آراء

محمود محمد علي: أزمة الطاقة في الصين وأرتفاع الأسعار العالمية

محمود محمد عليألقت أزمة الطاقة التي شهدتها الصين خلال الأيام الماضية، بظلالها على أسواق الغذاء العالمية، وفي الوقت الذي تكافح الحكومة الصينية لحل أزمة الكهرباء التي أدت إلى توقف بعض المصانع جزئيا وكليا، أبدت وكالة «بلومبرج» الأمريكية مخاوف من انعكاس تلك الأزمة على أسعار الغذاء في وقت تستعد فيه الصين لموسم حصاد الخريف.

والسؤال الآن: ما هي الأزمة الاقتصادية في الصين، وأزمة الطاقة في الاتحاد الأوربي، وأسباب ارتفاع الغاز عالميا ونتائجه وآثار هذا الارتفاع – من حيث ارتفاع أسعار الشحن الدولي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتوتر جديد بين بين الصين وروسيا، وبين الولايات المتحدة لاعتبارات مختلفة منها اختلاف علي طريقة التعامل مع طريقة التغير المناخي وقضايا تتعلق بالطاقة كما ظهر في مؤتمر جلاسكو للتغير المناخي الذي عقد في اسكتنلندا مؤخرا .. هذه الأسئلة تبدو أسئلة متفرقة، لكن قاسما مشتركا واضحا جدا لا تخطئه العين يجمعها جميعا .. ما هو هذا القاسم المشترك .. إنه التغير المناخي الذي يسيطر هاجسه على العالم كله منذ عدة سنوات، وسوف يظل كذلك لعقود مقبلة، وسوف يغير العالم بأكمله وبه سوف نتأثر في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط ..

دعونا نعرض ذلك بسؤال بسيط حيث كثير من الناس يتساؤلون على ما يجري في الصين، وهل الصين تتعرض لأزمة اقتصادية أم لا ؟ ..

لا شك في أن الصين كانت تمثل الاقتصاد الكبير الوحيد الذي خرج من أزمة جائحة كورونا دون أن يتعرض للركود، حيث استطاعت الصين التعافي من أزمة كورونا أسرع بكثير قبل اقتصادات كبيرة مثل الاقتصاد الأمريكي والأوروبي .. بيد أن الصين في الأسابيع القليلة الماضية بدأت تقابل مجموعة من المشاكل، وهذه المشاكل متعددة في تفاصيلها، ويمكن تلخيصها علي النحو التالي: المسؤولون، والإعلام الصيني، والإعلام الدولي من خلال مشكلة تتعلق بالطاقة ومشكلة تتعلق بالشحن ومشكلة خاصة بقطاع البناء والتشييد داخل الصين .. وهذه المشاكل يمكن فهمها من خلال الرجوع إلي أبعادها الحقيقية.

ففي كان كان الاقتصاد الصيني في وضع جيد جدا حتي أثناء أزمة كورونا، إلا أنه ما حدث أن العالم كله بدا يتعافي اقتصاديا من نتائج أزمة كورونا، وبالتلي بعد أن كان الاقتصاد متوقف، والطلب محدود، بدا الطلب يزيد من خلال إقبال الناس على شراء السيارات والملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية .. الخ .. والنتيجة أنه عندما تحدث زيادة في الطلب لا بد أن تسعي المصانع لتلبية هذه الزيادة على الطلب .. أي يزيد الإنتاج وهكذا فعلت الصين والتي تمثل أكبر مصانع العالم، وعندما أرادت المصانع أن تزيد من طاقتها الإنتاجية، كان لا بد لهذه الزيادة لكي تتحقق من الطلب على الطاقة، فهذه المصانع لكي تنتج فهي بلا شك تحتاج إلى طاقة .

بيد أن المصانع قد واجهتها مشكلة لم تحدث منذ سنوات طويلة في الصين، وهو أن هذه المصانع لم تجد ما يكفيها من الطاقة .. لماذا .. هناك أسباب متعددة .. لكن أبرز سبب متعلق بشكل واضح جدا بالأسباب البيئية ..

إن الصين والتي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم لديها مزيج طاقة، والصين تعتمد على الغاز بنسبة 60 %، والـ 40 % المتبقية تأتي من مصادر متعددة أخرى للطاقة، مثل محطات الكهرباء التي تعمل بالمياه، أو السدود التي تولد الكهرباء باستخدام طاقة المياه كما هو الحال في كل دول العالم، وطبعا بالإضافة إلى محطات الطاقة النووية ومحطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح .. الخ .

لذلك عندما أردت المصانع أن تزيد من طاقتها الإنتاجية، وجدت أن هناك مشكلة كبيرة في محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، لأن حكومات الأقاليم قد وضعت ضوابط تقيد استخدام الطاقة الناتجة عن الفحم والاستثمار فيه، والنتيجة هي أن المصانع عندما بدأت تزيد من طاقتها لك تجد ما يكفي من تلك الطاقة، وبخاصة الكهرباء الناتجة عن الفحم، وهذه المشكلة لم تظهر قبل ذلك وذلك لأن الطلب كان محدودا علي المنتجات المختلفة بسبب أزمة كورونا، علاوة على أن الحكومة لم تكن قد بدأت في تنفيذ تعهداتها مع المجتمع الدولى بأنها ستقلل لكثير من المواد والانبعاثات الملوثة للبيئة، ولذلك رأينا الصين أخذت تلتزم مؤخرا، وذلك بأن تكون محايدا وتعمل بالفعل على التقليل من الانبعاثات الملوثة للبيئة بحيث تصل إلى نقطة التعادل، ومن ثم لا تلوث البيئة على الإطلاق بحلول 2060، أى بعد 39 سنة من الآن ..

ولهذا رأينا أن زيادة الطلب مع بدء الحكومة في تنفيذ هذا الهدف الكبير تدريجيا، وضع قيودا على أكبر مصدر لتلوث البيئة، وهو الفحم، حيث إنه يمثل أكبر مصدر للطاقة في الصين، أي ما يعادل أكثر من 60 %، وكذلك يمثل حوالى 37 % من مزيج الطاقة العالمى لكل دول العالم .

وهنا رأينا أن المصانع الصينية اضطرت أن تلجأ إلى المصدر الثانى للطاقة، وهو الكهرباء المتولدة عن المياه، كذلك كانت هناك مشكلة أخرى، وهو أن نتيجة التغير المناخى، كان يوجد جفاف في الصين من خلال أن نسبة سقوط الأمطار قد قلت، وهذا أثر سلبا على كميات الكهرباء المتولدة من مصادر المياه، ومن ثم وجدت المصانع نفسها أمام مشكلة طاقة، ونتج عن ذلك كل توقف بعض المصانع عن الإنتاج، وانقطاع الطهرباء في بعض مدن وقري الصين، وارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، ورغبة بعض الأقاليم في تحريك أسعار الطاقة .. الخ ..

علاوة على وجود مشكلة أخرى واجهت الاقتصاد الصيني وهي تتعلق بالشحن، حيث زادت أسعار الشحن بسبب أزمة كورونا وزيادة الطلب وخاصة بعد إتعاش الاقتصاد بعد تراجع كورونا، وكذلك الاعتبارات البيئية .

والقصة باختصار هو أنه عندما ضربت كورونا العالم وتراجع الطلب وبالتالي تراجع الإنتاج لم تكن هناك مشكلة في أشعار الشحن، لكن ما حدث أنه قد بدأ يزداد الطلب وبالتاي يزيد الشحن، إلا أن حركة الشحن قد واجهتها مشاكل جديدة، نذكر منها : وهو أنه توجد كثير من الموانئ الكبرى في العالم تعرضت تعرضت لعملية إغلاقات متكررة، وهذا الإعلاق تم بسبب الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا والتي قد تصل إلى إغلاق تام ليوم أو عدة أيام، فهذا قد أدي إلى ارتباك في حركة الشحن الدولية بشكل كبير، وكذلك أدي إلى إرباك حركة السفن لتخرج من الموانئ، وحركة السفن التي تأتي إلى هذه الموانئ نفسها، ومع هذا الارتياك وزيادة الطلب، فإن هذا الطلب على السفن والحاويات أكثر من المعروض، ومن ثم يحدث على الفور نقص في الحايات والسفن التي تحملها، الأمر الذي يزيد من أسعار الشحن، علاوة على أن بعض شركات الشحن الكبرى الدولية بدأت كذلك مختارة أو مرغمة على تطوير أساطيلها بحيث تكون أكثر اتفاقا أو مراعاة للمعايير البيئية، وهو الأمر قد أحدث وضع مزيد من القيود على أساطيلها التقليدية، وكذلك عملية الإحلال والتبديل، وكل هذا أدى إلى نقص المعروض في الحاويات والسفن التى تحملها، ومن ثم بدأت تزيد أسعار الشحن .

وهناك أسباب أخرى يطول شرحها تتعلق بتقنيات سلاسل الإمداد، أي كل العمليات التي يتطلبها وصول المنتج من المصنع إلى المستهلك، وهنا لا يوجد تخزين للمنتج بالمصانع بسبب الإقبال الكثيف علي المنتج نفسه .. كل هذه الأسباب أدت إلى مشاكل للشحن تأثرت بها الصين أكثر من غيرها من دول العالم وذلك لكونها أكبر مصنع منتج في العالم .

أما فيما يخص بقطاع التشييد والبناء، وهذا القطاع مهم جدا في كل دولة، وذلك لكونه يمثل قاطرة تجر وراءها أكثر من 90 صناعة أخرى تشارك في عملية المنتج النهائي، وهذا القطاع يساهم في الناتج المحلي حوالى 30 %، وهذا القطاع يمر بأزمة منذ عدة شهور ظهرت جلية جدا مع أزمة Ever Grand ( وهي واحدة من أكبر شركات العقارات في الصين، حيث تراكمت عليها الديون حتي ديونها إلى 300 مليار دولار) وهذه تمثل نسبة دين ضخمة جدا مع عجز واضح في قدرة الشركة على سداد هذه الديون الهائلة،وإيفر جرادند هي الأكبر ولكن ليست الوحيدة، فهناك  شركات أخرى اعتمدت على الإقتراض من البنوك الصينية وغير الصينية في السنوات القليلة الماضية .

وهنا رأينا الحكومة الصينية بدات تتنبه وأرادت أن تضع قيود على عملية الإقتراض من البنوك لهذه الشركات، حتى لا تتحول أزمة إيفر جراند ورفاقها إلى فقاعة جديدة تؤدى إلى أزمة مالية أخرى على غرار ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008 و 2009 وانتشرت من خلال الولايات المتحدة للعالم كله، ولهذا أرادت الحكومة الصنية حل الأزمة،وضعت ضوابط على التموين، وهنا رأينا كل الشركات الصينية في هذا القطاع بالذات تتعرض بشكل كبير من أشكال الأزمات لإستكمال نشطاها وسداد ما عليها من مستحقات، وحدث نوع من الهلع داخل السوق المحلى في الصين، وبالتالي انتقل الهلع نفسه إلى كل الأسواق العالمية .

من خلال هذه الأسباب يعني أن الصين على مشارف الإحساس بوجود متاعب اقتصادية، وهذه المتاعب تعد مسألة وقت، حيث أخذت تفكر الصين في أن تجد شمكلة لحل مشكلة الطاقة من خلال التخفف من التزاماتها تجاه البيئة ورفع القيود التي كانت قد فرضتها محطات الكهرباء التي كانت تعمل وبالتالي بدأت تستورد مزيد من شحنات الغاز.

ويُذكر ان التضخم المصحوب بالركود هو ظاهرة اقتصادية ترتفع فيها الأسعار بينما يتباطأ النشاط التجاري، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين،، ومن ثم فإن ارتفاع في أسعار السلع العالمية ينعكس بالتبعية على السوق العالمي.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط 

..........................

هوامش

1- أنظر سيد جبيل : ماذا يحدث في العالم؟ ولماذا دعت الصين مواطنيها لتخزين المواد الأساسية؟.. يوتيوب.

2- صالح إبراهيم: مخاوف من اشتعال أسعار الغذاء بسبب أزمة الطاقة في الصين,, مقال منشور  بجريدة الوطن المصرية.. منشور بتاريخ  02:06 ص | السبت 02 أكتوبر 2021.

3- دانيال كريمر: نقص السلع: ما أسباب هذه الظاهرة التي تعصف بالكثير من بلدان العالم؟,, بي بي سي نيوز.. منشور بتاريخ بي بي سي نيوز.

 

 

 

في المثقف اليوم