قضايا

الدهشة بين الفيلسوف والفنان

كاظم لفتة جبرالدهشة مصطلح يراد به إظهار ما بطن من الأشياء. ويستخدم اساس للتفلسف الحر الذي يحرك المياه الراكدة في عقل كل انسان، فالدهشة هي الخصيصة التي تميز بها الإنسان دون غيره من الكائنات بحسب جان جرش في كتابه الدهشة الفلسفية، لتمثل تلك الدهشة لحظة مفارقة في حياة كل انسان يتفتح عقله لاستقبال إشارات الحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة مرتبطة بالماديات أو بالإلهيات، فالإنسان العارف هو الذي يكون مندهشاً من أبسط واقل الأشياء الموجودة في العالم، لأنه يرى الأشياء بمنظار الاندهاش، وهذا الاندهاش هو الذي يلهمنا لعبة التساؤل وسط غموض المعنى وتمظهر الموضوع، أو لنقل هي الحيرة التي تعيش معنا، كأنما لم نراها من قبل بالرغم أنها معرفتها بديهية كنا نظن بها، لكن الاندهاش هو الذي يزيح الظلمة من بصريتنا بعدما كنا نرى الأشياء بالعين فقط كحاسة، وقد يكون أمر الاندهاش مقتصراً على بعض الأفراد لأننا نعرف وظيفة الحواس هي تأدية وظائف الجسد والاقتصار بمعرفتها على ما هو نافع وعملي، لذلك لا تسمح لنا تلك الأشياء بالاندهاش، أما البصيرة فهي مفهوم اكثر اتساعاً ولا يحدهُ الحدود العملية الزمكانية، بل ترتفع بنا البصيرة الجزئيات إلى الكليات أو من المحسوس إلى المعقول، ولا يمكن أن نغفل أهمية الموضوع الخارجي المحسوس في تقوية البصيرة ورفدها بالصور الحسية، ثم ان أمر الاندهاش هل يمكن يكون عملية تذكر، أو معرفة تذكريّه بحسب نظرية افلاطون في المعرفة، نحن نعرف ان افلاطون يقر بأن النفس الانسانية قبل نزولها إلى الجسد كانت روحاً تتطاير وسط الابدية وقد تعرفت على جميع صور المعارف، ثم بعد نزولها إلى الجسد المحدود بالحاجة والمنفعة نَست تلك المعارف فأخذت تتعرف على الأشياء الحسية من خلال الحاجات الحياتية والنفسية لكن ما ان يحدث الاندهاش حتى تتذكر الصورة الحقيقية لكل موضوع محسوس. ويمكن ربط أمر الاندهاش في جانب الفن لكونه ظاهره إنسانية يختص بها الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى فجميع العمليات الفكرية والحسية هي من اختصاصه، لذلك يمكن أن نفسر أمر الدهشة عند الفيلسوف بالتساؤل وتصورها، لكن من يقوم بعملية تحويل تلك الأفكار أو الصور إلى حقائق واقعية أو تقريبها من ذهن الإنسان وحساسيته هو الفنان، لذلك يكون الفن الواسطة ما بين الفلسفة والعلم فكل فرضية أو احتمالية يراد تجريبها لا يمكن ذلك إلا بعد تحويلها إلى صورة محسوسة من خلال الفن والأشكال التي ترمز إليها ومن ثم العمل تجريبها فعلياً فالدهشة عند الفيلسوف تساؤل ومعرفة، أما الدهشة عند الفنان عمل وفعل . لكن دهشة الفنان تختلف عن دهشة الفيلسوف من حيث ان الأولى تتسم بالاختلاف من فنان الى آخر، أما الثانية فهي ثابته مطلقة فالأولى دهشته عقلية أما الثانية فهي دهشة حدسية متحولة ما بين الفنان و المتذوق أو المشاهد للعمل الفني .

 

كاظم لفته جبر 

في المثقف اليوم