قراءة في كتاب

نصوص لا تلائم قياسات المسطرة

1292 عواطف حسنمن الكتب المميزة التي صدرت حديثاً  عن دار كلكامش كتاب (نصوص لا تلائم قياسات المسطرة) لكتابته المبدعة عواطف حسن الحسني، وقد تضمن مئة لوحة نثرية عالية المضامين وعميقة الفكر والمعاني، وقد كتبت بأسلوب أدبي بديع، وهي تتناول هموماً إنسانية ووطنية واجتماعية، وتثير جملة من التساؤلات الفلسفية المتعلقة بالكثير من مفردات الواقع الذي نعيشه ونعاني منه .

بدأ الكتاب بإهداء جميل جاء فيه: (إلى كل قلم برى نفسه من أجل أن يكتب كلمة حق)، وأعقبته لوحتها الأولى، وقد ورد فيها:

(عندما أسمع هذه الموسيقى أعرف أنها بحيرة البجع، وأن مؤلفها هو تشايكوفسكي، وعندما أرى أشعة الشمس وهي تشرق على الجبل ثم تنزل إلى سفوحه أعرف أنها موسيقى الطبيعة وأنها هبة الله عز وجل، أنا هذه الموسيقى التي في داخلي فلا أعرف كينونتها؟! أو ماهيتها؟! ومن هو مؤلفها؟! وما أسرار تأليفها والعوامل المؤثرة في نسيجها؟

هل هي نبوءة؟! إذاً أنا نبي الموسيقى، وقد أعلمني الذي بثها أن الأوان قد آن لأجهر بالنبوة !!

وحين فعلت أحاطني حمالو الحطب من كل جهة، وأضرموا النار فيها، وكل حزب بما لديهم فرحون .

نظرت إليه من بعيد، اقترب وقال لي: انهضي وكوني مثلي، ضحكتُ وضحكتُ، قالوا لي: من أنتِ؟! قلت لهم أنا بهلول الحكيم!!) .

وقالت في اللوحة الخامسة:

(عندما قمتُ بتأليف أول سمفونية لي ذهبتُ بها إلى أستاذ الموسيقى لأعرضها عليه، نظر إليها باستغراب، وقال لي: في بلادك لا يجيدون عزف السمفونية، لأنها عمل جماعي فيه أنواع مختلفة من الآلات .

أخذتُ الناي لأبدأ عزفا حزينا منفردا !!).

وجاء في اللوحة السادسة عشرة:

(على الرغم من وجود نهرين صافيين في بلادي إلا أن هناك البعض ممن يريد الاصطياد في المياه العكرة !!

نحن لا نحتاج فقط إلى مياه صافية، نحن نحتاج إلى أخلاق صافية، وإلى مبادئ صافية، ونحتاج إلى حبّ وطنٍ صافٍ خالٍ من الأحقاد ومن الشوائب التي تلوثه وتجعله غير صالح للاستهلاك الإنساني .. الوطن ليس جسوراً وشوارع .. الوطن ليس حكومة وبرلمان فاشلين .. الوطن أعمق وأغلى .. ولمن يقول أن الوطن يحتضر أقول له: إن الأوطان لا تموت وإن أصبحت حجارة !! ولمن يريد تعريف الوطن، أقول له: إنه انتماء وكفى!!).

وختمت كتابها بلوحتها المئة، وقد عبّرت فيها عن مكنونات النفس الإنسانية التواقة للحياة الحرة وما يعترضها من متناقضات تصل إلى حد اللامعقول أحيان كثيرة، وكتبت فيها:

(في مثل هذا اليوم من الشهر الماضي للسنة القديمة !! طالبت بحقي في الحرية، فكان أن اقتادني مجهولون بعد أن ربطوا يدي، وكمموا فمي، ووضعوا غشاوة على عيوني، وجاؤوا بي إلى غرفة باردة بلا شباك ينفذ منه هواء أو ضوء، وحين رفعوا الغشاوة عن عيوني ذهلت لمنظر لم يخطر على ذهني أبداً !!لقد كانت الحرية التي أطالب بها مسجاة إلى جانبي، وهي مكبلة بالقيود من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها !! وفيما أنا في ذلك الذهول المريع دخل إلى الغرفة جمع كأنهم وحوش ضارية، كانوا يشيرون إلى الحرية الممددة إلى جانبي، ويسألوني: لماذا تدافعين عنها؟! هل تمت إليك بصلة نسب؟! أم صلة تنظيمية؟! ما الذي يجمع بينكما إلى حد الدفاع عنها؟! كانوا يصرخون صراخا مفزعا كأنه صوت قطار، كانت أصواتهم كقرع الطبول، فوضعت يدي على رأسي أتجنب ما استعطت وأتلافى عصفها في عقلي ووجداني، وأخيرا وجدت نفسي محشورة داخل القطار الذي أرعبني صوته، وهو يتجه بي إلى المجهول وسط ظلمة حالكة لنفق لا آخر له !!).

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

في المثقف اليوم