قضايا

كورونالوجيا ثقافية عربية

محمد عمر غرس اللهمع حالة الفزع العالية التي سببها ظهور مرض (كورونا COVID19)، وما لعبه الإعلام من دور في نشر حالة الإهتمام بهذا الأمر، برز واضحاً جداً تسارع موقف الرأي العام العربي من هذا الأمر، وتسارع وإنتقل من حالة لأخرى، هذا الأمر يبدوا مهما في رصد الحالة السوسيوثقافية في التعاطي مع الأخر، والمجتمع المحلي وعلاقته بالعامل الدولي، وهو متعلق بالدين وأيضاً طريقة تفكير القطاع العريض من الناس، ودور النُخب في هذا الواقع، الذي يحتاج منا قراءة سوسيولوجية ثقافية، دعونا نرى

أظهر موضوع وباء كورونا، حالة المجتمع العربي الثقافية في التعاطي معه، حيث يلاحظ المتتبع لتفاصيل ما يقال وينشر طبيعة الحالة الثقافية العامة للناس فيما يتعلق بالموقف من الصين والصينيين في البداية، ثم تطور الموقف والراي العربي من كورونا بعدما صار الخطر عالمي ووصل للعواصم العربية وظهرت حالات متتالية من عاصمة لعاصمة، حيث تبين تذبذب الموقف الشعبي ثقافيا فيما يتعلق بالأخرين، وتبين أكثر حينما تعلق الأمر بالنفس.

بدت الحالة الثقافية العربية حول كورونا على إنها عقاب إلهي للصينيين، وسرت حالة من الحط منهم ومن سلوكهم وضفتها جماعات الإسلام السياسي في موضوع المسلمين الإيغور، ثم تصاعد الأمر لتنتشر مقاطع مرئية مصورة توضح ما يأكله الصينين في موائدهم، وكل هذا سار في سياق إدانة للصين وتصوير الشعب الصيني شعب وحكومة قاتلة للمسلمين، ولم يبدأ الأمر في جانبه الإنساني بل تصاعد في كنف فكرة الصين السيئة، هذا الأمر كان في البداية حالة عمت قطاعات عريضة على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعكس طريقة تفكير وثقافة المجتمع حيال الأخر، وأيضاً سهولة الوقوع في براثن الدعاية السياسية.

ومع الأيام وتطور إنتقال المرض خارج الصين، خاصة مع التركيز على رحلات الطيران، وقيام دول بغلق مطارات، ومنع التجمعات الكبيرة، حتى وصل الأمر إلى إغلاق الكعبة ومنع الطواف تجنباً لإنتشار الفايروس، فلم يعد الراي العام العربي يرى أن فايروس كورونا عقاب إلهي كما بدا لهم في البداية فيما يتعلق بالصين، وتطور السلوك العام بالخوف والهلع، حتى في البوادي التي لا يأتيها السواح وليس بها مطارات وغالبا هي معزولة وبعيدة عن بؤر المرض.

إنها في الحقيقة حالة (سوسيوثقافية) واضحة تبدو عامة إتفق فيها عموم الناس بما فيهم الكثير من المتعلمين الذين تفرغوا في البداية ينشرون مقاطع إدانة للصين والصينيينن وصوروا أمر مرض (الكورونا) على أنه عقاب إلهي، وراحوا يبحثون في سلوك الصينيين الغذائي وكأن الصين للتو فقط بدات تأكل ما تأكل وليس هذا هو حالهم منذ القدم، كما أن ثقافة التشفي والإتهام هذه نظرت بسذاجة مرضية بالغة، في إعتبارها أن الأمر متعلق بسؤ تلك البلاد، دون أن ينتبه الشارع الثقافي العربي إلى أن هذا التصور يحمل ضده في نفس سياقه، فإذا ما كان ظهور الكورونا دليل على عقاب إلهي فما القول فيما يتعلق بالنجاح الاقتصادي الصيني الباهر - بالمقارنة بوضعنا العربي - إليس حسب هذا المنطق تعبير عن الرضى الإلهي إن إعتمدنا نفس المنهج في التحليل، ومالقول في وصول هذا المرض لمدننا وإنتشاره، ومالقول في وقف الطواف على الكعبة ومنع الصلاوات الجامعة في المساجد تفادياً لإنتشار المرض، هل هذا ايضا عقاب لنا من الله، كما قلنا على الصين.

أننا كمجتمع نعاني بشكل واضح من حالة سوسيوثقافية تحتاج البحث والتفسير فيما يتعلق بالنظر للأخر، وفيما يتعلق بالله ودوره في هذه الدنيا، فوفق هذه الثقافة فإن الله (إستغفر الله تعالى) مجرد خادم لإنفعالاتنا نوزع أفعاله حسبما نرى، الأمر الذي يبدو عكس ما يحظنا عليه الدين والأخلاق والمنطق والعقل، وحتى بُعد النظر والفهم لما يجري وكيف يجري، إنها سوسيولوجيا ثقافية عربية تظهر كل مرة بائنة نراها بوضوح في حدث ما، فهل نحن نحتاج لإصلاح ثقافي إجتماعي، وهل تتفطن النُخب وتذهب إلى هذه الزوايا المظلمة في ثقافتنا الجمعية وتزيح من عليها غشاوة الجهل الثقافي والديني.

والله من وراء القصد

 

بقلم: محمد عمر غرس الله

 

في المثقف اليوم