آراء

محمود محمد علي: انقلاب السودان.. لماذا أطاح البرهان بالمكون المدني في السلطة؟ (2)

محمود محمد عليبيد أن خصومهم من المدنيين الذين تم الإطاحة والتنكيل بهم يتهمونه بعكس ذلك ويؤكدون أن الهدف الأساسي من خطوته هو تنصل التزام الجيش السوداني بنقل رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين في نوفمبر المقبل 2021 ؛ وماذا تعني نقل السلطة إلى المدنيين في نوفمبر المقبل إذا ما كانت ستتم.؟.. تعني أن مخاوف البرهان لا يمكن أن تتحقق، وهذه المخاوف تتمثل في أنه كان المدنيون قد بدأوا يشيرون إلى نقاط بالغة الحساسية للجيش مثل شركات الجيش المختلفة والتي يصفون بأن الجيش السوداني يديرها من أجل مصالحه بعيدا عن الدولة وكذلك اتهامهم للجيش السوداني بأنه يحاول حماية أعضاءه من المحاسبة لأن المدنيين يتهمون قيادات الجيش السوداني بكثير من الجرائم التي أُرتكبت أثناء " عمر البشير" وجرائم أخرى تمت عقب الإطاحة بالبشير حيث المدنيون يريدون تسليم البشير لمحكمة العدل الدولية في حين الجيش يرفض ذلك ومحاسبته داخل السودان .

والأمر الذي يأخذنا إلى كم هو صحيح في هذه المسألة إلى أنه من المبكر جدا لتقييم ما قام به الجيش من انقلاب علي حكومة المدنيين أن نحكم بدقة علي أيا من الفريقين (الجيش والمدنيين) ليس صحيحا لكن في هذه المواقف الملتبسة فإن كل فريق لديه دوافع متعددة وتحتاج المسألة لبعض الوقت حتى نحزم بأنه أيا من الفريقين علي صواب!.

وهذا يدفعنا إلى السؤال الثاني وهو دور القوى الإقليمية والكبرى؟.. إن القوى الإقليمية الأكثر ضلوعا في الشأن السوداني تتمثل في مصر والإمارات والسعودية ودول عربية أخري وكذلك بعض الدول الكبرى مثل الصين وروسيا فإنهم قد تجنبوا عدم الإدانة واكتفوا ببيانات تدعو إلى ضبط النفس وأن الشعب السوداني قادر علي حل مشاكله ومن ثم فإن هذه الدول ليس من مصلحتها إدانة الجيش السوداني ؛ حيث تري أنه إذا كان الخيار بين المدنيين والمجلس العسكري ، فالأقرب أن تستمر السودان تحت حكم طرف واحد قوي واضح يمكن التفاهم معه مقابل مجموعة من الأحزاب الكثيرة جدا وهي أحزاب متنافرة ولا يمكن التفاهم معها بعكس المجلس العسكري، الذي تري تلك الدول العربية تحت حكمه إلى ترحيل العشرات من المشاكل الحدودية والمائية والخطر  القادم من إثيوبيا ، والمجلس العسكري يمكن أن يقدم هذا بشكل أفضل من القوى المدنية المنقسمة على نفسها ، وعلي كل الأحوال فأن الدول العربية الثلاثة إن لم تبارك فإنها لم تمانع في خطوة عبد الفتاح البرهان لا نقول بأنه نسق معهم ولكن كان واضح جدا بأنه حصل على عدم ممانعة من هذه الدول وذلك استنتاجا .

ولا يمكن لمتابع لمجريات الأمور في السودان، بعد الانقلاب العسكري الأخير، أن يغفل مدى قوة ردود الفعل الأمريكية والأوربية (مثل وبريطانيا وفرنسا)، والتي أدانت ما فعله البرهان ، وطالبت بالإفراج عن رئيس الوزراء السوداني المدني، المحتجز حاليا عبد الله حمدوك ومن معه من المسؤولين المدنيين.

وكان البيت الأبيض الأمريكي، وفي رد فعله الأولي على أنباء الانقلاب، قد أعلن أنه يشعر بالقلق، جراء تلك الأنباء، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، إن "هذه الإجراءات تتعارض بشدة مع إرادة الشعب السوداني"، وفي تطور لاحق أعلن وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، رفض بلاده صراحةً لما أسماه "إجراءات الجيش السوداني ضد الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون".

وقال بلينكن إن الولايات المتحدة "تدين بشدة استيلاء الجيش على السلطة في السودان"، مشيرا إلى قلق واشنطن البالغ، إزاء تقارير حول استخدام قوات الأمن السودانية، الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين. مشيرا إلى أن واشنطن أمرت "على الفور"، وفي وضوء التطورات الأخيرة "بإيقاف تسليم 700 مليون دولار من صناديق الدعم الاقتصادي الطارئة إلى السودان، وكانت تهدف إلى دعم التحول الديمقراطي في البلاد".

وحول موقف إسرائيل من خلال ما فعله البرهان فلم يصدر أي تعليق عن المسؤولين الإسرائيليين على أحداث السودان، وهم يتريثون في الإدلاء بتصريحات حتى تتضح الصورة في السودان، حسب صحيفة "هآرتس".

في موقع "عمان نت"، يشير مفيد الديك إلى ردّ فعل إسرائيل تجاه الانقلاب ودورها المحتمل وراءه.

ويقول الكاتب: "تجب ملاحظة أن المكون العسكري في مجلس السيادة السوداني الذي حله البرهان في انقلابه كان متشجعًا أكثر للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما تعرفه إسرائيل تماما. وهذا يعني أن إسرائيل ستلعب دورًا لعبت مثله تماما في انقلابات عربية سابقة، أي دعم الانقلابيين مقابل علاقات أوثق مع الدولة العبرية".

ويستطرد الديك: "غير أن ذلك سيضع تل أبيب مباشرة في مواجهة مع واشنطن التي اعتبرت ما قام به البرهان صفعة شديدة لها".

وحول موقف الاتحاد الإفريقي من الانقلاب ، فقد  قرر الاتحاد الإفريقي تعليق مشاركة السودان في كافة الأنشطة الخاصة به، في ظل إطاحة العسكريين بالحكومة المدنية في هذا البلد مطلع الأسبوع الجاري، وأكد الاتحاد الإفريقي في بيان أصدره اليوم الأربعاء أن مجلس السلم والأمن التابع له تبنى هذا القرار خلال اجتماع عقده أمس، مشيرا إلى أن قرار تعليق مشاركة السودان في أنشطة الاتحاد سيظل ساري المفعول ما لم يتم استئناف السلطة الانتقالية من قبل المدنيين بالفعل في هذا البلد. وقال الاتحاد إنه "يرحّب بالإفراج عن رئيس الوزراء" عبد الله حمدوك الذي أوقفه صباح الاثنين عسكريون وأفرجوا عنه مساء الثلاثاء، و«دعا للإفراج الكامل وغير المشروط عن جميع المعتقلين، بينهم الوزراء والمسؤولون المدنيون الآخرون".

إن شعوبنا اليوم ليست في حاجة إلى خوض حروب وهمية كالتي أُعلنت في بعض البلدان، بين المدني والعسكري، بل إلى وضع حد لها.. وليست في حاجة إلى صراعات أيديولوجية كالتي أقيمت بين الإسلاميين واللائكين، أو إلى خوض معارك لا نهاية لها كالتي حملت عنوان العِرق أو الدين أو الهوية، بل إلى تجنبها… إننا اليوم، سواء أكنا في السودان أو في غيرها في حاجة إلى أطروحات تقوم على أساس الوحدة والتكامل بين الجيش والشعب أثناء الحركة، والأولوية الوظيفية أثناء الأداء والفعل. إنه من السهل اليوم زيادة تأجيج الصراع بين المدنيين والعسكريين في السودان، أو استحداث استقطاب لدى الرأي العام بين هؤلاء وهؤلاء ليسقط مزيد من الضحايا ويتم تشويه الجيش السوداني العريق، وإلحاق الضرر بالشعب السوداني الشقيق الذي بات باحثا عن أمل النجاة من منطق اليأس الذي يريدونه عنوانا دائما له يغذي الحقد والصراعات…إن المسألة تتعلق بالدرجة الأولى بوحدة جميع القوى السياسية مع الجيش السوداني لإعادة بناء مؤسسات الدولة تدريجيا بعيدا عن أي تدخل أجنبي، وبعدها ليجري التنافس داخل هذه المؤسسات، عندها تكون السودان قد خرجت من عنق الزجاج واستعادت الأمل في مستقبل واعد.

واعتقد السودان الشقيق بين طريقين، نفق الدم ودرب النجاة ، حيث إننى لا أخفى الفزع مما هو حاصل هناك، لحرصي- ضمن ملايين المصريين- على أمل استمرار التنسيق السوداني- المصري في الملفات التي تتساوى فى درجة خطورتها ومدى أهميتها للبلدين.. ملف سد النهضة ومياه النيل.. وملف الإرهاب وتجفيف منابعه، الذى كان أحدها هو الطرق والمدقات الصحراوية الواصلة بين امتداد الصحراء الغربية في غرب مصر وغرب السودان.. وملف التعاون الزراعي والغذائي، وملف التعاون في مجالات أخرى يبقى السودان فى أشد الاحتياج لها.. وأخيرًا ملف التنسيق والتعاون بين القوات المسلحة فى البلدين، حيث كانت قد بدأت مسيرة التدريبات المشتركة، ومازال تدريب منها بين قوات حرس الحدود فى البلدين مستمرًا وذلك حسب ما قاله الأستاذ أحمد جمال في مقاله السودان.. والأمل.

والغريب والعجيب والمدهش أيضا، أن الشعوب العربية لم تستوعب الدرس، رغم أن المخطط الجهنمي للشرق الأوسط الجديد قد ابتلع الكثير من مكونات المجتمعات العربية، فلو لم نكن نعيش في عصر الثورة الرقمية التي جعلت المعلومة في يديك وبين حضنك موثقة بأدلة دامغة ومتنوعة لقدمنا العذر لك أيها الشقيق المواطن في السودان  وذلك حسب قول جمال رشدي في مقاله الجيش السوداني هو الحل بالأسبوع.

إن ما يحدث في السودان هو آخر صراع المخطط الصهيوني وعلى بعد منه سد النهضة كما قال جمال رشدي ، فهذا السد باقي له شهور قليله وفيما بعد مارس ٢٠٢٢ يتحدد بشكل كبير، ما إذا كان المخطط، سينجح أم سينهار أم سيقود المنطقة لحرب ساخنة بالطبع سيكون لها توابعها على المصالح العالمية والإقليمية في المنطقة.

إن لدى الشعب السوداني وعيًا ثقافيًا رفيعًا، وفيه نخبة مثقفة متنوعة أدبيًا وفنيًا وعلميًا، ولدى السودان موارد طبيعية جبارة، وله مكانة خاصة بحكم كل ذلك، مضافًا إليه موقعه الإفريقي وعلى البحر الأحمر، ولذلك فإن الحسرة تعتصر قلب وعقل وروح أى إنسان يرى وطنًا فيه وله كل تلك الميزات وأبناؤه يصطرعون فى حلقة مفرغة.. حمى الله السودان وحفظ شعبه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..........................

المراجع

1- سيد جيبيل: انقلاب البرهان: الدوافع والعواقب. ماذا يجرى فى السودان؟.. يوتيوب.

2- عبدالرحمن الراشد: مراهنات خطيرة في السودان، مقال منشور ضمن عين الإخبارية بتاريخ الأربعاء 2021/10/27 10:50 ص بتوقيت أبوظبي.

3- أحمد الجمال : السودان.. والأمل، مقال منشور ضمن المصري اليوم بتاريخ الأربعاء 27-10-2021 03:27

4- محمد سليم قلالة: السودان: نهاية خدعة المدني والعسكري!.. مقال منشور ضمن الشروق  بتاريخ 29  أكتوبر 2021م, الموافق ل 22 ربيع الأوّل 1443هـ

 

 

في المثقف اليوم