قراءة في كتاب

الكتاب الثامن والعشرون للدكتور حسين سرمك حسن: موسوعة النمو النفسي للإنسان

- دليل تربوي مدعم بمئات الأمثلة والتجارب والبحوث الحديثة للأمهات والآباء ولكل من يتحمل شرف مسؤولية تربية إنسان آخر) (460 صفحة) للدكتور حسين سرمك حسن . صدر الكتاب وهو الثامن والعشرون للمؤلف عن دار تموز بدمشق. وضع المؤلف على الغلاف الأخير للموسوعة تعريفا بمضمونه وأهدافه قال فيه:

(... لقد كانت هذه الظواهر والحوادث العامة والشخصية، المهمة جدا والغنية بالدلالات النفسية والإجتماعية - مع إدراك خطورة الحقيقة العلمية التي تقرّر أن الإنسان صاحب أطول طفولة في المملكة الحيوانية- والتي تعكس هذا النقص المعرفي الخطير والصارخ، سبباً أساسياً وحاسماً في دفعي إلى إعداد هذه الموسوعة الكبيرة والهامة؛ موسوعة النمو النفسي للطفل خصوصا، والإنسان عموما، من الرحم حتى سن الثامنة عشرة، لتوضيح أسس التطور النفسي الطبيعي، والانحرافات التي تصيب هذا التطور، والعوامل التي تسببّها، بدءاً من حياة الجنين الداخلية في الرحم الأمومي، فالولادة. ثم الطفولة بمراحلها المبكرة والمتأخرة، فتغيرات البلوغ العاصفة، وصولا إلى ختام مرحلة المراهقة ووقوف الإنسان على أعتاب مرحلة الرشد في السنة الثامنة عشرة من عمره، وذلك من خلال متابعة تفصيّلية تلاحق أدق التغيرات النفسية والجسمية للطفل خطوةً خطوة، متابعة تؤكد على الجانب العملي بصورة أساسية لتكون دليلاً عملياً للآباء والأمهات والمربين بكافة أدوارهم ومسؤولياتهم).

وقد ذكر المؤلف في مقدمة الموسوعة مجموعة أخرى من المبررات تجعلنا نقتنع بالحاجة الماسة لها ولغيرها من البحوث والكتابات في مجال علم النفس الذي تعاني فيه المكتبة العربية من نقص فادح بالإضافة إلى نقص المعلومات النظرية النفسية العلمية لدينا عن نمو وتنشئة أطفالنا وطرق تربيتهم. يقول المؤلف عن الدوافع التي جعلته يقوم بإعداد هذه الموسوعة الضخمة (460 صفحة):

 700-husan

(لقد تظافرت مجموعة من الظواهر والحوادث العامة والخاصة، في دفعي إلى إعداد هذه الموسوعة عن النمو النفسي للإنسان عموما، والطفل خصوصا، من أسابيع الرحم الأولى إلى السنة الثامنة عشرة، منها :

ذات يوم، جاءتني إحدى شقيقاتي المتزوّجات ناقمة، وقد احتقن وجهها غضباً وانفعالاً، بسبب سلوك مشين لـ«رجّالها»، كما اعتادت أن تصف فارسها الصغير والوحيد ؛ طفلها الذي لا يزيد عمره على الثلاث سنوات.

وحين سألتها عن سبب نقمتها على «رجّالها»، قالت: للمرّة الثانية يحرجني أشدّ الإحراج أمام ضيفة لي، حيث يأتي ويقف أمامنا متكئاً على الجدار، ويبدأ بفرك قضيبه الصغير من وراء ثوبه بلا حياء، ويستمر في سلوكه الشائن رغم صياحي عليه وتهديدي له بالضرب . سألتها: وماذا فعلت له؟ قالت: لقد اضطررت إلى سحبه إلى غرفة النوم، وضربه بشدّة، وقلبي «يتقطع» عليه لأنني أحبّه جدّا كما تعرف. وحين قلت لها : إن تصرف فارسها الصغير طبيعي وهو جزء من عملية استمناء الأطفال التي تبدأ من هذا العمر وكان عليها أن لا تضربه.. غادرت وهي غاضبة بدرجة أكبر مدمدمةً : يا لك من أخ .. جئت أبحث عن العون لديك فإذا بك تبّرر سلوكه الشائن بخرافاتك النفسية هذه التي لا تُرضي ربّ العالمين»..!!

 وعلى هامش جلسة لمناقشة المعضلات التربوية في تنشئة الأطفال، قلت لزميلتي - وهي مختصة بعلم نفس الطفل منذ سنواتٍ طويلة - إنّ أحد العلماء السلوكيين الغربيين، قام بتجربة فريدة مفادها، أنه وضع بيضاً لنوع من البط المنزلي في حاضنة اصطناعية للتفقيس من دون أمها، وكان يحدّث "البيض" كل يوم في أوقات محددة وبلغة بشرية واضحة. وعندما فقس البيض، وخرج صغار البط، وجد هذا العالم، أن هذه الفراخ تنجذب نحو "صوته" حينما يكلّمها وتسير خلفه. وقلتُ إنّ هذا يعني أهمية أن تكلّم الأم جنينها وهو في الرحم . حين سمعت زميلتي هذه التجربة استغربت وطلبت مني "المصدر" الذي استقيت منه المعلومة. هذا يكشف جانبا من عدم ملاحقتنا كمختصين للتطورات التي تجري في عالم السلوك الإنساني.

أمّا في ممارستي العيادية الخاصة، ولسنوات طويلة، فقد وجدتُ، وبيقين لا يقبل الشك - وهذا ما أكدته البحوث النفسيّة عالمياً - أنّ نقص المعرفة الكافية بمتغيرات وأسس ومظاهر النمو النفسي الطبيعي للطفل لدى الأبوين - الأمهات خصوصاً - هو العامل الأساسي للكثير من الاضطرابات السلوكية والنفسية والعقلية التي يعاني منها الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة، والتي كنت أقوم بفحصها وتدبيرها في عيادتي، والتي كانت تسبّب توترات عائلية شديدة إلى حدّ أن بعضها يخرّب حياة العائلة تماماً . وكنت أجد أن اضطرابات الأطفال النفسية هذه يمكن الوقاية من الكثير منها، كما يمكن اكتشافها مبكرا، وهو الأمر الذي سيساهم في تخفيف شدتها وتشخيصها وعلاجها بدرجة كافية، لو توفرت للأبوين في البيت، وللمعلمين والمعلمات في المدرسة، وللمسؤولين عن إدارة سلوك الشباب في مؤسسات الدولة الأخرى، المعلومات الكافية عن العمليات النفسية الطبيعية، التي تتحكم في نماء الطفل والمراهق وتطوّره، والتي توفّر لهم فرصة رصد الانحرافات الشاذّة، التي تحصل لديهم، وفهمها، والتعامل معها بصورة موضوعية . 

إنّ هناك كماً هائلاً من الملاحظات والمشاهدات والظواهر، التي تثبت أن مجتمعنا، يعاني نقصاً فادحاً في المعرفة النفسّية التي تتعلق بنمو الأطفال النفسي وتربيتهم وسبل تنشئتهم اجتماعياً بصورة صحيحة تتيح لنا الحصول على جيل سليم، يمكنه الإمساك بمقادير حياته وحياة مجتمعه وقيادتها بصورة مُقتدرة . كما إن الإعداد النفسي الصحيح لهذا الجيل سيجعله قادراً على إعداد الأجيال التي تليه وقيادتها وتوجيهها بشكل سليم وصحّي سينعكس، وبصورة مؤثرة، على الصحة النفسية للمجتمع بأكمله وعلى أدائه ككل).

تكوّنت الموسوعة من مقدمة وخمسة وعشرين فصلا منها: النمو النفسي من الحمل إلى المراهقة، التطور الجسدي من الحمل إلى المراهقة، تطوّر ذكاء الطفل، التطور الأخلاقي، التطور الإنفعالي والإجتماعي، الإرتباط، مشكلة الإنفصال وتأثيراتها في حياة الطفل، محنة الطلاق، معضلات الأمومة في البيت والعمل، مشكلات الأبوة، طرق تربية الطفل، أساسيات التربية: توجيهات عملية للأمهات، التربية الجنسية، التدريب الإخراجي، التأثيرات النفسية للمرض على الطفل، الطفل الصعب، دور القصة في تربية الطفل، إضطرابات الطفولة السلوكية والنفسية والعقلية، التخلف العقلي، تأثيرات الأم المريضة نفسيا على طفلها. مع فصل للمشكلات السلوكية الخاصة كمشكلات التغذية والنوم والدراسة والعراك والأنانية والمخاوف وغيرها.

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2294 الثلاثاء 04 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم