قضايا

محمود محمد علي: الحروب السيبرانية وتطور الإرهاب الإلكتروني (1)

محمود محمد عليإن تطور شكل الحرب عبر التاريخ من الحجارة والرماح إلى السهام والسيوف إلى المسدسات والبنادق إلى طبيعة الصواريخ والقاذفات ثم إلى الدبابات والطائرات والغواصات وصولً إلى القنابل النووية والهيدروجينية، ينذر بالقول: إن من لا يدرك جيداً تغير طبيعة وعصر وسلاح المعركة القادمة ويسارع بالحصول عليه وتطويره، سوف ينتهي به الأمر مهزوماً تابعاً لغيره ضعيفاً بين الأمم، وكلما ازدادت الدول علماً وتقدماً ازدادت معها القدرة التدميرية للأسلحة المستخدمة، وسلاح الحرب القادمة سوف يكون أقوى وأبشع من القنابل النووية والهيدروجينية، فالجنود المقاتلون في هذه المعركة هم من الربوتات والدرونز، والأسلحة عبارة عن شفرات وفيروسات وديديان مبرمجة، لا يتعدى حجمها بضعة كيلوبايتس، ولكنها قادرة على إحداث تأثير يفوق في قوته الأسلحة التقليدية.

ومع توجه العالم أجمع نحو تزايد الاعتماد على التقنيات الذكية والحديثة وتبني نماذج الحكومات والمدن الذكية، فإنه يصبح أكثر انكشافاً وعرضة للحروب السيبرانية، ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت أثناء جائحة كورونا لتيسير مهام العمل والتعليم عن بعد تزايد معها نشاط القراصنة مستغلين ضعف الثقافة الأمنية بكثير من مستخدمي الإنترنت حول العالم، وهو ما يتسبب في تهديد الأمن القومي وتعريض مصالح الأفراد والدول للخطر. وهو ما يعني أن الحرب السيبرانية قادمة لا محالة، بصورة قد تكون أكثر شراسة عن غيرها من الحروب، لذا بات من الضروري على جميع الدول التي تسعى للحفاظ على أمنها القومي أن تطور آليات للمواجهة وأن تستعد للمعركة القادمة، لاسيما وقد بدأ العالم من حولنا في استخدام أدوات الجيلين الرابع والخامس من الحروب المعلوماتية، ونحن في غفلة لاهون، نقدم للجواسيس "الإلكترونيين" المعلومات والبيانات عبر تطبيقات الانترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي، وخدمات البريد الإلكتروني بل أسهمنا طواعية فى برامج الحرب النفسية الموجهة ضد بلادنا ورحنا نتداول بحماس ما من شأنه شرخ المجتمع وهدم مؤسسات الدولة في الوقت الذى تنشط فيه ضدنا عمليات الاختراق ومحاولات التدمير

وبفضل الثورة المعلوماتية، ظهرت لدينا بيئة جديدة هي الفضاء الإلكتروني، وهو يختلف عن البيئات الأخرى (الإقليم البري..البحر.. الجو...الفضاء الخارجي)، وظهور الفضاء الإلكتروني جعل الدول تدخله ضمن حساباتها الاستراتيجية وأمنها القومي، حيث ظهر بعدٌ جديد في الصراعات الدولية، هو" صراع الفضاء الإلكتروني" يستطيع من خلاله أحدُ اطراف الصراع إيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر، بحيث يتسبب بخسائر عسكرية واقتصادية كبيرة من خلال: قطع أنظمة الاتصال بين الوحدات العسكرية، أو تضليل معلوماتها، أو سرقة معلومات سرية عنها، أو من خلال التلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية ومسحها، أو تزييفها من أجهزة الحواسيب.

ومن الصعب تخيل صراع عسكري اليوم دون أن يشتمل على أبعاد إلكترونية، والتي أصبحت في صلب اهتمامات الأنظمة الدفاعية لأي مواجهات محتمل حدوثها في المستقبل، وعلى غرار الحرب التي اندلعت بين جورجيا وروسيا عام 2008، وقبلها بين روسيا وأستونيا عام 2007، فقد قامت العديد من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأخرى مثل الصين ببناء وحدات إلكترونية على شبكات الانترنت، وكذلك إسرائيل التي قامت بإنشاء الوحدة 8200 للحماية من مئات وآلاف القراصنة المحترفين.

يتم شن الحروب السيبرانية من قبل دول وجيوش نظامية أو منظمات دولية أو ميليشيات عسكرية لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر أو شبكات المعلومات في دولة أخرى ومحاولة الإضرار بها، على سبيل المثال، من خلال فيروسات الحاسوب أو هجمات الحرمان من الخدمات الأساسية، مثل تعطيل شبكات الكهرباء والإنارة أو تسميم مياه الشرب.

ويتعلق مضمون الحرب الإلكترونية بالتطبيقات العسكرية للفضاء السيبراني، حيث تعني -في أحد تعريفاتها- قيام دولة أو فواعل من غير الدول بشن هجوم إلكتروني في إطار متبادل، أو من قبل طرف واحد. وبرغم ذيوع مسمي “الحرب الإلكترونية” إعلاميا، فإنه يعد مصطلحا قديما كان بالأساس مقصورا على رصد حالات التشويش على أنظمة الاتصال، والرادار، وأجهزة الإنذار، بينما يكشف الواقع الراهن في الفضاء الإلكتروني عن دخول شبكات الاتصال والمعلومات إلى بنية ومجال الاستخدامات الحربية.

ومع تمدد الأعمال العدائية الإلكترونية إلى البنية التحتية المعلوماتية للدول لتحقيق أغراض متداخلة (سياسية، واقتصادية، وإجرامية، وغيرها)، حمل مفهوم الحرب الإلكترونية أبعادا جديدة، وصار البعض يفضل مصطلح "الحرب السيبرانية"، كتعبير عن ذلك التوجه الجديد، وإن ظلت لفظة “الحرب” ذاتها محل جدل، خاصة أن هناك مسميات عديدة تطلق على تلك الأنشطة العدائية الإلكترونية، منها، مثلا، الهجمات الإلكترونية، والإرهاب الإلكتروني، وغيرهما

وهنا تختلط المفاهيم على الكثيرين ما بين الحرب الالكترونية والحرب السيبرانية، فالأخيرة تشكل جزءاً من الأولى لكن ميدانها الطيف الكهرومغنطيسي الموجود شبكات الكومبيوتر والأجهزة المتصلة بشبكة الانترنت، بينما تأخذ الأولى طابعاً عسكرياً أكثر في المعارك ما بين القوى العسكرية.

فالحرب الالكترونية (EW) هي أي مجموعة الإجراءات والمنظومات الإلكترونية، التي تستخدم من أجل استطلاع الإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر من منظومات العدو المختلفة، من أجل التأثير عليها عبر منعه أو حرمانه أو تقليل استخدامه لهذه المنظومات. ومن جهة الأخرى هي الإجراءات والمنظومات التي تؤمن الدفاع السلبي من إجراءات العدو المضادة. ويمكن تطبيق هذه الحرب من الجو والبحر والأرض و/أو الفضاء بواسطة أنظمة مأهولة وغير مأهولة، ويمكن أن تستهدف الاتصالات أو الرادار أو أي نوع من الأنظمة الالكترونية مثل أنظمة توجيه الصواريخ والطائرات بدون طيار، بينما الحرب السيبرانية هي حرب إلكترونية تشن عبر الإنترنت، تتم عبر استخدام الطيف الكهرومغناطيسي، من أجل التحكم في القطاعات التي تستخدم الأجهزة الالكترونية وأنظمة الكومبيوتر والشبكات لإدارتها.

ويتم شن الحروب السيبرانية من قبل دول وجيوش نظامية أو منظمات دولية أو ميليشيات عسكرية لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر أو شبكات المعلومات في دولة أخرى ومحاولة الإضرار بها، على سبيل المثال، من خلال فيروسات الحاسوب أو هجمات الحرمان من الخدمات الأساسية، مثل تعطيل شبكات الكهرباء والإنارة أو تسميم مياه الشرب.

ولا تقتصر الحروب السيبرانية على مهاجمة المرافق الخدمية وإنما يمكن من خلال القوات السيبرانية التحكم في نظم دفاع العدو أو التشويش على أقماره الاصطناعية وإصابة منظومة أسلحته المتطورة بالشلل، على سبيل المثال، عن طريق طيف كهرومغناطيسي – واسع النطاق أو موجه.

وتتكون الحرب السيبرانية من شقين، الأول الشق الدفاعي والحماية الإلكترونية، ومهمته حماية مكونات الفضاء السيبراني الماديه والمعنوية وأدواته وإجراءات عمله والأفراد القائمين عليه. والشق الثاني هو الهجومي، بعد ما تحول الفضاء السيبراني إلى ميدان للتفاعلات الدولية، برز العديد من الأنماط لاستخداماته ذات الطبيعة المدنية أو العسكرية، الأمر الذي جعل هذا الفضاء مجالاً للصراعات المختلفة، بين الدول أو غير الدول لتحقيق أكبر قدر من النفوذ والتأثير فيه وبدأت تتبلور أشكال الحرب السيبرانية عن نظيراتها التقليدية من حيث المفهوم والتخطيط والتنفيذ وحدود ميدان التأثير.

 

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..............

1- ميادة سفر: الحرب السيبرانيَّة، الصباح، الخميس 30 تموز 2020.

2-  عادل عبدالصادق، الإرهاب الإلكتروني: القوة في العلاقات الدولية .. نمط جديد وتحديات مختلفة، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الطبعة الأولي، 2009)، ص ص155-229.

3- مصطفي علوي، مفهوم الأمن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، في أبحاث المؤتمر الذي عقده مركز الدراسات الآسيوية 4-5 مايو 2002: قضايا الأمن في آسيا، تحرير: هدي ميتكيس، والسيد صدقي عابدين (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الآسيوية، 2004): .14

4- عادل عبدالصادق، الفضاء الإلكتروني والتحول في سياسات أجهزة الاستخبارات الدولية، كراسات استراتيجية، العدد 247 (2013): 10-.12

5- عادل عبدالصادق، القوة الإلكترونية: أسلحة الانتشار الشامل في عصر الفضاء الإلكتروني، مجلة السياسة الدولية، العدد 188، أبريل 2012.

 

في المثقف اليوم