آراء

الطيب بيتي: رسالة مفتوحة من يهودية أمريكية خبيرة بالشأن الفلسطيني إلى رئيسها بايدن

الطيب بيت العلويمحتواها ودلالاتها

"سارة روي" خريجة جامعة هارفارد، وباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط ،متخصصة في الاقتصاد الفلسطيني،والإسلامولوجيا الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهي أيضا الرئيس المشارك لندوة الشرق الأوسط، برعاية مشتركة من مركز ويذرهيد للشؤون الدولية ومركز دراسات الشرق الأوسط، والرئيس المشارك لمنتدى الشرق الأوسط في مركز دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية وعضوا في الحزب الديموقراطس.

نشرت في موقع: CounterPunch News

يومه 21 من شهرماي لهذا العام، رسالة مفتوحة إلى رئيسها جو بايدن-كخبيرة في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،وفي الشأن العربي، وكيهودية من الحزب الديموقراطي :

وإليكم الترجمة الحرفية للرسالة:

عزيزي الرئيس بايدن،

أكتب إليكم عن غزة، المكان الذي أعرفه جيدا، لأنني عشت فيه ودرسته وكتبت عنه منذ 35 عامًا،وهو مكان أعتبره منزلًا آخرلي . مكان يعج بأطيب الناس وأكثرهم كرمًا –

هل سبق لك أن زرت هذا المكان؟

لكني أكتب ليس فقط كخبيرة بالمنطقة،ولكن بصفتي يهوديًة عانى والداها من المحرقة اليهودية من طرف النازية.

لدي سؤال لك سيدي الرئيس: متى يكون موت الطفل مقبولاً؟ أو ربما ينبغي أن أطرح السؤال على هذا النحو: متى يصبح موت طفل فلسطيني غير مقبول؟ لقد عانيتَ-سيدي الرئيس- من خسارة لا توصف لأطفالك، لذا فأنت في وضع أفضل من معظم الأشخاص للإجابة على أسئلتي..

في الأسبوع الماضي بعد مقتل 87 فلسطينيًا في غزة وإصابة أكثر من 500 آخرين، ذكرت أنك لم تر "ردًا مبالغًا فيه" من جانب إسرائيل على هجمات حماس الصاروخية. وكان من بين القتلى في ذلك الوقت 18 طفلاً. لم أكن أعرف أيًا منهم، ولكني أعرف أشخاصًا يعرفونهم. فهل تسمح لي من فضلك أن تشرح لأصدقائي لماذا لا يشكل موت هؤلاء الأطفال الثمانية عشر رد فعل مبالغ فيه؟

بطرحي لهذا السؤالً، يجرني لطرح سؤال آخر: يا سيادة الرئيس: كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا في غزة قبل أن تعتبررد إسرائيل مفرطًا؟ خاصة وأنك جعلت حقوق الإنسان أهم محاور حملتك الانتخابية لسياستك الخارجية؟ أريد أن أعرف حتى أتمكن من شرح ذلك لأصدقائي في غزة.

وأنا أكتب هذه الرسالة إليكم، تم قتل أكثر من 60 طفلاً فلسطينيًا على يد حكومة إسرائيل. هل هذا لا يكفي في نظركم -من الناحية الأخلاقية والإنسانية-/لانتقاد إسرائيل؟

أعرف أشخاصًا داخل حكومتنا يعملون على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أريد أن أخبركم بشيء سمعته من أحدهم عن موت أطفال غزة. أشار هذا الشخص إلى أن بعض القتلى كانوا على الأرجح من أبناء مسؤولي حماس، لذا فإن موتهم لا يهم حقًا، أي أن موتهم مقبول/أخلاقيا/. هل هذا هو الجواب على سؤالي الأول؟

هل يجب أن تكون هذه هي الطريقة التي أشرحها لأصدقائي في غزة؟ الرجاء مساعدتي هنا-سيادة الرئيس-.

إنه لأمر مأساوي أنه بعد أكثر من ثلاثة عقود من البحث والكتابة، ما زلت أجد من الضروري الدفاع عن إنسانية الفلسطينيين -وكأنهم ليسو بشرا- حتى بالنسبة لك..

شيء آخر قبل أن أنهي هذه الرسالة إذا كنت ستهتم بهذا الموضوع.

أنه أمر يتعلق بأمي. فهي عندما سُجنت في حي* لودز* اليهودي أثناء المحرقة، خاطرت بحياتها لإخفاء أطفال تم اختيارهم للترحيل إلى محتشد أوشفيتز وغيره من معسكرات الإبادة. عثر النازيون في النهاية على الأطفال فقتلوهم. لكن أمي حاولت إنقاذهم رغم أنها كانت تعلم أنها عاجزة عن فعل ذلك.

ويمكنني أن أؤكد لكم-سيدي الرئيس-، بمعرفتي لها، والتعلم منها كما فعلت طوال حياتي، كانت ستفعل الشيء نفسه لأي طفل يتعرض للتهديد، يهودي أو مسيحي أو مسلم. كانت ستصاب بالرعب من القتل المتهور للأطفال في هذا الصراع الرهيب الفلسطيني -الإسرائيلي على حد سواء، وكانت ستنتقد هذا الظلم الإسرائيلي. وهذا هو سؤالي الأخير لك: لماذا لم تفعل الشيء نفسه؟

إنتهت رسالة سارة روي. وإليكم تعليقنا:

إن أمثال هذه * الإنتفاضات الورقية* في الغرب من بعض المثقفين اليهود العلمانيين كثيرة، وكتابات بعضهم لا تخلو من الصدق والدقة، بالرغم من أنها تأتي غالبا بمثابة إستطباب نفسي وحمام تركي، تجلية لأوصاب تبكيت الضمائر، وسلوانا للعجز أمام هذا الفرانكيشتاين المرعب الذي خلقه الغرب.

قادة الغرب لن يغيروا أجنداتهم القديمة من أجل*خواطر* مثقفيهم، حتى ولو صدرت عن يهود طيبين ومسالمين.أمثال نعوم تشومسكي -وهم كُثّرْ.

ملايين الأطفال في الشرق الأوسط في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا راحوا ضحية الغرب ومخلوقه الفرانكيشتايني .

لكي لا ننسي -وإن كان الكثيرون من نخبنا السياسية والفكرية قد نسوا أو تناسوا أنه:

في 12 مايو 1996، في مقابلة تلفزيونية لقناة سي بي إس في برنامجها " ستون دقيقة "، أصدرت مادلين اليهودية الأمريكية مادلين أولبرايت -، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، هذا التصريح الشنيع تبريرا لعقويات شنيعة،معتبرة أن موت أكثر من نصف مليون طفل عراقي لا يهم بل وأضافت في مكان آخر : أن العدد لا يكفي* It's not enough.

لم تكن تلك الكلمات الجادة -سياسيا- تسرعا،أو بسبب سوء الفهم . لا، لقد كان تصريحها سياسيا ملتزما بسياسية رئيس أمريكي ديموقراطي آخر وهو رئيسها بيل كلينتون .

لقد كان تصريحا باردا ومدروسا ومباشرا، كان تعبيرًا عن فكرة كل الرؤساء الأمريكيين من ترومان عام 1948 إلى بايدن عام 2021،

و بعد ذلك تم الحفاظ على الدعم الأمريكي لمبادئ العقوبات التجارية الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية (والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأطفال في العراق وحدهـ وهذا أكثر من عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما

الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى اليوم لم تعتذر للحكومات العراقية المتتالية، لماذا ؟ لأن موت نصف مليون طفل عراقي لا يستحق ذلك الثمن؟! نعم إنهم لكذلك في أعين النخب الغربية السياسية!

بايدن كان بوق الجوقة الأمريكية زمنها في ضرب العراق. وكان من المؤيدين حينها لتصريح اولبرايت!، فلماذا تعتقدون أن ضميره سيتحرك اليوم من أجل *أمشاج* من الموتي الأبرياء في غزة؟

هل نسيتم بأنه في الذكرى الخامسة عشرة للتدخل الأمريكي في العراق، عاد بيان أولبرايت إلى الظهور من جديد. وطُرح السؤال مرة أخري على نائب الرئيس أوباما،بايدن، فيما إذا كان ذلك العدد المهول من موت الأطفال العراقيين * يستحق " ذلك العناء؟" إ فكان رد فعل يايدن أمام هذا السؤال، تأييده للعقوبات الأمريكية الصارمة بشكل مفرط، ضد ما يسمي بالدول المارقة -حسب تعبير بوش- أو الدول الفاشلة-حسب تعبير أوباما،، بأن موت ذلك العدد من الأطفال يستحق ذلك، لأنها كانت حربا-حسب تعبيره- ضد الطاغية صدام حسين ومن * أجل المكاسب الديموقراطية في العراق* ودرسا لكل دول الشرق الأوسط المعادية للديموقراطية ولإسرائيل.-هكذا!!

كان غزو العراق في الأصل إستجابة لوصية ونصائح *شيخ المستشرقين الأنغلوساكسون: بيرنارد لويس/ اليهودي المتصهين/ - لفريق بوش * -تمهيدا لمهزلة *ربيع المغفلين*- الذي إستنبته فريق أوباما -فتأمل-! بغرض تمزيق *الدول الوطنية والقومية المحيطة بإسرائيل.!!!.

لقد أدت حالة الحرب الأمريكية التي أُغرق فيها العراق، إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبلد، تشبه تماما حالة غزة اليوم. وإعادة أكبر دول الشرق الأوسط ودول الخليج وأكثرها تحضرا وثقافة التاريخ وتمدينا في التاريخ إلى القرون الأوسطية -!!

عدد القتلى في غزو الأطلسي للعراق كان يعادل أعداد الإبادات الجماعية الغربية التي ما رسها الغرب منذ قرون Kوفقا لدينيس هاليداي المعين في عام 1997 كمنسق لبرنامج الأمم المتحدة الإنساني، والذي صُدم عند وصوله إلى العراق وعاين الظروف اللامعقولة التي يعيش فيها العراقيون، ورفض في عام 1997 قيادة البعثة الأممية من جديد. أفلا تتذكرون؟

الشعوب الغربية -التي أعرفها عمليا عن كثب منذ أزيد من أربعين سنة- إستيقظت فجأة منذ عام ٢٠١٨، وتتساءل عن مدى انحراف نخبها الغربية بإضفاء الشرعية على اضطهاد شعب لشعب آخر؟ كيف نصل إلى تبرير الاستعمار والإبادة ونحن في آخر المراحل التطورية للبشرية؟، وكيف ما تزال النخب الغربية تبرر اليوم النهب وسرقة الأراضي والموارد العائدة للآخرين؟

وما يذهل الشعوب الغربية -لا الحكام- هو أن هذه الدول البلطجية الغربية، هي التي تتحدث إلي شعوبها عن الديمقراطية في كل ثانية، وهاهي قد بدأت تمارس الإرهاب والبلطجة حتى على مواطنيها ؟ وتأتمر بأوامر إسرائيل وأمريكا؟

الجماهير الشعبية في الغرب تستيقظ اليوم على حين غرة، لتكتشف أن نخبها السياسية والفكرية تكذب عليها منذ قرون.فعادت تراجع تاريخها، تحاسب نخبها، وتتثورعلى أنظمتها النيوليرالية الجديدة على هيئة ذوي السترات الصفراء في فرنسا، وسائر الثورات الحالية/ذكرتنا بثورات الربيع الأوروبي لعام 1848/ وهي ثورات إمتدت في عام 2012 من ريكيافيك بإسلاندا لى سيدني بأستراليا .

دول الغرب تتثور اليوم ضد الديكتاتورية الغربية الجديدة العولمية -كشجرة صغيرة تختبؤ وراء الغابة الكثيفة التي هي الطوفان القادم لما بعد جائحة كورونا- /وأزن كل كلمة مما أقول لأنه عنوان كتاب نشرته باللغة الفرنسية في شهر أفريل من هذا العام /

الشعوب الأوروبية تكتشف بعد مرور عقود من الزمن، أن إسرائيل ليست سوى وحش لا أكثر ولا أقل.

وأن حضارتها التليدة خلقت هذا الوحش.

وأن إسرائيل والولايات المتحدة: الإبنتان الشرعيتان لأوروبا الخالدة، هما بلاء البشرية!

وأن إسرائيل طاعون ضخم فظيع وقبيح .

رجل الشارع الغربي يصرخ اليوم مرتعبا ومتذمرا من نخبه مولولا:

إسرائيل وحش!، وحش قبيح!، وحش فتاك وخطير!.

إسرائيل: فرانكيشتان سفاك غدار!، لذا فيجب إرضاؤه بأي ثمن، قبل أن ينقلب غدا على خالقه ليرد الصاع صاعين للشعوب الأوروبية التي عذبته في الماضيين البعيد والقريب!!؟

ثم كلا وألف كلا، لن يتحرك بايدن، أوغيره من ساسة الغرب لنصرة الفلسطينيين، ولو أباد الإسرائيليون الجغرافية العربية والإسلامية ومن عليهما .!!!!

 

د. الطيب بيتي

 

 

في المثقف اليوم