع إن حصل، خاصة وأن البعض بدأ يتحدث اليوم عن وثيقة إعلان المبادئ، ولماذا تصر مصر والسودان بالتمسك بها إن كانت كما تقول إثيوبيا في حل من هذه الالتزامات، فلماذا لا تبحث القاهرة والسودان عن أدوات أخري؟

 بكل تأكيد الأدوات الأخرى قائمة ومستمرة منذ الأشهر الماضية، والجانب والمصري والسوداني معا تقدما خلال اليومين الماضيين بطلب أن يكون هناك تدخل أمريكي ومشاركة أمريكية ونفس الطلب حدث لدي الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلي طلب الأمم المتحدة وهو حاضر، وبالتالي القاهرة والخرطوم لديهم كثير من جملة تحركات، اعتقد أنها تصب في خانة الضغط وتدويل الزمة، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر هذا الدوران للمربع رقم صفر .

 وأخيرا وليس آخر نتساءل : لماذا تصر أثيوبيا علي الملئ الثاني في يوليو المقبل ولا تؤجله للعام القادم؟

والإجابة تتمثل في أن السد الذي أقامته إثيوبيا مخالف لكل الموصفات الدولية، ومن ثم إذا واقفت أثيوبيا علي الوساطة الرباعية تكون قد أدانت نفسها بنفسه، وذلك لأن سد النهضة أصلاً ممنوع إقامته من الأساس، فهو مخالف لقانون الأنهار الدولي، وقانون الأمم المتحدة نفسها، وذلك لكون إثيوبيا تمثل دولة منبع، وبالتالي لكي تبني إثيوبيا سد النهضة في دولة منبع فهذا مخالف لقانون الأنهار الدولي، وأما قانون الأمم المتحدة فهو ينص أنه علي دولة المنبع إذا ما فكرت في إقامة سدود علي أراضيها فلابد من عمل دراسات دولية شاملة وتستمر لمدة عام، ثم تُعرض تلك الدراسات علي دول المصب، وعلي دول المصب إما الموافقة أو الرفض.

 أما إثيوبيا فلم تفعل كل هذا ولم تقوم بتلك الإجراءات، وهذه من أهم الأسباب التي تجعل مصر متأكدة من أن السد ملئ بالعيوب والعورات، وهي كارثية، فهو من الممكن أن ينهار وذلك عندما يقوم بتخزين كمية كبيرة من المياه، وبالتالي ليس فقط إثيوبيا تكون المتضررة، ولكن أيضا المتضررون بالفعل السوادان ومصر ، وبالتالي وجود السد يمثل تهديد لمصر والسودان وأمنهما القومي..

 وهنا أناشد الجانب الإثيوبي بإعادةَ حساباته بكل هدوء وروية وشجاعة، وأن يرى أن المخرج من هذه الأزمة ليس مستحيلًا، ولا يتطلب مثل هذا العناد والتشدد غير المبرر، وأن يكون على قناعة بأن الأمور لن تسير على هذا النحو إلى ما لا نهاية، لأننا نتعامل مع أزمة وجود وحياة ترتبط بمصير ومستقبل أجيال قادمة في كل من مصر والسودان، وعندما نتحدث عن أزمة وجود فإن كافة الخيارات تصبح متاحة.

 أرجو من الجانب الإثيوبي أن يتمعن في قراءة التصريح الذي أدلى به الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا، ويؤكد عليه بصفة دائمة، وهو أن نهر النيل يجب أن يكون مجالًا للتعاون والتعايش والتنمية وليس أداة للصراع، كما يجب على النظام الإثيوبي أن يعلم أن مصر تعلن بوضوح وعن قناعة أنها ليست ضد التنمية الاقتصادية الإثيوبية أو ضد بناء السد، ولكن بشرط ألا يجور ذلك على الحقوق المائية للدولة المصرية التي تعتمد على مياه نهر النيل بأكثر من 95% من احتياجاتها".

 وهنا أقول مع اللواء محمد إبراهيم (في مقال له بعنوان "السد الإثيوبيّ.. هل من جديد؟" نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية): نحن نقترب من مرحلة شديدة الخطورة، وبَدْء العد التنازلي لها في ضوء اتجاه إثيوبيا للملء الثاني وهي تصم أذنيها عن أية مطالب مشروعة من دولتي المصب، ولم تعد مصر والسودان تكتفيان فقط بالمطالبة باستئناف المفاوضات، بل اتّجهتا بالتوازي لتوحيد موقفيهما المشترك، والتأكيد على أن مسألة الملء الثاني للسد تمثل تهديدًا واضحًا لأمنهما القومي، وبالتالي فإنه لا مجال أمام إثيوبيا سوى التوصل لاتفاق قبل هذا التوقيت الحرج الذي نتمنى أن يحمل بين طياته عوامل الحل وليس عوامل التوتر الذي يمكن أن يصل إلى مرحلة الانفجار إذا لم يتم التوصل إلى حل مُرْضٍ يحقق مصالح جميع الأطراف.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل

...............

1- أكرم القصاص : رسائل مصر والسودان.. وحدة المصالح والأمن القومى... مقال باليوم السابع .

2- لماذا رفضت إثيوبيا مقترح «الوساطة الرباعية» في ملف سد النهضة؟.. يوتيوب..

3- سد النهضة.. هل ينجح السيسي بتدويل الملف؟.. يوتيوب..

4- أحمد التايب: مصر والسودان .. تعاون فى كافة المجالات... مقال باليوم السابع .

5- اللواء محمد إبراهيم - في مقال له اليوم بعنوان "السد الإثيوبيّ.. هل من جديد؟" مقال نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية .

 

في المثقف اليوم