قضايا

النظريات غير الأرثوذوكسية الجديدة متوسطة المدى (في ما بعد الحداثة)

صالح الرزوقبقلم: ستافروس د. مافرودياس

ترجمة: د. صالح الرزوق

لا تهتم ما بعد الحداثة بالتيارات النظرية (اللاأرثوذوكسية الجديدة ومتوسطة المدى). ومع ذلك إن سكريبانتي يشير لها بشكل سطحي ودون مبرر. ويضعها في ما بعد الماركسية - مع أنها بذاتها ليست من هذه الشريحة- ويتفق معها على رفض نظرية المراحل والأطوار، وهذا خطأ أيضا. فهذه الفكرة متأثرة أساسا بـ "ما بعد البنيوية العالمية". ولكن يمكن القول إن التبدل الراديكالي في التاريخ قد حصل، ونحن نعيش في مرحلة رأسمالية بعد حديثة (ما بعد الفوردية، والتقسيم الصناعي الثاني، إلخ). وعليه، إن عناصر ما بعد الحداثة في هذه النظريات هي انعكاس لتبدلات حقيقية وليس مجرد مقاربات نظرية فقط. وإن ما بعد البنيوية وما بعد الماركسية هي جسور للعبور إلى ما بعد الحداثة.

وتنح وهذه النظريات لتنأى بنفسها عن البنيوية (مع أنها بالتعريف هي أولى مرجعياتها)، وتوفر للوسيط حرية أوسع. وهذا أقرب لكيفية تنظير العلاقة بين الاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا. فهي ترسم مسارا متدرجا من بنيوية معتدلة نح وما بعد البنيوية لتنتهي أخيرا بما بعد الحداثة. أضف لذلك، أن النسبية في المفاهيم، وتعددية الأسباب، والانتقائية تدخل ثم تستولي على عملية التفسير والتحليل.

وأخيرا، تصبح المؤسساتية الجديدة، أولا بشكل واضح، ولاحقا بالخفاء، مصدرا أساسيا للإلهام. فهي تعترف جوهريا بعلاقاتها مع ما بعد الحداثة. ولنبدأ من لاش (1990). فه ويفترض اقتصادا سياسيا لما بعد الحداثة، حيث أن "نظاما من الدلالات" يرتبط مع "نظام من التراكم" (أحد المفهومات الأساسية في الضبط والتحكم).  وعلى هذا الأساس، يحدد الشكل الجديد للتراكم الرأسمالي والمعاد بناؤه باسم "ما بعد الفوردية" أ و"الرأسمالية غير المنظمة"، والذي تصف بأنه منعطف أ وتحول من مرحلة الانتاج والاستهلاك بالجملة وباتجاه اقتصاد الخدمات والمعلومات، والانتاج المرن، والاستهلاك المتخصص. وإذا وضعنا بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي، إن الطبقة العاملة تتقلص وتتجزأ، ويتم تحويل المقاومة إلى حركات اجتماعية غير مركزية داخل كل طبقة حيث يكون التراكم مختلف الأشكال ومتعددا، وحيث تسود الفردانية. أضف لذلك، يعتقد لاش أن هذا النظام التراكمي بعد الفوردي يتحول بإيقاعات متسارعة إلى نظام دلالي لأن كلا من أدوات وقوى الانتاج تتطلب مذراة ثقافية عوضا عن أن تكون مذراة اقتصادية. وإن قوى الانتاج بعد الآن لا تعمل بوساطة أدوات الانتاج المادية. ولكنها تحتوي على موضوعات الخطاب والاتصال بين الإدارة والأعمال، ويقترح لاش أن فرض دوائر الجودة والإرشادات على نح وواسع ه ودليل واضح، ولا يمكن إنكاره، على هذا التحول المزعوم. وبالنسبة للقارئ المطلع، إن كل هذه العناصر النظرية هي مستعارة من مقاربة التحكم والانضباط ونظرية التخصص المرن. ويدعم هذا الأسلوب بمراجع من مؤسساتية ويليامسون الكلاسيكية الجديدة ومن نظرية بيل في المجتمع بعد الصناعي. لكن ما بعد ماركسية لاكل وموف بمرجعياتها الاقتصادية المسطحة والمعزولة تضغط من أجل إقحام أنظمة لضبط التراكم. وهذا لا يعني أن النظريات الجديدة غير الأرثوذوكسية متوسطة المدى تلتصق قلبا وقالبا مع ما بعد الحداثة وما بعد الماركسية. وعلى العكس، هي تمثل اختيارا في وسط الطريق. وبالنسبة للتقليديين أصحاب المعايير فقد أدخل لايبتز علانية مفهومه عن كون من الخطابات والتمثيلات السياسية كمقابل للمفهومات الاعتيادية لنظام التراكم واتجاه التحكم المعياري. وفي كتاباته الأخيرة عمد أغليتا للتخلص من نظرية المعياريين وتبنى نظرية فوك وفي معنى السلطة، وسياق بوديارد التاريخي، ومنهجية جيرار وعمل في ظلها.

عموما إن نظرية التخصص المرن، تتبنى رؤية أكثر نسبية وتاريخانية وبهذا الاتجاه يتكلم عن تفوقها على المعايير (هيرست وزيتلين، 1991). إن الانتاج على نطاق واسع وخليفته المرن هما ابداعات تاريخية حصلت بالصدفة ولم ترث ضروريات الرأسمالية (سيبيل وزيتلين، 1985). إن إغراق السوق بنتاج قياسي بالجملة قاد إلى تبدل في أفضليات المستهلك وإلى خلق زوايا في السوق تتمركز على صفات الجودة. أضف لذلك، إن إجهاد مقدرات الفورديين التقنية وأزمة السبعينات، أدت لعودة ظهور الانتاج المرن على نطاق محدود. والتلازم تبلور لخلق بارادايم تكنولوجي جديد أساسه ماكينات مبرمجة ومرنة قادرة على الاستجابة بسرعة لتبدل الطلبات، وباستعمال عمال لهم مهارات متعددة المستويات وذلك في سياق تعاوني وتنافسي يمكن تمثيله بالمنطقة الصناعية المعاصرة التابعة للمارشالية الجديدة. والنتيجة هي عصر جديد من التخصصات المرنة. ومن المهم الإشارة إلى أن فضاء الاستهلاك و"تحريره" من ضغوط التغذية الجانبية تعتبر هي القوة الدافعة لهذه التطورات. وعليه، إن سيادة المستهلك الحقيقي تحققت، وعلاوة على ذلك إن أفضليات المستهلك قد تكونت على أساس من الحالة ومن عناصر الخطاب. وما يثير الاستغراب، أنه لم يؤخذ بعين الاعتبار نظرية بوديارد في الاستهلاك وفي مقاربة ظروف ما بعد الحداثة.

 

ترجمة: صالح الرزوق

..........................

ستافروس د. مافرودياس Stavros D. Mavroudeas يعمل في قسم الدراسات الاقتصادية، جامعة مقدونيا، سالونيك، اليونان.

 

 

 

في المثقف اليوم