قراءة في كتاب

أوراق مغتربة.. كتاب جديد للأديبة نجاة نايف سلطان

1038 نجاة نايفعن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل صدر حديثا كتاب (أوراق مغتربة) للأديبة العراقية الرائدة نجاة نايف سلطان، وقد تصدرته كلمة إهداء مؤثرة جاء فيها (إلى كل من لم يدعني أمر بذاكرته مرورا عابرا بل أبقاني فيها .. أقول إن شئت فاذكرني أو شئت فانسني فالأمر في بدئه أشبه بالثاني .. وإلى ولدي علي .. لقد أعطيتني كثيرا وأعطيتك قليلا فاعذرني) .

وفي كلمة أشبه بالمقدمة للكتاب قالت (صديقي القارئ لم أجدك، وأشك في أني سأجدك اليوم، الساحة مزدحمة

(فغواني العصر في كل الزوايا

وعبيد الحرف في كل المنابر)

وقد تمر سنوات قبل أن تقرأني وأكون قد مضيت، وأعرف أنك ستتعب وأنت تحتار أين ستضعني ومع من أو من أين أكون قد جئت، فأنا أحمل ركام أكثر من خمسين سنة من العواصف التي مرت وتمر على العراق، وكنت وما أزال تحت ذلك الركام مهما بعدت..).

وأحتوى الكتب على قسمين: الأول ضم كتابات متنوعة وقصيرة، والثاني مجموعة من القصائد، ونصوص من الشعر الشعبي، وكان أول موضوعات القسم الأول هو (أنا والثور المجنح) الذي تساءلت فيه (كيف سأعرف أنك ستكون معي أينما ذهبت.. على بعد خطوات من خط الاستواء في القرن الأفريقي، أو على تلك التلال الخضراء المحيطة بجامع قائد أعظم في إسلام آباد، أو حدائق هايد بارك في لندن، أو حدائق فرساي واللوكسمبرج، وغابات بولونيا في باريس، أو حدائق الريتيرو الغناء في مدريد ؟ لقد كنت دائما معي وفي أعماقي وأشعر بثقل أقدامك الصلدة تطبق على أنفاسي وتسحقني).

وتحدثت بصراحة عن نظرتها إلى الشعر في موضوع قصير قالت فيه: (الشعر ترف أمارسه عندما تغرقني ألوانه حتى الأسود منها، وأحيانا أحب الترميز فيه، وأتحسس روعته إن غمض عليّ وتخفى في حذق ومكر لذيذ، وأحب الغوص فيه).

وفي مقارنتها بين الكتب والناس وأخلاقهم قالت: (وأرى أن الناس أيضا مثل الكتب .. كثيرون مروا بحياتي .. أقارب وأصدقاء وزملاء عمل أو مجرد معارف أو رفاق سفر في قطار الحياة الطويل، وما زلت أحفظ لأسمائهم الود والاحترام وإن بعدوا وغابوا، وهناك من ألقيتهم في غياهب النسيان ن وأغلقت على ذكراهم بابه الأبدي) وأضافت (في شجرة الذاكرة الحية كأي شجرة هناك أغصان ذابلة وميتة لا تستحق البقاء، قطعتها من أصولها لكي أبقي شجرتي زاهية أتفيأ ظلالها الندية في سنوات العمر الموحشة اليوم، ولكني أعجب فما زلت أجد وخزات أشواك متخفية هنا وهناك .. يا للذاكرة العجيبة دائما تبقي لنا بعض الأشواك)!!

وتساءلت في موضوعة عن العناوين فقالت: (كنت دائما أتوقف عند مقولة (الكتاب يقرأ من عنوانه) وأتساءل هل هذا صحيح مئة بالمئة؟ لماذا إذن أرى كثيرا من الكتب بعناوين لا علاقة لها بمحتواها ن بل وبتناقض غريب أحيانا ن ومنها طبعا من صدمني بقسوة حقيقته في محتواه)، وتطرقت إلى أولى محاولاتها في الكتابة قائلة (كنت أريد العنوان معبرا بصدق عما أكتب، ولكني تدريجيا بدأت أخفي كتاباتي في عناوين مموهة لا تقرأ معانيها بمجرد حروفها، وتعلمت التحايل على المحتوى لأترك لخيال القارئ فسحة من التأمل) .

أما في القسم الثاني من الكتاب وقد خصصته للشعر، وقد تضمن ثماني وعشرين قصيدة، منها قصيدتها (ضياع)، وقالت فيها:

يا صديقي

لم أعد  تلك

(نجاة)

نضب الحب

وجفّ

سحر تلك الأغنيات

لم يعد في أضلعي

نبض حيّ

ولا فيّ

حياة

منذ أبحرت

طويلا

في بحار الظلمات

لم اعد

تلك (نجاة)

وقالت في قصيدة أخرى بعنوان (تلاوين):

يا ليل

ما زلت أطويك

وتطويني

ففي كل زواياك

تلاوينٌ ألاويها

وتلويني

وريقاتي ألملمها

واسخر

من عناويني

هنا حبٌّ

هنا شوقٌ

هنا غدر بسكين

سواد منك يا ليل

تغلغل في

شراييني

سواد منك يا ليل

من الرأس

إلى الكعب

يغطيني

وختمت الكتاب بـ(شعبيات)، وهو ما كتبته في الأدب الشعبي، وقد تضمن ستة نصوص جميلة، والكتاب عموما يعكس مقدرة ثقافية عالية للمؤلفة الأديبة التي نجحت في التعبير عن أفكارها ومشاعرها بأسلوب غاية في الرقي والجمال، وكان لهموم العراق والعراقيين الحصة الأكبر فيه .

ومن الجدير ذكره أنه سبق للمؤلفة أن أصدرت مجموعتين شعريتين هما (نجوى والنهر) و(ما قبل العصور)، وروايتين هما (سلاما يا وفاء) و(ذكريات امرأة عراقية) الذي نال اهتماما غير قليل من المتابعين لعرضه مرحلة مهمة من تاريخ العراق القريب، ولديها كتاب مخطوط بعنوان (الانحدار نحو المجهول) لا يقل أهمية عن سابقه، ولعله سيرى النور قريبا .

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم