قضايا

الاعلام العربي وبناء الوعي السياسي

احمد شحيمطيقال أن الاعلام بمثابة السلطة الرابعة في المراقبة والتوجيه. وتنبيه الفاعل للمشكلات القائمة للبحث عن حلول ممكنة في معالجة الازمات والوضعيات الصعبة .عمل تكميلي ومجال للنقد وتعرية الواقع . وتوجيه السياسة ومراقبة الفاعل السياسي في سلوكه السياسي وتقريب الاحداث من المواطن . وبناء جسور للعلاقة التواصلية بين الحكومات والشعوب. ولن يصبح الاعلام بهذا المستوى الا في ظل اعتراف الدول بالأدوار والوظائف التي يمارسها الاعلام في مجتمعات دينامية . منطقها الحرية السياسية والاعلام الحر بدون رقابة. وانتقاء الممكن من الاخبار بدون تزييف الحقائق . وبدون تقديم المغالطات المشبوهة للرأي العام. في عالم المواكبة والمتابعة من قبل الاعلام للأحداث المحلية والعالمية. تلتقط العدسات الاخبار من عين المكان وعبر الاقمار الاصطناعية. ومن خلال الاستناد على مصادر معينة . ومنهم المراقبون وأصحاب القرار والفاعلون في المشهد السياسي والاجتماعي والخبراء وشهود عيان. فالسبق الاعلامي والاستحواذ على نسب عالية من المشاهدة وتأليب الرأي في قضايا بناء على رؤية ذات أبعاد . فلا يخلو الاعلام العالمي من أجندات كامنة في العمل من خلال الاهداف والنوايا الخفية والواضحة في صناعة الرأي العام .وتنميط السلوك لغايات استهلاكية وتمرير قرارات . أي الاعلام كمحلال يقيس درجة الاستيعاب. القبول أو الرفض للسياسات. وتوجيه العقول والاجساد نحو تقبل الرأي السياسي وتوليد الحقائق لغايات. فالإعلام الرسمي والاعلام الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والصور العابرة من امكنة معينة والحقائق التي تروم صناعة الراي العالمي عن قضايا جوهرية تتعلق بالوعي والحقيقة والثقافة والسياسة والهيمنة وصناعة الفكر في بعده الليبرالي. ليس الاعلام الغربي بريئا أو محايدا في اللعب على صناعة الثقافة بمقياس السيطرة وتمويه الرأي العالمي في قضايا عدة . اعلام حبيس الشركات الكبرى ومخططات الدولة الاستراتيجية والبعيدة المدى . يتوجه الى صناعة الرأي والهيمنة كما يعتبر المال قطب أساسي في بناء رؤى الاعلام الدولي . ورسم السياسة العالمية في التحريض والتعبئة وتمويل الانشطة الاعلامية في الداخل والخارج .CNN و NBCوABC و CBSنماذج للقنوات الكبرى المسيطرة في الولايات المتحدة الامريكية .

المتأمل في الاعلام العربي في العقود الاخيرة يدرك هذا السيل من تناسل القنوات الفضائية. وما يسمى بالإعلام الحر . قنوات عربية على منوال القنوات العالمية الامريكية والبريطانية. وتناسل القنوات الناطقة باللغة العربية في البلدان الغربية خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر. رغبة أكيدة من صناع القرار السياسي في العالم الغربي لأجل الانفتاح على العالم العربي والتقرب أكثر للفهم والمعرفة. وذلك من خلال شبكة من المراسلين والمحللين للرصد ومناقشة مشاكلنا بجرأة في اعادة الاعتبار للأصوات المخالفة. واللعب على المكبوت والمنسي من القول . قضايا الدين والتدين والارهاب والعنف. وأزمات السياسة وما يتعلق بالإبداع . أصبحت هذه القنوات منفتحة بشكل جدي. وقدمت عدة برامج سياسية وثقافية . كما حاولت النفاد الى عمق المجتمعات العربية في تشخيص الازمات . وفي العالم العربي ظهرت قنوات اعلامية ضخمة التكاليف . ومتنوعة الاطر المتمرسة في القنوات الغربية . فالمشكلة في الاعلام العربي أنه موجه من قوى مهيمنة ومسيطرة وفق أجندات سياسية بعيدة المدى . لا تنشد التغيير في قواعد اللعبة السياسية داخل اوطان بعينها . ولا تلتف على الخيار الديمقراطي في نقل الشعوب العربية من التفرد والتسلط . واحتكار السلطة نحو الاذعان لمنطق التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وازالة الانظمة العسكرية . التي اصبحت من زمن الماضي البعيد في الغرب . فقد وجد العالم العربي نفسه في حراك شعبي ومطالب الجماهير بالدولة المدنية الديمقراطية . السبيل الوحيد للخروج من افة الاستبداد في قبول الحاكم بالقوانين السائدة في الدول الديمقراطية . من المطالب المشروعة تنحي الجيوش عن الحكم وتسليم السلطة للشعب من خلال الدعوة لانتخابات حرة ونزيهة. تسللت الحركات الاسلامية الاخوانية للحكم في التفافها على اليات واساليب الحكم الديمقراطي من خلال تشكيك الناس في الاطراف الاخرى بدعوى العلمانية والخوف على القيم من الفكر الدخيل الساعي للتقويض وبالتالي بث هواجس الخوف في نفوس الناس حتى أصبحت المعركة ثقافية وليست سياسية . فالفضائيات العربية كرست لهذا الاختلاف والانقسام في التشكيك والنقد لنوايا الاطراف حيزا لذلك كمادة دسمة للنقاش والحوار. فالحركات الاسلامية ممثلة في احزاب ذات مرجعية اسلامية في كل من مصر والمغرب وتونس وليبيا والطرف الاخر الذي تمثله مجموعة من القوى الداعية للدولة المدنية وللخيار الدمقراطي. وتنزيل كل اليات الدولة بدون نواقص كسبيل للعبور نحو التقدم .

خرجت الجماهير العربية الواسعة من "الربيع العربي" الى ادانة الاعلام الرسمي . الموجه بالأيديولوجية الرسمية . الذي سعى للحفاظ على الاوضاع السائدة وتحميل الجمهور المسؤولية. أو على الاقل شريحة منه في اشعال شرارة العنف. كان الاعلام العربي في رسالته واضحا بين نقل الوقائع وبين التمويه والتغليف للحقائق. وتنزيل الآراء والصور الممكنة من عين المكان. يلعب هذا الاعلام على أوتار العامل النفسي والسياسي للزيادة في حدة الرفض للوضع السياسي القائم بين الحكومات والشعوب . من الاهداف فضح الحاكم المتشبث بالسلطة ومنطق التوريث . والفساد الذي يستشري في مفاصل الدولة وفي وعي الحاكم الذي تشبث بالسلطة وسيج محيطه بكل اليات الرقابة. وتمكن من تعطيل الدساتير وتكيفها لأغراض ذاتية نفعية . انها الشرعية التي تنادي أن تكون الحكومات منتخبة من قبل الشعب. وأن تتحول الارادة العامة الى فعل حقيقي في ممارسة الفعل السياسي أي ازالة مجموعة من الظواهر والعوائق التي تخترق هذا العالم. وتعرقل ديناميته في النمو والتقدم. اللافت للنظر أن الاعلام العربي الوان واطياف . اعلام مسيس وموجه بالأهداف والغايات . يسكت عن الحراك الشعبي في اماكن معينة. ويزداد لهيبا وشراسة في دول بذاتها. يريد هذا النوع من الاعلام مسايرة ايقاع الحراك الذي يميل نحو تميكن التيار الاسلامي من السلطة. في حملة ضد التيارات القومية والعلمانية وضد العسكر أو العكس كذلك في حملات اعلامية ضد التيار الاسلامي وصعود الاخوان المسلمين في دول معينة . هذا التحريض الاعلامي وهذا الانقسام في وظائفه وادواره أرسى فكرة يقينية عند المشاهد العربي تتعلق بالزيف الاعلامي والحقيقة الواهية التي تنقل من المكان . تحول هذا الاعلام العربي بكل امكانياته المادية واللامادية الى مشكلة بالنسبة للمتتبع. وكذلك بالنسبة للشعوب التواقة للحرية والدولة المدنية. فمن مخاطر الاعلام الموجه أن يعكس مصالح وهيمنة القوى المتحكمة في الشأن السياسي .عندما يلجأ الى عملية التمويه وتشويه الحقائق بالصور والارقام . وفي مضمون هذا النوع من الاعلام عدم الايمان بأصالة المطالب في التغيير . وعدم التناسب بين الخطاب الواضح والنوايا الكامنة . فاحترام المشاهد العربي من أولويات هذا الاعلام في الرفع من وعيه السياسي. ومعرفة الحقيقة بالنقل مباشر والتغطية المستفيضة. تكذيب الاخبار الشائعة في الاعلام المزيف من خلال التكامل بين القنوات الاعلامية الرزينة وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها .هناك حاجة ملحة لإعادة بناء الوعي العربي سياسيا واجتماعيا وثقافيا كفرد وجماعة من خلال اعادة النظر في مرامي الاعلام الحر .

نلوم الاعلام العربي في الرقابة الداخلية على الاخبار. وتنقية المتاح والمسموح من التداول والمشاهدة .المقص والمنع وتحييد بعض المجالات والقضايا من الكلام. وانتقاء البرامج وتغطية الاماكن الممكنة . فلا نلوم الاعلام العربي اذا كان يشكو من المضايقات . ومتابعة الصحفيين والتضييق على عملهم من قبل الاجهزة الامنية . وقوى أخرى مضادة للحرية الاعلامية في العالم العربي طالما يصبح الاعلام مزعجا في حالة المساس بالمصالح الخاصة بالأفراد والجماعات والدول. من شدة ذكاء المشاهد يعرف بالتمام مراوغات الاعلام في القضايا الجوهرية .عندما تهيمن مجموعات الضغط على الخط التحريري للقناة أو يتجه الاعلام صوب جهات معادية . يتساءل هذا الجمهور عن الجدوى من هذا الاهتمام وانتقاء الدول وفق نوايا ودسائس في عملية التحريض والتخريب واستهداف الاوطان بعدا عن المهنية والحياد والالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي . تتخذ بعض الجهات من الاعلام الية في تصفية الحسابات .وهذا يضرب في مصداقية الاعلام وما يسمى بالموضوعية . فالمنطق الفكري السائد في القرن الجديد يعتبر الذاتية مهمة في توجيه الفكر نحو الفهم والتأويل أما وهم الموضوعية فليست موجودة حتى في الاعلام الغربي الذي يدعي المصداقية والحياد . والسبب تلك الحروب التي قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق وافغانستان. وغياب المصداقية في القنوات الاعلامية الناطقة بالعربية والموجهة للعالم العربي عندما يتعلق الامر بالمشاكل الداخلية التي تواجهها هذه البلدان مثل فرنسا وروسيا.. فالإعلام الممول من قبل الجهات الرسمية ليس محايدا . ولا يمكن أن يدعي المصداقية. بل يمكن القول أن الاعلام العربي عموما مطالب ببناء الوعي السياسي للمواطن من خلال قناعات ما يرغب في بنائه الانسان من الديمقراطية. وترسيخ فلسفة حقوق الانسان. والتداول السلمي للسلطة . وترسيخ التسامح والقيم الاصيلة في ثقافتنا. والمساهمة في تشكيل وبناء وعي سياسي واجتماعي للمواطن العربي. فالواقع ان القنوات الاعلامية أصبحت تقدم اخبارا ومعلومات كمادة دسمة ومميزة للباحثين والدارسين في خصائص العالم العربي . بنيته العامة التي تشكل نقطة مهمة في المعرفة والنفاذ للذهنيات . من خلال التغطية المباشرة للأحداث وتقديم تحليل علمي للصراعات والمشاكل .رسالة هذا الاعلام تجديد الوعي السياسي واعادة بنائه وفق رؤى نقدية .

 

أحمد شحيمط -  كاتب من المغرب

 

في المثقف اليوم