قراءة في كتاب

الجهود التأثيلية للأستاذ عبد الحق فاضل

بتول الربيعيعبد الحق فاضل هوأديبٌ ودُبلوماسيّ، قبل أن يكون مُؤثــِّلاً، أو مَعنيًّا بدراسة اللُّغة بأسلوبَي التأثيل والـمُقارنة، مَوصليّ الولادة والنشأة، (1911م  ــ 1992م)، وأغلب الظنّ أنَّ عمله في السلك الدبلوماسيّ، وعمله في سفارة الصين مدّةً من الزمن في ستينيات القرن الماضي، وتنقّله بعد ذلك للعمل في عدد من البُلدان العربيّة، ومكوثه في المغرب، قبل أن يوافيه الأجل ببغداد(1)، هي التي قدحت له فكرة الـمُقارنة بين الألفاظ، والنظر في اللُّغة من جهة منشئها، وتطوّرها التاريخي.

أمّا أبرز أعماله في مجال اللُّغة والتأثيل؛ فأربعة، أوّلُها: (مُغامرات لغويّة)، الذي نشره في عام 1969م، والكتاب الثاني: (تاريخُهُم من لُغتهم) وقد نشره في عام 1977م، وأمّا الكتاب الثالث؛ فعنوانه: (العربيّة أم الألمانيّة) وقد صدر في عام 1988م، فضلاً عن كثير من المقالات التي نشرها في مجلة اللسان العربي بعنوان (دخيل أم أثيل).

وأمّا كتاب (مُغامرات لغويّة)؛ فقد صرّح عبد الحقّ في أوّلِهِ بالمُغامرة، كما صرّح بها في غير مناسبة، للتعبير عن خطرات فكره الـذي يعتمد تأمُّلَه في اللُّغات القديمة، أو وَلَعِهِ بالخوض في غمارها، فهو يبتكر كتابه بما يُشير إلى طغيان رأيه في ما أسماه (مُغامرات) بأن يعرض ما عنده من غير أن يحمل القارئ على التسليم به، فيقول: «وأودُّ أن أعرض هنا رأيًا لي في العلاقة بين اسم العربيّة والآراميّة والعبريّة، لا يقطع بصحته نصٌّ قديم، ولا حديث»(2).

فتصريحه هذا يعني افتراضه أن تكون بين المذكورات علاقة؛ إذ إنــَّها من عائلة واحدة، ثــُمَّ يقول: «وإنــَّما هي نظرية خطرت لي منذ أعوام، وما زلت أتحدّث بها كُلّما دعت مناسبة، فلم أجد حتــَّى الآن عند أحد ما ينقضها، فهي مُجرّد رأي، لا ألومك إذا رفضته؛ لأنَّي لا أملك الدليل الباتر لحملك عليه»(3).

الكتاب بجُملته شائقٌ، ذو نزعة تحليليّة افتراضيّة، وفكريّة، وهو خالٍ من المصادر، ونسخته التي ظفرت بها، خالية من التاريخ، وبتعقُّبِ نتاج الـمُؤلِّف الذي جعله في آخر الكتاب (المُغامرات)؛ يُلمَسُ تحوُّل اهتمامه من الصناعة الأدبيّة إلى الصناعة اللُّغويّة، فللكاتب قبل الـمُغامرات ــ بحسب ما ذكره هو في آخر كتابه ــ عددٌ من الـمُؤلّفات، لا صلة لها باللُّغة، ولا بالتأثيل اللُّغويّ، بل بالأدب القصصيّ.

وأبرز ما تتّسم به مباحث عبد الحقّ: محاولته إخراج اللُّغات من الإقليميّة إلى العالميّة فإذا كانت الساميّة ــ استنادًا إلى رأي طه باقر ــ تعني اللُّغات العربيّة القديمة(4)، على ما سيأتي بيانه، فإنَّ كُلّ لفظ منطوق، له في الواقع أصل في العالميّة الأُولى، فلا تكاد تُغادر مبحثــًا من مباحث كتاب الـمُغامرات؛ إلاّ وجدت في أثنائه شيئـًا من اللُّغة الموحّدة الأُولى، قبل تفرُّق اللُّغة الأُمّ إلى لُغات بتقادم الأزمان، وتباعد الأصقاع.

إذ إنَّ خياله الخصب الـمُتّصل ــ فيما أرى ــ بالتأليف المسرحيّ والقصصيّ، الـمُترع بالخيال، جعله يعقد علاقة بين (الهواء) وما يشتمل عليه هذا اللَّفظ من الهاء، والواو، الدّالَين على مُحاكاة صوت هبوب الريح، والـمُتمثــّل بالصوت الـمُشترك: (هـووووو) الخفيّ اللطيف المحسوس في آن، وهو صوت مفهوم الدلالة بحيث لا يُنكره أحد من الناس في مُختلف الأصقاع(5).

والذي يبدو لي أنَّ هذا التفسير وجيه ــ إلى الآن ــ لكنَّه يتعثــّر في المقبوليّة كُلّما تشظّى أكثر، فعبد الحقّ يعقد علاقة تبدو عليها أمارات الافتعال والخيال؛ لأنــَّها مُثقلة بالافتراض، والتأويل المفرط؛ إذ يعقد علاقة بعد ذلك بين (الهواء) و(الماء) الـمُعبَّر عنه بـ(آب) في الفارسيّة، في سلسلة مُصطنعة من التأويلات تنتهي بـ(الهباب) الدال على السُخام الصاعد الـمُتطاير، وهبوطًا إلى (آب) الذي يسبقه في الاشتقاق للدلالة على تطور اللَّفظ: (الأباب) الدال على السراب أولاً، والذي منه (العُباب) لاحِقًا الدالّ على معظم الماء(6)،إذ يقول: «والذي نراه أنــَّهم خفّفوا (أباب) بعد ذلك، فنطقوها (آب) بنفس المعنى أولاً، ومن ثــَمَّ نقلها الـمُهاجِرُون، منهم إلى إيران، مع بقية مُفردات لُغتهم»(7).

في حين ذهب غيره إلى أنَّ عددًا من الأصوات المشهورة بالقِدَم قد تشترك فيها كُلّ اللُّغات الإنسانيّة وغير الإنسانيّة، التي أشار الجاحظ إليها في أثناء كلامه على عيوب النطق، فقال: «إنّ الطائرَ والسبُع والبهيمةَ كلَّما كان لسانُ الواحد منها أعرضَ؛ كان أفصحَ وأبْينَ، وأحكى لما يُـلَقَّن ولما يَسمَع، من نحو الببغاء، والغُداف، وغراب البَيْن، وما أشبه ذلك؛ وكالذي يتهيَّأ من أفواه السنانير إذا تجاوبَتْ، من الحروف المقطَّعة المشارِكة لمخارج حروفِ الناس، وأمَّا الغنمُ فليس يمكنها أن تقول إلاّ (ما)، والميم والباء أوَّلُ ما يتهيّأ في أفواه الأطفال، كقولهم: (ماما)، و(بابا)؛ لأنــَّهما خارجان من عمل اللسان، وإنــَّما يظهران بالتقاء الشفتين»(8).

وبالطريقة نفسها يمكن تصوُّر أُثــُول الألفاظ الـمُشابهة، ومُناسبتها لأصواتها القديمة.

ويرى الأُستاذ عبد الحقّ أنَّ علوم اللُّغة إنــَّما كانت ــ وما زالت ــ ناقصةً، ويعتريها كثير من الغموض بسبب الـمُعضلات التي أقرّها المختصّون بتعذّر الاهتداء إلى حلّها، ومن ذلك معرفة (أصل اللُّغة) البشريّة؛ لأنَّ معظم ما وضعوه من نظرياتهم، لم ينهض دليلاً على قطعيّته، أو صحّتِهِ فيها، فمُحاكاة أصوات الطبيعة ممكنة في التطبيق على القليل من أُصول الألفاظ، ليبقى الآلاف منها مُتعذّر معرفة أصله، لذلك؛ صاروا يقولون: إنّ هذا العلم وهميٌّ افتراضيّ، يقوم على الظنّ والخيال، والحل ــ فيما يرى عبد الحقّ ــ منوط بهُجنة أغلب اللُّغات، فهي على ما يبدو في أكثرها من الرُّقي غير أصيلة، بل خليط من مجموعة مفردات، لكُلٍّ منها بيئة، وظرف، فإنّ هذا الخلط هو الذي صعَّبَ الوقوف على أصل اللُّغة، وتطوُّرها وهذا الكلام لا ينطبق على اللُّغة العربية(9)؛ إذ قال عبد الحقّ: «ولو وقفوا على العربيّة، ودرسوها في تفهُّم وتعمُّق؛ لعرفوا أنــَّها من الغنى والأصالة والنقاء بحيث تُعطي وحدها كُلّ المادّة اللازمة لإقامة (علم أصل اللُّغة) على أسس علميّة راسخة»(10).

وذهب عبد الحقّ في توجيهاته كُلّ مذهب، محاولاً إثبات صحّة نظريته، وأنَّ الجزيرة العربيّة مسرحٌ تاريخيّ كبير تجتمع فيها كُلّ الإنسانيّة، وأنَّ الشعب العربيّ هو أبو الحضارات، ثــُمَّ صرّح بنيّته لإعداد موسوعة تنتظم فيها كُلّ الألفاظ بأُصولها الأُولى، ورغبته الجامحة في عرض الحقائق التاريخيّة الـمُثيرة الـمُتعلّقة بآسيا، وأوربا، وأفريقيا، وعرض الأثر الفريد الذي تركته حضارة الجزيرة العربيّة فيها(11).

ثــُمَّ راح يستعرض فضل الطفل العربيّ الرضيع على لغات البشر، بل أكثر من ذلك، أنَّ الفرّوج العربي (فرخ الدجاجة) ــ بحسب ما ذكره ــ صاحب فضلٍ على اللُّغات الحضاريّة الراقيّة، قديمها، وحديثها.!، التي جاء فيها أنَّ العرب صاغوا فعل (صاي الفرخ) من صوت الفروج (صي صي صي)*، ثــُمَّ اشتقُّوا صاء وصاح وصات.. وما إلى ذلك، وأنَّ بعض المشتقات العربيّة انتقلت إلى اللُّغات الأُوربيّة. ولم يكتف الأعربون باستيراد صوت الفروج ــ بحسب زعمه ــ بل إنــَّهم استوردوا صوت أُمُّه الدجاجة أيضًا. فمن قولها (نق نق نق) وهي تلقط طعامها قالوا: (نقّت الدجاجة)، أي: صوتت. ومن التقاطها الطعام في أثناء نقيقها ظهر فعل: نقر، ومنه نقد بمعنى واحد، فالمنقاد هو المنقار، ومازالوا في الموصل يُسمّون القلم الحديد الذي يستعمله الحجار في ثقب المرمر أو نقشه (المنقار)، ويُسمّون الحجّار الذي يعمل في تسوية الرخام وتشكيله أغراض البناء (النقّار). وقديمًا ظهرت من النقّار صيغة (النجّار) التي تخصّصت بنقار الخشب(12).

والذي يبدو أنَّ اللَّفظة البدائية، أي: المقلِّدة لأحد الأصوات، كثيرًا ما تكون متشابهة في جميع الأُمم، أي: إنَّ المحاكاة ليست حكرًا على الإنسان العربي، وإنــَّما هذا شأن كُلّ البشر، مع بعض الانحرافات اليسيرة، ومن ثــَمَّ يأخذ التطور مجراه الخاص في كُلّ لغة على أُسلوب يختلف عمّا سواه؛ لذا فإنَّ تخصيص الفروج العربي بحسب زعم عبد الحقّ بأنَّ له فضلاً على العالمين، يناقض المنطقيّة العلميّة، فعبد الحقّ لم يكتفِ بجعل اللُّغة العربيّة البشرية في شبه جزيرة العرب أُمَّ اللُّغات العالميّة، بل جعلها تشتمل على الكائنات غير العاقلة لمحاكاته في تلك البقعة من الأرض التي نشأت منها اللُّغة الأوّلى ومنها تفرعت إلى لغات عِدَّة.

ومع أنَّ الأصوات التي تحاكي الطبيعة تُمثــّل أقدم الكلمات المخترعة(13)، فـ«من العبث البحث في أمر غامض مجهول نشأ ونما في عصور سبقت العصور التاريخيّة»(14)، كما يقول ولفنسون، بل إنَّ بعض اللُّغويّين المحدثين ضعّفوا البحث في أصل اللُّغة ودعا بعضهم إلى إخراج هذا الموضوع من علم اللُّغة وإلحاقه بالبحوث الفلسفيّة الميتافيزيقيّة؛ لأنــَّه يتألف من آراء ظنية تعتمد الحدسَ والتخمينَ، وفي نواحي أُخَر على حجج ضعيفة لا يطمئنّ إليها التحقيق العلمي(15).

وينتهي عبد الحقّ في دراسته إلى نتيجة يعتريها تناقضٌ جزئيّ مع ما ابتكره في الأوّل الذي غلب عليه طابع الاندفاع، فيقول: «اللُّغة العربيّة ليست أُمّ جميع اللُّغات، لكنــَّها تمتاز على جميع لُغات أهل الأرض بجملة خصال، أهمّها: أنَّ العربيّة أمّ جميع اللُّغات الحضاريّة الـمُهمّة، القديمة منها، والحديثة، الحيّة، والميتة، لا نستثني غير الصينية، والشُمَريّة (السومريّة)»(16).

ثُمّ يقول: «أمّا الصينية؛ فقد سبق أن وجدنا الضمائر فيها عربيّة الأثل، والضمائر ــ كما قلنا ــ تعتبر الأساس الكيانيّ الذي تُبنى عليه اللُّغة. يُضاف إلى ذلك أنَّ في الصينيّة ألفاظًا عربية أُخرى، غير الضمائر، ولعلّها لو تيسّر درسها؛ لثبتت أُمومة العربيّة لها، على نحو أكثر صراحة، وأبعث للثقة»(17).

وفي تصريحه هذا اضطراب؛ لأنــَّه يتناقض مع الاستثناء الذي ذكره قبل قليل. وأمّا ما يتعلق بـ(الشُمَريّة)؛ فما زالت غامضة لديه، ومع تصريحه فيها بالاستثناء؛ فإنــَّه يُصرّ على أنــَّها لو تيسّر له درسها أكثر؛ لأثبت أُمومة العربيّة لها على نحو واثق وصريح. وخلَص عبد الحقّ أيضًا إلى أنَّ العربيّة من أغنى اللُّغات*، وأنَّ مُعجَمَها يكنز أكثر من مئة ألف كلمة مُستقلة، ومُعظم هذه الكلمات تولّدت منها باشتقاق ألفاظ كثيرة، بالمعنى نفسه، أو بمعانٍ مُختلفة، وأنــَّها ما زالت تحتفظ بالألفاظ البدائيّة  ــ الرسيّة ــ الأُولى، إلى جانب الألفاظ الراقية الحضاريّة الـمُتفرِّعة منها. فهي لذلك؛ تُمكِننا من إقامة علم (نشأة اللُّغة) على أركان وطيدة بالطريقة الترسيسيّة، فالعربيّة تُلبّي غرض التأثيل ــ بزعمه ــ وأمّا اللُّغات الأُخَر؛ كسائر الساميّات، والحاميّات، والآريات، وغيرها من لغات بني آدم؛ فلا تكفي للتأثيل(18).

إنَّ التأثيل بالمعنى الذي ذكره عبد الحقّ، ــ فيما أرى ــ أقرب إلى الإقليميّة، في حين أنَّ الترسيس أمكن في العالميّة الـمُرتبطة بِالقِدَم.

وأمّا كتابُهُ (تاريخُهُم من لُغتهم)؛ فمُتَّصِلٌ بما قبله، مع زيادة على عددٍ مِمّا تطرّق إليه فيه؛ إذ أسدى في صدر هذا الكتاب نصيحةً يُؤكِّد بها وجوب أن تحظى دراسة الباحث للُّغة بالوعي والتدبُّر؛ لأنَّ دراسة اللُّغة ــ برأيه ــ تُشبِهُ كثيرًا التنقيب الآثاريّ، بل هي أكثر منه أهميّةً، فدرس اللُّغة «درسٌ قادرٌ على أن يكشف لنا أحيانـًا ما لا يستطيع التنقيب الآثاريّ أن يكشفه من حقائق منسيّة، وأسرار مجهولة، أفلتت من ذاكرة التاريخ، مِمَّا لم تبقَ لدينا وسيلة للتوصُّل إليه غير تقليب صفحات سجل اللُّغة»(19).

وأمّا أبرز المباحث الـمُضافة إلى هذا الكتاب، غير تلك التي ذكرها في كتاب (المُغامرات اللُّغويّة)؛ فهي الآتية:

(مَكّة، واليَمينُ واليَسار، والعَنقاء، وأطلنطة، والروض، والعروس، والعراق، وبدائعُ أُخرى. وعشتار).

ويكفي في هذه الـمُناسبة أن نعرض لتحليل ما جاء في المبحث الأول، الـمُتعلّق بـ(مكّة) التي تصدّرت كتابه المذكور، فقد تمثــّلت تصوُّرات عبد الحقّ فيما زاده في (تاريخُهُم من لُغتِهم) على المباحث التي أوردها في كتاب الـمُغامرات، بِحَمْلِهِ القارئ على تخيُّل إجابة عن كُلّ سؤال يطرحه، وجرّه إلى ما يُشبه الـمُناظرة الافتراضيّة، ففي مبحث (مكّة، وحمورابي) يدخل عبد الحقّ مباشرة في صميم الموضوع، فيقول: «ندخل رأسًا في صميم الموضوع، دون مُقدمات، يقول الباحثون الـمُستشرقون: إنّ اسم (مكّة) مُقتبسٌ من الحبشيّة (مكورابا): معبد أو هيكل. لكنَّهم، على عادتهم، لا يتساءلون من أين جاء اسم (مكورابا) هذا؟ ثــُمَّ لماذا لم يقولوا على العكس: إنَّ (مكورابا) مُقتبسٌ مِن (مَكّة)؟.. لا أدري.. كُلّما شاهدوا كلمة مُشتركة بين العربيّة، وغيرها؛ قالوا: إنّ العربيّة هي الجهة الـمُستفيدة»(20).

وكان جواد علي قد ذكر أنَّ اسم مكّة كما ذكر المستشرقون مشتقٌّ من الحبشية مكورابا، وقد ذكرها العالم اليوناني بطليموس في كتابه (الجغرافيا)، الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد(21).

وجاء في (تاج العروس): إنَّ (مكّة) هي (بكّة)، والميم بدل من الباء، وأنَّ بكّة سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ الأقدام تبكّ بعضها بعضًا. وقـِيلَ: لازدحام الناس. وأنَّ (مكّة) من المكّ؛ لأنَّ الحجيج كانوا يمكُّون، أي: يصفرون صفير المكاء إذا طافوا بالكعبة، أو لأنــَّها تمكُّ من ظلم فيها(22).

وقد رُوِيَ أنَّ بعض القبائل العربية كانوا يبدلون الباء ميمًا، والميم باءً، ونسبت هذه اللَّهجة إلى مازن وبكر بن وائل وهما من قبائل ربيعة(23).

وقد سخر عبد الحقّ مِن آراء الـمُتقدِّمين العرب في مُعجماتهم؛ إذ يرى أنَّ بعضها قد بَعُدَ «عن المنطق، وقرُبَ بعضُها من السُّخف، فإنــَّما هي مُحاولات من السلف للبحث ــ على طريقتهم ــ عن حقائق الأشياء، وإماطة الحُجُبِ عن أسرارها، لكنّنا غير قادرين أن نساوي بين غثــّها وسمينها في مقياس واحد، مع أنّنا سنرى أنــَّها جميعًا على خطأ»(24).

ثــُمَّ يعود عبد الحقّ من جديد إلى تَوْهِين أن تكون (مكّة) من الحبشيّة (مكورابا)، والأغلب أنَّ (مكّة) الكُبرى في الحِميريّة ـ الـمِحراب، ثــُمَّ المعبد المخصوص في البيت، ثــُمَّ أكرم غرفة في الدار، ثــُمَّ مجلس الملك الذي ينفرد به عن جُلسائه، ثــُمَّ أقدس كلمة للموضع عند المسلمين(25).

وأمّا بغداد فهي عنده مُكوَّنة من (باغ) وتعني بالفارسية الإله ومن (داد)، أي: العطاء أو تأسيس فتكون بغداد بمعنى (مؤسِّسها الله)، وفسّرها بعضهم بـ(اللّه حبيبي)، وهذا برأيه أكثر قبولاً من التأثيل السطحي لـ(باغ) بالحديقة، و(داد) بالعطاء، لتكون بعد ذلك هذه المدينة شيئـًا من معنى الحديقة أو الجنّة(26).

وجاء في كتاب (الأنساب) أنَّ الأصمعي لا يقول: بغداد، ونهى عن قول ذلك، ويقول: مدينة السلام؛ لأنــَّه سمع أنَّ (بغ) بالفارسية معناها الصنم و(داد) بمعنى عطية، فتكون على هذا الأساس عطية الصنم(27)، ولأنَّ الصنم بحسب معتقدات القدماء يقوم مقام الإله. فإنَّ معنى اسم بغداد يكون على هذا الأساس (عطيّة الإله).

وقد نفى يوسف رزق غنيمة أن تكون بغداد مأخوذة عن الفارسيّة كما ذكر المستشرقون وأخذ عنهم الأعربون؛ لأنَّ الفرس لم يدخلوا العراق إلاّ في عهد كورش وكانت بغداد معروفة بهذا الاسم كما ورد في النقوش البابليّة والآشوريّة قبل دخول الفرس إليها بمئات السنين، وهو يرى أنَّ أثل الكلمة آرامي مُكوَّن من (ب) المقتضبة من كلمة بيت و(كداد) بمعنى الغنم أو الضأن، فيكون معنى بغداد بيت الغنم أو الضأن؛ إذ إنَّ الآراميين كانوا فلاحين في هذه الديار ويربُّون المواشي، وبقوا كذلك قرونــًا عِدَّة بعد استيلاء العرب المسلمين على العراق(28).

واقترب بهاء الدين الوردي من تفسير يوسف غنيمة، فـ(بغداد) بعد التقطيع  AD ــ  KD ــ BA = دار التضحية(29).

لكنَّه ذكر في معجمه أنــَّها بمعنى قلعة قبيلة الصقر، أو هيكل الصقر والعقرب(30).

وقد ورد اسم بغداد  ــ بحسب ما ذكر طه باقر ــ  في النصوص المسماريّة في عصر الملك حمورابي بصيغة (بگدادو ــ  بگدادا) وهو يرى أنَّ نقطة الضعف في تعيين معنى بغداد هو أنَّ المقطع (باك) أو (باغ) يُلفَظ أيضًا (خو)(31)؛ لذا فإنّ أغلب المعاني التي ذكرت افتراضية، بيد أنَّ أثل الكلمة أكدي وليس فارسيًّا.

ثُمّ يأخذنا عبد الحقّ في رحلة قد تبدو غريبة الملامح من وجهة نظري؛ إذ إنــَّه هذه المرّة قد ابتكر علاقة بين (مكّة) و(بغداد)، و(محمد فوزي) في أغنيته الذائعة الصيت على مرّ الاجيال:

(ماما زمنها ﮔاية.. ﮔاية بعد شوية.. ﮔايبه لعب وحاﮔات)!!

إذ يرى أنَّ (بغ) الفارسية هي بكة (baga) البابليّة وأنَّ بكّة مأخوذة من بج، بج، بج، لاعبت الطفل وناغيته على طريقة محمد فوزي(32)، وتلك طريقة اتّبعها الباحث لإيصال المراد من كلامه، وكذلك عند حديثه عن وجود التنوين في الأفعال في اللُّغات الساميّة، ذكر وجود رواسب هذا التنوين في اللَّهجات مستشهدًا بالأغنية الشعبيّة الجنوبيّة العراقيّة*:  (ما أكدر أكَولن آه خوف الفضيحة)(33).

وأمّا (حمورابي)؛ فيرى عبد الحقّ فاضل أنَّ (حمو) بمعنى الحامي، والحارس، و(رابي) بمعنى الإله، والمعنى يكون: حامي الإله (34)؛ إذ إنــَّه اعتمد التوافق الظاهري بين حمو والحامي في تأثيل اللَّفظ،فكيف يُعقَل أن يكون للإله حامٍ وهو الذي يحمي الناس.

وكلمة (ربّ rib) تعني في السومرية علا في المقام و(ribba ربّ) بمعنى كثــُر،و(rabbo) بمعنى عالٍ(35).

وفي المعجم الأكدي (rabu) بمعنى كثــُر وزاد أيضًا(36).

وذكر طه باقر أنَّ (حمو) اسم إله سامي غربي من الآلهة الشمسية كما يدلُّ على ذلك اسمه الذي يعني الحرارة، و(رابي) ومعناها (عظيم أو كبير) ويجوز قراءتها (رافي) بمعنى مكثر(37).

وقد اقترب السيِّد سامي البدري من رأي طه باقر لكن بصورة أدقّ فقد بَيَّن أنَّ معنى حمو لا تعدو أن تكون أحد معنيين، الأوّل: الرئيس، والثاني: الثقة، الصديق الحميم، الخليل، وفي ضوء ذلك فإنَّ حمورابي هو ثقة الربّ وخليل الربّ(38).

وبنظرة سريعة إلى ما عرضه عبد الحقّ، يُمكن الوقوف على الآليّة التي اعتمدها في ترسيس الألفاظ، وتأثيلها؛ إذ إنــَّه يعود بأغلب الملفوظ إلى أصلِهِ الثنائيّ، وكذلك كان شأنه في معالجة الأصل الذي نجمت عنه الـمُشتركات اللَّفظيّة، فعالجها على أنــَّها من حيث التكوين ثــُنائيّة، فمكّنه ذلك بِجُرأة أن ينسب أيَّ لفظ إلى أصل واحد، هو في رأيي ليس عربيًّا على وجه الإطلاق، إلاّ إذا صحّ عَدُّ عبد الحقّ الجزيرةَ العربيّة موطنًا وحيدًا للإنسانيّة الأُولى، آنئذ كانت جنةً غنّاء، لِتنتشر الناسُ في الأرض لدواعٍ هي في الغالب نظريّات لم تصل إلى درجة القطعيّة، وجعلها عبد الحقّ حقيقة غير مُنكرة من الناحية الجُغرافيّة التاريخيّة، وهذا بِرُمّتِهِ ــ مهما بلغ من الصحة ــ لا يمنع من وجود جِنان أُخَر مأهولة في الأرض.

وبإنعام النظر في مُحتويات (تاريخهم من لُغتهم)؛ نجد أنَّ عبد الحقّ قد ألّف هذا الكتاب لغايتين، منها: ترقية ما جاء في كتاب الـمُغامرات، وإضافة مباحث جديدة، (تقدّم ذِكرُهَا) أوّلاً، وذريعة يردُّ بها على مُنتقدي بعض مباحث (المُغامرات) ثانيًا، وأعني بذلك ردّه على إبراهيم السامرائيّ؛ إذ كان عبد الحقّ قد نشر مقاله (عربي، آرامي، عبري) في مجلة (سومر)، وأعاد نشره في كتاب المغامرات، ونقدها إبراهيم السامرائيّ بعد عامين في المجلة نفسها. قال عبد الحقّ: «وقد وصلني الـمُجلّد هُنا، في بكين، بعد بضعة أشهر من صدوره، فأجبت الإجابة عليه في أوانه، ولكن حالت دون ذلك أشغال وسفر»(39) فنشر الردّ بعد ثلاثة أعوام، فجعله في كتاب (المغامرات) بعنوان: (عودة إلى: العربيّ، والآراميّ، والعِبريّ)(40)، وأكدّه في كتابه (تأريخهم من لغتهم) (41).

وخلاصة اعتراض إبراهيم السامرائيّ على مقالة عبد الحقّ المذكورة، أنَّ الأخير ــ بحسب السامرائيّ ــ كان فعله فعل الهُواة، لا فعل الـمُتخصِّصين، فإنَّ عبد الحقّ توّاقٌ إلى الكتابة في كُلّ شيء، في القصة، والمقالة القصيرة، والشعر، وأنَّ سلوك الطريق إلى اللُّغات المقارنة وقواعدها لا تعتمد الرأيَ المجرَّدَ، ولا على التخمين، وأنَّ على عبد الحقّ وعي خطورة هذه المهمَّة الشاقَّة، وأنَّ عليه الإلمام بعلم الأصوات، واللَّهجات، وتاريخ علوم اللُّغة عامة(42).

ثــُمَّ عرض السامرائيّ لخطرات عبد الحقّ، وفرضياته القائمة على الظن، مستشهدًا ببعض تصريحاته أنَّ ما يكتبه إنــَّما هو من صناعته الفكريّة الخاصة التي لا يُلزم بها أحدًا، ثــُمَّ يأتي بعد ذلك على ما رآه ليحملنا على الاقتناع به (43).

ثمّ يعترض على ما رآه عبد الحقّ من الصِلة بين العربي، والآرامي، والعبري، وأنَّ هذه المذكورات قد انحدرت من أُمّ واحدة، وقد نجمت عن هذه اللُّغات لهجات استحالت بمرور الأزمان إلى لغات عدّة، واعترض على اختيار عبد الحقّ لفظة (العربي) من كلمتَي (عبري وآرامي)؛ من حيثُ إنَّ الكلمتين قد كانتا رتقًا ففتقهما تطوُّر الحدثان، وهي ليست كذلك عند السامرائيّ، إذ لم تكونا رتقًا لتُفتقا؛ ذلك لأنَّ الآرامية، أو (الأرميّة) تبدوان كأنــَّهما لفظان على مُعيَّنٍ واحد، مثلما يحلو لعبد الحقّ أن يُعيّنها في تفسيراته للتعبير عن (العربيّة)(44).

وحُجة السامرائيّ مُستندة إلى تحليل علميّ؛ إذ إنــَّه يرى أنَّ (الآراميّة) لغة ذات أُصول معروفة، وتاريخ، ووطن معروف، وأنَّ هذه تنماز من العربيّة بفروق واضحة، فليس (عربي)، و(آرامي) واحدًا، فقد استعان عبد الحقّ في استدلالاته على وحدة الأصل بين اللَّفظين، بالإبدال الواقع بين الهمزة، والعين (45).

ويرى السامرائي أنَّ الإبدال هذا قد يقع في لهجات العربيّة نفسها، لكنَّه غير موجود في الآراميّة، وإذا وقع؛ فإنــَّه يقع بتأثــُّر الـمُجاورة، وأمّا استدلال عبد الحقّ على نطق سريانيي العراق العين همزة، فالسريانية، لذلك؛ عربيّة، فتردُّهُ حُجّة السامرائي بأنَّ الإقليم الذي يتحدّث فيه النصارى بالسريانيّة في العراق متاخم لكردستان؛ فتولّد عندهم هذا النطق بالمجاورة، والدليل على ذلك؛ أنَّ السريانيّة الغربيّة، كما في لبنان، وسائر بلاد الشام، قد احتفظت بنطق العين، ولعلَّ هذا حصل في العبريّة، فاليهودي الشرقي مُحتفظ بنطق العين، لا يتعدّاها إلى الهمزة، وأمّا اليهودي الغربي؛ فيتعدّاها إلى الهمزة، وذلك؛ لأنــَّه نشأ في بيئة لا وجود لهذا الصوت في لغاتها(46).

ثــُمَّ يخلُص السامرائي، بعد عرضه جُملةً من أمثلة الإبدال، إلى أنــَّها مسألة مُتعلّقة بالسماع، وأنَّ الركون إلى الإبدال، وقواعِدِه، لتحقيق أنَّ العربيّة تعني الأرميّة، أمرٌ غير وارد في البحث العلميّ التاريخيّ؛ لأنــَّه أمرٌ شكليّ، ولا علاقة له بحقائق التصنيف اللُّغويّ الـمُقارن، ولا يُغيّر الحقيقة التاريخيّة لانحدار كُلّ لغة (47).

ويختم السامرائيّ حديثه، فيقول: «إنَّ (عربيّ)، و(آراميّ)، و(عبريّ)، كلمات ذوات دلالات مُختلفة، فكُلّ منها يدلّ على لغة مُعيّنة، وإن كانت تؤلّف مع غيرها من لُغات أُسَرة لُغويّة خاصة، هي الأسرة الساميّة»(48).

وأمّا تعقيب عبد الحقّ الذي جاء مُتأخِرًا على ردّ السامرائيّ في مقالته التي نشرها في كتاب المغامرات، فيتصدّره ما يُشبه الامتعاض بعد إشادة بثناء، يقول عبد الحقّ: «وأودُّ قبل كُلّ شيء، أن أشكر الناقد (السامرائيّ) ثناءه عليّ في أوّل مقاله، ولا ينقص من شكري استدراكه قائلاً: غير أنَّ سلوك هذا السبيل مُضنٍ شاق، فصاحبه مُلزَمٌ أن يكون له من الوسائل ما يسهّل عليه هذه المهمّة الشاقّة العسيرة، كأنــَّما يقصد أنّني اقتحمت عليه موضوعًا لم أستكمل أداته، فكان ينبغي لي أن أتركه لأهله، ولا سيَّما أنــَّه قال عن نفسه قبل أن يتحدّث عني، أنــَّه قد سلخ أعوامًا في موضوع هذه اللُّغات الساميّة، وفي مادّة مُقارنتها؛ بُغية الوصول إلى فهم مُشكلات هذه العربيّة، نحوًا، وصرفًا، ولُغةً»(49).

ثُمّ أخذ عبد الحقّ يعرض ما كتبه السامرائيّ، فيردّ عليه، مع إحالة القارئ على ما كتبه كُلّما دعت الـمُناسبة، واختتم ردّه بخاتمة، مُلخصها أن لا مانع من تصحيح السامرائيّ أنَّ (عربي، وآرامي، وعبري)، كلمات ذوات دلالات مُختلفة، وكُلاً منها يدلّ على لُغة مُعيّنة، مع توخّي أمرين، (أحدهما): إنَّ القول بأنَّ هذه الكلمات الثلاث، تعني اليوم لغة واحدة، غير صحيح؛ لأنَّ المقصود أنَّ الكلام كان يدور في الأصل، وليس فيما تشقّقت عنه هذه اللُّغات. و(الآخر): هو أنَّ عبد الحقّ شخصيًّا لم يكن مقتنعًا بما ذهب إليه من رأيه، وإنــَّما هي خطرات فكر، لا تستند إلى نصٍّ قديم، وهي مُجرّد نظرية لم يجد عند أحد ما ينقضها، ولا ما يبرمها(50).

ويُقرّ عبد الحقّ مًجدّدًا أنَّ تصوُّراته قد كانت محفوفة بالتحفظُّات، وأنَّ ما قاله إنــَّما يجوز، أو يحتمل أن يكون (العربي، والآرامي، والعبري) قد اشتُقَّ بعضه من بعض، من غير جزم، فخليق بالباحث ألاّ يجزم(51)، ثــُمَّ يختتم مقاله، بخلاف ما ابتدأه من التلطُّف، فيقول: «لهذا؛ لا يُمكن تفنيد نظريتنا إلاّ بطريقة واحدة، هي أن يثبت الناقد (السامرائيّ) أنَّ القلب، والإبدال، في هذه الألفاظ لم يكن مُمكنًا، ولا مُحتملاً، وهذا هو الأمر الذي نظنُّه غير ممكن، ولا مُحتمل»(52).

فعبد الحقّ يرى أنَّ العربية والآرامية والعبرية من أصل واحد ومن كلمة واحدة هي العربية بوصفها أُمّ اللُّغات الساميّة وأكثرها شبهًا باللُّغات الساميّة المتطوّرة.

وقد رجَّحَ أحمد سوسة بأن يكون العربي والعبري من أصل واحد ومن كلمة واحدة مستعينًا بالأدلة التاريخيّة، لكنَّه يرى أنَّ العربي اشتُقَّ من العبري وليس العكس؛ إذ إنَّ ذكر كلمة العبيرو والخبيرو والهبري يرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، فقد ورد هذا اللَّفظ كثيرًا في نقوش تل العمارنة، وكان يقصد به عرب البادية أو البدو الرحَّل، وأنَّ العربي تحريف لكلمة عبري، وهو يرى أنَّ تسمية العرب تسمية لاحقة، وكذلك أُطلِقَت كلمة العريبي على الآراميين والأدوميين ممــَّا يدلّ على أنَّ الآشوريين جعلوا الآراميين والأدوميين من العرب أيضًا، وأنّ التوراة حين تصف إبراهيم بالعبراني فإنــَّها تساير واقع الحال بكونهم من القبائل العبرية التي ينتمي إليها، أي: القبائل الآرامية قبل أن يكون لليهود وجود بعد، وقد ظلت هذه التسمية، أي: عبري وعبراني، تُطلَق على الجماعات النازحة من البادية ومن جهة فلسطين الى مصر، وأنَّ المصريين صاروا يُسمّون الإسرائيليين بالعبرانيين بوصفهم من تلك الجماعات البدوية، ولم ترد كلمة عبري في الكتب المقدسة (التوراة* والإنجيل والقرآن)(53).

ويبدو من كلام أحمد سوسة أنــَّه ينفي وجود لغة عبرية قديمة، وأنّ كلمة عبري قد أصابها التحريف فأصبحت (عربي) وهما كلمتان لمدلول واحد، وأنّ النبي إبراهيم (u) كان يتكلّم الآرامية.

ويذهب هاشم الطعَّان إلى اشتقاق (العبرانيّة) من (العبور) في اللُّغة العبرية، إذ إنَّ إبراهيم u هو أوَّل من تكلَّم بها، حين خرج من قريته المعروفة، بـ(أوركشد) من بلاد (كوثى)، وهو إقليم بابل، وصار إلى حرّان من أرض الجزيرة، وعبر الفُرات، فيمَنْ كان معه إلى الشام، فسُمّيت لُغتُه بالعبرانيّة؛ لِعُبورِهِ(54).

ويرى أحمد سوسة أنَّ هذا الاشتقاق من قبيل الحدس والاجتهاد ولا يستند إلى أيّ دليل أو أساس وقد نبّه القرآن على ذلك؛ إذ قال تعالى في سورة آل عمران: {يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلا تَعۡقِلُونَ ٦٥ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لا تَعۡلَمُونَ ٦٦ مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} وأنَّ العبرية* بدأت تتشكَّل لغةً مستقلّةً في القرن السادس ق. م، أي: بعد عصر إبراهيم u بـ1300 سنة وبعد عصر موسىA بثمانية قرون (55).

وبالعودة إلى تأثيل لفظة (عرب) نلحظ أنَّ جواد علي  قد ذكر أنَّ أقدم نصٍّ وَرَدَ فيه ذكر العرب يعود إلى الآشوريين عام 854 ق.م من أيّام الملك (شلمنصر الثالث) ملك آشور، وكانوا يقصدون بلفظ العرب بداوة وإمارة (مشيخة) كانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشورية، وكان يحكمها أمير يُلقِّب نفسه بلقب (ملك) يُقال له: (جنديبو)، أي: (جندب)، وكانت صِلاته سيئة بالآشوريين، وأنَّ الآشوريين كانوا يقصدون بكلمة (عربي) على اختلاف أشكالها (بداوة ومشيخة) كانت تحكم في أيّامهم البادية تمييزًا لها من قبائل أُخَر كانت مستقرّة في تخوم البادية، ووردت في الكتابات البابلية جملة (ماتواربي Matu. Ara baai»، ومعناها (بلاد الأعراب)، وبهذا المعنى أيضًا وَرَدَت في سفر (أرميا)، ففي الآية «وكُلّ ملوك العرب»(56) تعني لفظة (العرب) الأعرابي، أي: (عرب البادية). وفي سفر (أشعياء) استعملت بمعنى بداوة، كالذي جاء فيه: «ولا يخيّم هناك أعرابي»(57). فقصد بلفظة (عرب) في هذه الآية الأخيرة البادية موطن العزلة والوحشة والخطر(58).

وما زالت رواسب معنى هذا اللَّفظ في اللَّهجات الدارجة، ففي مصر يُقال للسيارة: العربيّة؛ لأنــَّها تنتقل من مكان لآخر، وفي العراق يُقال: العربانة لأنــَّها تنقل الأشياء.

وقد اعتمدت باكزة رفيق حلمي ما ذكره المستشرق (د. هـ. ملر)* الذي ذهب إلى أنَّ القرآن الكريم هو الذي خصَّصَ الكلمة وجعلها علمًا لقومية تشمل كُلّ العرب(59)، فذكرت أنَّ تخصيص اللُّغة العربية* بهذا الاسم الخاص قد تــَمَّ منذ أن أُنزِلَ القرآن بها ونصَّ عليها في آياته: {بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ} (الشعراء: 195)(60).

ويرى جواد علي أنَّ هذا الرأي ضعيف لا يستند إلى دليل؛ إذ كيف تُعقَل مخاطبة القرآن قومًا بهذا المعنى لو لم يكن لهم علم سابق به؟ وفي الآيات دلالة واضحة على أنَّ القوم كان لهم إدراك لهذا المعنى قبل الإسلام، وأنــَّهم كانوا ينعتون لسانهم باللسان العربي، وأنــَّهم كانوا يقولون للألسنة الأُخَر ألسنة أعجمية: وقال تعالى: {ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ} (فصّلت: 44)(61).

وقد ورد اسم العرب في آرامية الحضر  ــ وفقا لما ذكره عادل هامل الجادر ــ  للدلالة على معنيين(62):

الأوّل: المنطقة التي استوطنها السكان العرب في أطراف الهلال الخصيب بين مدن الرها والحضر والبتراء وما جاورها.

الآخر: الدلالة على قوميّة وجنس السكان الذين بنوا لهم كيانـًا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

أمّا كلمة آراميين فيرى أحمد سوسة أنَّ اشتقاقها من اسمهم (إرم)(63).

وقد رجَّحَ طه باقر أن يكون اسم الآراميين مشتقًّا من اسمهم، ويرى أنَّ الكلمة الواردة في القرآن الكريم لها صلة بالآراميين وتعني الأرض العالية(64).

وجاء في (لسان العرب) «قوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ}(الفجر: 7) قـِيلَ: معناه أَي: ذات الطُّولِ، وقـِيلَ: أَي ذات البناءِ الرفيع، وقـِيلَ: أَي ذات البناءِ الرفيع الـمُعْمَدِ وجمعه عُمُدٌ والعَمَدُ اسم للجمع»(65).

ويرى فاضل الربيعي أنَّ (إرم) تدلّ على الحجارة، وفي الأديان الساميّة كما في ديانة اليونان القديمة اقترنت عبادة الإله هرمس بتقديس الحجارة والصخور التي تُدعَى هيرما، أي: إرما ورُبـَّما إرم(66)، وفي اليونانية (Erma) التي تعني الصخر، وتدلّ (إرم) كذلك على البياض، وقد رجَّحَ أن يكون معنى (إرم) الرخام الأبيض وهي الأعمدة الشاهقة البيضاء؛ وذلك بالنظر إلى أعمدة تدمر وبعلبك والإسكندرية على أنــَّها (إرم) لأعمدتها الشاهقة البيضاء(67).

ويبدو أنَّ هناك علاقة بين الجذور (راب، ورام أو إرم، وران) فهي تدلّ على معنى العلوّ في الأصل.

وبالعودة إلى ما ذكره عبد الحقّ يتبيَّن أنَّ الإبدال وقع بين كلمتَي عرب وعبر، أمّا (إرم) فلا إبدال فيها.

لقد أراد عبد الحقّ عبر مقاله الذي نشره أن يثبت أنَّ اللُّغة العربية هي أُمّ اللُّغات الساميّة. وبعد سلسلة من المقارنات والتقابلات التي أجراها مع اللُّغة الألمانيّة واللُّغة الصينيّة ذهب إلى أنَّ العربيّة أُمّ اللُّغات الآريّة والحاميّة والساميّة وأنَّ الشعب العربي أبو الآريين والحاميين والساميين وأنَّ الجزيرة العربية وطنهم الأوّل جميعًا(68).

ثــُمَّ قال: «وسيعلم الغربيون كذلك أنَّ العرب أخوان لهم وأعمام وأخوال، وعندها لا بـُدَّ أن يخفِّف بعض المتعالين منهم علينا من تعاليهم، والمبغضين لنا من بغضائهم»(69).

ويبدو أنَّ نبوءة عبد الحقّ فاضل قد تحقّقت فقد نشرت المجلة الأمريكية للجينات البشرية American Journal of Human Genetics في عددها لشهر فبراير 2012 نتائج بحث اشترك في إنجازه علماء من جامعة ليدز البريطانية وجامعة بورتو البرتغالية، واستغرق سنوات، واستعمل تحليل الخلايا وهندسة الجينات، مؤكدًا أنَّ الإنسان العاقل الأوّل Homo Sapiens وُجِدَ وترعرع في جنوبي الجزيرة العربيّة، وبعد ملايين السنين، وقبل قرابة ستين ألف عام، خرجت موجات بشرية من جنوبي شبه جزيرة العرب وهاجرت شرقاً إلى آسيا، وشمالاً إلى أوربا من طريق الشرق الأوسط أو من طريق شمال أفريقيا(70).

«وفي الشهر نفسه نقلت مجلة Le Point الفرنسية نتائج هذا البحث العلمي المذهل في عددها الصادر بتاريخ 5/2/2012م في مقال بعنوان (نحن جميعاً عرب)  Nous sommes tous des Arabs قائلة في عنوانه الفرعي: نحن جميعاً، سواء كُنــَّا فرنسيين أو أمريكيين، أو صينيين، أو من الأسكيمو، ننتمي إلى سلالة واحدة نشأت في الجزيرة العربية ومنها انتشرت»(71).

لكنَّ إثبات وجود الإنسان الأوّل في شبه جزيرة العرب لا يقوم دليلاً مكينـًا على أنَّ النطق الأوّل للألفاظ كان عربيًّا، وإنَّ الدراسات المقارنة التي أثبتت وجود بعض التشابه والروابط بين اللُّغات لم تصل إلى درجة القطعيّة للبتِّ في اللُّغة الأُمّ التي انحدرت منها اللُّغات، فهناك مثلاً تشابه بين نظم اللُّغة الإنجليزية الحديثة ونظم اللُّغة الصينيّة، وهي غير شريكة الإنجليزيّة في الأصل القريب أو البعيد أكثر من المشابهة القائمة بين الإنجليزيّة واللاتينيّة(72)، فهل ذلك يُعدُّ دليلاً كافيًا للقول بأنَّ اللُّغة الصينية أُمُّ اللُّغة الإنجليزية أو بالعكس؟

فضلاً عن أنَّ «العلم لا يعترف بشيء اسمه حدس أو خيال ولا يأخذ بشيء اسمه غيبيّات إلاّ إذا كانت افتراضات قيد البرهان»(73)، ولم يبرهن عبد الحقّ على صحّة فرضيّاته، فقد بنى زعمه على تخيُّلات وافتراضات لا تقوم على أساس صحيح ولا يسندها خبر منقول.

***

 

 

 

الدكتورة بتول عبدالكاظم حمد الربيعي

......................

* من كتاب: (التأثيل عند اللِّسانيين العراقيين في العصر الحديث) الذي صدر عن مركز الكتاب الأكاديمي في عمان، تأليف: د. بتول الربيعي.

(1) يُنظَر: العراق في القلب: 345، ودخيل أم أثيل دراسات في التأثيل اللُّغويّ: 6 ــ 12, وطرائف النوادر عن أصحاب المآثر:193 ــ 194، ومعجم البابطين: 3 ــ 9، على الموقع:

http://www.almoajam.org/poet_details.php?id=514.

(2) مغامرات لُغويّة: 9.

(3) المصدر نفسه: 9.

(4) يُنظَر: من تراثنا اللُّغويّ القديم: 11.

(5) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 208.

(6) يُنظَر: المصدر نفسه: 209.

(7) مغامرات لُغويّة: 209 ــ 210، وكذا وردت في اللغة الشركسية. يُنظَر: الأُصول السومرية في اللُّغة الشركسية: 26.

(8) البيان والتبيين: 1/72.

(9) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 169.

(10) المصدر نفسه: 170.

(11) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 197.

* نقد القاص ذو النون أيوب ما ذكره عبد الحق فاضل في مقال له بعنوان (عبد الحق فاضل في مغامراته اللُّغويّة)، إذ يرى ذو النون أيوب أنَّ ذلك الصوت (صي ــ صي) لم يكن لصوت فرخ الدجاج بل لصوت البلابل والعصافير لأنَّ الدجاج قد دخل في حياة الإنسان مستأنسًا بعد وجود البلابل والعصافير وغيرها في الغاب بعشرات الألوف من السنين. يُنظَر: عبد الحق فاضل في مغامراته اللغويّة:  16 ــ 18. وقد ردَّ عليه عبد الحق فاضل، بأنَّ صوت الفروج لا يشبهه صوت أيّ طائر آخر، ومن شدّة شبه (صي صي) بصوت فرخ الدجاجة تجد أنَّ بعض عرب الشرق الأوسط ما زالوا يسمّون الفرّوج في دارجاتهم (صي صي). يُنظَر: دخيل أم أثيل، دراسات في التأثيل اللُّغويّ: 15 ــ 25.

(12) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 197 ــ 198.

(13) يُنظَر: محاولة في أصل اللُّغات: 33.

(14) تاريخ اللُّغات السامية: 4.

(15) يُنظَر: علم اللُّغة (وافي): 6 ــ 7.

(16) مغامرات لُغويّة: 365.

(17) مغامرات لُغويّة: 365.

* كُلّ شعب يدّعي أنَّ لغته من أسمى اللُّغات. فقد ادّعى الصينيون أنَّ لغتهم هي الأصل، وادّعى الأرمن أنَّ لغتهم هي الأُولى، وأنَّ فرعها أساس اللُّغات، وادّعى العبرانيون أنَّ لغتهم هي الأُولى، وادّعى العرب أنَّ العربية لغة أهل الجنة. يُنظَر: موقع العربية في الواقع اللُّغويّ العربي القديم، (بحث)، محمد مختار الغرباوي في الوحدة والتنوُّع في اللَّهجات العروبية القديمة: 242، والتطوّر اللُّغويّ التاريخي: 13 ــ 14.

(18) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 366.

(19) تاريخهم من لغتهم: 5.

(20) تأريخهم من لغتهم: 7.

(21) يُنظَر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 7/9.

(22) يُنظَر: تاج العروس: 27/79 ــ 81.

(23) يُنظَر:  دُرّة الغواص في أوهام الخواص: ٨٧، وفي اللهجات العربية: ١١٦.

(24) تاريخهم من لغتهم: 8.

(25) يُنظَر: تأريخهم من لغتهم: 10.

(26) يُنظَر: المصدر نفسه: 10.

(27) يُنظَر: الأنساب: 1/ 372.

(28) يُنظَر: معنى اسم بغداد (مقال): 83 ــ 84.

(29) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم: 1/212 ــ 220.

(30) يُنظَر: حول رموز القرآن الكريم وقاموس أصل اللُّغات: 4/ 132.

(31) يُنظَر: من تراثنا اللُّغويّ القديم: 203 ــ 204

(32) يُنظَر: تأريخهم من لغتهم: 11.

* يرى إبراهيم السامرائي أنَّ النون التي تلحق أفعال الجوف المضارعة في لهجة القرويين من جنوبي العراق لإتمام الفائدة التي تحصل من التنوين في الأسماء أو لإفادة التنبيه كما في قولهم (أروحن وأموتن). يُنظَر: فقه اللُّغة المقارن: 143.

(33) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 225.

(34) يُنظَر: تأريخهم من لغتهم: 18 ــ 19.

(35) يُنظَر: ما قبل اللُّغة: 198.

(36) يُنظَر: CDA: 15, ومعجم النظائر العربية للأُصول الأكديّة: 333.

(37) يُنظَر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة: 2/429.

(38) يُنظَر: علم آثار القرآن الكريم (بحث): 32 ــ 33.

(39) مغامرات لُغويّة: 197، وتأريخهم من لغتهم: 147.

(40) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 197.

(41) يُنظَر: تأريخهم من لغتهم: 147.

(42) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري(مقال): 38، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 3.

(43) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري(مقال): 39، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 3.

(44) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري(مقال): 39، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 4.

(45) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري(مقال): 39، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 4.

(46) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري (مقال): 40 ــ 41، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 4 ــ 5.

(47) يُنظَر: ردّ على مقال عربي آرامي عبري (مقال): 41، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 5.

(48) ردّ على مقال عربي آرامي عبري(مقال): 41، ودراسات في اللُّغتين السريانية والعربية: 6 ــ 7.

(49) مغامرات لُغويّة: 99، وتأريخهم من لغتهم: 147.

(50) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 112 ــ 113، وتاريخهم من لغتهم: 148.

(51) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 112 ــ 113، وتاريخهم من لغتهم: 148.

(52) مغامرات لُغويّة: 113، وتاريخهم من لغتهم: 149.

*  ذكر حسن ظاظا أنَّه يبدو من سياق التوراة أنَّ شيوخ العبرانيين وعلى رأسهم إبراهيم وإسحق ويعقوب في فلسطين لم يكن لهم أيّ أثر سياسي يُذكَر وقد ظلوا كما كانوا بدوًا رُحّلاً يعيشون على هامش المدن والبلدان، وأنَّ تلك العشائر العبرية كانت منذ وجودها في العراق قد تعلّقت بالطقوس الدينية. يُنظَر: الساميّون ولغاتهم: 74.

وذكر موريس بوكاي أنَّ الأبيرو قد ورد ذكرهم في الكتابات المصرية في القرن الثاني عشر في عهد رمسيس وهي تعني ابتداء عمّالاً مسخرّين من غير معرفة منشئهم. يُنظَر: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم: 265.

وذكر أحمد محفل أنَّ العبرية لا وجود لها توراتيًّا وفي الحقبة الأُولى للمسيحيّة من اعتنق الدين الجديد ظل يتكلّم لهجةً آراميّةً اشتهرت لاحقًا باسم السريانيّة، أمّا مَنْ ثابر على يهوديته فأطلقوا على لسانه اسم العبرية، أمّا أن نطلق اسم العبرية على لغة التوراة كما هو شائع في الأوساط الأكاديميّة العربيّة، ففي الأمر مخالفة لمنطق الأُمور بل تزوير للحقيقة. يُنظَر: في اللُّغات العروبية القديمة (بحث)، محمد محفل في كتاب (الوحدة الحضارية للوطن العربي من خلال مكتشفات التوراة): 292 ــ 293.

1) يُنظَر: العرب واليهود في التاريخ:247 ــ 249، والعبرانيون وبنو إسرائيل في العصور القديمة بين الرواية التوراتية والاكتشافات الأثرية: 16 ــ 17.

(54) يُنظَر: مساهمة العرب في دراسة اللُّغات السامية: 39.

* يقول ولفنسون: «إنَّ بين كلمتَي عربي وعبري ارتباط لُغويّ متين، فهما مشتقّتان من مصدر ثلاثي واحد هو عبر بمعنى قطع او اجتاز، وهذا الفعل تبدّل فأصبح عرب». تأريخ اللُّغات السامية: 78.

(55) يُنظَر: العرب واليهود في التاريخ:249 ــ 250.

(56) سفر أرمياء: 25/24.

(57) سفر أشعياء: 13/20.

(58) يُنظَر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 1/16 ــ 18، وعلاقات وادي الرافدين بجزيرة العرب (بحث): 123 ــ 158، وموسوعة اللُّغات العراقيّة: 172 ــ 174، وأصوات بابل: 56، والعرب في التاريخ: 10.

*  (د. هـ. ملر): وهو مستشرق ألماني حصل على شهادة الدكتوراه في دراسته معلقة امرئ القيس، وقد نشر كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة، وأصدر كتاب (الإسلام في الشرق والغرب). يُنظَر: موسوعة المستشرقين: 565.

(59) يُنظَر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 1/18.

*  يرى سعيد الغانمي أنَّ العربيّة الفصحى هي آخر لهجة عربيّة معروفة وليست أقدم اللَّهجات على الإطلاق. يُنظَر: ينابيع اللُّغة الأُولى: 15.

(60) يُنظَر: العربيّة أصل والعبرية فرع (بحث): 184 ــ 185.

(61) يُنظَر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 1/20.

(62) يُنظَر: العرب في الكتابات النقشيّة السريانيّة وآرامية الحضر، (بحث): 306.

(63) يُنظَر: العرب واليهود في التاريخ: 531.

(64) يُنظَر: مقدِّمة في تاريخ الحضارات القديمة: ج1/302، و2/541.

(65) لسان العرب: 4/ 397.

(66) يُنظَر: إرم ذات العماد: 165.

(67) يُنظَر: المصدر نفسه: 209 ــ 212.

(68) يُنظَر: مغامرات لُغويّة: 366.

(69) المصدر نفسه: 367.

(70) يُنظَر: مقدِّمة علي القاسمي, في كتاب دخيل أم أثيل دراسات في التأثيل اللُّغويّ: 300.

(71) دخيل أم أثيل دراسات في التأثيل اللُّغويّ: 3. وهل البشرية من سلالة واحدة (مقال) منشور على الموقع: .alnaked ــ aliraq http://www.

(72) يُنظَر: علم اللُّغة، مقدمة للقارئ العربي: 247.

(73) نظريات في اللُّغة: 15.

 

في المثقف اليوم