قراءة في كتاب

الجهود التأثيلية للدكتور بهاء الدين الورديّ

بتول الربيعيبهاء الدين الوردي هو طبيب عراقي، قبل أن يكون عارفًا بالسومريّات، ورسّام، وشاعر، وُلِدَ في عام 1931م، في مدينة الكاظميّة، ببغداد، وهاجر إلى المغرب في مُقتبل عمره مع ابن عمّه عالم الاجتماع الكبير علي الوردي، واستحبَّ المكوث فيها، وتعرّف ثقافات شعبها، وخالطهم وعايشهم(1).

له مُصنّف لم يُكتَب له  الذيوع والشهرة ــ على أهمّيته وأُسلوب تحليله الشائق ــ، اسمه: (حول رموز القرآن الكريم)، طُبــِعَ جزؤه الأوّل في عام 1983م، في الدار البيضاء، وطُبــِعَ جزؤه الثاني في مراكش في عام 1990م، وطُبــِعَ جزؤه الثالث عام 1996م مع قاموس أصل اللُّغات (سومرية وأكدية وعربية)، وربَّما يعود سبب قلّة اشتهاره إلى أنَّ انتشار المطبوع المغربي كان بطيئـًا نسبيًّا في المشرق العربيّ.

ويبدو من غلاف الكتاب الـمُزيّن بالنقوش السومريّة، والرسوم الفرعونيّة، أنَّ صاحبه مولعٌ بفن الرسم، وقد قدَّمَ عبد الحقّ فاضل لكتاب الوردي بمقدّمة تكشف النقاب عن منهجه التحليليّ، وتصوُّراته في تشكيل أُصول الألفاظ القرآنيّة، ورموزها، ويغلب على أُسلوب الكاتب في تحليلاته طابع الـمُغامرة، وكسر المعهود من تقنيّات التأثيل التي كان ينهجها عبد الحقّ.

وأمّا الذي شجَّعَ الوردي على الخوض في غمار التأثيل؛ فزميله الصيدليّ الفرنسيّ رينو Raynau) الذي كان قد أعلن إسلامه، وتسمّى باسم (سمير عبد الله)؛ إذ كان الوردي مولعًا بالمسماريّات، مع اعتقاده، كبعض الباحثين الأوربيين، أنَّ اللُّغة (الشومريّة) هي أُمُّ اللُّغات؛ لأنــَّهم وجدوا فيها ألفاظًا، ومقاطع، تشبه لغات أُخَر، ولـمَّا كانت (الشومريّة) أقدم اللُّغات تدوينًا؛ افترضوا أنــَّها أقدم اللُّغات وُجُودًا، وكان (رينو) ما يفتأ يتحدّث عن البابليّة والآشوريّة طورًا، وعن (الشومريّة) طورًا(2). وأمّا كتابه فيشتمل ــ إلى جانب المعلومات التاريخيّة للحضارات القديمّة ــ على صور متنوعة لأنواع الآلهة، والرموز الـمُقدّسة، والنقوش المسماريّة، وما أشبه ذلك مِمّا جاء مُنسجمًا وتحليلاته، وفرضياتِهِ؛ وُمُساوِقًا لها؛ لأجل التوثيق.

وقد قَدَّمَ له عبد الحقّ فاضل بمقدِّمة غنيّة تفصح عن منهجه التأثيلي، قال فيها: «في الكتاب معلومات استطراديّة لُغويّة قديمّة، وتاريخيّة عن الشعوب، والآلهة، والديانات، والأساطير، مُستقاة من مراجع مُعتبرة، لكنَّ الدكتور الوردي لا يتقيّد بآراء مُؤلفيها، وإنــَّما يستنتج أحيانــًا، غير ما يستنتجه سواه، غير أنَّ هذا الاستقلال في الرأي ليس واضحًا دائمًا، فبعض كلامه غير المنسوب إلى أحد، لا نميِّز منه بين ما هو منقول، أو مُقتبس، وما هو من اكتشاف الـمُؤلِّف نفسه، أو استنباطه»(3).

وهذا الأمر كان ينبغي لعبد الحقّ أن يسوقه لنفسه؛ إذ إنَّ مؤلفاته التأثيليّة تفيض بأكثر ممَّا قاله عن الوردي، فلا مصادر، ولا هوامش، ولم يُبيِّن حتــَّى ما كان من استنتاجه هو أو من آراء الآخرين.

ثــُمَّ أردف قائلا «وأنا  ــ شخصيًّا ــ  لا أتفق مع الـمُؤلِّف في بعض آرائه، فأنا ــ مثلاً ــ  لا أبحث عن أصل الكلمة اللُّغويّة، بتجزئتها إلى مقاطع لأبحث عن معنى كُلّ مقطع منها في المراجع المسماريّة، إذا استطعت أن أجد أثل الكلمة كاملة، غير مُجزّأة، فالمؤلِّف يرى  ــ مثلاً ــ  أنَّ كلمة (سماء) مؤلَّفة من (س) و(ماء)، أي: (ضوء + ماء) في اللُّغة الشومريّة الأكاديّة، ومن ثــَمَّ ظهر فعل (سما يسمو)، بينما أنَّ (السماء) هي التي نشأت من الفعل (سما يسمو)، بمعنى ارتفع... وهذا أثله (شما يشمو)، بنفس الوزن والمعنى. وهذا أثله (شم يشم) بنفس المعنى أيضًا، وبمعنى استنشق الرائحة»(4).

وينتهي عبد الحقّ من مُقدمته إلى أنَّ استعراض خلافِهِ مع الوردي قد استوفاه في كتابه (مُغامرات لغويّة)، وكتابه (تأريخهم من لُغتهم)، لكنّ ذلك لا يمنع من تقدير عمل الوردي، أو الإعجاب بما توصّل إليه من نتائج(5).

وهذا عرضٌ مُختزل لبعض تصوُّرات الوردي التي أورد فيها تحليلاته الـمُعتمِدة صنوفَ المعارف الـمُختلفة، كالأنثروبولوجي علم الإنسان (Anthropology)، والإيتيمولوجي علم التأثيل Etymology)، والثيولوجي علم اللاهوت Theology)، والميثولوجي علم الأساطير Metheology)، وما آلت إليه استنتاجاته لتفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم، وتعبيراته، ورموزه الدينيّة، والتعبُديّة.

1)  أسماء الله الحسنى

يذهب الوردي إلى أنَّ أسماء الله الحسنى باللُّغة العربية مشتقَّة من أسماء الآلهة التي كان يعبدها القدماء كالسومريين والأكديين والفراعنة وقد جمع الله كُلّ خصائص الآلهة القديمّة في ذاته القدسيّة وأصبحت في القرآن الكريم أسماءً حسنى(6).

فهو يرى أنَّ جبّار (GBAR) أصله الإله الثور، والبديع (BADIU) الإله حيّا، إله المياه والعذوبة، وربَّما يعني البادئ الأوّل، والملك (MALIKU) إله جهنّم، والمؤمن (UMUN يعني السيّد المعظّم(7).

وقد خَصَّ المؤلِّف اسم الرحمن بدراسة كاملة، فهو لا يعني عنده الرحمة، بل القوة؛ لأنَّ أصل (الرحمن) (RAMAN) إله المطر، والرعد، والصاعقة والأمطار والفيضانات (عند السومريين)، وعند الكنعانيين يُعرف باسم (ريمون)، وهذا الأخير كان معروفًا عند العرب قبل الاسلام، ويرى الوردي أنَّ رامون، وريمون، ورامان، هو (الرحمن) نفسه؛ لأنَّ بعض اللُّغات ليس في أبجدياتها الحاء، وورد ذكره عند البابليين: رحامون، ورحامن(8).

وكذلك ورد اسم الرحمن في النصوص الأكديّة باسم الإله مارتو* المعروف بإله البادية السومرية ويُدعَى كذلك رمانّو، أي: (الرحمن)(9).

ورمون هو إله الخصب عند الآراميين وكان للإله رمون معبد في دمشق في أيام نعمان السرياني قائد جيش ملك آرام(10).

وذكر الوردي أنَّ اسم الرحمن قد وَرَدَ في القرآن الكريم (57) مرَّةً، كُلّها في مدلول القوّة، وورد الرحيم (115) مرّةً، كُلّها في مدلول الرأفة والحنان. وإنَّ البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) تجمع صفتين من صفات الله تعالى، هما: الرحمة والقوّة(11).

وعن ابي العبّاس المبرّد (ت 286هـ) أنَّ (الرحمن) في قوله تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (الفاتحة: 2)، عبريّ، و(الرحيم) عربيّ(12). بيد أنَّ هذا الرأي لا يستند إلى دليل علمي.

وذكر ابن سيده (ت458هـ) أنَّ «الرَّحْمنُ أبلغُ من الرَّحِيم بِدلالَة أنـَّه لا يُوصف بِهِ إِلا الله تَعَالَى ذكره، وذكر الرَّحِيم بعده لتخصيص الـمُسلمين بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا}» (الأحزاب: 43)(13).

وفي شرح العقيدة الواسطيّة لابن عثيمين «(الرحمن)، فهو ذو الرحمة الواسعة؛ لأنَّ (فعلان) في اللُّغة العربية تدلُّ على السعة والامتلاء، كما يُقال: رجل غضبان: إذا امتلأ غضباً. (الرحيم): اسم يدلُّ على الفعل؛ لأنــَّه فعيل بمعنى فاعل فهو دالٌّ على الفعل. فيجتمع من (الرحمن الرحيم): أنَّ رحمة الله واسعة وأنــَّها واصلة إلى الخلق. وهذا هو ما أومأ إليه بعضهم بقوله: الرحمن رحمة عامّة والرحيم رحمة خاصّة بالمؤمنين»(14).

وقد بيَّنَ مصطفى جواد الفرق بين الرحمن والرحيم؛ إذ إنَّ فعلان من الأوزان العربية والألف والنون للنسبة، فالرحمن معناه ذو الرحمة، والرحيم معناه الموصل رحمته إلى عباده، فالرحمن صفة من الفعل حين كان لازمًا لفظًا ومعنى، والرحيم صفة منه حين تعدَّى لفظًا لا معنًى، وهو يرى أنَّ RIMENU أجدر أن يؤخذ من (رئم)؛ لأنَّ الحاء قد نشأت عن الهمزة(15).

ودليل ذلك قول الجوهري «رَئِمَتِ الناقةُ ولدَها رِئـْماناً، إذا أحبَّتْهُ. ويقال للبوّ والولد: رَأْمٌ. والناقةُ رَءُومٌ ورائمَةٌ. وأرْأَمْنا الناقة: عطفناها على الرأم»(16).

وذكر خالد إسماعيل علي أنَّ الرحمن مشتقّ من الجذر (ر ح م) وهو ساميٌّ عام بمعنى الشفقة والمحبّة والرحم(17).

وتوسَّعَ الوردي في مدلول القوة، والخُلاصة التي توصل إليها أنَّ (الرحمن) اسم إله عبدته البشريّة، وصوّرته إلهًا بذاته، وهو إله البرق، والرعد، والعاصفة، والصاعقة، والخصب، والمطر، والحديد الـمُنزَّل، وذلك كُلّه من معنى القوّة، والتمكُّن، والجبروت، جمعها تعالى في ذاته، فأصبح (الرحمن) من أسمائه الحسنى(18).

بيد أنَّ الوردي لم يلتزم قواعد أساسية في تأثيل أسماء الله الحسنى وخالف منهجه التأثيلي في تقطيع الكلمات، واعتمد ما وَرَدَ فقط من أسماء الآلهة في كتب الديانات والأساطير في اللُّغة السومريّة، واللُّغة الأكديّة، واللُّغة الفرعونيّة؛ إذ إنــَّه عامل تلك الأسماء على أنــَّها أسماء منقولة لا جذر لها.

2)  الحروف المقطّعة في القرآن الكريم:

عِلْمُ الحروف علمٌ قديم، تمرَّس فيه الـمُتقدّمُون من أهل الصنعة، وأورد الوردي جدولاً بمعاني تلك الحروف، ثــُمَّ قال: «ولا نريد أن نسلك الطريق الشائك وندرس علم الحروف، وأثره في الطلسمات والتعاويذ؛ ولذا فقد اطّلعنا على ما قاله الأقدمُون، وما قاله الـمُسلِمُون الأوائل في تفسيراتهم، فلم نجد ما يُشبع رغبتنا في التحقيق والاستنباط، فلجأنا إلى بداية البداية، والتجأنا إلى أوّل المعاني للحروف، وهي المقاطع المسماريّة السومريّة الأكاديّة؛ لأنــَّه باعتقادنا هي التي منها تولّدت اللُّغات، وتشعّبَتْ، ومن بابل تبلبلت الألسن»(19).

وبالعودة إلى مجموعة النظائر التي ذكرتها الأسفار الأُولى، ودراسات الـمُستشرقين، وكتب التفسير المشهورة؛ أقرَّ الباحث باقتراب أهل التفسير مِمّا توصّل إليه هو، فإنَّ هذه المذكورات ليست مُجرَّد حروف صُمٍّ، بل رموز لها معانٍ، فـ(الم): تعني: هاكم الكلمات الإلهيّة(20).

أمّا (طه): فيرى الوردي أنَّ معناه حبيب الله: (طا: حبيب + ها: إله)، ويرى الوردي أنَّ معنى (طه): (يا رجل) الوارد في تفسيرات الـمُتقدِّمين، قريب جدًّا من تفسيره: (حبيب الله)، (طا) = صاحب، رفيق، حبيب + (ها) = إله (21)؛ إذ قال: «وهذا الاسم، أو ما يُشابهه، كان معروفًا عند أهل الكتاب، أو عند بعضهم، فقد ورد عند السامريين، أنــَّهم كانوا ينتظرون مسيحًا اسمه (طاهاب) إذ كان ظهوره عندهم مُرتقبًا، وعند الهنود الحُمْر هناك إله اسمه: (طاهابو)... ومعناه عندهم: أبونا»(22). بيد أنَّ معظم المفسِّرين لم يقطعوا بمعاني هذه الرموز، فقال القرطبي: «اختلف أهل التأويل في الحروف التي أوائل السور، فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدّثين: هي سرّ الله في القرآن، ولله في كُلّ كتاب من كتبه سرّ، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا نحبّ أن نتكلّم فيها، ولكن نؤمن بها، وتُقرَأ كما جاءت ورُويَ هذا القول عن أبي بكر الصدّيق وعن علي بن أبي طالب G»(23).

لذا تبقى أغلب التحليلات في هذا الباب افتراضيّة تعتمد التكهُّن والاجتهاد الشخصي، ولم يضف الوردي جديدًا إلى ما ذكره المفسّرون في هذا الباب. وهذه صورة من جدول الـمُقطعات التي أوردها الباحث بالعربيّة في كتابه، لمعاني الرُموز التعبديّة، ومعانيها، باللُّغة السومريّة (24).

1463 سومريات 4

الشكل (4)

1463 سومريات 5

الشكل (5)

3 ــ أسماء الأعلام وصفاتها:

أ ــ محمود وأبابيل:

نجد في الكتاب التفاتات ذهنية تثير الانتباه، فإنَّ الفيل الذي أتى به أبرهة من الحبشة مع جيشه لهدم الكعبة، اسمه (محمود)، وهو ــ بحسب الباحث ــ مُشتقّ من (الماموث)، وهو النوع الضخم الـمُنقرض من الفيلة، وارتأى أنــَّه قد تطوَّر عند العرب حتــَّى تلفظّوه بما يوافق أُسلوبهم في نطق ألفاظ لُغتهم(25).

ويردُّ الوردي على الباحث عبد الغني الملاّح، صاحب كتاب (المُتنبي يسترد أباه) إذ كان قد نشر مقالاً في مجلة ألف باء يستغرب فيه أن يكون الفيل اسمه محمود، كما زعم الإخباريون(26).

ويستند الوردي في الردّ على ما استغربه الملاّح، إلى أنَّ القاموس الفرنسيّ (لاروس ـ أصل الكلمات) ذَكَرَهُ منسوبًا إلى الروسيّة، وهي كلمة آتية من سيبيريا الغربيّة، ذُكِرَت لأوّل مرة في الفرنسية، عام 1727م، وأنَّ العرب عرفوا هذا الكائن، وأنَّ الإنسان الأوّل قد نقشه على جدران الكهوف(27).

ولأنَّ منهاج الوردي يعتمد تقطيع الكلمات، وتحليلها؛ رأى أنَّ المقطع (ما) = يملك، أو عنده + (مـ) = يد، + (موث) = في الأنف، فيكون المعنى: (عنده يد في الأنف)، أو (يده بأنفه) (28).

وهذا ما ينطبق ــ برأيه ــ تمامًا على كلمة الفيل؛ إذ إنَّ (في) = يد، و(أيل) = في الأنف، ويمكن تفسيره مجازًا بـ(أنف طويل)، وهذا بطبيعة الحال من معنى الـ(ماموث)(29).

وجاء في (التحرير والتنوير): «الفِيلُ: حَيَوَانٌ عَظِيمٌ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ ذَوَاتِ الخُفِّ، مِنْ حَيَوَانِ البِلادِ الحَارَّةِ ذَاتِ الأَنْهَارِ مِنَ الهِنْدِ وَالصِّينِ وَالحَبَشَةِ وَالسُّودَانِ، وَلا يُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إِلاَّ مَجْلُوبًا، وَهُوَ ذَكِيٌّ قَابِلٌ لِلتَّأَنُّسِ وَالتَّرْبِيَةِ... وَجِلْدُهُ أَجْرَدُ مِثْلَ جِلْدِ البَقَرِ»(30).

وجاء في الموسوعة الحرة: إنَّ الماموث نوع من الفيلة التي يغطي جسمها الصوف لتتحمّل درجات الحرارة المنخفضة جدًّا فهي لا توجد إلاّ في المناطق الباردة، ولا سيَّما في سيبيريا الغربية، وقد عاش مع الإنسان في عصور ما قبل التاريخ وقد انقرض مع انتهاء العصر الجليدي وارتفاع درجات الحرارة(31).

وبذلك يكون الفيل غير الماموث وإن كانا من فصيلة واحدة، لكنّ المذكور من التحليل برمّته، ومحاولة الباحث إقناع القارئ بأنَّ هذا الحيوان معروف، وأنــَّه ما زال يُعبَد في الهند(32)، لا يقوم دليلاً مكينًا على أنَّ (محمود) مُعرّب (ماموث)؛ إذ لا علاقة جوهريّة أكيدة بين الاسمين.

وهُنا قد يلتفت القارئ إلى تدخُّل الوردي السريع في تحويل مجرى الأحداث، وتدخّله في تلفيق سرد جديد في السرد القديم، فالوردي يتأوّل صورة تاريخيّة ما، بالاحتكام إلى صورة ــ أو صُوَر ــ  حيويّة مُناظرة قد تكون أقرب عهدًا منها، بل قد تكون الصورة الأخيرة مُعاصِرة، وذلك باعتماد التوافق الظاهري الـمُجرَّد بين اللَّفظ القديم، واللَّفظ الجديد، فيجعل اللاحق لمعنى السابق، ثــُمَّ يبني عليه تحليلاً تبدو عليه المنطقيّة، ويسوقُ في أثناء ذلك أمثلة مُتناحرة في التفاصيل، يربط بينها لإكمال المشهد الأخير، وهو  ــ في بعض تحليلاته ــ  يجتاز مئات السنين بقفزة واحدة، كما قد فعل، ففسّر الماموث بمحمود!.

ولا يعتمد الوردي منهجًا ثابتــًا في استقصاء التطوّر التاريخي للكلمة، فهو يتنقّل بين المصادر بحسب ما يراه مُناسبًا لوجهته، مُتوخّيًّا في ذلك تأليف ما يؤيّد تصوُّراته.

وأمَّا (أبابيل)؛ فيستند الوردي في بعض تحليلاته للكلمة، إلى ما نقله من الشيخ مُحمّد متولّي الشعراوي في التلفزيون(33)، فقد نقل الشعراوي عن الشيخ مُحمّد عبده أنَّ الطير الأبابيل عبارة عن الميكروبات والجدري والذي حمله على هذا القول أنــَّه استبعد أن تحمل الطيور الحجارة، ومن ثــَمَّ تنزل الحجارة على الناس فتقتلهم(34).

وقد تعدَّدت توجيهات المفسِّرين لمعنى الطير الوارد في سورة الفيل وجاء في تفسير الطبري: «إنّ أوّل ما رُؤِيَت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام»(35)، أي: عام الفيل. «وهو أوّل جدري ظهر في الأرض»*(36).

وذكرت بعض كتب التفسير أنَّ طيرًا من البحر، أمثال الخطاطيف، قد خرجت عليهم، ومع كُلّ طير ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس، ورمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق، فشدختهم، فنزل الهلاك بهم(37).

لكنَّ بهاء الدين الوردي يذكر أنَّ نظرته إلى القضية مُختلفة، فهو يرى أنَّ    تقطيع الكلمة (أبابيل) إلى المقاطع الأصليّة، يُعطي معنى: (النسور التي تحرس باب السماء)، والسِّجّيل: أحجار جمرات بُركانيّة سُود، والبراكين تكثر حول مكّة الـمُكرّمة، وأحجارها كُلّها سِجّيل، وهي من (السجل)؛ إذ كان السومريون أوّل مَنْ كتب على ألواح الطين، وأنَّ هذه الألواح كانت تُشوَى لِتُصبِحَ كالطابوق؛ فإنَّ (جل) = (طين)، و(سين) = (ضغط)، ومنه الكلمة (Argile الطين في الفرنسيّة، وعند البابليين (سجّيل) تعني قمّة المعبد (الزقورات بيشون)، وليس من الـمُصادفات أنَّ (مكّة ــ بكة Ba-ka) نفسها = (باب السماء). وإذا عكسنا المقاطع؛ ظهر لنا (كعبة)، ومنه جاء التكعيب، فالشيء قبل الاسم، فإذا هي نسورٌ تحرُسُ السماء (مكّة)، ولا بُدّ أن تُفسَّر هكذا بما يلائم عصرنا ومزاجنا في القرن العشرين؛ لأنَّ القرآن حمّال أوجه(38).

ولم أتبيَّن الوجهة التي جعل الوردي فيها الكعبة مخصوصة بمكّة فقط وهو يتحدَّث عن عصور ما قبل الإسلام؛ إذ تذكر كتب التاريخ أنَّ للعرب قبل الإسلام كعبات مقدّسة، يحجّون إليها في مواسم مُعيَّنة منتشرة في الجزيرة العربيّة، وفي هذه الكعبات أقام العرب الأصنام التي كانوا يعبدونها، وكان لكُلّ قبيلة معبودها الخاصّ، ولم يبقَ لهذا الكعبات أثر بعد ظهور الإسلام سوى كعبة مكّة(39).

والخُلاصة التي ينتهي إليها الوردي يُمكن التوصُّل إليها بغير تطويل؛ إذ يُغني ما ذكرناه من تحليله، عن التفاصيل اللاحقة التي ذكرها، مع اللَّوحات والرسوم؛ فقد أراد أنَّ يُثبِتَ أنَّ الطير الـمُعبَّر عنه في القرآن، إنــَّما هو تعبير مجازيّ، وذلك ما نلحظه في قوله: «إنّ الطير الأبابيل، هُم طلائع من الـمُحاربين، اسمهم (أبابيل)، اي: (نسور باب السماء، وباب السماء هو مكّة)»(40).

وقد انتقد الشيخ الشعراوي هذه التوجيهات مبيّنًا أنَّ العقول المادية تريد تفسير الأشياء بناموس البشر والكون. وقد قدَّمَ دليلاً عقليًّا واضحًا على أنَّ الأبابيل يُراد بهم جماعة من الطير، مبيّنًا أنَّ هذه الحادثة قد وقعت في عام الفيل ذلك العام الذي وُلِدَ فيه رسول الله مُحمّد (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وقد بُعِثَ الرسول بعد أربعين سنة منها، وتوالى نزول القرآن على أهل مكّة، وكان هناك أناس أعمارهم خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو تسعون، ثــُمَّ نزلت السورة وقرأها الرسول على القوم وكان معظهم كافرين بها وحريصين على أن يكذّبوه، ولو علموا شيئـًا ممــَّا أُنزِلَ عليه يمكن أن يُكذَّب لما ادّخروا في ذلك وسعاً*(41).

وقد ذكر النيسابوري هذا الدليل في تفسيره وأنَّ هذه القصة قد تواترت خلفًا عن سلف(42).

وبالعودة المتأنــِّية إلى ما قاله الوردي في أثناء تحليله، يثبت ميله إلى إنكار التسليم بالمُعجزات على أنــَّها أمور غير قابلة للتفسير ــ مُطلقًا ــ؛ إذ يقول: «فإذا قُلنا: (طير)؛ فذلك يأتي من باب الـمُعجزات، ونحن لا نريد أن نفسِّر الأشياء التي يمكن تفسيرها عقليًّا مفهومًا بالـمُعجزات، وإن كُنّا لا نــُنكر وقوعها..، يعني إذا قصّر البشر في المرحلة الحاضرة عن تفسيره تسمية الـمُعجزة؛ قد يأتي جيل عنده ما يلزم من تفسيرها، إذا أُريدَ بنا أن نفهمها فهمًا يسيرًا»(43).

والذي يبدو لي أنَّ كلامه مقنع إلى حَدٍّ ما، فالسيّد موسى الصدر يقول: «إنَّ القرآن الكريم ــ كما وصفناه ــ هو كتاب الله وكلماته، فهو حقيقة كونيّة بصورته الموجودة... والحقيقة الكونية تتجلّى وتبرز للإنسان من جديد في أيّ خطوة تقدَّم وعيه فيها، وارتفع مستوى ثقافته بها.. فالكون والإنسان حقيقتان تتجلّيان في كُلّ مرحلة حضاريّة بصورة جديدة، والقرآن الكريم هذه الحقيقة تنكشف في كُلّ مرحلة أيضًا، بصورة جديدة تناسب الصور الجديدة للكون وللإنسان، وتوجّه الإنسان لخطوة إيجابيّة جديدة في الكون»(44).

فهو يشير إلى أنَّ تفسير القرآن الكريم لا يعتمد مقدرة المفسِّر ومعرفته بأسباب النزول وثقافته الذاتية فحسب، بل على تقدُّم العلوم البشريّة أيضًا.

إنَّ اختلاف المفسّرين في بيان المقصود من الطير الأبابيل، وقصور المؤرِّخين عن تسجيل كُلّ ما له صلة بهذه الحادثة جعل الباب مشرعًا أمام التأويل، يقول الوردي: «فبحثت واكتشفتُ أنَّ الطير الأبابيل تعبير مجازيّ للقبائل الـمُحيطة بمكّة، والتي كانت تسكن بين جدة، ومكّة، وهم قُضاعَة، وغيرها، والأبابيل معناها: (جماعات) بالعربيّة، وكانوا يعبدون النسر، وهو (طير)، وكانت عندهم آلات حرب، كالمقلاع، والـﮔزوة (المنجنيق يدوي فردي) يرمون بها الأعداء بأحجار من الحجارة البُركانيّة (السجيل) التي تكثر بين مكّة، وجدة، ويرمون بها جيش أبرهة، وربما حاصَرُوه بين جَبَلَين، وأرسلوا عليه الحجارة من فوق، ثــُمَّ زادوها بالرمي»(45).

 

فهذا التوجيه مخالف لما أتى به المفسِّرون؛ إذ يرى أنَّ لفظ الطير أُطلِقَ على هؤلاء المحاربين لأنــَّهم كانوا يعبدون النسر، ورموا الجنود بأحجار كانت موجودة بين مكّة وجدّة، ولكنَّ ورود كلمة (طيراً) بصيغة المجهول توقع في الالتباس؛ إذ يمكن حملها على المعنى الظاهري بأنــَّها كانت طيورًا حقيقية غير معروفة حينذاك قد أصابت جيش إبرهة ودمرته، فقضية الطير الأبابيل غامضة حتــَّى في كتب التفسير، ويبقى باب الاجتهاد فيها مفتوحًا، بل إنَّ كلمة أبابيل قد اختصّت بالطير الوارد في القرآن الكريم.

1463 سومريات 6

الشكل (6)

ب ــ هامان:

اسمٌ ورد في سبعة مواضع في القرآن الكريم(46)*، منها: {وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ} (القصص: 6) وقوله تعالى: {إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِ‍ِٔينَ} (القصص: 8).

وهامان اسم أعجمي وقد مُنِعَ من الصرف للعلميّة والعجمة(47). وقد أشار الجواليقي، والخفاجي إلى تعريبه(48).

ويقولُ الورديّ: «ونقول حالاً إنــَّه اسم مصري مُعرّب»(49).

وهامان الذي في القرآن غير هامان الذي في التوراة، ففي التوراة هامان اسم فارسيّ الأصل، وكان وزيرًا لملك الأخمينيين(50)، وقصته في إصحاح (إستير) في التوراة مُفصّلة (51).

1463 سومريات 7

الشكل (7)

ومعنى (هامان) ــ بحسب ما يرى الوردي ــ في إصحاح إستير: عبد الله.. رفيق الله.. أو كاهن الإله(52).

وتوصّل الورديّ إلى معرفة هذا الاسم الفارسيّ من إرجاعه إلى المقاطع البدائيّة السومريّة الأكاديّة، التي يُعتقد أنــَّها أوّل ما دُوِّنَ من المقاطع في لُغة الإنسان، قال: «وإليها نرجع دائمًا، ومن بابل تبلبلت الألسن، وهامان اسم شَهْرٍ في اللُّغة الآشوريّة»(53).

ويرى الورديّ أنَّ هامان في القرآن الكريم، تعريب لاسم الإله الفرعونيّ القديم (أمون)، أو (عمون)، أو (عامون)، أو (هامون)، أو (عامن)، فأصبح بطول الاستعمال (هامان)*، بحسب ترجمته إلى اللُّغات الـمُجاوِرَة (54).

وجاء في معجم الأعلام في الكتاب المقدّس أنــَّه بمعنى مهمّ ومشهور أو من هيمان بمعنى مخلص أمين(55).

وذكر العالم الفرنسي موريس بوكاي أنــَّه ورد في معجم الأسماء الهيروغليفيّة بمعنى رئيس البنّائين وهو يناسب ما وَرَدَ في قوله تعالى: {يَٰهَٰمَٰنُ ٱبۡنِ لِي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَٰبَ} (غافر : 36)(56).

ولعلَّ هذا المعنى هو أقرب المعاني إلى اسم هامان؛ إذ فُسِّرَ بما ورد في القرآن الكريم.

وقد تعدَّدت معاني هذا الاسم؛ إذ إنَّ أسماء الأعلام بصيغها ودلالاتها في أيّ أُمّة من الأُمم هي مرآة ثقافيّة وحضاريّة لأيِّ مجتمع من المجتمعات، ومن ثــَمَّ فإنَّ اختلاف صيغها ودلالاتها من مجتمع لآخر يشير إلى اختلاف المجتمعات في التفكير ودرجة التطوُّر، فمثلاً شيوع صيغ أعلام ذات دلالات دينيّة معينّة بدءًا من وقت مُعيَّن في مناطق بعينها ممَّا قد يكون انعكاسًا لما طرأ على هذه المناطق من تحوُّل في العبادة(57).

ووَرَدَ اسمُ هامان ابنًا لعمِّ فرعون (خوفو)، من السُّلالة الرابعة، باني الهرم الأكبر في الجِيزَة، وعدّد الورديّ شخصيات كثيرة في التُّراث الفرعونيّ تحمل هذا الاسم، اختار من بينها شَخصيتين، في تحليل طويل، هُمَا: منفتاح بن رعمس الثاني، وأمنمس (هامان مس)، أي: هامان موسى؛ إذ إنَّ ما تردَّدَ في تحليله لَهُمَا، وما ورد في قصة الرعامِسَة وموسى، يتناسب وما ورد في القرآن ، وأغلب الظن أنَّ الباحث قد عاد إلى التفاسير القُرآنيّة، لتوكيد ما توصّل إليه، وخلُص بحثــُهُ إلى أنَّ هامان الوحيد المقصود في القُرآن من هاتين الشخصيتين، هو (هامان مس) الذي حكم مصر، بعد منفتاح (58).

وذكر الرازي في تفسيره «أَنَّ تَوَارِيخَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ قَدْ طَالَ العَهْدُ بِهَا وَاضْطَرَبَتِ الأَحْوَالُ وَالأَدْوَارُ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى كَلامِ أَهْلِ التَّوَارِيخِ اعْتِمَادٌ فِي هَذَا البَابِ، فكان الأخذ بقول الله أَوْلَى»(59).

ويبدو أنَّ الوردي اعتمد مُضارعة الأحداث القرآنيّة بالسرد التاريخيّ، الـمُضطرب أحيانــًا، والذي يعتمد الظنَّ أحيانـًا أُخَر، لكنّ التحليل ــ عمومًا ــ لا يُمكن إنكاره برمّتِهِ، فهو مُحتَمِلٌ للصحّة، بلا قطع، لذلك؛ كان الورديّ يُكثِرُ من استعمال عبارة (أظنّ)، ونحو ذلك، في ما ينتهي إليه من نتائج.

ويُلحَظ أنَّ سرديات الورديّ، وما توصّل إليه، تُوافِقُ كثيرًا ما جاء في تفسير الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير)، فبالعودة إلى ما أورده الطاهر في تفسيره؛ يُمكن وضع اليد على كثير من الأحداث الـمُتشابهة، فضلاً عن طرائق التحليل التي تبنّاها الـمُفسِّر.

ومِن ذلك أنَّ الطاهر ذكر شيئـًا في تفسيره، يَدعو معه تصوُّر أن يكون الورديّ قد اطّلَعَ عليه، كقول الطاهر في تفسير قوله تعالى: {وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا}: «فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَامَانَ لَقَبُ وَزِيرِ المَلِكِ فِي مِصْرَ فِي ذَلِكَ العَصْرِ. وَجَاءَ فِي كِتَابِ «أَسْتِيرَ» مِنْ كُتُبِ اليَهُودِ الـمُلْحَقَةِ بِالتَّوْرَاةِ، تَسْمِيَة وَزِير (أحشويروش) مِلْكِ الفُرْسِ (هَامَانُ) فَظَنُّوهُ عَلَمًا، فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وَزِيرٌ اسْمُهُ هَامَانُ، وَاتَّخَذُوا هَذَا الظَّنَّ مَطْعَنًا فِي هَذِهِ الآيَةِ. وَهَذَا اشْتِبَاهٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الأَعْلامَ لا تَنْحَصِرُ، وَكَذَلِكَ أَلْقَابُ الوِلايَاتِ قَدْ تَشْتَرِكُ بَيْنَ أُمَمٍ، وَخَاصَّةً الأُمَمَ الـمُتَجَاوِرَةَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هامانَ عَلَمًا مِنَ الأَمَانِ، فَإِنَّ الأَعْلامَ تَتَكَرَّرُ فِي الأُمَمِ وَالعُصُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَقَبَ خِطَّةٍ فِي مِصْرَ، فَنَقَلَ اليَهُودُ هَذَا اللَّقَبَ إِلَى بِلادِ الفُرْسِ فِي مُدَّةِ أَسْرِهِمْ»(60).

ففي تحليل الطاهر، وما جاء في أثنائِه، بالمعنى، أو بالنصّ، أو ببعض اللَّفظ، أو ببعض الـمُسمّيات، ما يُوحي بإفادة الورديّ من التفسير المذكور ــ عمُومًا ــ  هو، أو ما يُشبِهُهُ من التفسيرات الـمُتاحة، لكنَّه لم يأتِ على ذِكرها في مُلحق المراجع بعد خاتمة الدراسة.

وينتهي الوردي أخيرًا إلى أنَّ هامان كان ثاني شخص في الدولة بعد فرعون؛ لأنَّ كلمة جنودهما تعني جنود فرعون وجنود هامان لما له من قيادة ورئاسة، ولو كان مهندسًا فقط لما كان له جنود ولما كان من أقرب المقرّبين إلى فرعون(61).

وجاء في إعراب (جنودهما) في قوله تعالى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ} بأنــَّها عُطِفَت على فرعون وهامان، ومنهم متعلّقان بـ(نــُري)، أي: ونــُري فرعون وهامان وجنودهما من بني إسرائيل ما كانوا يحذرون، أي: يخافونه منهم (62).

وقد أجاز الفَرَّاء أن يكون لهامان جنود مخصوصة به، وإن كان وزيراً، أو لأنَّ جند السلطان جند وزيره(63).

ت  ــ نون = الحِكمة

ذو النون = ذو الحِكمة

(ذا) في قوله تعالى: {وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ} الأنبياء: 87  عطفٌ «عَلَى (وَذَا الكِفْلِ) في الآية الخامسة والثمانين من سورة الأَنْبِيَاء، وَذِكْرُ ذي النُّونِ فِي جُمْلَةِ مَنْ خُصُّوا بِالذِّكْرِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لأَجْلِ مَا فِي قَصَّتْهُ مِنَ الآيَاتِ فِي الالتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الجَزَعِ وَاسْتِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ و(ذُو النُّونِ) وَصْفٌ، أَي: صَاحِبُ الحُوتِ. لُقِّبَ بِهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى u»(64). وقد صرَّحَ القرآن بمعناه في قوله تعالى: {وَلا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ} (القلم: 48).

و(ذو) بمعنى صاحب متصدِّرة التركيب الإضافي ترِدُ في ألقاب ملوك اليمن القدامى نحو: ذو يزن وذو الكلام(65).

وتذكر المعجمات العربيّة أنَّ لكلمة نون معاني عِدَّة، هي: السمك والحوت والحبر والسيف (66).

وقد وردت كلمة نونو في النصوص البابليّة والآشورية بالمعاني العربية نفسها وأشهرها السمك والحوت(67). كذلك وردت في الآرامية نونا وفي العبرية نون ومعناه السمك أو سمكّة(68). والنون بمعنى الحوت لقب يُطلَق على الرجل، والنونة بمعنى السمكّة اسم يُطلَق على المرأة نحو: نونة بنت أُمية عمة أبي سفيان بن حرب، وما زال هذا الاسم يُستعمَل في اللَّهجات الدارجة في مصر(69).

ولم يشذَّ عن هذه المعاني سوى بروكلمان الذي ذكر أنَّ معناه الثعبان في الحبشية (70).

و(نون) الذي ورد في القُرآن، كما يرى الورديّ، هو الإله (أيا) أو (أنكي)، إله المياه العميقة، والحِكمة، والعِلم، والمعرِفة، وهذا الاسم معروف عند السومريين، والأكديين، وكان مُنتشرًا في الهلال الخصيب، ووادي النيل. وهو إله الطِبّ والحِكمة، وكان من طقوس كهنة نون لبسُ لباس خاصٍّ عند العبادة، وعند قيامهم بعملهِم الطبيّ، وكانوا بمنزلة الحُكماء، فالحكيم قديمًا، هو العالم، والطبيب، والمهندس، والفقيه، وقارئ الفأل، وقد عُثِرَ على كثير من الرسوم في العراق لرجالٍ يلبسون جِلد السمكّة، وهُم يقومون بطقوسِهِم لِطردِ الأرواح الشريرة من المرضى، أو لتقديم القُدّاس(71).

وبعد سردٍ تاريخيّ طويل؛ انتهى الورديّ إلى أنَّ (نون) تعني في الأصل: قُربان القُدّاس؛ إذ كان يُقدَّم السمكُ بعد اصطياده إلى القُدّاس؛ لتبريكه، وأخذ حقّ الملك والكهنة، ثــُمَّ يُباع الباقي، أو يُوزّع على العامة (72). وبعد تحليل آخر يُفسّر الورديّ أصل كلمة (قلم) بأنــَّها منقولة من القصب، وأنَّ بلاد سومر كانت تُسمَّى (Kalam ــ Ki قلم كي)، أي: بلاد القصب، و(كلام) = قلم (ما يُعقَل من السامع، ويُفهَم) (73).

فيجوز على وفق ذلك تفسير قوله تعالى: {نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ}(القلم: 1)، بالعِلم، والقَلَمِ، وما يسطرون بذلك القلم من الحِكمة. والخطاب إذن: يا نون، يا ذا الحِكمة، يا بحر العلم. وقوله تعالى: {وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ} (الأنبياء : 87)،أي: وذا الحِكمة، وذا الحِجى، إذ ذهب مُغاضِبًا؛ لِثقتِهِ بنفسِهِ لما يعلم من علوم، ظانــًّا أنَّ الله  ــ جلّت قُدرتُه ــ  لا يقدر عليه، فأريناه أنــََّنا أقوى منه، وأعلم، وما علم النبيّ من علم الله إلاّ كقطرة من بحر(74).

قال الوردي: «وهذا لا يُناقض قول الله الصريح {فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (القلم: 48)؛ إذ يُمكن أن يكون هناك شخصان مُختلفان، ثــُمَّ إنَّ صاحِبَ الحوت يُمكن أن يكون هو ذا النون؛ لأنــَّه كان يلبس جلد سمكة»(75)!!.

ثــُمّ يذكر الباحث بعد خوضه في غمار جُملة من التقطيعات البدائيّة، بما أسماه: (مُغامرات لُغويّة)، أنَّ التسليم بمعنى النون الـمُواطئ للحكمة، والعقل، والعلم، يطرح تساؤلاً: مَنْ هو ذو النون؟ فيجيب: هو: (أيا)، أو رسوله الذي كان يأتيه مُرتديًا زي الحوت من الجزيرة في الأهوار لِيُعلّم الناس الكتابة والحِكمة، وبعد محاولات مُضنية، ومتعثـــِّرة أحيانـًا، لربط الرموز القديمة بنصوص القرآن الكريم، يخلُص أخيرًا إلى ما ابتدأه أوّل مرّة، إنّ (ذا النون) كان حكيمًا، عالِمًا، ونون هو الحكمة، وكان (ذو النون) يظهر للناس في النهار؛ ليُعلّمهم الكتابة، والحكمة، وهو لابس جلد سمكّة، وتفسيرات أُخَر ، لا تخلو من الاستطراد، حاول فيها الباحث تعزيز قيمة تحليله، من أنَّ في الأحداث الغابرة حكمة غامضة مكنــَّنا الله بفضله من كشف النقاب عنها، أو عن بعض ما يتعلّق بها(76).

ولا أدري أيَّة توجيهات هذه التي يلجأ إليها الورديّ ــ مع إيمانه بقدرة الله على فعل غير الـمُمكن ــ باعتماده ما أُتخمت به كتب الميثولوجيا، ومرويّات الأساطير!.

وتجمع كتب التفاسير على أنَّ ذا النون، أي: صاحب الحوت هو يونس بن متّى u).) بيد أنَّ الوردي لم يأتِ على تفسير (فالتقمه الحوت) في قوله تعالى في سورة الصافات: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٣٩ إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ ١٤٠ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُدۡحَضِينَ ١٤١ فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٞ ١٤٢ فَلَوۡلآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ ١٤٣ لَلَبِثَ فِي بَطۡنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٤٤ ۞ فَنَبَذۡنَٰهُ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٞ ١٤٥}.

وذكر الزمخشري في تفسيره أنَّ « الحوت سار مع السفينة رافعًا رأسه يتنفَّس فيه يونس ويُسبِّح، ولم يفارقهم حتــَّى انتهوا إلى البرّ»(77).

ويذكر المحقّق عبّاس شمس الدين أنَّ ترتيب النصوص القرآنية في قصة يونس تؤدِّي إلى تسلسل معقول، فقد كُلِّفَ يونس بالدعوة إلى نينوى فدعاهم سنين طوالاً فلــمَّا يئس من إيمانهم وغضبوا من دعوته وإلحاحه غضب عليهم وخرج من غير إذن من الله، ظانــًّا أنــَّه لم تعُد جدوى في بقائه معهم، فالتقمه الحوت، فلــمَّا نجا منه، أمره الله بالرجوع إليهم فرجع إليهم فهدَّدهم بالعذاب وخرج ينتظر، فتابوا وآمنوا (78).

وكذلك وردت قصة يونس في الكتاب المقدّس في سفر يونان وقصته كاملة مع الحوت الذي ابتلعه ودعا الله فأخرجه منها (79).

ويبدو أنّ إصرار الورديّ* في كُلّ مرّة على توجيه كُلّ مُعجزة تعترضه الوجهة التي يرتأيها، ينطوي في الواقع على تهوين شيء لا يقبل التفسير، مُتجاوِزًا بذلك أن تكون الـمُعجِزَةُ من الخوارق التي تتعطّل عندها أدوات الإنسان المعرفية؛ لأنــَّها تتعدَّى حدود العقل البشري.

ث ــ  عاد (البشر العقارب):

يُعدُّ مبحث (عاد) من أطول المباحث عند الورديّ، وهو آخر مبحث ينتهي به كتابه، وقد وصفه بأنــَّه الأكثر جُرأةً في الافتراض، وإنــَّما كان كذلك؛ لأنَّ الأخباريين لم يتمكّنوا من حلّ لغز (عاد) الذي قارب في شُهرته التاريخيّة حدّ الأسطورة(80).

وقد ذكر عنهم القرآن الكريم أنــَّهم عاشوا في منطقة تُعرَف بالأحقاف، وأنــَّهم انمازوا بـ(أرم ذات العماد) فلــمَّا كذَّبوا نبيّهم هودًا، أرسل الله عليهم ريحًا عاتية أطاحت بكُلّ ما لديهم(81).

وقد اعتاد الرواة أن يضربوا بهم المثل في القدم، ولم يُبّين القرآن مكانهم، وترك باب الاجتهاد مفتوحًا فيما يتعلّق بقوم عاد(82).

وأمّا السبب الوجيه الذي منع الـمُتقدّمين والـمُحدثين، من الوقوف على رسم ملامح الأحداث العامة لـ(عاد)  ــ بحسب ما يرى الوردي ــ هو تبدُّل صياغة هذا اللَّفظ على مَرِّ الزمن(83).

ويرى ابن خلدون أنَّ الخلاف الواقع في ضبط الأسماء عائدٌ إلى اختلاف مخارج الحروف، فإنَّ هذه الأسماء قد أخذها العرب من أهل التوراة، وأنّ مخارج الحروف عندهم مُختلفة، والعرب قد تُبدِل، أو تَحذِف بعضًا من الحروف بما يتلاءم ونواميسها النُطقيّة (84)، بيد أنَّ الوردي يرى أنَّ العودة إلى المقاطع البدائيّة تفكّ هذا الإشكال؛ لأنَّ المقاطع هي أوّل ما وُجِد مكتوبًا عند البشريّة، وقد تتبّع الورديّ أثر ما عالجه من جميع الأسماء بإرجاع معنى كُلّ اسم إلى أصلِه السومريّ، وأحيانـًا إلى الأصل الهيروغليفي المصريّ؛ إذ يعتقد الباحث بتداخل حضارة وادي النيل، وحضارة وادي الرافدين، بعضهما ببعض، ويعتقد أيضًا أنَّ السومريين سامِيُّون وأنّ بقاياهم هي قبائل شمّر(85)*. وقد أثبت ذلك في كتابه (قوم نوح)(86)، وقد أكدّ هذا الرأي بهنام أبو الصوف(87).

وأمّا (عاد)؛ فأقوامٌ عاتية، مُحارِبة، شعبُهم كبير، ودولتهم صغيرة، سكنوا شمال الجزيرة العربيّة، في الهلال الخصيب، وكانت هذه الأقوام تدخل في تحالفات واسعة مع الدول الـمُجاورة، وصار منهم ملوكًا في سُلالات، فتعدّدت بتوسّع نفوذهم الأسماء، والآثار، والـمُدن، والآلهة، فأينما حلّ العاديون؛ تركوا أثرًا في الأسماء، والمدن، والآلهة؛ إذ إنَّ تاريخ هذا الشعب مُمتدٌّ بحضارته إلى أكثر من ألفي سنة، وهذا يفتح الباب للمُخيّلة لِتصوّر حجم الأثر الذي خلّفوه في وادي الرافدين، وسوريا، ومصر، والأناضول(88).

ومن ملامح المنهج في هذا البحث أنَّ صاحِبَه وجد مُتَّسعًا للتشعّب في التأويل، فقد تتبَّع الرموز، وبيَّنَ مواطنها الـمُحتملة، فظهر له أنَّ (عادًا) أصل معناه: (البشر العقارب)(89)*، وذلك باعتماد دراسة حروف الاسم بعد تجزئته على وفق القراءة المسماريّة في السومريّة، والقراءة الهيروغليفيّة في الفرعونيّة المصريّة. وقد توزّعت موارد الدراسة على نصوص القُرآن الكريم، وما وَرَدَ في ملحمة ﮔلـﮔامش، وفي الآثار السومريّة، والبابليّة (الأكادية، والآشوريّة)، والفرعونيّة المصريّة، وعلى ما قاله الـمُؤرّخُون، وما تناقلته الأساطير، وعلى ما انتهى إليه الباحث نفسه من وصل ما اعتقد أنــَّه مُتعلّقٌ بهذه الكلمة.

ويبدو أنَّ غياب الأدلّة التاريخية الدقيقة عن عاد، وتوسّع نفوذها على نحو هائل ونسج المرويات الكثيرة عنها قد أدخل كثيرًا من أحداثها في باب الأساطير، والخرافات. فممَّا جاء في (لسان العرب) «إنَّ حَيّاً من قوم عاد عَصَوْا رسولهم فمسخهم اللَّه نَسْناساً لكل إِنسان منهم يد ورجل من شِقٍّ واحد يَنْقُزُون كما يَنْقُزُ الطائر ويَرْعَوْن كما ترعى البهائم»(90).

وقد تنبّه العلاّمة ابن خلدون على هذا الأمر فذكر أنَّ «فحول المؤرِّخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيّام وجمعوها، وسطّروها في صفحات الدّفاتر وأودعوها، وخلطها المتطفّلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا رفضوا تُرَّهات الأحاديث ولا دفعوها، فالتّحقيق قليل، وطرف التّنقيح في الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل»(91).

وقد أحصى الوردي في دراسته كُلّ أنواع الرموز الـمُتاحة، شرقًا، وغربًا، إلى الحدّ الذي يجد القارئ معها نفسه غارقًا في خضم بحر من الاستطرادات والنصوص الـمُتناثرة، فيُضطَر إلى تجاوزها ــ أحيانًا ــ نحو الخُلاصة، فإذا وقف بين يدي الخُلاصة؛ وجد نفسه ثانيةً بين يدي مُقطّعات جديدة، ورموز، وحكايات، تفضي إلى عنوان آخر أسماه: (خُلاصة الخُلاصة)، ومفادُها ما تقدَّم الكلام عليه، من أنَّ فئة ضئيلة عاشت في فجر التاريخ، تُسمَّى (البشر العقارب)، تركوا آثارهم في كُلّ مكان على مدى قرون مُتطاولة (92).

وألحَقَ الوردي في نهاية دراسته عن عاد قائمة طويلة بالأسماء التي يعتقد أنــَّها مُشتقّة من (عاد)، فكلّ لفظ تشتمل مُكوِّناتُهُ على أدنى تشابه مع مكوّنات هذا الاسم، هو بنظره مُشتقٌّ منه، وهو مُشتقٌ من (عاد)، أو مُتصِلٌ به على نحو من الأنحاء. فـ(جُبُّ عادين) مدينة في لبنان، مُشتقة من (عاد)، ومعناها: (بئر عاد). و(عراد، أو عراض) = (هيكل عاد) مدينة في شمال لبنان. و(عادو Adou = مدينة التمساح) في مصر، والتمساح، اسمه عادو؛ لأنــَّه عدوٌّ وغير ذلك(93).

ويرى بعضهم أنَّ اسم عاد في اللُّغة العبرية مشتقّ من (لعد) بمعنى الأبد والدوام والخلود(94)، وقد استدلّ الباحث عبّاس شمس الدين على صحّة ذلك بأنَّ التنزيل الحكيم كان يؤكّد كلمات الفناء وعدم البقاء لعاد فيما يشبه السخريّة، فعاد الخالدة فنيت ولم تعُد لها باقية: {فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ}(الحاقة: 8)(95).

ونجد أنَّ أغلب ما ذكره الوردي للوصول إلى معنى (عاد)، إنــَّما يُعدُّ في الواقع من المرويات التي ليس لها علاقة بالتأثيل، وذلك لأنَّ أحداث عاد ما زالت مستعصية على أهل التفسير؛ لكونها ضاربة في القدم، وبسبب ندرة المصادر التي تحدَّثت عن أحداث تلك الحقبة*.

***

الدكتور بتول الربيعي

...........................

* من كتاب (التأثيل عند اللّسانيين العراقيين في العصر الحديث ).

(1) يُنظَر: العراق في القلب: 20 ــ 21.

(2) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/7 ــ 8.

(3) المصدر نفسه: 1/9.

(4) حول رموز القرآن الكريم: 1/9.

(5) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/10.

(6) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/14.

(7) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/14 ــ 38.

(8) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/45 ــ 46.

*  ذكر فوزي رشيد أنَّ مارتو في النصوص السومرية تعني الغرب، وفي النصوص البابليّة وردت بصيغة (أمورو)، وتعني الغرب أيضاً، وهي تعني الأموريين ويقصد بهم البدو الرحّل الذين يعيشون في بوادي بلاد الشام. يُنظَر: الملك حمورابي مجدّد وحدة البلاد: 10، وذكر فاضل الربيعي أنَّ (المارتو) تعني ساكن الخيمة والمتنقّل في الصحراء. يُنظَر: إرم ذات العماد: 165 ــ 166.

(9) يُنظَر: البنية الذهنيّة الحضاريّة في الشرق المتوسطي الآسيوي القديم: 177، وفي الساميّات واللسانيّات المقارنة: 50.

(10) يُنظَر: معجم أسماء الأعلام في الكتاب المقدّس: 218.

(11) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/46، والعراق في القلب: 25 ــ 26.

(12) يُنظَر: التفسير البسيط: 1/455.

(13) المخصص: 5/230.

(14) شرح العقيدة الواسطيّة: 1/38.

(15) يُنظَر: نظرة في مقالة الألفاظ السريانيّة في المعاجم العربيّة (بحث): 555.

(16) الصحاح: 6/2926.

(17) يُنظَر: القاموس المقارن لألفاظ القرآن الكريم: 195.

(18) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/55 ــ 56.

(19) المصدر نفسه: 1/61 ــ 62.

(20) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/62.

(21) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/63.

(22) المصدر نفسه: 1/63.

(23) الجامع لأحكام القرآن: 1/154.

(24) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/64.

(25) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/81.

(26) يُنظَر: ردّ على ردود (مقال): 531.

(27) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/86، و620:Iarousse.

(28) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/85.

(29) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/84.

(30) التحرير والتنوير: 30/547.

(31) يُنظَر: (الماموث) على الموقع https: //ar.mwikipedia.org، بتاريخ 1 ديسمبر 2018م.

(32) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/86.

(33) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/86

(34) يُنظَر: تفسير القرآن الكريم ــ  تفسير الشعراوي: 20/828.

(35) جامع البيان في تأويل القرآن: 24/615.

* يرى عبد الغني الملاح أنَّ الأخباريين قد ابتعدوا عن الحقيقة الإنسانيّة بأخيلتهم في الشروح، وابتعدوا عن المعنى اللُّغويّ باسم اللُّغة؛ لأنَّ بثور الجدري أو الحصبة شُبِّهَت بالأبابيل لاخضرارها عند بداية المرض واحمرارها بعد ذلك؛ لأنَّ الأبَلّ بمعنى الرجل شفي من المرض، وبضمّ الباء تعني الأخضر من الأراك، وفي قوله تعالى: {وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ}، أي: إنَّ الموت حدث فيهم متتابعًا كالطير يتبع بعضه بعضاً. يُنظَر: ردّ على ردود (مقال): 31.

(36) غرائب القرآن ورغائب الفرقان: 6/565.

(37) يُنظَر: الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل: 4/797، والميزان في تفسير القرآن: 3/420، والجامع لأحكام القرآن: 10/295، وتفسير المراغي: 30/443، ومعالم التنزيل (تفسير البغوي): 4/528 ــ 529.

(38) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/86 ــ 87.

(39) يُنظَر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 12/5، والكعبات المقدّسة عند العرب (بحث): 1 ــ 7، وإرم ذات العماد: 50.

(40) حول رموز القرآن الكريم: 1/87.

* ذكر عبد الغني الملاح أنَّ عبد المطلب كان يخادع؟؟؟ أبرهة بخدعة حرب ويستعدّ لخطة محكمة، فاستردَّ مئة ناقة للاحتفاظ بها من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، وعاد إلى مكّة وطلب من أهلها الخروج إلى قمم الجبار وأراد تفريغ مكّة من أهلها ومن المؤن التي فيها، لكنَّ هذه الخطة لم تُنفَّذ؛ لأنَّ أبابيل الحصبة والجدري كانت أسرع إلى جيش إبرهة من خطة عبد المطلب، وفتكت بهم قبل وصولهم إلى مكّة. يُنظَر: عبقريّة عسكريّة طمرها التاريخ، (مقال): 70.

(41) يُنظَر: تفسير القرآن الكريم (تفسير الشعراوي): 20/829.

(42) يُنظَر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان: 6/564.

(43) حول رموز القرآن الكريم: 1/90.

(44) تاريخ الفلسفة الإسلامية: 18.

(45) حول رموز القرآن الكريم: 1/90.

(46) يُنظَر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 739.

* ذكر موريس بوكاي أنَّه ورد في ستة مواضع في القرآن الكريم. يُنظَر: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم: 261.

(47) يُنظَر: شرح المفصّل: 1/186، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل: 3/253.

(48) يُنظَر: المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: 637، وشفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل: 235.

(49) حول رموز القرآن الكريم: 1/104.

(50) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/104.

(51) يُنظَر: إصحاح إستير: 4/12.

(52) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/105.

(53) المصدر نفسه: 1/105.

* وذكر رؤوف أبو سعدة أنَّ (هامان) ليس شرطًا أن يكون اسمًا دالاً على شخص بل من الممكن أن يكون لقبًا لمنصب، ويجوز أن يكون من العبرية هيمان من جذر (أامن) ومنه (هَيمَنَ) بمعنى الغلبة والسيطرة والقهر، كذلك يجوز أن يكون مُركَّبًا من (ها + آمان) بمعنى كبير الكهنة، كذلك يمكن اشتقاقها من (الهَامَة) في العربيّة بمعنى عظيم الرأس. ويجوز أن يكون معناه مقرّبًا من هذا المعنى كبير المستشارين. يُنظَر: من إعجاز القرآن الكريم: العلم الأعجمي في القرآن مفسّراً بالقرآن: 2/56 ــ 58.

(54) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/106.

(55) يُنظَر: معجم الأعلام في الكتاب المقدّس: 486 و496.

(56) يُنظَر: معجزة ذكر هامان في القرآن الكريم، محاضرة على الموقع:

https://www.youtube.com/channel/UCOjL.

(57) يُنظَر: أسماء الأعلام الساميّة: 13.

(58) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/107.

(59) مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير: 27/516.

(60) التحرير والتنوير: 3/87.

(61) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/116.

(62) يُنظَر: إعراب القرآن وبيانه: 7/280.

(63) يُنظَر: فتح البيان في مقاصد القرآن: 10/89.

(64) التحرير والتنوير: 17/130.

(65) يُنظَر: المعجم الوسيط 1/ 76.

(66) يُنظَر: تاج العروس: 36/233.

(67) يُنظَر: من تراثنا اللُّغويّ القديم: 173.

(68) يُنظَر: النون في اللُّغات الساميّة دراسة تاريخيّة وصوتيّة (بحث)، ستار الفتلاوي، في الواقع اللُّغويّ العربي القديم وموقع العربيّة فيه: 207.

(69) يُنظَر: أسماء الأعلام الساميّة: 482.

(70) يُنظَر: فقه اللُّغات الساميّة: 36.

(71) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/131.

(72) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/142.

(73) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/142، وما قبل اللُّغة: 44، وأصوات بابل: 3.

(74) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/142.

(75) المصدر نفسه: 1/143.

(76) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/147.

(77) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 4/62.

(78) يُنظَر: أنبياء العرب: 326.

(79) يُنظَر: سفر يونان: 1/4.

* قام بهاء الدين الوردي بتقطيع كُلّ كلمة تشتمل على نون على النحو الآتي:

جنون: ج مريض + نون = مريض العقل.

منون: (م) ما أداة نفي بمعنى موت أو نهاية + نون = نهاية العقل، أي: الموت.

قانون = ق كلام، فكر + نون = كلام العقل.

فنون = فاء الرؤيا العين + نون = ما ترى العين من حكمة أو عقل مرئي. يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/143.

(80) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/152.

(81) يُنظَر: تاريخ الطبري: 1/253 ــ 254، وأخبار الزمان: 1/104 ــ 105، والمنتظم في أخبار الملوك والأمم: 1/253 ــ 254، وتاريخ ابن خلدون 2/21 ــ 24.

(82) يُنظَر: تاريخ الأدنى القديم شبه الجزيرة العربيّة، ايران، الأناضول: 59، وللتوسع يُنظَر: تفسير مقاتل بن سليمان: 2/44 ــ 46، ومعالم التنزيل (تفسير البغوي): 2/451 ــ 453، ومفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: 18/362 ــ 364.

(83) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/152.

(84) يُنظَر: مقدمة ابن خلدون: 3/42.

(85) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/153.

* يرى رزوق عيسى أنَّ أصل كلمة (شُمر) مصحَّفة عن السومريّة (زو ــ  مر ــ اري) والمقطع الأوّل بمعنى الضوء, والثاني الإله, والثالث العبد فيكون المعنى عابد إله النور , أو عن (سن ــ مر ــ أور)، أي: بلاد إله القمر, فأُدغِمَت النون بالميم فأصبحت سُمر ومن ثــَمَّ شُمر. يُنظَر: خواطر لغويّة في أصل بعض الأعلام العراقيّة (مقال): 254.

(86) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم (قوم نوح): 3/49 ــ 54.

(87) يُنظَر: قراءات في الآثار والحضارات القديمة: 10 ــ 13.

(88) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/155.

(89) يُنظَر: المصدر نفسه: 1/155 ــ 158.

* وذكر الوردي أنَّ أكد هم قوم عاد فـ(أكد + عاد) تعني عادًا الأقوياء؛ لأنَّ (أك) بمعنى القوة في السومرية، فيكون محصل اللفظ: عاد الأقوياء، ينظر: حول رموز القران الكريم (قوم نوح): 3/٥٤.

(90) لسان العرب: 6/4409.

(91) مقدَّمة ابن خلدون: 1/6.

(92) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/163 ــ 165.

(93) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 212 ــ 220.

(94) يُنظَر: قاموس عبري ــ  عربي للُّغة العربية المعاصرة: 10/820.

(95) يُنظَر: أنبياء العرب: 55.

 

في المثقف اليوم