قراءة في كتاب

قراءة نقدية في كتاب تجليات الذات الكاتبة في حرارة السؤال الشعري للدكتور محمد عبد الرضا شياع

1071 akeelعن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع-العراق، تم إصدار  الطبعة الاولى للكتاب الثاني الذي اقرأه للدكتور محمد عبد الرضا شياع وهو بعنوان تجليات الذات الكاتبة في حرارة السؤال الشعري، والكتاب من القطع المتوسط ب ١٦١عدا الصفحات الخاصة بالمصادر والمراجع وتتضمن ست صفحات.

المؤلف عبارة عن فصول خمسة اضافة الى الإهداء والخاتمة  اما الفصل الاول فقد تم تخصيصه لتحليل بعض نصوص الشاعر محيي الدين محجوب من ديوان الغيمة في يدي، ٩-٣١بينما تعرض الفصل الثاني لمناقشة مبسم لجرح القصيدة في جدائل الحلم للشاعرة حليمة الصادق العائب   

٣١-٦٣، اما الفصل الثالث فيتطرق الى انبجاس اللحظة في مجموعة عزيف للشاعر عبد المنعم المحجوب ٦٣-٩٥، بينما يبحث الفصل الرابع عن مجموعة حركة الألوان في درويش للشاعر يوسف ابراهيم ٩٧-١٢٨، اما الفصل الخامس فعنوانه انكشاف العتمة في ليل النص ١٣١-١٥٩، متبوعا بخاتمة الكتاب التي تحمل عنوان خاتمة في مسارات البوح ١٥٩-١٦١والكتاب بحسب العنوان يشير الى ان أصل الإبداع وانبثاقه يعد حالة من حالات الوعي المرتبط بمكانية الزمان، وزمانية المكان، اما مكانية الزمان، فإنها تمثل العمق الوجودي للقصيدة، باعتبار ان الموضوع يستعرض لغة القصيدة الليبية، سيما وان المؤلف عاش زمنا ليس بالقصير في ليبيا وهو حاضر انفاس القصيدة، كما هو حاضر حقيقة البوح الزماني باعتبارها تمثل الخط المتصاعد من اللغة الشعرية، فالزمان ينطق بصفة التفاعل المكاني للشاعر، كما ينطق بعنوان الخط المنبعث من تلك المشاعر. هذا الخط هو النبض الذي يرتبط بقلب الشاعر في لحظات التفاعل والانفعال، وحرارة السؤال الشعري، إنما هو يعد انبعاثا وجدانيا، يتعلق بحقيقة الذات الكاتبة، هو أشبه بتدفق نهر به تتطهر الروح من اوجاع إلانا لتتحرر بعيدا عن أقفاص الازمنة الموجعة. وهذا التحرر هو الذي يشكل سيمائية النص؛ فهي بها تتميز حقيقة النص، وبها يقطع الشاعر مسافة الارتباط بين لغة القصيدة، ولغة الذات. ومن هنا تستضاء نواقيس الإبداع، هذه التي تتجلى في فضاء البوح اولا، وتسمو بعد حين، تتفاعل مع المشاعر الانسانية، تستغيث بأبجدية القارئ الذي يعد عنصرا مهما من عناصر الصنع الإبداعي لهذه النواقيس، هذه الاستضاءة تشبه السلم الموسيقي الذي تندرج نوتاته تحت سقف اللحن الخاص بالنص، لترتبط بفضاء القارئ،  حيث بحسب المؤلف ( ليشاطرها متعة المصاحبة في قراءة إيقاع الذات الكاتبة)، وهذا هو معنى التجلي، حيث تتحلل لغة الذات الكاتبة الى مكوناتها، لتلد من رحم الحقيقة الوجدانية لقارئ النص.

وهذا بحسب المؤلف يشكل عنصري الاتساق والانسجام، اما الاتساق فهو كاشف عن نمط إتكاء العناصر الخاصة بالقصيدة، بينما في الوقت نفسه ينشأ  هنالك تداخل هارموني، هذا التداخل، إنما يعد رحيقا به يتنفس النص ألوانه المتعددة، به يقفز النص من ذات الكاتب الى ذات القارئ، يتلائم ويتلاقى ويتلاقح مع أقحوان مكنوناتها. ليلد هذا الذي يبدو لي أشبه بالتوافق compatibility بين ما يريد ان يقوله الشاعر، وبين ما يبحث عنه المتلقي.

تعد النماذج الشعرية الخاصة بالشاعر الليبي محي الدين محجوب ص١٢، أمثلة حية لهذا النوع من التوافق حيث عبر الفراغ الذي تتركه القصيدة تنبعث القراءة من جديد لتترك بصماتها مع أركان الزوايا الحقيقية لهذا الفراغ على هذه الشاكلة: 

"تجري السنين.. مثل قاطرة... معاصرة تهرم الأمسيات..وتذبل الأغاني في حدائق اليأس.. تكبر أوجاعنا- المخبوءة عن اقرب الأصدقاء" ص١٢-١٣

في الفصل الثاني من الكتاب فرض الاتكاء على النص ضرورته للإدلاء بانفصال الشاعر عن ذاته من الداخل  بحثا عنها في الخارج فكان للفراغ طريقا به ارتبط اللاوعي مع تخارج الوعي. بمعنى الانتقال من لامادية الوعي الى مادية الوعي لحماية الذات من الانفصال، والانتقال بها الى فضاءات الاتصال الواعي، وتلكم حالة الذات الكاتبة، فهي مسافرة وملبدة بالاحزان والليل والظلمة والسحب، هكذا رسم لنا الناقد صورة الذات وتجلياتها وهي تتحدى، تصرخ لتتآلق بعد ارتدائها هذه التي عبر عنها الدكتور شياع ب (سلطة الإبداع) حيث لغة الانتقال بحسب قوله من اللامرئي الى المرئي كما ورد في معرض تحليليه لقصيدة حليمة الصادق في الفصل الثاني، وهو يرسم حلقات الصراع المترابطة بين سلطتي النص والابداع، حيث الانتقال من الذات الى الموضوع؛ من سلطة اللاوعي الى سلطة الوعي عبر قصيدة جدائل الحلم التي ورد الحديث عنها في

الفصل الثاني الذي يتناول الشاعرة  حليمة الصادق العائب مبسم لجرح القصيدة في جدائل الحلم

ظاهراتية الصورة وظاهراتية الروح

الى من يقرؤني ..الى من يسكنني..الى من يرفع عني حجب الظلام..الى ابي وامي"٣٥

اما الفصل الثالث فهو عن نصوص للشاعر عبد المنعم المحجوب وذلك تحت عنوان انبجاس اللحظة في (عزيف) وهو وصف تحليلي لما يجول في داخل الذات حيثما تحتويها وتطوف بها أدغال الحزن حيث تعوم هذه الروح بين طيات ظلمة كثيفة لا تقدر بسببها ان تنال حريتها، ولهذا اسرارها الخبيئة حبيسة تبقى بين هذه الأدغال.

" الليل الأثير لدى التائهين..نزهتهم التي بلا كلمات" ص٧١

والصورة الشعرية هنا لا تخلو من لقطات العسكر والخوذ

حيث ان الشاعر بحسب المؤلف يبحث عن توليف سيموطيقي، اي تنظيم الإشارات الحسية وفقا لبصيرة الشاعر اللغوية، حيث محاولة الذات للانتقال من وجودها العدمي الى عدمها الوجودي

"صمت يستدر الصمت.. ان ينصت اكثر..شبه كلمة من قِش احتمالات" ص٧٣

فالصمت هو الطريق الى سيمياء الكلام، وسيمياء الكلام هو أقصى حالات الالم. اما حركة الألوان في درويش للشاعر يوسف ابراهيم فهي عبارة عن لغة البحث عن الذات؛ الانتقال من العمى الى البصيرة، من الظلمة الى اللون، من الداخل الى الخارج. الشاعر يوسف ابراهيم يبحث عن مقولة الزمن عبر هذا التفاوت البصري الخادع في اللون على شكل مشاهد أربعة ولكل مشهد حركة وصورة ولون، هذه الحركة بها تتألف الزوايا البصرية تنفرج تارة وتنكمش تارة كما حدقات العين،  فالماضي حاضر بلونه، ولونه ليس كما الحاضر، وليس كما المستقبل ص١٠٤

" يا غدنا الآتي لا تأت فالفجر غروب" ١٠٦

وفي الفصل الخامس حيث بعدما يطوف المؤلف في أركان هذا التفاوت الذي تتماوج فيه حركة الذات عبر انتقالها المتفاني من أقصى اعماق الظلمة الى أقصى انبعاث الضوء، يصبح النص قادرًا لاستكشاف العتمة، حيث تنبعث الذات؛ تتدفق من جديد، تتجاوز سحب وجودها المثقلة بأذيال الخيبة والخذلان الى فضاءات كبريائها الكامن في أقصى وعي القارئ لعلها لغة الوجدان تجد من يميل الى فطرتها، ونقائها بعيدا عن العتمة. هنا في معرض البحث في الفصل الخامس لا بد من تسليط الضوء على قصيدة الشاعرة عائشة إدريس المغربي باعتبارها استاذة ومبدعة أجادت البحث في استعراض الصورة الشعرية بناء على معيارية جديدة في النص، لتستعرض ابجدية عالمها المزدان بالوصف المبهر لمعنى التمرد كمفهوم يضاهي معنى الثورة، وهي ترسم إبيات شعرها عن عروة بن الورد، هذا العالم الساحر الذي تصبح فيه مقولة الصعاليك كما أنشودة ثورية يتغنى بها الشعراء.

" يا ابا الصعاليك أعرني حذاءك كي اعرف الطريق..لنشر رداءك كي تحجبني..لقد فضحني هذا النهار" ١٤٢. هي لغة التمرد على لسان الرمز الذي أجادت الاستاذة الشاعرة عائشة البحث عن سلطنته الخبيئة في أعمق وجدان الذات الكاتبة.

 

استعراض ونقد عقيل العبود / ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم