قضايا

عصام البرام: الثقافة العربية بين فعل العولمة وتفاعلها

شكلت العولمة انعطافاً كبيراً في حياتنا الحديثة والمعاصرة، بما في ذلك تفاصيل كل الحياة التي دخلت فيها من حيث الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية..الخ

وعُرفت العولمة بأنها: عملية من التكامل في الاقتصاديات والاجتماعيات والثقافات التي تنتشر في العالم، ومنها الثقافة في تراث الشعوب التي تدخلت بها أي العولمة لتصنع منها وجهاً ثقافياً بشكل آخر.

وهذا ما يجعل العولمة أنها أخذت بتاثيرها الواضح المعالم، ليس في الثقافات العالمية البعيدة عن ثقافاتنا في مجتمعنا العربي، بل كان لها التاثير الواضح في ثقافتنا العربية المعاصرة، التي تاثر بها جمع هائل من مثقفينا والشباب خاصة منهم، وغلبت على طبيعة حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والارث الثقافي ايضاً.

وكان من أهم التأثيرات التي واجهتها الثقافة العربية، هو تعرضها لتأثيرات الثقافة الغربية والتي حملت شتى أنواع المعرفة الانسانية وغيرها، وهذا التعرض سيؤدي حتما الى التغيرات في القيم والمعتقدات والسلوك وأنماط الحياة التقليدية العربية التي تربى ونشأت عليه أجيال متعاقبة .

فضلا عن ذلك فأن اللغة العربية هي الأخرى قد واجهت التأثير عليها من اللغات الاجنبية وخاصة اللغة الانكليزية، باعتبارها لغة عالمية بسطت نفوذها منذ ظهرت الحركات الاستعمارية او اختيارها كلغة عالمية للتفاهم بين الشعوب، أو نتيجة الهيمنة الاستعمارية التي كانت من قبل بريطانيا في القرون السابقة (التي لا تغيب عنها الشمس) نتيجة اتساع سيطرتها على دول عديدة غطت سيطرتها في الشرق والغرب .

ولكن، هل هذا يعني ان الثقافة العربية اصبحت جانب سلبي مستقبل وغير منتج إن صح التعبير؟ وبتعبير آخر إن الثقافة العربية، لم تؤثر ولم تبسط حضارتها ونتاجها الفكري وغيره؟ الواقع إن الثقافة العربية ، بفعل ما تمتلك من خزين وتراث وإرث قديم وحديث ومن مبدعين وفنانين وأدباء وعلماء، وبفضل التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي (التي هي جزء لا يتجزء من جسد العولمة) ان تعزز من قوتها وفرض وجودها.

نعم ، لقد أعطت وساهمت وقدمت بحكم التفاعل مع العولمة الذي جاءت به العولمة ذاتها.

مع ذلك، ورغم تواجد فرص كبيرة للثقافة العربية مكنها أن تعزز من تفاعلها مع العولمة من خلال التبادل الثقافي، وتسهم في انتشار الأدب العربي والفن العربي في جميع أنحاء العالم. بفضل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح بالإمكان للمبدعين والفنانين العرب الوصول إلى جمهور أكبر وتبادل أعمالهم وآرائهم وطرح ما يمكن طرحه من أفكار تتفق أو لا تتفق مع منهج الحياة العالمي، او بكل ما يصدر من إبداع إنساني عربي معاصر..

إن الثقافة العربية، تلعب دوراً هاماً في التعايش الثقافي والحوار بين الثقافات المختلفة، كما يمكنها أن تسهم في انتشار الأدب العربي والفن العربي بكل أنواعه، وبالاضافة الى الحكايات الشعبية التي تشكل موروثا شفاهيا لا غنى عنه، مما يمكن للغرب ان يطلع عليه والغور في دراسته، إضافة الى التعرف عن قرب بطبيعة المجتمع العربي وخصائصه. وهذا يقود المبدعون الى الوصول الى أكثر مساحة للتواصل والتعارف والاطلاع مع المبدعين في العالم، وبالتالي تعزز عملية التبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب.

إن آتساع هذا التبادل والتفاعل الثقافي والسعي الى التكاملات الاقتصادية والاجتماعية، وبقدر الاستفادة الواسعة للجوانب الايجابية للعولمة، تبقى هنالك المخاوف من التأثير على الهوية العربية واللغة والتقاليد والعادات للشعوب .

فالعولمة، بقدر ما تمد وتعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، يمكن ان تستفيد الثقافة العربية منها من خلال اعتماد مظاهر الحضارة العالمية المتقدمة ودمجها في اطارها الثقافي الخاص.

فلا شك ان التطور التكنولوجي له دوره البارز والمؤثر في الثقافة العربية ونشرها الى أوسع مساحة في العالم، وفسح المجال للتعرف عليها من دول كانت ولا تزال لا تعرف الشيء الكثير عن القيم والثقافة العربية، و كذلك ما يحمل العرب من قيم حضارية وتأريخ حافل بالمنجزات التي لم تطلع عليه اليوم العديد من الشعوب العالم.

بصفة عامة، يتعين على الثقافة العربية البقاء مفتوحة للتغيير والتطور، مع الحفاظ على القديم أو التراث العربي الذي ورثوه العرب من أجدادهم عبر حقب تأريخية ليست بقليلة فكر وقيم وليست بجديدة و حديثة العهد، إنها موروث يعتز به إنسان هذه الأرض.

لا شك إن التنوع الثقافي سيزداد في مجتمعاتنا بسبب العولمة، وبالتالي سيقوده الى التعايش بين مختلف الثقافات، مما سينعكس ذلك جلياً على النتاجات الابداعية في الأدب والفن ومنه الغناء، ونمط الحياة بالمأكل والملبس وغيره. واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان التكنولوجيا لعبت دورها الكبير، فمن خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الاعلامية الأخرى، ستؤثر حتماً على العادات والتقاليد وتغير الكثير من المفاهيم التي عاشها العرب، وليس العرب فحسب بل والغرب أيضاَ فكل يؤثر بالآخر بحالة تبادلية، والكفة تميل الى القوة الأكثر سرعة بالتطور والانتاج .

كذلك التعليم واساليبه وطرق التدريس التي أخذت منهجاً جديداً بما يوازي ما يعيشه العالم من تطورات سريعة في كافة مجالات الحياة، ولابد من الاشارة هنا الى تأثر اللغة العربية بما ستكتسب مزيداً من الاستعارات والمصطلحات الأجنبية في اللغة العربية والعكس هو الصحيح فبقدر تأثرها لغتنا العربية، فهنالك الكثير من المفردات والعبارات في اللغات الاجنبية جاءت من أصول عربية، وإذا كانت العولمة واللغة عنصران متفاعلان، فأن الثقافة الشعبية العربية المعاصرة سوف تسعى للأخذ بما يمنحها من رمزية أو نفس معاصر توازن بين القديم والمعاصرة بحكم التلاقح بالتراث الشعبي العالمي، وتكون النتيجة في التفاعل الذي فرضته العولمة على الحضارات، بين الغرب من جهة والعرب من جهة وبين دول آسيا وأفريقيا من جهة أخرى.

ومن الجدير بالذكر إن الثقافة العربية ليست مستقلة عن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا يعني إن التطورات والتغيرات التي تطرأ في حياتنا المعاصرة والقادمة ليست بعيدة عنها ، فهي جزء من هذا العالم المتفاعل إن كنا متفقين أو غير متفقين، إذ هذه التغيرات ستسهم في تطويرها أو تغيير بعض جوانبها، فالعولمة أدت الى تقارب وتشابه بعض العناصر الثقافية في مختلف أنحاء العالم، وتوسع الحوارات الثقافية بين العرب والثقافات الأخرى.

وعليه فأن الثقافة العربية تستمر وتكون جزءاً حيوياً من المشهد العالمي، بتبادل المعلومات والتواصل السريع، وإذا كانت العولمة قد أدت الى تقارب وتشابه وتفاعل في مختلف انحاء العالم، فأن الثقافة العربية تحتفظ بخصوصيتها وتنوعها الثقافي الغني، وإن الموروث الثقافي العربي واللغة العربية عناصر مهمة في الهوية العربية، ورغم كل التحديات فأن هذه العناصر سوف تستمر في الوجود والتأثير والتأثر رغم التحولات العالمية.

***

د. عصام البرام - القاهرة

في المثقف اليوم