قراءة في كتاب

محمود محمد علي: قراءة نقدية في كتاب إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته (2)

محمود محمد عليفي ضوء جائحة كورونا للأستاذ الدكتور علي وطفه

4- الكتاب وموضوعه: والسؤال الذي أود أن أسأله للأستاذ الدكتور علي وطفه: لماذا اختار لكتابه عنوان "إشكاليّات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا"، ولم يختار له اسم “مشكلة التعليم الالكتروني في ظل جائحة كورونا "، أو "أزمة التعليم الالكتروني في ضوء تحديات جائحة كورونا " أو ”التعليم الالكتروني وجائحة كورونا بين المحنة والمنحة، أو "التعليم الالكتروني.. ضرورة تفرضها جائحة كورونا".. الخ؟

وهنا يجيبنا الدكتور علي وطفه ضمن ملاحظة سجلها ضمن تلخيصه للكتاب فقال: " يتناول الكتاب إشكاليات التّعليم الإلكترونيّ وتحدّياته في ضوء جائحة كورونا، ويبحث في جدليات التفاعل والتأثير بين مختلف عوامل هذه القضية ومتغيراتها، ويستقصي مختلف الجوانب الإشكالية التي تتعلق بالتربية والتعليم الإلكتروني في زمن الكورونا (7).

والكتاب عند أول صدوره يقع في (425) صفحة، وهذا الكتاب ليس رواية من نسيج الخيال، ولا سرد لأحداث تاريخية عن التعليم الالكتروني في ظل جائحة كورونا، وإنّما هو عبارة عن مراجعة لمئات المصادر والمراجع، وكذلك البحث بصورة نقدية للدراسات التربوية والأبحاث العلمية في محاولة للكشف عن الجوانب المظلمة للأزمة، وابتكار وسائل المواجهة وطرق الدّفاع والحماية، ودراسة التّأثير البعيد والقريب لهذه الأزمة في المجتمع الطلاّبي على مستوى الكوكب، في محاولة جادّة لفهم ما يجري، ومن ثم الانطلاق إلى مواجهة التّحدّيات الصّعبة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا (8). ولهذا، أكّد المؤلف بأن هذه الدراسة تهدف إلى إطلاع المسؤولين عن التعليم والباحثين وصنّاع القرار على الآثار التي خلّفتها الجائحة على العملية التعليمية، والسياسات والبرامج وتدابير الطوارئ التعليمية التي تسهم في الحدّ من تداعياتها على تلك العملية، وكيفيّة الاستفادة من التّعليم الإلكتروني باعتباره بديلاً مناسباً في ضوء انتشار الجائحة واستمرار تأثيرها ربّما لأشهر مقبلة (9).

وينقسم الكتاب  إلى عشرة فصول وخاتمة، حيث يستعرض الفصل الأول إشكالية الصدمة الأولى للفيروس التي أدت إلى الإغلاق الشامل للمدارس والمؤسسات التعليمية وما ترتب على هذا الأمر من تحديات فرضت نفسها على التعليم ومؤسساته في مختلف أنحاء العالم. ويتناول الفصل الثاني مفهوم التعليم الإلكتروني وتداخلاته الإشكالية مع مختلف المفاهيم المتاخمة له في مختلف المستويات التعليمية. وقد كُرس الفصل الثالث (الأطفال في مواجهة الإعصار.. جيل في مهبّ كورونا) لمعالجة التأثيرات التي فرضها كورونا في حياة الأطفال وتعليمهم في مختلف أنحاء العالم. ويعالج الفصل الرابع التعليم عن بعد بوصفه خيارا استراتيجيا لمواجهة الأزمة ضمن تجلياته في مختلف التجارب العربية والعالمية. أما الفصل الخامس فقد كُرّس للبحث في معطيات التجربة التربوية لدول الخليج العربي في مواجهة الأزمة. ويستعرض الفصل السادس إشكالية العلاقة بين التّعليم التّقليديّ والتّعليم الإلكترونيّ، كما يتناول السمات والخصائص التي تميز كل منهما في سياقه التاريخي، ومن ثم يبحث في الكيفيات التي يتمّ  بها الانتقال إلى التعليم الإلكتروني عن بعد في ظل الكارثة. وقد كرس الفصل السابع لمناقشة التحديات التي فرضت نفسها على التعليم العالي والجامعي في مواجهة كورونا ضمن منظومة التجارب العالمية والعربية، كما يبحث الكيفيات التي اعتمدتها مختلف البلدان في التصدي للكارثة ومتابعة التحصيل العلمي عن بعد في ظروف كورونا وتعقيداتها. وفيما بعد تم تناول مستقبل التعليم العالي والجامعي في ظل أزمة كورونا في الفصل الثامن. وعلى الأثر تمت مناقشة مستقبل التّعليم العام والأساسي فيما بعد أزمة كورونا في الفصل التّاسع. وفي الفصل العاشر، يستعرض الكتاب مسألة الدروس والعبر المستفادة من أزمة كورونا، كما يبحث في الوضع العربي المتأزم وصيرورة الانتقال التربوي إلى عالم الثورة الرقمية تحت تأثير الصدمة، كما يبحث في الكيفيات التي يمكن عبرها  للأزمة أن تحرّض المدرسة العربية على التفاعل مع معطيات العصر وتحولاته الثورية في مستقبل الثورة الصناعية.

ويمكن توضيح ذلك  بالتفصيل، حيث نجد أنّ الدكتور وطفه قد بدأ الفصل الأول من كتابه بمقدمة يقول فيها: "صدمت جائحة كورونا الأنظمة التربوية في العالم، ورمتها بين مخالب أزمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التربية والتعليم، وجاءت لتدمّر فاعليّتها وتفجّر أطرها التّقليدية وتضعها أمام تحدّيات جديدة تهدّدها بالسّقوط والزوال. وفي ظلّ هذه الصدمة العنيفة فقدت المدارس والمؤسسات التربوية كثيرا من ألقها المعهود، ومن قدرتها على مواكبة المستجدات سواء في عالم الكوارث والأوبئة، أو في عالم الثورة الصناعية الرابعة. وليس من المبالغة في شيء القول: إنّ هذه الجائحة جاءت لتدقّ المسمار الأخير في نعش المدرسة التقليدية، ولتعلن موتها المؤكّد في مختلف أصقاع العالم. فالجائحة فرضت إغلاقاً كاملاً على المدارس ورياض الأطفال والجامعات والمؤسسات التعليمية في مختلف أنحاء العالم (صالح، 2020)، وانتقلت بالتعليم إلى حالة افتراضية موجّهة بمعطيات الثورة الصناعية الرابعة في مجال الاتصال والمعلوماتية. ولا ريب أنّ التحوّل إلى هذه الحالة الافتراضية قد بدأت تتحقّق بصورة واضحة وواقعية في مختلف البلدان. وقد ترتّب على الأنظمة التعليمية اليوم أن تودّع التّعليم التقليدي بمكوناته المعهودة، حيث المدرسة والمعلّم والطالب والسبورة والاختبار الورقي، وداعاً بائناً لا رجعة فيه  (10).

ثم انطلق الدكتور علي وطفه بعد ذلك يناقش المحاور التالية: إغلاق المدارس (من ص 36-38)، وشرارة الجائحة (من ص 38-39)، وموجات مستقبلية (ص 39)، التعليم والجائحة: من صدمة الإغلاق إلى الأزمة (من ص 39-50)، ومن خلال تلك المحاور توصل الدكتور عليوطفه   إلى أنّ: " البشريّة قد تعرضت إلى أزمة صحيّة لم يسبق لها مثيل، هي أزمة جائحة كورونا، التي تجاوزت مجال الصّحة العامّة لتشمل المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة.. وكان أن وُضعت التقاليد والقيم والمواضعات والمؤسّسات، وسائر معهود النّاس ومعيشهم اليوميّ على المحكّ دفعة واحدة. وبدت الإنسانيّة، لبعض الوقت، في حالة شلل تامّ، بفعل الصدّمة والمفاجأة. وكان من أكثر القطاعات تأثّرا هو مجال التربية والتعليم. فقد فرض الخوف من العدوى وضرورة التباعد الجسديّ محاذير أصابت العمليّة التعليميّة التقليديّة في مقتل. وتمّ اللجوء إلى إغلاق المؤسسات التعليميّة، والاستعاضة عن الدّرس التقليدي الحضوري ببعض البدائل، من أهمّها التعليم الافتراضي، أو التعليم عن بعد. وهو بديل صاحبته مشكلات جديدة، منها ما هو ذو طبيعيّة مادية كالفقر ونقص الغذاء، وبعضها ذو طبيعة نفسية واجتماعيّة كتعرّض الناشئة للعنف والشعور بالعزلة والعمل المبكّر، والزواج القسري وختان الإناث... وأخرى ذات طبيعة تربويّة وفي مقدّمتها انعدام تكافؤ الفرص بسبب عدم توفّر إمكانات التواصل عبر الإنترنت للجميع على قدم المساواة... وغياب التّفاعل الحيّ بين المعلم والمتعلّم والتسرّب المدرسي، وتفاقم الأميّة... ولئن وحّد الخوف والهلع من جائحة كورونا الإنسانيّة، فإنّ المشكلات التي أنتجتها هذه الجائحة قد عمّقت الفوارق بين الدّول النّامية والدّولة المتقدّمة، مثلما عمّقتها داخل المجتمع الواحد بين الفقراء والأغنياء. وهكذا فإنّ الخبراء والباحثين والمنظمات الدّوليّة يتوقّعون أنّ تمتدّ آثار جائحة كورونا السلبيّة إلى الأجيال القادمة، وأنّ البشريّة ستحتاج وقتا طويلا لمعالجة تلك الآثار، وأنّ تاريخ الإنسان ما قبل كورونا على هذا الكوكب لن يكون كما بعده (11).

أما الفصل الثاني فجاء بعنوان" في مفهوم التعليم الإلكتروني وإشكالياته:  من التعليم عن بعد إلى التعليم الإلكتروني"، وفي هذا الفصل يقول الدكتور وطفه في مقدمته: " اعتاد الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير أن يطلب من محاوريه تحديد مفاهيمهم ومصطلحاتهم قبل الخوض في الحوار والنقاش، لأن الوضوح في المفاهيم يبدّد الأوهام والمغالطات في الحوار والمناقشة. وقد شهر عنه قوله: "إذا أردت أن تتحدث معي فحدد مفاهيمك". ومثل هذه المقولة تنطوي على حكمة بليغة يجب علينا استحضارها دائما في الحوار وفي البحث العلمي. فالبحث الجيّد هو البحث الذي يقوم على ركائز مفاهيمية واضحة. فالكثير من الخلافات والصراعات الأيديولوجية ناجمة عن غموض في المفاهيم، وعن غياب في السيطرة على الدلالات والمعاني الكامنة فيها. ولا يخفى على العارفين أنّ كثيرا من الجدل العنيف الدائر حول التعليم عن بعد ناجم عن غموض كبير في مفاهيم هذا النوع من التعليم، وفي تجلياته المتنوعة، ومن هذا المنطلق يترتب علينا منهجيا العمل على استكشاف أبعاد مفهوم التعليم الإلكتروني وتقاطعاته مع كثير من المفاهيم المجاورة له، مثل التعليم عن بعد في حالة الطوارئ والتعليم الرقمي والتعليم الافتراضي (12).

ويستطرد المؤلف فيقول: "وغني عن البيان أنّ بلورة هذه المفاهيم والكشف عن دلالاتها وتداخلاتها يشكل مدخلا منهجيا مهمّا جدا في التأسيس للبحث الذي نقوم به حول التعليم الإلكتروني في ظل جائحة كورونا. ولا شكّ لدينا أن جائحة كورونا قد أدخلت مزيدا من التعقيد في السيطرة على مفهوم التعليم عن بعد بصورته الإلكترونية، وأنّ السيطرة على هذا المفهوم بأبعاده المختلفة سيشكل منطلقا يُؤسس عليه في تناولنا للتعليم الإلكتروني في ظل الجائحة، وذلك لأنّ كثيرا من الباحثين والتربويين يأخذون بالمفهوم الضيّق للتعليم الإلكتروني دون الغوص في معانيه ودلالاته المتنوعة. وتأسيسا على ذلك تدور المناقشات، وتبرز الاتجاهات الرافضة لهذا النّمط من التعليم بناء على وعي مشوش وخاطئ بخصوص مفهوم التعليم الإلكتروني وتعيّناته الفكرية. وقبل الخوض في إشكاليات التعليم الإلكتروني ودوره في تخطي الأزمة الكورونية ، يجب تحديد مفهوم التعليم الإلكتروني ودلالاته المعرفية، وبيان مدى صلته الفعلية بمنظومة أنواع التعليم (13).

ثم يتساءل المؤلف فيقول: فما التعليم الإلكتروني؟ متى نشأ هذا المفهوم وكيف تكوّن تاريخيا؟ وما العوامل والمتغيرات التي ساهمت في تكوينه؟ وكيف انفصل هذا المفهوم عن منظومة المفاهيم المتداخلة معه؟ ما فلسفة هذا المفهوم؟ ما مكوناته؟ وما هي تفاعلاته وتوظيفاته في ظل الأزمة الكورونية؟ (14).

وهنا نجد المؤلف يجيب  على هذه التساؤلات من خلال المحاور التالية: إشكالية المفهوم ( ص ص 60-62)، ومفهوم التعليم الإلكتروني ( ص ص 62-64)، وتعريف التعليم الإلكتروني ( ص ص 64-70)، ومفهوم التعليم عن بعد ( ص ص 40-75)، وما بين التعليم الافتراضي والرقمي والإلكتروني (ص ص 75-80)، وما بين التعلم عن بعد والتعليم الإلكتروني ( ص ص 80-85)، ومن خلال المحاور توصل  إلى أنّ: "  هذه المقارنة بين مفهومي التعليم الإلكتروني والتعليم  عن  بعد في حالة الطوارئ ستمكّننا في المستقبل من تعقب آثار التعليم في حالة الطوارئ، وتأثيرها في الثقافة التربوية العامة، وفي الرأي العام حول صلاحية التعليم عن بعد في مستقبل التربية والتعليم في العالم. وستساعدنا المقارنة بين هذين المفهومين على فهم أعمق وأشمل لفلسفة التعليم الإلكتروني ومضامينه التربوية، وتعزز فهمنا لخريطة المفاهيم وشبكاتها التي تغطي مختلف أشكال التعليم عن بعد وتجلياته الإلكترونية (15)؛ وعلى خلاف كلّ التصورات السائدة، التي تحيل التعليم الإلكتروني إلى مجرد ممارسة تكنولوجية لنقل المعلومات عن بعد، يأخذ التعليم الإلكتروني كما  يرى  الدكتور وطفه: "صورة منظومة معرفية حيّة متكاملة الأبعاد قوامها التفاعل الحيوي بين الثورة الرقمية والفكر التربوي في أكثر تجلياته أنسنة وتميّزا. وهنا يجب علينا أن نلحّ على أهمية الفصل بين التعليم عن بعد في حالة الطوارئ التي شهدناها على مدار السنة الماضية، وبين التعليم الإلكتروني الذي يحتاج إلى درجة كبيرة وعالية من الإعداد والتنظيم، ويمكننا أن نطلق على التعليم عن بعد في حالة الطوارئ تسمية أخرى أكثر وضوحا وهي: التعليم التقليدي عن بعد حيث يكون نقل المعلومات بصورة جامدة وفقا للمنهج التقليدي في التعليم. وهكذا، فالتعليم الإلكتروني يختلف عن التعليم التقليدي عن بعد كثيرا في المستوى والدرجة والقيمة، إذ يتمثل في كونه، وفي الوقت نفسه، ممارسة إنسانية ذكية، وتقانة رقمية متطورة، وفكر تربوي متقدم يقوم على فلسفة محددة وأهداف مصممة لتحقيق أفضل مستويات التعليم والتربية عند الأطفال والناشئة. وليس ممكنا أبدا تبنّي التعليم الإلكتروني من دون فلسفة جديدة للتعليم تتوافق مع تطورات العصر في أكثر مظاهره الرقمية الذكية حضورا وتطورا. والتعليم الإلكتروني، يقوم في فلسفته التربوية على إزالة الحواجز بين الأطفال في دائرتي المكان والزمان حيث يمكن للمتعلمين الانفتاح على العالم الذي يحيط بهم ويخرجهم من أقفاص الفصول الدراسية الضيقة إلى عالم أرحب فكريا وثقافيا ومعرفيا وإنسانيا بطريقة ينفتح فيها الأطفال على فضاءات إنسانية واسعة دون حدود أو قيود. "وهو نوع من التعليم الذي يبشّر بسقوط كلّ أشكال التلقين والتحجّر المعرفي الذي تمارسه المدرسة التقليدية التي ما زالت تعيش في عصر حشو العقول بالمعلومات بينما يأخذنا التعليم الإلكتروني إلى عصر الإبداع المعرفي والابتكار العلمي. ومن المؤكد أنّ التعليم الإلكتروني يشكّل نوعا من الثورة الإبيستيمولوجية في التربية التي تؤهل التربية للمشاركة الفاعلة في الثورة المعرفية التي تشكل السمة الأساسية للمجتمع الصناعي في ثورته الرابعة" (16)... وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.....................

7- المصدر نفسه، ص ص 15.

8- المصدر نفسه، ص 23.

9- المصدر نفسه، ص 23-24.

10- المصدر نفسه، ص 32.

11- المصدر نفسه، ص 51.

12- المصدر نفسه، ص 60.

13- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

14- المصدر نفسه، ص 61.

15- المصدر نفسه، ص 84.

16- المصدر نفسه، ص 85.

 

 

 

في المثقف اليوم