قراءة في كتاب

طالب عمران: المرأة الأنثى"في قلبي وطن وجسدك غابة" للشاعر سعد جاسم (2)

في مقاربة للنصوص الادبية للشاعر سعد جاسم ومعرفة دلالاتها وابعادها الجمالية اقف عند تيمته الاساسية في هذه المجموعة هو المرأة الأم، المرأة الوطن والحبيبة  يسعى الشاعر الكشف عن احاسيسه الدفينة ومشاعره الذي انعكس هذا كله على قصائده بكل معاني الانوثة والحب وكل ما يحيط بالمرأة جسدا وروحا والعلاقة القائمة بينهما واتخاذه كرمز يوظفه الشاعر في بناء قصيدته الحداثية..

للمرأة  لها حضور كبير في قصائد الشاعر حتى غدت وجوداً غنياً خصباً بالدلالات والمعاني والخواطر والانفعالات  نراه قد استهل مجموعته بالإهداء الى امه (المرأة الأم) لما لها مكانة في قلبه وروحه:

الاهداء1

الى روح أمي السومرية الخالدة

في قلبي وروحي وذاكرتي الى الابد...

والى جميع العاشقات  والعاشقين

في هذا العالم الذي لايزال محتشداً بالحب والاحاسيس

النبيلة والجميلة، برغم كل الحروب والمجاعات والاوبئة والكوارث الطبيعية .

المرأة الانثى

ان أهم سمة حداثية تبناها الشاعر في مجموعته (قلبي وطن وجسدك غابة) هي تعدد الدلالات فالمرأة مثلا أعلنت حضورها  في هذا الديوان من زوايا ورؤى متعددة، فالحب دون شك اكثر الدوافع في الشعر شيوعاً، يزخر ديوان (قلبي وطن وجسدك غابة) نجده يحلق في سماء الحب بعيدا ونرى تأملاته وذكرياته جلية وواضحة في اغلب نصوصه الشعرية فللمرأة حضور قوي في قصائده فهي مصدر الحياة والالهام ..

يلمس القارئ وبشكل واضح ذكر مفردة الانوثة في عنونة لعدد من قصائده) في مديح الانوثة)، (ثنائية الفحل والانثى)، (انوثة عطر)

اتجهت الكتابة الابداعية وبخاصة في مرحلة ما بعد الحداثة الى التجريب حيث لا ابداع بلا تجريب،نلمس في هذه المجموعة اتجه الشاعر الى التجريب بالموضوع وبرزت في ذلك اتجاهات منها:

- خبرات الحياة الشخصية واهتمامه بالتفاصيل اليومية القيقة وتحويلها الى موضوعة شعرية .

-الخبرات الجسدية أو مفهوم الجسد، معتمدا اللغة المباشرة للجسد "بوصفه شكلا تجريبيا"2

-المفارقة بوصفها الانحراف الدلالي الذي يوظفه الشاعر لكسر الألفة المعتادة ومن ثمة الخروج الى اللامألوف كون شعرية الحداثة تعتمد على التجريب والتجريب هو نوع من انواع التمرد على الاساليب اللغوية .

-الوعي الفكري والانساني الذي تمتع به الشاعر والهم البشري وبتفاعل الذات مع الحس يؤدي الى حصول الموضوع الذي توجده الذات  اتضح جليا في الموضوع الشعري الذي نهجه في مجموعته (قلب وطن وجسدك غابة) واشتغاله على التأثير في الوعي.

نجد الشاعر في مجموعته  في (قلبي وطن وجسدك غابة) يجسد لنا تصور معين لأنثاه  فهو يصور لنا المرأة الانثى بجاذبيتها وانوثتها يتجلى ذلك في مقطع له من قصيدة (حالات غرائبية) ص12

يا لحضورك الكرنفالي

الذي يجعل المساءات ِ

تكتظُّ بالأنوثة والرغبات والعطور

سلاماً لكِ

حيث لا مسافات للرحيلِ

والمنافي والهجرات

وحيث لا غياب افتراضيّ

ولا وجعَ معتق

ولا دموع تذرفينها

على مناديلك القزحية

المرأة العشق(الرمز الصوفي)

اعتمد الشاعر في توظيف ثنائية(الجسد/ الانثى) التي تلعب تلك الثنائية دورها في ابراز هذه الرمزية وتوطيدها فكما معروف ان التجربة الصوفية هي تجربة روحية تبتعد عن المادي الجسدي لذا ان الشاعر لا يتعامل مع الامر كونه جسد وأنثى وانما يتعامل معها في نسق وجودي شامل يقرن الجسد بالأرض، حيث انه يضع الانثى كل عالمه هي الأرض الباذخة بالعذوبة والخصوبة والمطر، يتجلى ذلك في مقطع من قصيدة (سركِ في مراياه) ص8

هو الآن

يسكن روحك

وقلبك البهيّ بين يديك الحانيتين

وفي أراضيك الباذخةِ

بالعذوبةِ والخصوبة والمطر

وهو يغزوك ويحتلك

طفلا وعاشقاً وشاعراً ومجنوناً

وشاعرنا سعد جاسم يؤثث لفضاء الكتابة بـ(الانوثة/ الجسد)  كدالة خاصة تحافظ على جاذبية القصيدة وان الذات الشاعرة تراهن على الانفتاح على العالم والوجود بجسدها، وجعل من الانثى مفتاح يمنح القصيدة طاقة هائلة من الحب والعشق، انها الانثى المالكة لكل شيء يتجلى ذلك في قصيدة (اشراقات عشقية) ص 32  

أخذتني أنثاي

الى مملكتها  القزحية

عاشقا... مسحوراً

وقالت لي :

ادخلها بسلام

يا ضوء روحي

وأميري الرهيف

ادخل مملكتي الشاسعة

ادخلها ..وادخل في

شمّني ... احضنّي

اغمرني.. واحوني

وقلبك  البهيّ الناصع

كما نرى جليا  في مقطع من قصيدة (امرأة تشبه القصيدة) ص16 ان الشاعر يصور" المرأة بوصفها   روح الارض وحقولها وهي الوجود الحي:

كما لو أنّكِ

روح الارض وحقولها

وأنهارها ومباهجها

ومفاتنها المشتهاة

وكما لو أنّكِ

أنت الوجود الحي

وروح الكونِ

في معناه وجوهره

وكما لو أنّكِ

أنت شجرة الحياةِ

التي تشبه هذه القصيدة

فالقصيدة اذا جسد، ولكنه مرسوم بالكلمات، انها انتاج تتداخل فيه الذوات والاجساد .

ثنائية الذكر والانثى

ان التاريخ الادبي قد اخبرنا عن مدى اختزال الجسد الانثوي وتقزيمه، وتفشي بشكل واسع ثقافة الذكورية والتمييز ضد النساء بناء على جنسهن  ونوعهن  وتنبع هذه الامتيازات من الايمان بتفوق  أصيل لجنس على الآخر ومن ثم حقه في السيادة وهو عادة ما يكون الرجل في هذه المجتمعات.. وبالتالي هذا المجتمع ينتج بيئة ومناخا للجرائم مثل التحرش الجنسي والاغتصاب والعنف الجنسي والجسدي والنفسي ضد المرأة.

الا ان  شاعرنا ينحو بصورة انثاه بعيدا عن النزعة القبلية والنظرة الذكورية للمرأة الذ ي ورد في التراث الشعري، يتجلى  كما في مقطع من قصيدة، (ثنائية الفحل والانثى) ص44

ثمة امرأة وأعني

روح العالم

وانثاه الكونية

التي تتجلى وتزهر وتتكوكب

كي تجعلكً تحلمُ

وتفكّرُ بالطيران

حتى أقاصي المطلق الكوني ّ

والرؤية بعيون وحواسٍ

مفتوحةٍ على فضاء الغيبِ

والغامض والمجهولِ

والرؤى القزحية الباذخة.

تتداخل الضمائر والاصوات في المجموعة في حالة تماهي ثنائية (أنا = أنتِ) تعبير عن اتحاد  وحلول العشقي والذوبان في عالم الغيرية فيرتقي الى درجة الكونية ليصبح وجودا متماسكا ذا ابعاد رمزية  كما في مقطع من قصيدة (عاشقان في طوفان)ص14

أنا بارعٌ في الحب

وأنتِ بارعةٌ في الغواية

وأنا شاسعُ القلب

وأنت كثيرة الأحلام

وكلانا  عاشقان بسيطان

فتعالي كي نطير

بعيداً.. بعيداً

وعليه فالرمز الانثوي في مجموعة( قلبي وطن وجسدك غابة) يهدي الى حالة العشق والحاجة الى الانثى، فحالات ومناخات ورود (الانثى / الجسد) حالات ومناخات تضفي على قصائده  البعد الصوفي التي تعمل على تقديم صورة غرائبية لأنثاه المانحة لعوالم الخصب والحب والحياة جاعلا اياها آلهة الخصب.

والشاعر سعد جاسم  له تقنياته في تشكيل السمات الاسلوبية لشعره الذي يشكل الانزياح ملمحا بارزا باعتباره حدثا لغويا يبتعد بنظام اللغة عن السائد والمألوف  في اظهار رؤاه وأفكاره ويكشف عما وراء الالفاظ من معنى ومغزى ليبرز  القيم التعبيرية والجمالية ومنحه القدرة على حمل رسالته الانسانية  وتوصيل المعنى وتحقيق الشعرية في نصوصه. فالشاعر هو الذي يمنح اللغة شعريتها وتميّزها .

***

طالب عمران المعموري

...................

المصادر

1- خليل موسى: قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2000 .

2- سعد جاسم، قلبي وطن وجسدكِ غابة، ط1،لوتس للنشر والتوزيع، القاهرة،2023  .

3- الضبع، محمود، غواية التجريب حركة الشعرية العربية في مطلع الالفية الثالثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة،2014 .

في المثقف اليوم