قراءة في كتاب

محمود محمد علي: كيف نواجه التطرف؟ (4)

محمود محمد عليقراءة  في كتاب: نحو تأسيس عصر ديني جديد للدكتور محمد عثمان الخشت

في هذا الكتاب الماثل بين يدينا يتساءل الخشت : هل نحن بحاجة إلى تجديد خطاب ديني فقط، أم أننا بحاجة الى تغيير الخطاب الثقافي العام سواء السياسي أو الاقتصادي أو العلمي؟ .. إذن نحن بحاجة في رأي الخشت إلي تغيير الخطاب بشكل عام بكل أنواعه، ومن وجهة نظر الخشت إذا أردنا أن نطور العقل العام المصري علينا أن نطور طريقة التفكير وذلك من خلال الرجوع للطبقة السفلي الفقيرة، ولذلك فإن مشروع الخشت لتأسيس خطاب ديني جديد مرتبط بتطوير العقل المصري وتغيير طرق التفكير، ونظرا إلي أن هناك كثير جدا من الالتباس وكثير جدا من الشكوك وربما بعض الاتجاهات الخاطئة والتي تصور للناس أفكار خاطئة لكثير من الأفكار، فهل تأسيس خطاب ديني جديد معناه إنشاء دين جديد؟ وهنا يجيبنا الخشت بالنفي وأنه ليس هذا دينا جديدا وإنما هو محاولة لتأسيس فهم جديد للدين .. وهل هذا الفهم الجديد هو بدعة أو ابتداع؟.. ويخبرنا الخشت بالنفي فهو في نظره دعوة إلي الرجوع للمنابع الصافية من خلال القرآن والسنة الصحيحة، كما الـاسيس يقتضي تغيير منهجيات الطريقة الدينية الحنبلية وأعلن عن فكرة إحياء علوم الدين من خلال تطوير علوم الدين .

إن ما طرحه "محمد الخشت" في كتابه نحو تأسيس عصر ديني جديد يفتح باب الحوار علي مصرعيه حول تجديد الخطاب الديني بهدف الوصول إلي خطاب جديد من نوع مختلف ربما يتجاوز عصر الجمود الفقهي الذي طال أكثر من اللازم للخروج من دائرة الكهنوت وأراء أصحاب العقول المغلقة والنفوس الضيقة التي لا تستوعب رحابة الدين قبل رحابة العالم وبالتالي علينا جميعا علماء ومفكرين تطوير علوم الدين بالابتعاد عن الخطاب التقليدي والبنية العقلية التي تقف ورائه مع الاخذ في الاعتبار أن هناك فرقاً بين الخطاب الديني والنص الديني ....فالنص الديني هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة أما الخطاب الديني فهو من صنع البشر في فهم القرآن والسنة وبالتالي فإن تجديد الفكر بات ضرورة مع إيماننا الشديد بان التجديد صناعة دقيقة لا يحسنها إلا الراسخون في العلم .

من هنا تأتي أهمية تأسيس خطاب ديني جديد مختلف وعدم الاكتفاء بتجديد الخطاب التقليدي بهدف إظهار سماحة الدين ودعوة الناس إلي الفضيلة بالحكمة والموعظة الحسنة ونشر ثقافة التسامح وقبول الأخر بدلا من سكب البنزين علي النار من قبل بعض المتربصين في محاولة للوقيعة بين الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة وبين شيخنا وإمامنا الدكتور احمد الطيب وتصوير الأمر علي انها مبارزة او معركة شخصية بينهما مع ان واقع الامر عكس ذلك تماما فلكل منهما تقديره واحترامه ومقامه الرفيع ورؤيته التي تحترم  وكلاهما في الأساس مؤمنان بفكرة تجديد الخطاب الديني وأن اختلفت الأليات

إن كتاب "نحو تأسيس عصر ديني جديد" يُعد من أفضل الكتب التي طرحها الدكتور الخشت في هذا العصر، وذلك لكونه يعالج فيه موضوعا حساسا، متعلقاً ليس فقط بكيفية تجديد الخطاب الديني التقليدي، بل بالكيفية التي من خلالها يمكن للمسلمين أن يؤسسوا خطابا دينيا جديدا، ويدخلوا الزمن المعاصر بفاعلية كاملة. والتجديد عند المؤلف هو ليس مجرد ترميم للبناء القديم، بينما الأجدى هو إعادة البناء من جديد، وذلك لن يتأتى قط إلا بإقامة عمارة جديدة قوامها: مفاهيم ولغة جديدتان.

ويتأسف عثمان الخشت بداية على كون حركة الإصلاح التي ظهرت في مطلع العصور العربية الحديثة، لم تنتج علوما جديدة ولا واقعا جديدا، بل كل ما فعلته هو استعادة عصور الشقاق وحرب الفرق العقائدية والسياسية التي ضربت الأمة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه. وفشلت حركة النهضة من وجهة نظره في لم شمل الأمة، بل هي زادت من تمزقها، والواقع واضح. لهذا لا يطالب الخشت بـ«إحياء» علوم الدين بل بـ«تطوير» علوم الدين، فمشكلتنا منهجية بالأساس، ولا قائمة لنا دون تغيير «ماكينة التفكير» كليا والعمل بمسح الطاولة والبدء من جديد. وهنا يستلهم التجربة الغربية وكيف أنها دخلت العصور الحديثة حينما غيرت طريقة التفكير، خاصة مع الفيلسوف ديكارت، الأمر الذي دفع المؤلف إلى تخصيص فصل من الكتاب عن الشك المنهجي وضرورته للانطلاق، ليبين لنا، أن هذا الشك المنهجي ليس ضرورة علمية فقط، بل هو ضرورة إيمانية أيضا وصالح لكل العصور، متى استبدت الأبائية والتقليد وذيوع الاتباع. فعمل ديكارت، الذي افتتح عصر الحداثة بكتاب حول المنهج يدعو فيه إلى سحق كل غموض يواجه العقل، أو على الأقل تعليق الأحكام في حال العجز إلى أجل غير مسمى، والعمل على تدريب العقل على الوضوح في مجال العلوم، هو نفسه العمل الذي قام به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حينما رفض إسكات عقله تجاه مألوف كبار قومه، فهو أيضا قام بإعمال مطرقة الشك، التي امتدحها القرآن الكريم. فالشك المنهجي دعوة أصيلة ينبغي تشغيلها ضد كل موروث فاسد ومستبد. وطبعا يريد المؤلف أن يعلن من خلال دعوته إلى الشك المنهجي إلى ضرورة تنقية الإسلام من شوائب التاريخ التي علقت به وشوهت نقاءه وصفاءه الأصلي، أي العمل على العودة إلى "الإسلام المنسي" لا المعاش، أو بعبارة أخرى وجب تخليص الإسلام من الموروث الاجتماعي الغريب على جوهره، وإنقاذه أيضا من الرؤية الأحادية (36).

كتاب " نحو تأسيس عصر ديني جديد" للدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة ورئيس جامعة القاهرة، وفيه يدعو الكاتب إلي تجاوز "عصر الجمود الديني" الذى طال أكثر من اللازم فى تاريخ أمتنا العربية، من أجل تأسيس عصر ديني جديد، نخرج فيه من دائرة الكهنوت الذى صنعه البشر بعد اكتمال الوحى الإلهي، وتلقفه مقلدون أصحاب عقول مغلقة ونفوس ضيقة لا تستوعب رحابة العالم ولا رحابة الدين (37).

هكذا يقدم الدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة، ورئيس جامعة القاهرة، لكتابه القيم «نحو تأسيس عصر دينى جديد»، ويرى الدكتور الخشت أنه من غير الممكن «تأسيس عصر دينى جديد» دون تفكيك «العقل الدينى التقليدي» وتحليله للتمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام، . ويقتضى الدخول إلى عصر دينى جديد مجموعة من المهام العاجلة يحددها المؤلف فى تفكيك الخطاب الديني، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقدي، وفك جمود الفكر الإنسانى الدينى المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية، حتى يمكن كشفه أمام نفسه وأمام العالَم. (38).

يحاول الخشت في هذا الكتاب أن يطرح رؤية يعتقد أنها رؤية جديدة فيرى: «أن الإسلام الذي نعيشه اليوم هو خارج التاريخ ومنفصل عن واقع حركة التقدم، ولذلك باتت من الضرورات الملحة اليوم العودة إلى الإسلام المنسي لا الإسلام المزيف الذى نعيشه اليوم، ولا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من (الموروثات الاجتماعية) و(قاع التراث) و(الرؤية الأحادية للإسلام".

ويدين الخشت حركة الإصلاح الديني التي ظهرت في الفكر العربي فيقول: «والجديد مع حركة الإصلاح الديني الحديثة منذ القرن التاسع عشر أنها أنتجت أجيالاً وجماعات تتكالب من الداخل على أمتها ووطنها، وهم شركاء أصليون في حالة الضعف التي تعيشها، وهم فاعلون بامتياز في بذل الوسع في هدم المعبد على كل من فيه من خصومهم» (39) ونحن نتساءل ما مدى مسؤولية أعلام الفكر الإصلاحي أمثال خير الدين التونسي، والطهطاوى، ومحمد عبده، والكواكبي، ومالك بن نبي، وأمين الخولي وغيرهم ممن قدموا فكراً إصلاحياً مستنيراً، عن هدم المعبد؟ فليس لهؤلاء علاقة بتخلق حركات وجماعات العنف والإرهاب، بل المسؤولية تقع على الأنظمة السياسية والقوى العالمية التي شاركت في صناعة هذه الجماعات، وهو ما لم يشير إليه الخشت في كتابه.

ويرفض الدكتور محمد الخشت، في كتابه، تجديد الخطاب الديني التقليدي، فهو يرى أن تجديد الخطاب الديني عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، والأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد. (40)..

ويرى الخشت في قسم آخر من الكتاب، أنه لا دخول إلى عصر ديني جديد دون تفكيك الخطاب الديني التقليدي الذي كرس تصورا للتفكير قائما على «العقل النقلي» الذي استند إلى الجمود والتطرف إلى حد توقف الاجتهاد في العلوم، فأصبح الحفظ والمقاربة الإنشائية المفرطة هي أساس التعلم. والأنكى أن هذه العلوم تم تغليفها بقداسة لا تستحقها، فهي علوم إنسانية سعت إلى فهم الوحي الإلهي. لقد تم نسيان أن القرآن إلهي، بينما علوم التفسير والفقه وأصول الفقه هي من إنشاء البشر، وهي قابلة للتكذيب والمراجعة وإعادة النظر الدائمة،  فمهما اجتهد فيها واضعوها فهي لا ترقى إلى المطلق أبدا، وتظل رهينة بالظروف السياسية والمصالح وصراع القوى التي أنجبتها. لهذا نجد المؤلف يلح في كتابه على وجوب تكريس «العقل النقدي» الذي يورث الفكر والتفكر بدلا عن «العقل النقلي» الذي لا يورث سوى الوعظ والإدهاش، والإيقاف الفوري للخلط بين المقدس والبشري (41).

وطرح الخشت مهام عاجلة لتأسيس خطاب دينى يتلاءم مع التحديات الراهنة التى تواجه العالم الإسلامي مؤكدا اننا بحاجة إلى خطاب دينى جديد وليس تجديد الخطاب التقليدى، وآن الأوان لنقد شامل للتيارات أحادية النظرة التي تزيف الإسلام، ويدعو الدكتور الخشت، إلى العودة إلى الإسلام النقي المنسي قرآنا وسنة صحيحة، مشيرا إلى أن الإسلام الذى نعيشه اليوم مزيفا بسبب التيارات المتطرفة  والجماعات الإرهابية ومجتمعات التخلف الحضارى، ويؤكد أنه لا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من «الموروثات الاجتماعية» و«قاع التراث»، و"الرؤية الأحادية للإسلام" (42).

لم يكتف الخشت بذلك بل عمل في كتابه على مجموعة من المهام العاجلة شكلت رؤيته نحو الدخول إلى عصر ديني جديد، مثل؛ تفكيك الخطاب الديني، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقلي، وفك جمود الفكر الديني المتصلّب، وقد الخشت لعملية لعملية التفكيك مجموعة من المراحلٍ؛ أوّلها الشك المنهجي، والثانية التمييز بين المقدس والبشري في الإسلام، والثالثة إزاحة المرجعيات الوهمية التي تكوّنت في قاع التراث. وقال “بعد التفكيك يأتي التأسيس وركنه الأول؛ تغيير طرق تفكير المسلمين، والثاني؛ تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة وأسلوب حياة وطريقة عمل جديدة، والثالث تغيير رؤية العالم وتجديد المسلمين، والرابع العودة إلى الإسلام الحر "الإسلام المنسي"، والسادس نظام حكم يستوعب سنن التاريخ. ولن يتحقق كل هذا دون توظيف مجموعة من الآليات لتحقيق حلول قصيرة ومتوسطة المدى” تشمل التعليم والإعلام والثقافة والاقتصاد والاجتماع والسياسة.

ويختتم الخشت، مؤلفه بتساؤل "ماذا يجب أن نفعل؟"، يحدد فيها عدة مهام، قائلًا: المهمة العاجلة هي العمل على تغيير ماكينة التفكير عند الناس، وتجديد فهم المسلمين للدين عن طريق ثورة في التعليم والإعلام، حتى تحل الرؤية العلمية للدين والعالم محل الرؤية اللاهوتية والسحرية القائمة على النقل والحفظ والإتباع الأعمى، وتوعية جديدة في التعليم تعتمد على التعلم والبحث بدلًا من النقل، وطرق تدريس جديدة قائمة على التربية الحوارية، والتوسع في تعليم الفنون، وإزاحة كل المرجعيات الوهمية وتكوين مرجعيات جديدة، والمواجهة الشاملة، والتحول من مرحلة الوعظ والإدهاش إلى مرحلة الفكر والتفكر.

تحيةً للدكتور محمد عثمان الخشت، ذلك الرجل الذي يمثل بالفعل قيمة فلسفية ووطنية وشخصية موسوعية، ما جعل زملاءه وتلاميذه من المفكرين والكتاب والأساتذة الجامعيين يعترفون له بريادته في تنوير العقول ومكافحة الجمود والتعصب.. فأطلقوا عليه فى حفل تكريمه (المفكر الأبرز في القرن العشرين مكملاً لكانط).

وتحيةً مني لرجل آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً . بارك الله لنا في محمد عثمان الخشت قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه السفهاء، وأمد الله لنا في عمره قلماً يكتب عن أوجاعنا، وأوجاع وطننا، بهدف الكشف عن مثالب الواقع، والبحث عن غداً أفضل، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة اسيوط.

.........................

الهوامش

36- محسن المحمدي: المطلوب تفكيك «العقل المغلق- نحو تأسيس عصر ديني جديد» لمحمد الخشت، الشرق الأوسط، الخميس - 23 شهر ربيع الثاني 1439 هـ - 11 يناير 2018 مـ رقم العدد [ 14289]

37- محمد صبحى: نفاذ النسخة الأولي من كتاب الخشت نحو تأسيس عصر ديني جديد بمعرض الكتاب، جريدة اليوم السابع، الثلاثاء، 04 فبراير 2020 11:35 ص.

38- د. حسين علي : نحو تأسيس عصر ديني جديد، البوابة نيوز، الأربعاء 10/يناير/2018 - 07:43 م.

39- محمد عثمان الخشت: المصدر نفسه، ص 39.

40- محمد صبحى: المرجع نفسه.

41-  محسن المحمدي: المطلوب تفكيك «العقل المغلق- نحو تأسيس عصر ديني جديد» لمحمد الخشت، الشرق الأوسط، الخميس - 23 شهر ربيع الثاني 1439 هـ - 11 يناير 2018 مـ رقم العدد [ 14289]

42- محمد صبحى: المرجع نفسه.

43- محمد الحمامصي: ضرورة صياغة خطاب ديني جديد، أدب ونقد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، ع366، 2018، ص 109.

 

في المثقف اليوم