قراءة في كتاب

قيثارة أورفيوس .. قراءاتٌ في السائد والمختلف

iman mohamadعن دار العارف للمطبوعات ببيروت صدر لأستاذي الدكتور (عبد الرضا عليّ) كتابه النقديّ الجديد الذي وسمه بـ: (قيثارة أورفيوس .. قراءات في السائد والمختلف) ضمَّ بين غلافيه  دراسات نقديّة عديدة في حقلي التنظير والتطبيق ابتدأت في تأصيلِ القولِ ـ إيجازاً ـ (عن الشعر في العراق في القرن العشرين) أشار فيها إلى ما كان لهذا الشعر من منجزات، وما كان فيه من ظواهر فنيَّة وظَّفها صانعوهُ في مضامينهِ، فضلاً عن وقوفِها عندَ إنجازات بعضِ رادة التحديث الذين حاولوا تقديم النصِّ الأنموذج.

 كما عالج هذا الكتاب قضيَّتي (الغموض والإبهام في الشعر) تنظيراً لأمن اللبسِ في فهم الظاهرة على نحوٍ عام، لأنَّ بعضَ الناشئين لا يميِّزُ بينهما، ولا يدركُ الفروق الجوهريَّة بين المصطلحين كما يقول المؤلّف، ثمَّ كانت دراستهُ للسيّاب ـ في ذكرى رحيله ـ  هدفاً (كما يقولُ) للوصولِ إلى بنيَةِ نصِّهِ بداءةً من مخالفة السائد، وصولاً إلى تحقيقِ النصِّ الأنموذج الذي كان بدر قد سعى إلى تحقيقه.

 كما تناول هذا الكتاب دور الخيال الشعبي في تكوين الميثولوجيا العربيَّة،  وما تناقلته بعض المظان القديمة من تلك الصورالميثولوجيَّة، واعتبارها من الحقائق (للأسف)، وترويجِها بين الناس.

أما (حركة نقد الشعر في الموصل منطلقاتُها واتجاهاتُها) فيمكن عدّها واحدةً من الدراسات المستفيضة في نقدِ النقد في جانبيهِ : التنظيري، والتطبيقي لأكثر من ربعِ قرنٍ في حراكٍ ثقافيّ نقديّ لمدينةٍ كان بعضُ أبنائها من رادةِ التحديثِ في العراق، فضلاً عن دراساتٍ أخرى في بنية النصِّ، ونسيجهِ، وفلسفتهِ.

1141 abdulrida أمَّا القسم الثاني من هذا الكتاب، فقد كان تطبيقيَّاً، حيثُ اهتمَّ بالنصوصِ الفنيَّة التي خالفت السائدَ، وتمرَّدت عليه، وسعت إلى التجديدِ في فلسفةِ النصِّ، وبنيةِ النسيجِ، والاهتمام بالتدويرِ، أو بالإيقاعِ الداخليّ، فكان أن وقفَ عند تلك النصوصِ محلِّلاً مفسِّراً مقوِّماً، لينتهي إلى تأصيلِ القولِ في أهمِّ ملامحِها المختلفة.

 إنَّ هذه الدراسات في السائدِ والمختلف ستحفِّز العيون المغمضة (كما يرى المؤلّف) على فتحِ أجفانها.

ومع أنَّ مقدّمة المؤلّف الموجزة حاولت أنْ تجيب عن بعضِ ما قد يُثيرهُ القاري من أسئلةٍ عن السائد الرصين، والمختلف الجديد، فإنّنا نرى أنَّ الوصولَ إلى تلك الإجابات لن يتمَّ دون قراءة الكتابِ برمّتهِ في قسميه ألتنظيري والتطبيقي، لأنَّ قراءات المؤلِّف النقديَّة لبعضِ الآثار الإبداعيّة تحليلاً، وتفسيراً، وتقويماً في القسم الثاني التطبيقي أظهرت أنّه يضع بعض السائد الرصين معادلاً للمختلف الجديد من حيث المعياريّة. وقبل أن نعرض تلك المقدّمة الموجزة للمتلقّي الكريم نشيرُ إلى أنَّنا كنّا وراء كتابة التنويه الذي كتبه أستاذي الدكتور عبد الرضا عليَّ توضيحاً لدراسته عن (حركة نقد الشعر في الموصل منطلقاتها واتجاهاتها)، فقد رجوتُه أن يوضح للمتلقّي أسباب حجب نصف تلك الدراسة في (موسوعة الموصل الحضاريّة) آنذاك في العام 1992، ليطلع الجميع على ما كانت تقوم به بعض ما سمّيت بلجان السلامة الفكريّة في زمن الطغيان.

*****

 وإليكم ما عرضته مقدّمةُ هذا الكتاب بلغة الشخص الثالث المستحبّة لدى أستاذي: (تَـنبَّهَ وهو في أشدِِّ معاناتهِ من أسقامِ المفاصلِ، والسكّريِّ، والكولسترول، وما إليها من آلامِ العمود الفقريّ إلى أنَّ بعضاً من دراساتهِ النقديَّةِ التي أخلصَ القولَ فيها لمَّا تنتظمْ بعدُ بين دفَّتي كتابٍ يحفظُها من الضياعِ بعد الرحيلِ، ورأى أنَّ استكمالَ قراءاتهِ النقديَّةَ الجديدة، وضمَّها إليها قد يُشعرُهُ بالرضـا النسبيِّ في أنَّ مشروعَهُ الثقافيَّ الذي حلمَ بإنجازِهِ لا يزالُ قابلاً للتنفيذِ، فسارعَ إلى إنجازِ بعضِ ما رغِبَ في إنجازهِ على الرغمِ من تلكَ الآلامِ التي يسببها له الجلوسُ وراءَ الحاسوبِ، وشرعَ  بضمِّ الجديدِ إلى القديمِ مراعياً الصلةَ في تناسقِ بعضِها ببعضٍ، فارتأى أنْ تكونَ قراءتُهُ (عن الشعرِ في العراق في القرن العشرين) هي المدخل المناسب لهذا الكتابِ، مع أنَّ هذه القراءةَ لم تكنْ الأجدَّ في إنجازهِ، رغبةً في جعلِ المتلقِّي الكريم يقفُ على ما كانَ قد توصَّلَ إليهِ من نتائجَ نقديَّةٍ رآها حريَّةً بالنشرِ بين الناسِ منهجيَّاً، تحقيقاً لهدفِ المنهجِ العلميِّ في الوصولِ إلى الحقيقة وإذاعتِها بين الناس.

 وحينَ أعادَ قراءةَ دراساتهِ جميعاً اكتشفَ أنَّ بعضَ أبياتِ استشهاد الشعريَّةِ قد تكرَّرتْ، فلمْ يرَ ما يوجبُ القيام بتغييرِها، لأنَّ السياقَ العام للاستشهادِ كانَ موضعُهُ سليماً، فأبقاها مقتنعاً معتزَّاً بها حيثُما وردت، لأنَّها حقّقَتْ شأوها المطلوب.

 إنَّ هذه القراءاتِ النقديَّةَ التي احتفتْ بالسائدِ الرصينِ، وأشادتْ بما حقَّـقَهُ من خلاصاتٍ احتفت في الوقتِ نفسِهِ بالنصِّ المدهشِ المخالفِ ِالذي ناقشَ السائدَ الراكدَ، وخالفهُ، فضلاً على أنَّها قد دعتْ (ضمنيَّاً) إلى تجاوزِ حالاتِ التقليدِ الفجِّ، والاشتغال (والانشغال أيضاً) بالوجعِ الإنسانيِّ الذي لا يتردَّدُ في أنْ يتعاطى مع الأسئلةِ الملحّةِ، فالشعرُ رؤيا، وليسَ من شروطٍ على فاعليَّـتهِ، والقراءة في السائدِ والمختلف ستحفِّزُ العيونَ المغمَّضةَ (كما نزعم)على فتح الأجفان) .

 

عرض: إيمان محمّد ـ ألمانيا

                                                   

 

في المثقف اليوم