قضايا

مهرجان المسرح الآخر بدون مشاركة عربية

afyf shalyotيُقام سنوياً في مدينة عكّا في فترة حلول عيد العُرش، وعلى وجه التحديد في منطقة عكا القديمة مِهرجان "المسرح الآخَر". هذا المِهرجان هو مِهرجان المسرح الأكبر في البلاد، والذي يوفّر مِنصّة للمسرَح غير المُمأسَس، الذي يمنح حريّة كاملة في العمل الإبداعيّ لجميع المشاركين في عملية الابداع المسرحي من مخرجين، كتّاب مسرحيين، ممثّلين، مصممي ديكور، مصممي ملابس وموسيقيين . تُقام في اطار المهرجان مسابقة للمسرحيات التي تعرض للمرة الأولى في إطار المهرجان ويتم توزيع الجوائز على المسرحيات الفائزة في اليوم الأخير للمهرجان، كما تُقام عروض مسرح شارع، بازارات، وأنواع فعّاليّات أخرى، هذا بالاضافة الى المسرحيات المشاركة في المهرجان كمسرحيات ضيفة.

جرت العادة أن تشارك فرق مسرحية عربية في هذا المهرجان إن كانت في إطار المسابقة أو كمسرحيات ضيفة، ومن ضمن هذه المسرحيات مسرحية "رأس المملوك جابر" للكاتب السوري سعد الله ونوس، إخراج فؤاد عوض وانتاج مسرح الكرمة، والتي شاركت في مسابقة المهرجان في العام 1989 وحصدت في حينه 3 جوائز. كما شاركت في احدى السنوات مسرحية "الباص" للمسرح الجوال في سخنين في مسابقة المهرجان، وفي العام 2010 سجّل المهرجان أكبر مشاركة عربية في تاريخه، وحصلت في حينه مسرحية "أبو أوبو في سوق اللحامين" من تأليف وإخراج وبطولة فرانسوا أبو سالم على الجائزة الأولى للمهرجان.  

إلا أنه في هذا العام يعقد مهرجان المسرح الآخر في عكا بدون أيّة مشاركة عربية، لا في إطار مسابقة المسرحيات، ولا في إطار العروض المسرحية الضيفة. والخطورة في الأمر أنه منذ نشوء هذا المهرجان في مدينة عكا في العام 1979، كان يتم مشاركة مسارح عربية في المسابقة وخارج إطار المسابقة، ولم يتم استثناء المسرح العربي منذ نشوئه إلا هذا العام وللمرة الأولى في تاريخ المهرجان، علماً أنه تقدمت عدة فرق مسرحية عربية للمشاركة في المهرجان المذكور لهذا العام.

مع تحفظي الشديد من قضية المشاركة العربية في المهرجانات الاسرائيلية والتي تكاد تكون شكلية وشبه مهمشة أصلاً، مثل مهرجان المسرح الآخر الذي اعتاد أن يستقبل سنوياً بمعدل مسرحية واحدة عربية في إطار المهرجان، وكأنه هنالك خانة للمسرح العربي يجب المحافظة عليها، للمحافظة على مصداقية المهرجان كمهرجان يتيح الفرصة للعرب بأن يشاركوا فيه. أو تخصيص ساعات بث باللغة العربية في القناتين العاشرة والثانية لأن القانون يلزمهما بذلك، ولكن القانون لا يلزمهما متى يتم بث تلك البرامج، فيتم بثها في ساعات رديئة جداً من حيث عدد المشاهدين مثل الساعة الثانية عشر ظهراً أو ما شابه، ويتم انتاج برامج تلفزيونية باللغة العربية بتكلفة مُذلّة، إذا أجرينا مقارنة بسيطة بين انتاج برنامج تلفزيوني باللغة العبرية وباللغة العربية نلاحظ أحياناً أن تكاليف انتاج حلقة واحدة من برنامج تلفزيوني باللغة العبرية يعادل انتاج برنامج تلفزيوني كامل باللغة العربية، أي بمعدل 12 – 30 حلقة تلفزيونية حسب نوع البرنامج، هل هو استعراضي أم درامي أم برنامج استضافات داخل ستوديو .  

وحتى هذه المشاركة الشكلية، والتي "على عينك يا تاجر"، أي اشتراك مسرحية عربية واحدة في مهرجان المسرح الآخر في عكا كما جرت العادة لم يتم المحافظة عليها، وهذه خطوة غير مسبوقة، وتوقيت عدم مشاركة أي مسرح عربي في المهرجان في هذا العام بالذات له دلالة سيئة، ففي هذا العام بالذات وفي ظل موجة التحريض العنصري على الجماهير العربية والثقافة العربية، ومحاولة إقحام السياسة في الفن والثقافة، فبعد ما يتعرّض له مسرح الميدان وهنالك خطر جدّي لإغلاقه، ومنع بث أفلام عن النكبة في سينماتك والمتحف الياباني في حيفا، تأتي هذه الخطوة وهذه المرة من داخل مهرجان المسرح الآخر في عكا، والذي كان من المفروض أن تكون المشاركة العربية أكبر وأوسع من أيّة سنة ماضية، للتعبير عن رفض الأصوات النشاز التي تطالب بكم الأفواه والتحريض على كل ما هو عربي.

ان المشاركة العربية في المهرجانات المسرحية الاسرائيلية وفي المسرح الاسرائيلي اليوم هي بمثابة توجيه رسالة هامة للمجتمع الاسرائيلي، وفي ظل الظروف القاسية التي يتعرض لها المجتمع العربي من تحريض وتخوين، نحن مطالبون بأن نوصل كلمتنا الى كل مكان، وبالذات للجمهور اليهودي. أن نقول كلمتنا هذا يعني أن نتحدث بصراحة، وما نقوله في الشارع العربي يجب أن نقوله في الشارع العبري، لا أن نجامل ونزحف على البطون كما يفعل البعض.

هذا ما قلته في أثناء لقائي مع إدارة المسرح البلدي في حيفا في الأسبوع الماضي، حيث دُهشت من موقف زملاء عرب يرفضون اليوم التعامل مع المسرح العبري، بعد أن غاصوا في الماضي حتى الغرق فيه، فما سر هذه الصحوة، وأي موقف مسؤول يمكن أن يقال في هذه الحالة. من المستفيد من المقاطعة وعدم المشاركة، من الذي يقودنا الى التقوقع وعدم الانكشاف على الآخر وحضارة الآخر.

وإذا عدنا لمهرجان المسرح الآخر في عكا، الذي يقام في بلد عربي يهودي، وفي وسط الأحياء العربية بالذات، كيف يمكن أن يقام بدون مشاركة عربية، أن نكون جزءاً من هذا الحدث الثقافي الفني. ففي هذا العام، وفي ظل استثناء المشاركة العربية، كمن يُدخل جسماً غريباً الى مكان آخر غريباً عنه، كمن يأتي من الدول الأوروبية الى دولة نامية في الشرق، فيحتفل لنفسه مع نفسه مستثنياً السكان الأصليين، وهذا ما يحصل الآن في مدينة عكا في مهرجان المسرح الآخر.

ربما تدعي إدارة المهرجان أنه لم يتقدم أي مسرح عربي للمشاركة في المهرجان هذا العام، أو لم يكن هنالك مسرحية عربية جديرة بالمشاركة، وهنا اسمحوا لي أن أوضح، بأن إدارة المهرجان تتحمل المسؤولية أيضاً في هذه الحالة. فحتى لو كانت هذه الاحتمالات صحيحة، كان بإمكان إدارة المهرجان وهذه وظيفتها أن تتوجه الى مسارح عربية ومسرحيين عرب وتحثهم على المشاركة وتُسهّل عملية اشتراكهم في المهرجان، أما أن يجلسوا في برجهم العاجي في تل أبيب، في مكاتبهم بعيداً عن المسارح العربية والمسرحيين العرب فهم يتحملون مسؤولية هذه النتيجة، لأنهم هم من يوجهون ويتوجهون، وإذا كان هنالك نقص معيّن في المهرجان، واجبهم يُحتّم عليهم المبادرة للإتصال وبذل الجهود لإخراج المهرجان على أفضل وجه.                

 

عفيف شليوط

 

في المثقف اليوم