قضايا

العلم الزائف والمنهج العلمي

ما الفرق بين العلم الزائف، والمنهج العلمي؟ سوف أقدم عدة نقاط، يمكن من خلالها التفريق بين هذين الشكلين:

أولا: مفهوم المطلق

العلم الزائف له قدرة على إطلاق الأحكام المطلقة، التي لا تفسد نِهَائِيًّا وتقدم تصور غير خاضع للتركيب، بمعنى يمكن تطبيقه على كل مجتمع في أي زمان ومكان من غير إعادة تركيبه في ضوء ظروف البيئة الاجتماعية الراهنة، أما المنهج العلمي فيقدم تصور أني أو يخص فترة معينة من التاريخ، ويمكن أن يتغير مع تغير الوقائع بشكل نسبي أو كلي فيطرح مفهوم النسبي لا المطلق.

ثانيًا: مبدأ التفنيد بالتجربة

المنهج العلمي تجريبي استقرائي بالدرجة الأولى، ويخضع للتجريب، وينبغي بحسب فيلسوف العلوم الشهير كارل بوبر: إن تفند النظريات العلمية لتثبت صحتها، إذ يمكن تفنيد أي نظرية علمية؛ لأنها تقوم على أساس علمي نسبي ينفع بحالات معينة وإذا ما تغيرت هذه الحالات تفنده النظرية، وصار علينا لزامًا استبدالها بأخرى، توافق الظرف الحالي. أما العلم الزائف فوفق مفهوم المطلق أعلاه، يعطيك نظرية ليس هناك مجال لنقضها، وتفنيدها؛ كونها تتغذى على فكرة الأبدية (صالحة إلى الأبد).

ثالثًا: الواقعية ضد الغيبية

المنهج العلمي يأخذ مادته، وأفكاره، من الواقع المَعيش، ويحاول التفسير، والتحليل، على وفقه، دون اللجوء إلى الأفكار المافوق طبيعية. فالمناهج العلمية تبدأ من الذرة وندرسها بعلم الفيزياء ثم ننتقل للجزيئات وندرسها بعلم الكيمياء وبعدها للخلية وندرسها بالبايولوجيا ( الأحياء ) ننتقل بعدها للإنسان وتدرسه العلوم الإنسانية كسلوك فرد (علم النفس) أو كسلوك مجموع (علم الاجتماع) أو أجناس (أنثربولوجي)... وهكذا... أما العلم الزائف فيرتكز على أشياء غير طبيعية لا يمكن إدراكها أو حتى ملاحظتها أو قياسها، ويعتمد على الإيهام؛ من خلال بناء منطق استنباطي يبدأ بمسلمات، وينتقل ليعطيك نتائج تتسق مع هذه المقدمات، وهو يعطيك تفسيرا كليا لجميع الظواهر من خلال منهج واحد، أي ينعدم فيه التخصص والتعمق بشكل من الأشكال .

رابعًا: وحدة الأضداد مقابل ثنائية الأضداد

يركز المنهج العلمي الحديث على وحدة الأضداد، أي أن الشيء وضده متواجدان في ذات المكان، وشيئًا فشيئًا يبدأ الصراع بينهما داخل الجسم الواحد، أو المجموعة الواحدة. بمعنى لا توجد جماعة شريرة أو فرد شرير بالمطلق فالكل لديه خطايا وحسنات، ومن الممكن أن تكون مصائب قوم عند قوم فوائدُ كما يقول الشاعر أي الأمر الذي يبدو سيئًا بالنسبة لك سوف يكون جيدًا لغيرك، والتصرف الذي سيصدر من فرد أو مجموعة ولا يناسبك ربما يناسب غيرك، وهنا نحن نكسر ثنائية الخير، والشر، وحتى على مستوى التاريخ يصبح فهمنا أكثر تجسيمًا، ووضوحًا؛ لأنه سوف تبدو لنا تصرفات بعض الشخصيات التاريخية المتناقضة مبررة؛ لأنها ترتكز على مواقف إنسانية قلقة، متذبذبة، بين الخير، والشر، حسب الظروف، وليست مطلقة التقديس أو التدنيس. أما العلم الزائف فهو يؤمن بثنائية الأضداد، الخير المطلق مقابل الشر المطلق، فإذا قلنا على فلان صادق سيبقى طوال عمره صادقًا، وإذا قلنا على فلان مدلس سيظل مدلسًا إلى يوم يبعثون، فهذا المنهج يعطي رؤية أحادية للشخصية الإنسانية ولا يغطي كل أبعادها المعقدة.

خامسًا: القوالب المسبقة مقابل الفرضيات المشككة

أيضا يطرح العلم الزائف منهجه مع مسلمات يريد منك تصديقها، قبل إجراء القياس المنطقي، أي إيجاد أرض مشتركة أو مشتركات يمكن من خلالها أن يفحمك بأفكاره فيما بعد. أما المنهج العلمي فمبني أساسا على الشك والفرضيات التي يبدأ بها أي بحث وعن طريق التجربة أو الممارسة تفرض بعض الفرضيات نفسها، وأخرى تثبت فشلها، وهكذا... وحتى هذا الفشل ممكن أن ينقلب إلى نجاح في بعض الحالات في المستقبل من يدري...؟

يمكن إلحاق فروق أخرى أيضا، ولكن هذا ما جادة به قريحتي، وذاكرتي...

***

بقلم: عمر سامي

في المثقف اليوم