قضايا

الخلفاء والجنس!!

صادق السامرائيالمدوَّن في كتب التأريخ أن الخلفاء كالثيران الهائجة المنفلتة التي تمارس الجنس عدة مرات في اليوم، أو كالأكباش التي همّها أن تركب أناث القطيع.

ويتم تصوير قصور الخلافة على أنها جنان تزدحم بالجواري، ومن واجب الخليفة أن يضاجعهن، فهو حُر الشهوات ومطلوقها، والبعض يورد أن الخليفة الفلاني لديه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف جارية وقد مارس الجنس معهن، بل ما إكتفى وإنما لديه عدد من الغلمان الذين يطفئون شهواته الجنسية المتأججة!!

وهذا المدوَّن لا يتوافق وطبيعة السلوك البشري نفسيا وفسيولوجيا، فلو إفترضنا أن الخليفة في عمر ما بين (18- 29)، فأنه وحسب أكثر الدراسات والبحوث يمكنه أن يمارس الجنس (112) مرة في السنة، أما إذا كان عمره ما بين (30 - 39) فيمكنه أن يمارس الجنس (86) مرة في السنة، وبين (40 - 49)، يمارسه (69) مرة في السنة.

ومعظم الخلفاء لم يعيشوا أكثر من (50) سنة.

ولو إفترضنا أن هذه الدراسات والبحوث خاطئة ولا تنطبق على زمانهم، وضاعفنا عدد مرات الممارسة الجنسية، فأن قدراتهم الفسيلوجية لا تتوافق مع ذلك، حتى ولو كانوا في تمام الصحة والعافية، بينما معظم الخلفاء يعانون من أمراض مزمنة ووراثية قاسية، ويتناولون الخمر ويسرفون بالطعام، ومصابون بالسمنة المفرطة ومضاعفاتها.

ولو أخذنا الخليفة المتوكل مثلا، تولى الخلافة في عمر (25) أي يمكنه ممارسة الجنس (112) مرة بالسنة، وإذا ضاعفنا العدد فسيكون (224) مرة في السنة، وإن شئتم يمارسه كل يوم أي (365 - 366) مرة في السنة، بشرط أن لا يمرض ولا يكون في مهمة خارج القصر، وكل يوم يمضي وقته مسترخيا لتجهيز نفسه لليلة حمراء لاهبة.

وحكمَ (232 - 247) أي (15 - 16) سنة.

16 في 112 = 1792

16 في 224= 3584

16 في 366= 5856

يقولون كان لديه (3000 - 4000) جارية وقد واقعهن أثناء فترة حكمه!!

وبدأ نشاطه الجنسي في سن الرابعة عشر، أو عندما بلغ الحلم، وأنجب (المنتصر بالله) من جارية في عمر (15)، ولديه من الأبناء والبنات أقل من (10)، ولو صحت هذه الفرضية بأنه قد مارس الجنس مع هذا العدد من الجواري، فلا بد أن تحمل منه على الأقل (50) جارية، لكن هذا لم يحصل.

هل كان المتوكل ثورا هائجا؟

هل كان مصابا بداء الهوس؟

هل تصح في الأفهام هذه الروايات أو الإفتراءات؟

وهل الخليفة لا هم لديه سوى الجنس؟!!

فسيولوجيا ونفسيا لا تصح هذه الأرقام، لو فعلها لما إستطاع أن يؤدي عمله، ولخارت قواه وضعفت قدراته الأخرى، وربما لمات.

هل الخليفة حيوان أم إنسان؟

وهل هو ماكنة حديدية لا تصدأ، أم بشر من دم ولحم؟

وهل هو لا يمرض أبدا، ولا يتوكع يوما؟!!

يبدو أن الكثير مما يدوَّن ينطلق من مبالغات وتسويق أكاذيب، وتصورات وخيالات بعيدة عن واقع الحياة، فنحن نتكلم عن خليفة يدير دولة شاسعة الأطراف معقدة التفاعلات، وقد أنجز ما أنجز وفعل ما فعل.

إذا أخذنا بنظر الإعتبار أمراضهم المزمنة، وإسرافهم بالطعام والشراب وفرط سمنتهم، وتعرضهم لضغوطات نفسية هائلة، وقتلهم للناس، فهم يمارسون لعبة النطع والسيف عدة مرات في الأسبوع، وأكثرهم مصاب بداء السكر، وبالأمراض الزهرية، فلا يمكن القبول بأن هكذا ممارسات جنسية لا تتسبب بأمراض (كالسيلان والسفلس وغيرها).

وحياتهم ليست آمنة مستقرة، بل محفوفة بالقلق والشكوك والخوف من الذين حولهم، فهذه الأرقام غير معقولة، ولا يقدر عليها أصح الأصحاء من الشباب، لا نفسيا ولا بدنيا.

فالخلفاء لم يعيشوا حياة مخملية كما تصورها لنا كتب التأريخ، فحياة أي واحدٍ منا في هذا العصر أفضل من حياتهم بكثير، فحياة معظمهم عبارة عن مآسي ونكبات، وتوترات نفسية، وشدائد إنفعالية خطيرة، وسفك دماء، وقتل مروع لأبرياء، وتصارع مع منافسين على السلطان من أقرب الأعوان والإخوان، وتهديدات ومنغصات من جميع الألوان، وحتى في نومهم يرتعبون من العدوان.

 فهل تُبقي هذه الضغوطات القاهرة لديهم رغبة جنسية، أم تلقي بهم إلى فراش الإنهاك والإستهلاك؟!!

وقس على ذلك العديد من الخلفاء الذين يُقال أنهم كانوا يحتفظون بمئات الجواري وبعض الغلمان، ولا أحد يسأل عن التكاليف والمصروفات الباهضة لإدامة زينة الجواري وجاهزيتهن للمواقعة!!

فعلينا أن نكون علميين في نظرتنا للتأريخ المحشو بالآضاليل والتهيؤات المقصودة والمتصورة، فالمؤرخون لم يكتبوا عن جوانب عديدة من حياة الخلفاء، والسائد في كتاباتهم الدعاية لخدمة الدولة والسلطان، ولتثبيت أركان الحكم ولتبرير الخطايا والآثام ، فلا يدوّنون أمراضهم ومعاناتهم وتصرفاتهم السيئة إلا فيما ندر، بسبب الخوف منهم، ولهذا فأن معظم الكتابات فيها مبالغة وميل للقدسية والمثالية، وإخراج الخلفاء من بشريتهم، والتحليق بهم في فضاءات علوية، لا رصيد لها في الواقع الذي يتفاعلون معه، بل وتتقاطع مع الطبيعة البشرية.

 

د. صادق السامرائي

........................

* هذه المقالة قراءة نفسية سلوكية بحتة ولا تمثل موقفا أو رأيا.

 

في المثقف اليوم