قضايا

التشريح السلوكي للتطرف!!

صادق السامرائي"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..."

البقرة 143

والتطرف لغويا من الطَرَف وهو مصدر قولك طرِفتِ الناقة، إذا تطرّفت أي رعت أطراف المرعى ولم تختلط بالنوق.

والطرَف: الناحية.

وفي قوله تعالى "أقم الصلاة طرفي النهار..."   "ومن الليل فسبح وأطراف النهار..." "أو لم تروا أنا نأتي الأرض ننقضها من أطرافها".

وتطرفت الشمس: دنت من الغروب.

وتطرف الشيء: صار طرَفاً.

التطرف فعل غير مقبول إجتماعيا وسياسيا ودينيا، ويجنح إلى الشر وسفك الدماء وترويع الحياة وتدمير أركانها، وهو مرفوض في المجتمعات المعاصرة ويعدّ مثلبة حضارية، لكنه ظاهرة سلوكية لا يمكن القضاء عليها، لأنها بنت الحياة فتتوالد وتتطور معها.

وهو جزء من السلوك البشري وقد رافقه منذ الأزل .

فقابيل كان متطرفا، وهابيل معتدلا في رأيه وتصوراته، لكن قابيل قتله بعد أن أسقطه في لحظة تطرف آخر، وباء بسوءته، فانتشر رأي هابيل المعتدل وساد بعد موته .

وتطرف قابيل تواصل وتمكن من حين إلى حين، برغم ما رافقه من آلام وتأنيب ضمير وعذاب أيام.

والحياة لا يمكن لعجلاتها أن تدور بالتطرف فقط أو بالإعتدال فقط، وإنما بالتفاعل القائم بينهما.

"...ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ..." البقرة 251

وفي أيامنا نسمي التطرف Extrimism بأسماء متعددة، وكلها تشير إلى معنى واحد، وهو التمسك بآراء ووجهات نظر وإعتقادات وأفعال خارج نطاق المألوف أو المتعارف عليه بين الناس.

فالمتطرف هو الشخص الذي لديه وجهة نظر متطرفة.

أو متحمس لإعتقاده ويتمسك بوجهات نظر إجتماعية أو سياسية أو دينية متطرفة أو أنه يتعصب لذلك .

ويسمونه في الإنكليزية Fanatic، Extrimist or Radical ومعناه الشخص الذي يدعم الأفكار التي تحيد عن مجموع الآراء.

 

والصراع ما بين التطرف والتطرف، والإعتدال المتأثر بالتطرف، هو التفاعل القائم في الأرض على مر الأزمان.

والصراعات السائدة دوما هي ما بين المتطرفين، وفي ذلك إرادة كونية فاعلة، لكي تحافظ البشرية على توازنها، بسيادة الإعتدال والتفاعل الإيجابي، الذي يؤسس للحياة ويديمها.

ولهذا فالتطرف يأكل بعضه ويحافظ على نسبته اللازمة لتفوق الإعتدال عليه وبقاء الحياة. وبسبب الصراع الدائب ما بين أقطاب التطرف فإن الإعتدال دائما ينتصر عليها، ولأنها لا تمتلك حجة قوية ودافعا واضحا لمحاربة الإعتدال، فيخمد أجيجها وتتحول إلى بصيص، لكنها تتأجج وتفعل ما تفعل، عندما يكون هناك نفر متطرف مثلها لا يتزعزع عن رأيه، ويقاتل في سبيل ما يتمسك به من رؤى وتصورات، ويسعى إلى محق الآخر لكي يسود.

والتطرف والإعتدال، والتطرف والتطرف، كلها تخضع لقانون الأضداد، والتناقضات الذي يحكم مسيرة الحياة الأرضية، ويدرك ذلك كل مفكر ستراتيجي ومتأمل تأريخ، يقرأ تفاعلات السلوك البشري.

فلماذا يتم قلب الحقائق؟!

ولماذا ينتشر القول وكأن جميع المجتمعات بلا تطرف، إلا مجتمعاتنا؟!

وهذه الأقوال السائدة في عالم اليوم تجانب الحقائق وطبائع الأمور، وكأنها من نهج "أكذب، أكذب حتى يصدق الناس".

ففي كل مجتمع مهما كان وإدّعى، وفي كل دين وحزب وتجمع بشري أيا كان، هناك تطرف وهذا من سنن الحياة.

" سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" الفتح 23

فهل وجدتم بلدا واحدا في التأريخ بلا تطرف ولو للحظة واحدة؟!

أدرسوا تأريخ البشرية والأديان، وستجدون فيها التطرف السياسي والديني الإجتماعي، وغيرها التي عمت الأرض وصنعت المآسي والويلات الدامية.

فهل أن التطرف ظاهرة لابد منها؟!

لنتأمل منحنى الانتشار الطبيعيNormal Distribution Curve الذي ينطبق على الظواهر الأرضية ومن الصعب أن لا تخضع له ظاهرة ما.

وهو عبارة عن تل تم قراءته ببصيرة إحصائية واستخراج قوانين الطبيعة التي تتحكم بنا.

وكل منا يرى التلال لكنه لا يقرأها، ولا يفهم لغة الطبيعة من خلالها، فالبشر لا يقرأ المكتوب بالكلمات، فكيف يقرأ لغة الطبيعة ومفرداتها.

 

ومن خواص التل أن قاعدته عريضة وأطراف قاعدته تحافظ على بقائه وصموده أمام عوامل التعرية الطبيعية، وكلما كانت قاعدته أعرض كلما تأكد صموده.

وقاعدة التل العريضة متناسقة مع سفوحه التي تنتهي برأسه.

ولا يمكن أن يكون التل عمودا أو منقلبا، أي رأسه إلى الأسفل وقاعدته إلى الأعلى، أو أن يكون مثلثا مقلوبا أو مَعينا يقف على رأسه.

وربما قد أخذت فكرة الأهرامات من التل، للتعبير عن ظاهرة الوجود ذات القاعدة العريضة والقمة الصغيرة وتناسق التفاعل ما بينهما، حيث تتناقص القاعد كلما تحقق الارتفاع حتى تنتهي إلى نقطة.

وقبل الأهرامات كانت الزقورات، بذات المعنى والفهم للوجود والطبيعة وظواهرها الفاعلة في الحياة.

ووفقا لهذا الوعي تحقق الرمز العمراني لمعاني التل وجوهر فكرته، بالزقورات والأهرام والقباب والأقواس.

هذا التل الذي أدرك الإنسان المتبصر إن الظواهر التي يريد فهمها تخضع لقوانينه، أي قوانين التل، الذي سنقلبه إلى رسم بياتي نسميه منحنى الانتشار الطبيعي.

فماذا نقرأ في هذا المنحنى؟

المنحنى يكون متماثلا أحادي الشكل أو جرسي الشكل أو يشبه التل، والمنطقة التي تحت المنحنى تعادل ستة انحرافات معيارية Standard Deviations، وانحراف معياري واحد للبيانات حول الوسط يساوي 68%، وانحرافين معياريين للبيانات حول الوسط يساوي 95% ونسبة 99.7 % من البيانات الإحصائية تكون ضمن ثلاثة انحرافات معيارية.

وبلغة أخرى لو تخيلنا التل مثقوبا من قمته ومجوفا من داخله، وأسقطنا فيه أية ظاهرة سلوكية أو طبيعية، لوجدنا أنها تتخذ ذات القاعدة المشار إليها أعلاه في الانتشار والتوزيع البياني.

ووفقا لهذا المنحنى فأن 95% من الظواهر المعبّر عنها ببيانات إحصائية ضمن انحرافين معياريين حول الوسط أو المركز، أي كلما ابتعدنا عن المركز أو الوسط تقل القيمة الإحصائية للظاهرة، وتزداد ضغطا وانحباسا حتى نصل إلى زاويتين في نهايتي طرفي المنحنى، قيمتهما الإحصائية 4.7%، وهي تمثل مجموع الطرفين السالب (الأيسر) والموجب (الأيمن) من المنحنى، ومن هذا يكون نسبة الطرف السالب مساوية إلى 2.35%، من أي ظاهرة يمكن دراستها والنظر في قوانينها وتأثيراتها.

وعليه فأن التطرف قد يكون إيجابيا أو سلبيا.

والتطرف الإيجابي هو الذي يشمل –على سبيل المثال- النوابغ والمخترعين الذين غيروا مسار البشرية، ونقلوها خطوات كبيرة إلى الأمام، ولولاهم لما تحقق ما تحقق في الحياة، وهؤلاء يكونون أصحاب قدرات عقلية وفكرية متفوقة على المجموع البشري العام.

أما التطرف السلبي الذي يحتل الزاوية الضيقة اليسرى من المنحنى، والذي يؤلف النسبة الضئيلة، التي تحارب الصيرورة والتفاعلات الإيجابية وتستنزف الطاقات، وهو الذي يسود الحديث عنه والمساهمة بإظهاره، وكأنه النسبة السائدة وليس نسبة 2.35% السالبة.

وذلك بسبب تسليط الأضواء، وتفعيل وسائل الإعلام وتركيزها على هذه النسبة وإهمالها لنسبة 97.35%، وفي هذا خداع وتضليل كبير للعقول والنفوس، وتسخير هذا التضليل المشين لتحقيق غايات سيئة.

فلماذا يتم التغاضي عن 97.35% من أبناء المجتمع، ويتم التركيز فقط على نسبة 2.35% السالبة منهم وإعتبارها تمثل الجميع بلا إستثناء؟!

إن التركيز الكبير على هذه النسبة الضئيلة السالبة، يهدف إلى تعطيل النسبة الكبيرة السائدة، وتحجيم دورها وتحويلها إلى ضحية مرهونة بنسبة 2.35%، وذلك لدفع منحنى الانتشار الطبيعي نحو اليسار وتشويه شكله.

وفي هذا تكمن المأساة والإضطرابات وتفاعلات التفرقة والتناحر والصراعات، التي ستجعل الجميع يتوهم بأنه مهما فعل وقال، فأنه يكون سلبيا ومحكوما بالضئيل السالب الضال.

ترى هل أن التطرف تعبير مقنَّع عن الموت؟!

الموت مشكلة أزلية ومعضلة وجودية كبرى يواجهها كل مخلوق في نهر الحياة الدافق .

وقد فتش عن كنهه ومعانيه جلجامش في ملحمته الخالدة وإنتهى إلى مغالبته بالإبداع والبناء.

ووقف الفراعنة أمامه بذهول وخوف وحسبوا الإنتصار عليه بالحفاظ على الأبدان والمقتنيات وإخفائها في مقابر عظيمة في بطون الجبال والوديان، إنتظارا لعودة الروح إليها .

وأيقن البشر بأن الحياة مرحلة في مسيرة الوصول إلى ما بعد ذلك، وكأن الموجودات تتحرك نحو أفق لا تدري ما يسكن خلفه، أو كأنها تطارد الآفاق دون أن تصل إليها وتتعرف على حدودها .

ولهذا فأن الأجيال تسعى في محيطات من الأوهام والتصورات والتفاعلات، التي تبغي من ورائها تحقيق حالة الإطمئنان واليقين بالموت وربما بعشقه وتمنيه.

والكثير من السلوكيات البشرية في جوهرها وأصل دوافعها، ما هي إلا تعبيرات عن فعل الموت وسطوته وجلده للمخلوق لكي يمضي في الطريق المؤدية إليه، وبما أن الموت حتمي فأن الكثير من البشر قد اختار نهايته، وعبّر عنها بأفعاله وقررها لنفسه بوعي أو غير وعي منه.

وبسبب سلطة الموت ودوافعه المهيمنة على أعماق اللاوعي البشري، فأن سلوكياتنا تكون محكومة بقوانينه وتقررها تعاليمه، المنصوص عليها في دساتير البقاء والفناء، بين كفي الأزل والأبد، وما بين قبضة الضياء والظلام.

وهناك الكثير ممن لديهم طاقة الموت المستعرة، والتي تدفع بهم إلى تبني خيارات تحقق مراميها وتنجز أهدافها وتعلي شأنها وقيمتها.

ولهذا ترانا نميل إلى التطرف وربما يصعب علينا أن نتوسط ونتفاعل مع الأيام بإعتدال وإتزان، لأن ذلك يتنافى وإرادة الموت المتأكدة في كياننا، رغم ما نظهره من حب زائف للحياة.

فندخن بشراهة، ونشرب بإسراف، ونأكل حتى التخمة، ولا نشبع من أي شيئ، بل نبقى نركض خلف سراب الغرائز التي لا يمكننا أن نرضيها، فنمعن في السلوك الذي يؤذينا ويدفع بنا سريعا إلى الموت.

وإرادة الموت فاعلة فينا ومقيمة في أعماقنا، ولهذا فهي تنتصر على أكثر من مليون إنسان منا كل عام، وتجعلهم ينتحرون ويتخلصون من الحياة التي أثقلت أرواحهم ونفوسهم.

وفي كل ما نسلكه ترانا نجد أعذارا وتبريرات وممكنات لتأكيد السلوك الذي يقضي علينا.

فنتحدث عن الإدمان ونعطي للذي يتعاطى الخمر والحشيش والهيروين والكوكائين والمنشطات والمهدئات ملايين الأعذار لكي يتواصل هذا السلوك ويتحقق الموت.

وبين سلوك الموت اليومي والتطرف علاقة وثيقة، لأن المتطرف في كل شيئ، إنما هو يميل إلى الموت قبل الأوان ويساهم في بناء مملكة الآلام والأحزان، لأن الحياة ما عادت ذات قيمة ومعنى في رأيه وعقيدته السوداء أو الحمقاء، وسميها بكل إسم إلا الإعتدال والحكمة والعقل.

الذي يأكل بشراهة ويصاب بالبدانة وأمراضها، متطرف

الذي يدخن كثيرا جدا متطرف

الذي يعبّر عن طمعه وحبه الشديد للمال متطرف

الذي يرى بأن ما يفكر به هو الأصدق والصواب المطلق متطرف

وكل فعل خارج عن سياق السلامة والأمان متطرف

والحقيقة أن الإنسان تتحرك في أعماقه عواصف التطرف والإنحياز لإرادة الموت، ويسميها بأسماء ويعطيها عناوين، كالبطولة والشجاعة وغيرها الكثير، والتي تعبّر في واقع جوهرها عن صوت الموت وإرادة الرحيل.

نعم إن الإنسان يموت، وكل مخلوق يموت، ولكن لماذا يتطرف لكي يموت؟

هل أن الموت يكون أكثر لذة بالسلوك المتطرف؟

وهل أن الخوف من النهاية المريرة تستدعينا لكي ننتصر عليها باختيار غيرها ورسم معالمها؟ 

التطرف تعبير شرس عن الموت، ورقصة متوحشة على مسرح الحياة، تهدف إلى الخروج منها بإبداعات فنائية فائقة الخيال.

وقد جسد الإنسان التطرف في أبشع صوره، ومارسه بحماسة وإندفاع متدفق لا يعرف الهدوء والإعتدال.

ولهذا فأن أفعال التطرف المعاصرة ستتفوق على خيال البشر، لتوفر الوسائل المتجددة والأفكار المدمرة بعناصرها ومفرداتها ومهاراتها وعلومها ومبتكراتها المرعبة، وستكون مثل باقي المخترعات التي تجاوزت قدرات التصور والنظر!

والمشكلة التي تواجه البشرية، أن السلوك المتطرف يزداد قوة وتأثيرا، والسلوك المعتدل لا يُعطى له دور وتأثير، ذلك أن وسائل الإعلام تساهم بقوة في تغذية التطرف، لأنه مادتها الإخبارية والتسويقية، لجذب الملايين.

فما قيمة خبر معتدل؟

بينما الخبر المتطرف يتصدر جميع وسائل الإعلام، وهذا يمنح السلوك المتطرف طاقات إدامة وتعزيز وتثمين وتحفيز، حيث يجد المتطرف أن ما يقوم به يؤثر على البشرية، وتتناوله وسائل الإعلام بسرعة مذهلة وفورية.

حتى أصبح السلوك المتطرف من أقصر الطرق إلى الشهرة ودخول التأريخ!!

وهذا يعني أن البشرية بما إمتلكته من قدرات تواصل وإتصال، تساهم في تنمية الإتجاهات المتطرفة في كل شيئ، مما سيؤدي إلى زيادة الميل للتطرف، والذي سيدفع إلى حرب هائلة لابد منها لإخماد نيران التطرف السقرية.

فتنمية ثقافة التطرف وتسويغها والميل نحوها بسبب طوفان العولمة، وما أوجدته من آليات دفاعية كانت كامنة في الأعماق البشرية، أو معطلة، قد أسهمت في زيادة حدة التفاعلات المتطرفة وتنوعها .

كما أن إصابة المجتمع البشري بإضطرابات أميبية، تهدف إلى زعزعة الكيانات وتقسيم الحالات، وتجزأة كل مجزّأ، وإسقاط ما هو قائم، وإقتلاع ما هو ثابت، قد أطلق طاقات الرعب والخوف والقلق وفقدان الأمان، وهذه العواطف يتم إستثمارها لتحقيق أقصى درجات السلوك المتطرف اللازم لتحقيق القدرة على السيطرة والتأثير في المحيط، لتأكيد الشعور بالقوة والبقاء.

فكل حالة تهددت أصابها التطرف فتطرفت!!

ولا يُستثنى من ذلك دين، حزب، فئة، طائفة، مذهب، أو جماعة، وغيرها من المسميات والكيانات الموجودة في الحياة. 

فالتطرف عند البعض قد يكون الخيار الوحيد للشعور بالقوة والقدرة على التأثير والإحساس بالبقاء.

وكما هو معروف فأن الإنتماء العقائدي المطلق الغير قابل للمراجعة، والتقييم والتفاعل مع المتغيرات الزمانية والمكانية، هو جوهر التطرف، إضافة إلى التوجه نحو التعدد والتقسّم وتكاثر الظواهر والحالات، مما يتسبب في زيادة نسبة التطرف.

ويبدو أن مسيرة التطرف تسعى بإتجاه تشويه منحنى الإنتشار الطبيعي اللازم للحياة الأصلح، مما سيؤدي إلى وجوب حرب كونية لإعادة توازنه وتناسقه، وهذا ما يلوح في أفق الأحداث الأرضية المحتدمة بتطوراتها ومنطلقاتها وتفاعلاتها الصاخبة؟!!

فهل أن الساحة قد أصبحت رحبة للتطرف، ومؤهلة للحرب؟!!

ما يستوجب هذا التساؤل أن الأصوليات الدينية عندما تتنامى وتستفحل، فأن السلوك العدواني العنيف يتزايد وينتشر في الرقعة الجغرافية التي تتمكن فيها، ويتجاوزها إلى الدنيا كلها وفقا لما بلغناه من قدرات التواصل والتفاعل السريع.

فالأصوليات الدينية لها دورها المؤثر والفعال في إنطلاق السلوك العنيف المدمر للذات والموضوع، لأنها عبارة عن طاقات عدوانية مضغوطة ومحقونة بإنفعالية متأججة وعواطف سلبية حارقة ومدمرة، تستحوذ على حواس المصاب بها وتلغي عقله وتقضي على مداركه.

والأصولية بآلياتها التفاعلية التي تقدّس الفرد الذي يكون على رأسها وتذعن له، وتتعبد في محراب إرادته ونفسه المفلوتة الرغبات، وتجعل من المصابين بها كالأرقام أو الدمى التي تحركها إرادة الفاعل فيها، وكأنها موجودات منوّمة أو منقطعة عن الحياة، ومؤهلة للإقدام على ما لا يخطر على بال من البشائع السلوكية، فهي الحاضنة العظمى للعدوانية المتفاقمة بمسمياتها المتنوعة والمتجددة، والتي تهدف إلى الخراب والدمار وسفك الدماء والإستثمار في الآثام.

والأصولية تصنع تيارات فاعلة في المجتمعات وتجرف معها الموجودات لشدة تدفقها وجنون حماسها وإستعار عواطفها، ولا يمكن الإنتصار عليها إلا بتيار يقظوي إستنهاضي تنويري معاصر ينطلق من تفاعل المختصين بالعلوم النفسية والمفكرين والفلاسفة وذوي المعارف والثقافات الأخرى، ويجب أن يقترن بإرادة سياسية ذات قدرة على الإقدام والجرأة والتنفيذ.

أما القول بالإقتراب الإختصاصي الإنفرادي من الحالة فأنه سيواجَه بفشل حنمي، فهذه الظاهرة لا يمكن مواجهتها بالعلوم النفسية وحسب، وإنما بجمهرة من التفاعلات المعاصرة المرتكزة على الإجراءات المدروسة والخبرة السلوكية الموسوعية الشاملة. 

ويبدو أن البشرية في حالة الصدمة ولهذا يخيم عليها التخبط والإستجابات الإنعكاسية، التي تأتي في مقدمتها الإنقضاض على الحالة وكأنها جديدة وليست قائمة في دنيا البشر منذ الأزل.

أكتفي بهذا القدر من النظر، فالمسألة تحتاج إلى مؤتمرات ودراسات وكتب وإجراءات فورية صارمة وحازمة، مثلما نواجه أية حالة مرضية وبائية ذات خطورة عالية جدا.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم