قضايا

في البحث عن السعادة (بين العقل والنقل)

كاظم لفتة جبرلقد داب الفلاسفة واللاهوتيين منذُ القدم في البحث عن التقارب والاختلاف بين الدين كعاطفة، والعقل كتفكير حر، العاطفة تمثل نتيجة جبرية لموقفٍ ما، كموقفنا من الإيمان بالحياة، اما العقل فهو الذي يجلب لمواقفنا حريتها، حيث يُمثل وجهة نظر الانسان العاقل اتجاه الأشياء .

اذاً الايمان حاله وسطه بين العقل والدين اذ يكون كموقف اتجاه الحياة، فالدين يُمثل الطريق السالك للحصول على السعادة المطلقة في حياة اخرى، اما العقل الانساني يمثل النشاط الفردي للبشرية في الحصول على السعادة .

فقديماً بحث الفلاسفة اليونانيّون عن السعادة في ضوء العقل وكان الوسط الذهبي الارسطي هو الذي شُيد أخلاقهم في ضل الوثنية السائدة أنذالك، بداً من سقراط (469_399 ق .م) أب الفلسفة العقلية الذي يرى تتوفر السعادة عند التوازن بين رغباتنا والشعور بالأخرين، (اندرية كريسون، المشكلة الاخلاقية والفلاسفة، ترجمة :الامام عبد الحليم محمود وابو بكر ذكرى، مطابع دار الشعب، القاهرة، 19970(ص75) . وأفلاطون (427_347ق.م) الذي سعى للتوفيق بين العلم وبعض اللذات المعقولة، وذلك تكون دعواهم الى السعادة أكثر ما تكون قريبة الى الدين الجديد في ضل وثنية يونانية، ولفرض النزوع المثالي للأخلاق الانسانية التي تجعل الانسان بعيداً عن رغباته المشروعة المادية، والحث على الإيثار وتوفير رغباته وفقاً للجماعة، مما يوفر له هذا السلوك السعادة المعقولة وهي تكون كلية وهذ هو مبدأ كل الاديان السماوية . المصدر السابق (ص86) .

الا ان مجيء أرسطو(384_322ق.م) أحدث تغيراً مهماً في العقل الانساني وسلوكياته، لما قدمة من نظرة توفيقية بين الانا والأخر، او بين العالم المعقول والعالم المحسوس، عندما أقر للإنسان فرضية احياء الذات، وهي العيش وفقاً لطبيعة الانسان والعمل هو الذي يحدد سلوكنا في السير نحو السعادة . المصدر السابق (ص 97) .هذا ما جعل ابيقور (341_ 270 ق. م ) يقر السعادة على اساس الحصول على الرغبات الطبيعية (ص107)، اما الرواقية (300 ق.م) فترى السعادة في عدم الاضطراب وهو مبدأ واحد مهما اختلفت التسميات والطرق للسعادة المصدر السابق(ص115) .

 اما مجيء الاديان السماوية اليهودية والمسيحية والاسلامية وجعل السعادة الانسانية مرتبطة بالعالم الأخر المثال الافلاطوني جعل الانسان بعيدا عن رغباته الطبيعة، ومرتبطاً برغبات الجماعة المثالية للعالم تاركاً عالمهُ الذي يعيش فيه لإسعاد الاخر. مما جعل الاديان ترفض النظرة الأرسطية وما قرتُه من فلسفة عملية للإنسان، فالكنيسة المسيحية رفضت الأرسطية بكل اشكالها النظرية والعملية الا انها وجدت مقبولية من قبل علماء الاسلام كجابر بن حيان والكندي والحسن بن الهيثم والفارابي وأن سينا والغزالي وأبن رشد (721_ 1126)، وان هذا التوفيق الفلسفي الاسلامي للأرسطية كان حافزاً للتوفيق بين الانسان والدين وواقعة اليومي والعلمي، فجعل الانسان الاسلامي متطوراً لفهمه للانا والاخر وتوفيقه بين العقل والدين، هذا التطور العلمي حفز الاوربيين لمعرفة الأرسطية من خلال التيار الارسطي المتمثل بتوما الأكويني، وذلك بعد سيادة التيار الافلاطوني الاوغسطيني(354 _430) من قبله والذي ربط السعادة بالإيمان والمثُل الافلاطونية (العالم الاخر)، اما الأكويني (1225_1274) ربط بين الدين والعقل من خلال الطبيعة الحية التي توصلنا للحصول على السعادتين، فكان العقل هو المفصل في توفير طرق السعادة كما أفاد كثيرا لما قدمه الفلاسفة المسلمين في التوفيق بينهما والذي اثمر عنة تطورا هائلاً يشهد له العالم أنذالك، فما كان الحال الان من تطور الغرب وانحدار التطور الاسلامي اذ يمثل محاربة العقل والاعتماد على الدين فقط الذي سبب صعود التيارات المتطرفة للواجهة الاسلامية، اما الغرب فكان حاربهم ضد وصايا الكنيسة، مما كان حرك العقل الانساني للحصول على السعادة . وما هذا الا دليل على تقاعس العقل العربي عن التفكير فان استخدام العقل يوفر لنا الحصول على السعادتين، كذلك اعتماد اسس الجماعة للسعادة التي تمثل الزعامة والقيد الذي جعل الفرد في مهب الانتماءات المذهبية الشائكة مع ظهور من يردد بوجود حقيقتين معتمدين على التفسير الرشدي للحقيقة .

اما الغرب فكان لهم ما يبغون من تطور علمي جعل للعقل كلمته على الكنيسة اذ اعادوا التوازن للعقل الانساني وتفرده لكي يبدع ما يمكن يجعله مخلداً، وليس انتظار الموت لكي نعيش سعادتنا، فالسعادة تكمن في العمل الذي يجعل الانسان في ما ينبغي علية ان يكون وهذا هو الدين الحقيقي الذي اراده الله لنا، والا لجعلنا الله بدون عقل لكي نؤمن به، وهذا يدل على ان العقل الاساس في الحصول على سعادة الانسان الحقيقة .

هذا ما جعل بليز باسكال(1623_ 1662) يقول للوصول للسعادة يجب الايمان (الاله المحتجب) او هو الرغبة عند اريك فروم (1900_1980) (فن الوجود) اي جعل السعادة هي الهدف من الوجود الانساني، حيث كانت (1724_1804) يرى السعادة تكمن في صورتها النقدية في التحقق من الشيء قبل الايمان به ثم العمل بإخلاص، وهذا مبدا العقل الجاد للتطور العقلي (اندرية كريسون، المشكلة الاخلاقية والفلاسفة).

مع تطور العلم اخذت مطالب السعادة ومفاهيمها تتغير وفقاً لمتطلبات كل عصر فالعصر الحالي اصبح العقل يوفر سعادة ومتع من خلال ابتكاراته الهائلة في العلم مما جعل الدين متوحداً بسبب ابتعاده عن غايات الانسان اليومية، كما انه اصبح مصدر البؤس للفرد لما له من وصايا على العقل الانساني من خلال تعدد وجهات النظر الى صورة الله فكل يري الله حسب ايديولوجيا السعادة . فتحديد السعادة الحقيقة التي تعيد الى الانسان توازنه امراً مهماً في علاج ايديولوجيا الدين، وان السبب الرئيسي يقع على القائمين علية اذ انهم يرون السعادة تقبع بعد جدار الموت لكي نحصل عليها يجب عبور هذا الجدار بسرعة، وهذه هي النظرة المتطرفة للدين لكن الحق لا يضاد الحق كما يقول ابن رشد، فان الدين الحقيقي يدعو الى التعقل ومحاولة زرع التوازن بين العقل والعاطفة والعمل وفقا للطبيعة الانسانية التي وجد الانسان من اجلها الا وهي الحياة العقلية مع اللذات الحسية المقومة لها، والتوفيق بين الأنا والأخر من حيث جعل التعامل مع الدين من الأنا، لأنه يمثل تجربة خاصة بذات الانسان والله والعقل من خلال التعامل مع الاخر، لأنه يمثل المسافة والطريق للتكامل مع الأخر وفق حريتي الذاتية، لذلك يجب على الدين ان يوفر في ضل التقدم العقلي للإنسان ليس الاجابة عن ماذا علي ان أفعل؟، وكيف يمكن ان أعيش؟، بل كيف علي ان أسعد في ضوء طبيعتي الخيرة ومتغيرات العالم .

 

كاظم لفتة جبر

 

في المثقف اليوم