قضايا

فيروس كورونا بين التفسير الغائي ونظرية المؤامرة!

محمود محمد علياجتاح فيروس كورونا Coronavirus معظم دول العالم، وأصبح  يهدد البشرية،  فهو يمثل أحد الفيروسات التي تُسبب المعاناة من عدة أعراض، وفي معظم الحالات لا تكون الإصابة بهذا الفيروس خطيرة باستثناء الإصابة بنوعَيه المعروفين بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية  MERS والالتهاب الرئوي اللانمطيّ أو ما يعرف بالمتلازمة التنفسية الحادّة الشديدة

   Severe acute respiratory syndrome

فقد لقي أكثر من 475 شخصاً مصرعهم بسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التى ظهرت لأول مرة فى عام 2012 فى السعودية، ثم في بلدان أخرى في الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وقد تفشى نوع من فيروس الكورونا مرةً أخرى في الصين خلال الشهرين الماضيين ؛ وبالأخص في ديسمبر 2019، وقد عُرف بفيروس كورونا الجديد 2019 (2019- nCoV)، هذه السلالة الخاصة من فيروس كورونا، لم تُحدد من قبل في البشر.

وأعراض فيروس كورونا هو التهاب رئوي حاد يرافقه ارتفاع في درجات الحرارة والسعال؛ بالإضافة لضيق تنفس شديد يؤدي للوفاة .. أما بالنسبة للوقاية من المرض فهو غسيل الأيدي بشكل جيد باَلإضافة إلي عدم ملامسة الأعين، وأيضا تجنب ملامسة الأشخاص المصابين أو غير المصابين والمرض لا يوجد له علاج حتي الآن

وفيروس كورونا لا يري بالعين المجردة ، لكنه فيروس قاتل محترف وفتاك ؛ حيث توقع خبراء أمريكيون أنه سيقتل 65 مليون شخص حول العالم خلال 18 شهرا فقط لسرعة انتشاره بين البشر حتي قبل ظهور أعراضه، فمن الصين وتحديدا مدينة " ووهان " ظهر هذا الفيروس في سوق غير مرخص للمأكولات البحرية والحيوانات البرية ومنه انطلق إلي العالم، وفي 26 يناير 2020م  وبحسب الاحصاءات الرسمية ارتفع عدد ضحايا فيروس كورونا خلال بداية ظهوره إلي 56 حالة وفاة 1950 حالة إصابة مؤكدة، وكالنار في الهشيم انتشر وصل فيروس كورونا إلي  13 بقعة حول العالم، هي : كندا، اليابان، كوريا الجنوبية، هونج كونج، ماكاو، إستراليا، الولايات المتحدة، فيتنام، سنغافورة، ماليزيا، نيبال، فرنسا، تايوان.. الخ.

وقد بدأت قصة فيروس كورونا مع بداية عام 2020، من خلال اكتشاف إصابة خطيرة بفيروس من سلالة الكورونا بمدينة "ووهان" الصينية، وهذا الفيروس يعد الأقوي والأنشيط والأكثر انتشاراً من فيروس "السارس" الذي انتشر عام 2003 .

وثمة نقطة مهمة وهي أن موضوع فيروس كورونا  لم يأخذ أي أهمية إلا قبل أسبوع واحد فقط من بداية انتشاره، وكانت الصين تتكتم علي أمره ولما انتشر أمر الفيروس، اضطرت الصين أن تتخذ إجراءات احترازية، وكان من أهمها إغلاق مقاطعة كاملة - وهي "إقليم أوهاي" - وهذه المقاطعة توجد بها مدينة ضخمة،  وعدد سكانها يتجاوز 50 مليون نسمة .. لقد أغلقت الصين الإقليم بالكامل ومنعت التجوال، كما منعت حركة السيارات والقطارات والطائرات، ليس هذا فقط، بل منعت الدخول والخروج في الإقليم بشكل نهائي.

لم تكتف الصين بذلك بل أرسلت جيشا كاملاً من الأطباء والممرضين، بالإضافة إلي شركات المقاولات والمعدات الهندسية لبناء حجر صحي للسكان.. وبحسب بعض المواقع الصينية أن مدة إنجاز تلك المشاريع لم تتجاوز عشرة أيام فقط .

وقد بلغت عدد الوفيات إلي الأن حوالي أكثر من 900 حالة وفاة، بالإضافة إلي أكثر من 65 ألف مصاب يتزايدون كل دقيقة والفيروس انتشر بشكل سريع جداً بداية من الدول الأسيوية وصولاً إلي فرنسا واستراليا وأمريكا كما قلنا، وفي دول أخري لم تعلن عن الحالات الموجودة لديها بعد .. واتخذت بعض المطارات؛ وخصوصاً في دولنا العربية أيضا إجراءات طبية في المطارات لفحص أي مسافر قادم من الصين .

الموضوع لم يتوقف عند الفحوصات الطبية، بل إن بعض دول العالم منعت طائرات كاملة بركابها من الهبوط في أراضيها، وأعادت الطائرات بشكل كامل إلي الصين، وأي طائرة تعود إلي الصين أو يتم اكتشاف حالة تحمل هذا الفيروس يتم احتجازهم بالمئات .

عزيزي القارئ دعنا أوضح أهم التفسيرات التي قيلت بشأن فيروس كورونا؛  فقد وصفه الكثير من دعاة الإسلام السياسي بأنه يمثل عقاباً من الله علي ما فعلته الصين بسبب اضطهادها لأقلية مسلمي الإيغور في إقليم تركستان الشرقية (تشنجيانغ)؛ حيث أخذت معظم مواقع التواصل الاجتماعي تتداول تلك التغريدة : " فيروس كورونا ده غضب من ربنا بعد ما الصينيين قتلوا مسلمين الإيجور" - هذه الجملة بعد انتشار الفيروس التاجي «كورونا» في الصين، وكأن هذا المرض عقابا من الله على اضطهاد المسلمين بمقاطعة الإيجور خلال العدة أشهر الماضية.

من التغريدات التي خرجت على موقع “تويتر” ؛ حيث قال فيها البعض... “بعد أن عزلت الصين أكثر من 5 ملايين مسلم من الإيغور.. اليوم العالم كله يعزل الصين بسبب انتشار وباء كورونا القاتل بين الصينيين وخوفا من انتشار العدوى، (وما ربك بظلام للعبيد).

وفي فيديو بثه أحد الإسلاميين على حسابه بالفيسبوك، قال: "فيروس كورونا إنذار للبشر، فهؤلاء الصينيون يرتكبون أنواعا فظيعة من المجازر بحق هذه الفئة المستضعفة من المسلمين، حيث يحاصرون مليون شخص من فئة الإيغور وينتهكون أعراضهم، ويمارسون ضدهم إبادة جماعية في وضح النهار، في وقت عجزت فيه أمة المسلمين عن نصرتهم.. وهناك أمثلة كثيرة من هذا القبيل في هذا الصدد يطول الحديث عنها.

بينما هناك من رفض هذا التفسير واعتبر أن الأمر كله راجع إلي نظرية المؤامرة .. تلك النظرية التي تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية أوقعت بالصين .. أو أن أحد شركات الأدوية نشرت الفيروس لتساوم بمصل العلاج، وهذا يعني أن الحرب البيولوجية والتي تعرف بالحرب الجرثومية، عادت لتنتشر مع ظهور فيروس كورونا الجديد الذي أودي بحياة الالاف بالصين قبل أن ينتقل إلي دول عديدة ..

وهنا يقول دعاة نظرية المؤامرة بأن الانتشار السريع فيروس كورونا الجديد وحالة الهلع التي أثارها منذ 4 سنوات من خطر الحروب البيولوجية التي تستخدم الجراثيم والفيروسات وغيرها لنشر الأوبئة بغية تحقيق أهداف سياسية ؛ ففي عام 2016 حذر "جيمس سترايفيدس" القائد السابق لحلف شمال الأطلسي بحصول دول أو جماعات إرهابية علي أسلحة بيولوجية لإستخدامها في حروب الإبادة، وأصبح الحديث عن تفشي أوبئة فيروسية غامضة قلبت موازين العالم حينها مثل فيروس زيكا وإيبولا .

والسؤال هنا يصبح مشروعا : هل يدخل فيروس كورونا الجديد في إطار الحرب الجرثومية؟

في هذا الإطار نجد زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي "فلاديمير جيرينوفسكي" يتهم الولايات المتحدة الأمريكية بالضلوع المباشر في نشر الوباء في الصين، ويعتبرها أزمة مصطنعة تقف وراءها أمريكا التي تتصرف بدوافع اقتصادية، وليست روسيا وحدها مصدر الاتهام ؛ حيث تكشف صحيفة إنجليزية تسمي mail online health خبراء أمريكيين في المجال الصحي قبل نحو 3 أشهر من انتشار فيروس كورونا الجديد بتصميم تجربة افتراضية للتعرف علي رد فعل السلطات الرسمية في حال وقوع المزيد من التفشي للفيروس حول العالم، والذي قد يؤدي إلي هلاك 65 مليون شخص في العالم، وضلوع الولايات المتحدة في انتشار الفيروس قد فرض افتراضية تحتمل الشك من دون أن تلغي بحسب مراقبين المصلحة الأمريكية من انتشاره، أدت نفسها إلي إعاقة التقدم الصيني في ظل الحرب التجارية بين البلدين ومنافسة واشنطن علي الاقتصاد العالمي، ومن دون أن ننسي تجارة  العقاقير الطبية، وتعد ثاني اكبر تجارة في العالم بعد الأسلحة لتبرز إمكانية أن تقوم شركات الأدوية بتضخيم مرض ما إعلاميا لتسويق عقاقيرها ورفع أسعارها .

وهناك فريق آخر رفض التفسيرين السابقين وهما التفسير الغائي والتفسير المؤامراتي، وقال بتفسير آخر ؛ حيث السبب لانتشار الفيروس يرجع إلي الثعابين والخفافيش ؛ حيث قيل إنها السبب في نقل الفيروس في مقاطعة ووهان الصينية والتي من عادات شعبها تناول شربة الخفافيش .

فقد قام باحثون بمقارنة تحليل فيروس كورونا الجديد لنظيره الموجود في الطيور والزواحف وقالوا أنه يشبه الموجود في الثعابين والتي غالبا ما تبحث عن الخفافيش في البرية، وأشارت التقارير إلي الثعابين قد تم بيعها في سوق المأكولات البحرية المحلي في ووهان، وأن الفيروس قفزا من الخفافيش إلي الثعابين ثم إلي البشر .

لكن صحيفة إنجليزية قد ذكرت رواية أخري قالت أنه في عام 2017م حذر خبراء من إمكانية تسرب فيروس يشبه كورونا، من المختبر الوطني للسلامة البيولوجية في ووهان وأن الفيروس القاتل انتقل من المختبر إلي سوق للحيوانات والمأكولات البحرية الذي يبعد عنه 30 كيلومتر فقط وأنه عاش في أجساد الحيوانات وأصبح قادرا علي إصابة البشر أثناء احتكاكهم بالحيوانات في السوق.

وأخيرا ً نتساءل: أي التفسيرات السابقة تعتقد أنها الأصح؟..  وهل للتفسير الغائي.. أو لنظرية المؤامرة تواجد هنا.. أو الخفافييش .. نرجئ الإجابة لما تسفر عنه الأيام القادمة !!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل.

 

 

في المثقف اليوم