قراءات نقدية

تشكيل المشهد الاسطوري في الشعر العراقي الحديث

sadam alasadiاجد من نافلة القول ان اعرف الاسطورة (سرد قصصي مشوه للأحداث التاريخية، تعمد اليه المخيلة الشعبية فتبتدع الحكايات الدينية والقومية والفلسفية لتثير انتباه الجمهور، والاسطورة تعتمد عادة تقاليد العامة واحداثهم وحكاياتهم فتتخذ منها عنصرا اوليا ينمو مع الزمن بإضافات جديدة، حسب الرواة والبلدان، فتصبح غنية بالأخيلة والاحداث و العقد)، وقد تكون الاسطورة من صنع كاتب او شاعر معين ادرك العوامل المثيرة له واطلع على قواعد شعبية فتوسل بأسلوبه الخاص ليضع اسطورة ناجحة تصبح على مرور الزمن من الفولكلور المحلي او التراث الشعبي، ترددها الناس وتتخذها انموذجا للاختصار والاشارة، ولها وظيفة، (تمثيلية وتعليمية، اذ لا يتعدى استعمال الاسطورة كونه اسلوبا لتعمية المراد واخفائه بدلا من ان يكون وسيلة لشحن المعنى بالإمكانات والاسرار)، وقد يتساءل الكثيرون هل الاسطورة وليدة العصر الحديث، وربما لا تعني الاسطورة القديمة اليوم شيئا في نظر الرجل العادي ولا يحس باستجابة لها (و لكن الاسطورة عادت اليوم تحيا من جديد، حتى اصبح الانسان الحديث يرى ان معرفته متبلورة من هذه الاساطير القديمة)، والمعروف لدى الدارسين ان (الاسطورة تعود في نشأتها الى وعي الانسان البدائي العالمة، وقد كانت تكتنفه الاسرار المغلقة والمفاجآت العجيبة فاعتراه شعور الحيرة والدهشة وبلغ حد العجز، فلجأ الى خياله يستعينه في تفسير العوامل والاسباب التي تكمن وراء ظواهر الطبيعة)، ولعل التشكيل الاسطوري للطبيعة كان في مقدمة ذلك الادراك الذي شعر به الانسان وهو يتناول الطبيعة بوصفها زاخرة بالحياة والجدة والباعثة على دهشة طفولية، فلم تكن الطبيعة شيئا ساكنا بل حياة عاملة تفرح وتأسى، لذا استخدمت الطبيعة رموزا وقد استحوذت على اساطير القدماء مركزة على محورين الانفعالي والسحري المتعلقين بدلالات عاطفية تقف على حياة وقداسة وتبتعد عن التجريد ناظرين اليها دالة على القداسة بنظرة دينية صرفة، لذا (احتضنت الرموز الاسطورية عالم الانسان القديم واشبعت رغبته في تصور نشأة الكون وتفسير ظواهر الطبيعة على نحو سحري)، وقد اندمجت الطبيعة بالتشكيل الاسطوري بالألوهية، وقد كان الانسان القديم يفهمها على نحو انساني من حيث انها تفعل وتنفعل وقد تستجيب لرغباته او لا تستجيب، وهكذا تعلق الامر بأسطورة الطبيعة في الثقافة القديمة حيث تحولت الى خصائص جوهرية منها الاعتقاد في ان الحياة منبثة في الكون باسره ولا فرق في ذلك بين حيوان او نبات او حجار .

و منذ ان ادرك الانسان ان الطبيعة لم تعد تفهم لغته او تستجيب لشعائره وطقوسه، اخذ الطابع الاسطوري يضمر شيئا فشيئا، واتجه الانسان الى تفهم الطبيعة من خلال فلسفة تأملية واخرى تجريبية، واتخذ الفن والادب وسيلتين للتعبير عن تلك الاسطورة التي تعد مصدر الهام (فكم بين ايدينا من الاعمال الفنية والشعرية ما هو صياغة جديدة لاسطورة من الاساطير القديمة)، وما دام تراثنا العربي غنيا بالعطاء (لم يقتصر على الجانب الحقيقي او الواقعي، بل حاول ان يبتكر تراثا اسطوريا يوازن بين التراث الحقيقي في دلالاته) .

و هنا يحضرنا قول السياب شاهدا على صحة ما ذكرنا حيث اشار في مقابلة معه وقال (لعلي اول شاعر عربي معاصر بدأ باستعمال الاساطير ليتخذ منها رموزا، كان الدافع السياسي اول ما دفعني الى ذلك، فحين اردت مقاومة الحكم الملكي السعيدي بالشعر، اتخذت من الاساطير التي ما كان زبانية نوري السعيد ليفهمونها – ستارا لاغراضي تلك، كما اني استعملتها للغرض ذاته في عهد قاسم، ففي قصيدتي المسماة (سربروس في بابل) هجوت قاسما ونظامه ابشع هجاء في قصيدتي (مدينة السندباد) وقد علق الدكتور عيسى بلاطة على وظيفة الاسطورة وسمى هذا المفهوم ساذجا والذي نراه ان السياب قد نجح في استعمالها ونشرها بين معاصريه، واجاد في كتابتها بقصائد ناجحة قدمت رؤيا صادقة للحياة المعاصرة تتميز بالعفوية والصميمية والاخلاص، وقد اكد الدكتور عيسى بلاطة ذلك قائلا: (وجد السياب في الاساطير النماذج الازلية التي تجسد امال الانسان ومخاوفه فلاءم بينها وبين حال الانسان الحديث) ، وكان السياب يدرك بان الاساطير قديمة قدم الانسان ولكنه وجد فيها شيئا جديدا يثير عند الشاعر الالفة والدفء ليتخطى بهما العالم الحديث الذي لا يعطيه سوى علاقات متدهورة، والشاعر صاحب الموهبة التي بواسطتها (يخلق اساطيره الخاصة بما فيه من موهبة والهام او قوة تخيلية غير ان هذه القوة لن تعد تأتيه من شيطان او من ربة شعر او من السماء وانما تصدر من قرارة نفسه فذلك هو مركز الاسطورة وذلك هو اللاشعور) .

و ما دام الشعراء اصحاب تجارب ومواقف متنوعة فبواسطة الاسطورة ينقلون تجاربهم، قاصدين اهدافهم المعينة وفهم من يولع بالأسطورة حتى تمتلئ مجموعته الشعرية بالإشارات الكثيرة عنها مثال ذلك ديوان الشاعر عادل البياتي (ظل الفارس النحاسي) و(لو انبأني العراف) للشاعرة لميعة عباس عمارة، وقد عدت قضية الرمز والاسطورة (احدى الانجازات المهمة في القصيدة العراقية الحديثة) وقد ترتبط الاسطورة بالوعي الثقافي للشاعر الذي يركز فيه على قراءة التراث العربي فيستغل بعض الرموز الاسطورية ليلبسها حلة جديدة ويضيف اليها من قدرته وابداعه فيخرجها بألفاظ جديدة ومعاني معبرة يهبان القارئ متعة وفكرا خالصا، وقد اكد الشاعر يوسف الصائغ في رسالته (الشعر الحر في العراق) (ان اندفاع السياب الى الاسطورة جاء لمزاجه الشخصي المنفعل وميله الى الاجواء الغربية الشاذة)، ولعل الصائغ قد وضع حكمه هذا في وقت قريب من رحيل السياب، والا ماذا سيقول على الجيل الذي جاء بعد السياب، واصبحت الاسطورة عنده هما يوميا وتقليدا ثقافيا، كما سماها الدكتور محسن اطميش (الحمى الاسطورية)، ويراها الدكتور عبد الرضا علي (وسيلة لسد الفراغ)، ونرى هذا الرأي غير منصف للسياب فالأسطورة نغمة صدح بها الشعر العربي منذ السياب الى يومنا هذا وهي تحمل اسبابها التي دعت الشعراء الى هذا التوجه الاسطوري، ومن بين تلك الاسباب التظاهر بالثقافة والتدليل على سعة المعرفة، وتعد الاسطورة ايضا (فضيلة تميز الشاعر عن اقرانه)، زد على ذلك ما تأثر به الشعراء من ثقافة غريبة وافدة مع درايتهم بان (ادباء العالم من حوله قد تجاوزوا منطقة الاسطورة القديمة وما ينبثق عنها من رموز واخذوا ينادون بضرورة توجه الاديب الى عالمه الخاص ليخلق منه اسطورته) وكذلك لمواكبة التجديد ورد فعل للواقع المعاصر وخلق جسر بين الامس واليوم وهي (خيال خلاق تدل على امتلاك الشاعر للعنصر الغنائي وقدرته على صنع الاسطورة)، وان العنصر المهم في خلق الاساطير هو السعي للبحث عن السعادة ورفض التناقض الاجتماعي وهذا ما وجدناه في حديث السياب المار ذكره، وربما يؤدي التناقض لمعكوس مقبول مثلما اكتشف (دونييه) في اسطورته ان الموت في الحب وقد اشار ميخائيل امطانيوس قائلا: (في تجربة الانعزال الحضاري يلتقي الواقع بالأسطورة، والمعقول بالامعقول وتنفتح صحراء الرفض المتعالي في اقصى لحظات اليأس والتمزق لتجسيم صيرورة الايقاع المتوحد من خلال غنائية شفافة تنعطف على مناخات العقل البدائي واشياء العالم العفوية الصامتة والمتحركة)، لذا الح الشاعر العراقي على الرمز كتعبير فني وليس اخفاءاً وسترا لبعض المعاني، كما اراد السياب، وقد خلق الشاعر رموزه الخاصة بدلالات متنوعة وكثيرة ترتبط بالتاريخ والواقع مزواجا بينهما مستفيدا من بث الوعي من خلالهما وهو يسعى جاهدا لرسم مشهده الاسطوري بتشكيلات وانماط متنوعة ضمن منهج اسطوري (يجعل للشعر طابعا مميزا في باب المعارف الانسانية يميزه عن الفلسفة وعن العلوم التجريبية ويجعله شعرا) .

و قد يكون الرمز الاسطوري واحدا من اساليب او وسائل نباء الصورة الشعرية، بل اهم وسيلة فيها مع الرمز والتشبيه والوصف وتبادل المدركات الحسية، وبعد هذا التمهيد الموجز لابد وان نعرج على دراسة التشكيلات الاسطورية التي نود ان نقسمها الى قسمين

1- القسم الاول: تشكيلات اسطورية تحمل رموزها، مشيرة الى الذكور اولا، والاناث ثانيا ودلالة كل منهما ثم رموز الطبيعة والقبائل وكيف تفاعل معها الشعراء .

2- القسم الثاني: تشكيلات اسطورية تحمل عنصرا بنائيا لا يشير الى الاسطورة مباشرة .

 

القسم الاول:

أ‌- (رموز الذكور) الغربية .

1- تموز: دموز، ادونيس، من الرموز التي افاد منها الشعراء، وهو اله الخصب والنماء، ورمز الانبعاث من جديد، وقد ارتداه السياب قناعا قائلا:

و حين تنفست عند انحسار الليل عشتار

تنفض جرح تموز المدمى تغسل التربا

و جاءت قصائده تحمل عناوين تؤكد هذا الرمز منها، (تموز جيكور) وفيها تقمص السياب شخصية الاله البابلي تموز، ليحيل الاسطورة الى قضية معاصرة، كما اكد الباحث الثامري (و بذلك فان تموز جيكور يكون هو سياب جيكور وموت تموز وبعثه هو موت السياب وبعثه وظلت مفردة اسطورة، اساطير تتردد في شعر السياب دون مسميات فالقصيدة الاولى الخاصة بالأسطورة كتبها في 24/3/1948 سماها (اساطير) قال فيها السياب:

 

اساطير من حشرجات الزمان

نسيج اليد العالية

و يأتي تموز رمزا للخصب في قول الشاعر محمد جميل شلش:

تموز يا اله الخصب يا ينبوع فني

لك يا تموز يا شهر الشهور

و في غنائية الشاعر عبد المنعم الجادر لشط العرب والخليج العربي، يتخذ من تموز حاضرا يبشر بالمستقبل ...

يا عذارانا على صدر الخليج العربي

ان تموز لات

حلما اخضر ريان الروافد

2- الرمز الاسطوري سيزيف: ينسب اليه المحال والقوة وقد يختصر اسمه الشعراء (سيف) وكان الشاعر رشدي العامل من اكثر الشعراء تأكيدا على هذا الرمز، فعندما يسقط سيزيف يكون كل شيء قد رحل معه الى الابد

الموت خدرناه يا سيزيف فاعبر دون قبره

الموت قطرناه يا سيزيف في شفتيك خمرا

سيزيف قمطناك مولودا

و ارضعناك طفلا

و عندما يرفع سيزيف الصخرة وحيدا قال رشدي بالقصيدة نفسها :

شفتاك يا سيزيف بركان فكن للصخر ربا

كفاك يا سيزيف اشرعة تلوح في البحار

فاعبر الينا ليلنا المسحوق يحلم بالنهار

ان الشاعر يستنجد ويستغيث بسيزيف، لذا يريد منه ان يمنحه طفولته وابوته:

سيزيف ما انبلك

ما اظلم الدني وما اعدلك

سيزيف هبني ابا يضمني في المساء

سيزيف هبني وجه امي ميتا في العراء

سيزيف يا سيزيف هنا صمتك الابدي

و اكد الشاعر محمد جميل شلش على سيزيف قائلا:

ما اروع الانسان يرفع للعلاء

في صراعه الرهيب صخرة سيزيف

و قال ايضا:

ايها الشعب الذي يرفع للقمة

سيزيف الدماء الرافعة

ايها الصامد كالبحر بوجه العاصفة

و رمز الشاعر الى حزب البعث واصفا قوته كقوة سيزيف، والحزب قد غير الواقع العربي الى واقع جديد، انظر قوله:

يزرع الفجر على افاقنا

يبدع سيزيف جديدا

يقذف الشعب الى نهر المجرة

قدرا يسخر بالاقدار

بالموت يغني يالصخرة

كورت شمسا وتاريخا وفكرة

فهي في اعماق سيزيف بلادي

منجم يعمر صدره

و دم يذكي دم الاجيال ثورة

و رأى الشاعر راضي السيفي صورة سيزيف في السياب المتحدي وهو يحمل صخرته القصيدة بثقلها وقوتها ويصبح مجددا في عصره:

فهو سيزيف مزقت كتفيه وامانيه صخرة الاندحار

3- الرمز الاسطوري عوليس: لقد اخرج السياب هذا الرمز من دلالته القديمة الدالة على الجواب والمغترب واكسبها دلالة جديدة (المنقذ) وهنا يكمن اثر التشكيل الجديد للمشهد الاسطوري، فيلتقي الشاعر ببطله ويحاول ان يثير فيه همته ويحرضه على المغامرة

قال السياب:

هلم فماء شيني بانتظارك يحبس الانفاس

هلم فان وحشا فيه يحلم فيك دون الناس

و يخشى ان تفجر عينه الحمراء بالظلم

و ان كنوزه العذراء تسأل عن شراعك

خافق النسيم

و اشار الشاعر محفوظ داود سليمان في قصيدة (اسطورة) الى عوليس قائلا:

اين عوليس والزوارق غضبى ونداء المعاد للشطآن

4- الرمز الاسطوري بروميثيوس: وهو اله النار عند اليونان جبل من التراب، منحه انانا روحا اختطفها من الصاعقة فأثار السماء، فامر زفس ان يسمر على جبل القفقاس فيقتات عقاب من كبده، وكلما اكل منها تجددت، وقد حرره هرقل، قال الشاعر محمد جميل شلش مشيرا الى مشعل بروميثيوس:

صخرة سيزيف ومصباح ديوجين

و مشعل بروميثيوس صانع اللهب

و للشاعر عبد الامير الحصري في قصيدته (هجر القرار) دعوات تصاعدت للرمز الاسطوري قال:

دعوات تصاعدت لبروميثيوس حزنى من قبل مليون عام

لا صلاة الكهان تشبع بالطاعة للريح شهوة الانتقام

5- الرمز الاسطوري ديوجين: فيلسوف اليونان (327 ق م) احتقر الغنى والتقاليد والناس، قضى حياته في برميل، خرج يوما في منتصف النهار يحمل قنديلا وقال (انني ابحث عن رجل) وقد اشار الشاعر محمد جميل شلش اليه قائلا:

الى اخواني الشعراء

يا يدا ترفع مصباح ديوجين شعار

6- الرمز الاسطوري اوديسيوس: قال فيه السياب غاضبا من زوجه:

و لولا زوجتي ومزاجها الفوار لم تنهد اعصابي

و لم ترتد مثل الخيط رجلي دونما قوة

و لم يرتج ظهري فهو يسحبني الى هوه

و لا فارقت احبابي

و لا خلفت اوديسيوس يضرب في دجى الغاب

و تقذفه البحار الى سواها دونما مرسى

و قال الشاعر عباس الحساني ممثلا السياب بشخصيته اوديسيوس الغائب:

اليك يا جيكور اوديسيوس عاد

في رحلة طويلة الاماد

مخضب القدمين من شوك الهرم

و يحمل القربان يعركه الالم

7- الرمز الاسطوري هرقل: ليس من المعقول ان يكون هناك تفسير واحد لأسطورة هرقل التي حظيت باهتمام الكتاب والشعراء والفلاسفة منذ اقدم العصور الى يومنا هذا واتخذت كل مرة مفهوما جديدا يتلاءم مع قيم اهل هذا العصر او ذاك، وقد اشار الباحث د. احمد عثمان (ان اسطورة هيراقلس قد احتلت في نصوص ادب القرن العشرين الاوربي المكانة التي احتلتها اسطورة اوديب في نصوص القرن التاسع عشر) وقد وجدنا بان هيراكلس يعني (مجد هيرا) وقد طرد من مكان مقدس لدى هيرا واستبعد من طقس يقام لهذه الالهة، وهناك من يرى العكس (ان هيراقلس هو الذي اقام معبد هيرا في مدينة اسبارطة وكان هذا البطل يدعى ان زيوس) وهناك من يرى ان هيراقلس صورة مذكرة للربة هيرا وهو زوجها، وكان هيراقلس الها للحرب يتطلع الى عونه كل من يتوجه الى الحماس والشجاعة، وقد جاء في قصائد الشعراء العراقيين رمزا للقوة والتحدي .

8- الرمز الاسطوري نوروز: جاء في قصيدة الشاعرة لميعة عباس عمارة، مشيرة الى عيد الاكراد في مدية اربيل احدى محافظات العراق:

نوروز الراعي

و خراف بيض تسرح في الوديان

و باقيا ثلج فوق (سري رش) وحاجي عمران

و قالت الشاعرة لميعة عباس عمارة في ديوانها عراقية:

نوروز رش خضرة الحقول

على جبين الثلج والماء

فاورق الضياء

قال الشاعر راضي مهدي السعيد في رمز نوروز

احملي اجنحتي فوق مطاوي النورسي اشهد نوروز يصلي

 

القسم الاول

ب/ رموز الذكور العربية

1- الرمز الاسطوري العربي شهريار: وهو بطل حكايات الف ليلة وليلة وفارس شهرزاد التي قصت عليه الف حكاية الى ان ولدت له ابنا ولم يقتلها كما اعتاد على قتل النساء قبل شهرزاد .

و قد جاء صوت السياب مدويا مدافعا عن شهريار الملك المتعب المرهق وهو يريد نفسه قائلا:

عند الغروب

هو الخريف ونحن نسمر حول النار

و كمستفيق في العراء

من حكمة

هو شهريار وتلمس الكف الخواء

اما الشاعر شاذل طاقة فينحاز كثيرا للملك شهريار يصفه متعبا وقد اسقط الشخصية على نفسه:

متعب متعب شهريارك فابتعدي

ودعيه ينام

ولتكن هذه ليلة الصمت ان مباح الكلام

ويرفض الشاعر طاقة تلك السعادة المزعومة التي امتلكها شهريار وهو يلبس نفسه هذا القناع قائلا:

كذبوا كذبوا

ليس في الليل من شهريار سعيد .

بل يرفض الملك وشهرزاد معه قائلا:

ما انا شهرزاد ولا طيفها

لا ولا طفلة من حفيداتها

ايها المتعب المشتثار

لست ذيالك الشهريار

و للشاعر رزوق فرج رزوق حكاية مع عاشقة الشمس (البصرة) يتطرق فيها الى شهريار قائلا:

و انت يا عاشقة الشمس

يا قصة لم ترويها شهرزاد

لشهريار وليالي السهاد

عبر الليالي الالف بالامس

2- الرمز الاسطوري العربي السندباد البحري: رمز يعبر عنه الشعراء في قصائدهم واصفين رحلته القاسية تلك الرحلة التي تحمل رؤيا حضارية مثقلة انساني هو الابحار من اجل حضارة مصابة بالعقم، وان هم الانسان القديم كشف المجهول، وقد استخدم السياب شخصية السندباد رمزا وكناية عن الثوري الذي يجوب الافاق وهو شخصية بغدادية انطلق برحلاته من البصرة الى جزر نائية وكان البحر مسرح احداث ومخاطرات السندباد الباحث عن التطلع والرافض للصمت، وربما يعتقد بعضهم ان السندباد شخصية عالمية لا تخص العراق وقد ارتبطت تلك الشخصية خاصة بالبصرة قديما حتى سميت جزيرة في البصرة باسمه (جزيرة السندباد) وكان السياب واحدا من الشعراء الذين اسقطوا على انفسهم السندباد قناعا وقد اكد تلك الشخصية مرارا، اذ قال في احدى قصائده:

يا سندباد اما تعود

كاد الشباب يزول تنطفيء الزنابق

في الخدود

فمن هو الذي زال شبابه، اليس السياب نفسه؟ وللشاعر سعدي يوسف حكاية مع السندباد اذ ازاح الثلج عن تلك الصخرة التي اقتحم بابها فرأى الافعى انها اشارة الى كلكامش وبحثه عن الخلود، انها حكاية ينسجها الشاعر سعدي واصفا نفسه مغتربا كالسندباد يبحث عن الطموح قائلا:

حين ازاح السندباد الثلج عن بوابة الحجرة

و اضطربت كفاه وهو يغني موقظا اقفالها العشرة

و اقتحم الباب وصلى لمحت عيناه

افعى بلا عينين تلتف على زهرة

و لشدة اعجاب الشاعر مؤيد عبد الواحد بالسندباد سمى ديوانه (مرفأ السندباد) الذي تضمن قصائد ذاتية، وللشاعر ابراهيم الوائلي قصيدة عن السندباد ومخاطراته وهو يستقل الريح ويستاف حب الرمل ويتيه مشردا ولكنه يبقى رمزا للتحدي وسحق المصاعب فقد وصف الوائلي السندباد:

و السندباد وهل عرفت مصيره في غمرة الاسفار والهبوات

جواب افاق بعيد مطامح دامى الشراع مخضب المرساة

و لكم تحطم بالصخور سفينة فمضى يشق مجاهل الفلوات

و للشاعر راضي السيفي تساؤلات عن السندباد وهو يطلب من البصرة ان تجيبه على سؤاله، ما الذي حصل للسندباد وكان يلقي بقناعه على السياب:

حدثيني عن سندبادك كم جاب بلادا وكم طوى من بحار

و قد جاء السندباد رمزا في قصيدة (العودة من البحر) للشاعر كاظم نعمة التميمي:

بوجه البحر ان سفينة التعب

تهددها بحار الحلم مثقلة مراسيها

و فوق شراعها وعمود صاريها

يشيخ السندباد يجف من سغب

و جمع الشاعر محمد جميل شلش بين شهرزاد والسندباد رمزين عربيين قال:

المح في بغداد

زنودكم تحطم الاصفاد

المحها توقظ في عالمنا المعذب الفؤاد

احلام شهرزاد، احلام سندباد

و نرى الشاعر تركي الحميري يائسا من عودة السندباد ومن المحال ان يعود يوما اذ قال:

ربما يصبح كل الناس من غير عيون

و جنون ورماد

لم يعد في الارض هذي سندباد

اما الشاعر محفوظ داود سليمان قد وصف نفسه بالسندباد الذي يحمل لاميرته المنتظرة ما تريد قائلا:

يا اميرة

اه لو كومة فخار صغيرة

فانا فارسك الظمآن والعتمة زادي

احمل المرجان واللؤلؤ مثل السندباد

و يصرح الشاعر شاذل طاقة بان شهرزاد قد احرقت نفسها حين لم يعد سندبادها قائلا:

ام ترى احرقت نفسها شهرزاد

حين لم يعد سندباد

بل هو الفجر من بعد ليل طويل

كاحزان امي وصبابات عشقنا

جاء يحمله في سفينته السندباد

و يرى الشاعر شفيق الكمالي في قصيدته (اغنية الى بغداد) ان السندباد ما زال ممزق الشراع اذ قال:

السندباد لم يزل يجوب في البحار

ممزق الشراع

يسائل الطيور عنك والرياح

و البياتي يخاطب سندباده طالبا عدم ايقاظ جروحه:

و انا يا سندبادي

متعب قلبي عزوف

اه لا توقظ جراحاتي

و دعني حول امواتي اطوف

3- الرمز الاسطوري العربي سطيح: الكاهن الذي كان منسطحا على الارض لا يقدر على القيام والقعود وكان من كهنة العرب المعمرين وهو رمز للقعيد معدم الحركة، اشار الشاعر شاذل طاقة الى ذلك الوليد الغريب الذي اخذ نطفته من رجل مسلول من رحم انثى الغول، قال:

سطيح يا سطيح

يا نطفة من رجل مسلول

في رحم انثى الغول

جئناك نشكو همنا الوبيلا

فاقرأ سطور الريح

و اكشف لنا المصير والمجهولا

4- الرمز الاسطوري العربي حصيب الرومي: الذي حلم بالنار القادمة من اخر العالم لتحرق دجلة وكان علامة دالة على الشر، وقد اشار الى ذلك الرمز الشاعر حميد سعيد في قصيدته (مقاطع التاريخ الهجري) وقد قدم في مقطعه الشعري عن خبر نقله ابن الجوزي في احد فصول كتابه (السفين والمزمار) باب الخصبين:

و اما حلم حصيب الرومي

تأتي نار من اطراف العالم

تحرق دجلة

حينئذ تتفتت اجزاء الدولة

و يلي ذلك عام حداد

يلعق جنس اصفر فيه ثديي بغداد

5- الرمز الاسطوري العربي عازر: وهو من رموز السياب العربي الذي يعاني من الام الانبعاث المشوه بعد ان يعطي عليه تغيير الواقع المتهرئ قال:

عيناه في الظلام تسربان كالسفين

باي حقل تحلمان، ايما نهر

بصورة الاب الكسيح بقراره الضريح

اميت فيهتف المسيح

من بعد ان يزحزح الحجر

هلم يا عزر

 

القسم الثاني: رموز الاناث الغربية:

تقف المرأة بين عوالم هذه الرموز الهة معبودة او خادمة معبد مقدس تمنح كل ما تملك من مال وجسد بغية ارضاء الاله الاكبر، بعدما كانت تقترن في ادب ايام العرب بالناقة والجمل والفرس وجميعها ترمز الى الفناء الابدي للبشرية، فالمرأة الاولى عاشت تحت حماية الرجل مثقلة بمتاعب الجنين لا تتبرم بخضوعها، لان الرجل القديم كان شبيها بالحيوان لا يضطهد المرأة ولا يعذبها الا متى فكر في اختطافها وحيازتها لنفسه، وتغير هذا بحكم تحضر الحياة وتغير الاعراف والتقاليد، واذ كان الحب والجمال متلازمين عند العرب وهما مصدران لفضائل كثيرة توحي بها المرأة (و لم يكن هذا شأنه عند اليونان مثلا، اذ الحب كعاطفة لم يكن يظهر عندهم ولا تتغنى به شعرائهم، فشعر هوميروس خال منه، صحيح ان هيلين كانت السبب المباشر لحرب طروادة ولكن هذه الحروب ما ثارت حبا بهيلين نفسها، فاليونان لم يحاربوا من اجل اكرامها بل حاربوا حبا للغلبة ورغبة في الانتصار)، لذا فاليونانيون لا يعرفون الحب كعاطفة وكذلك الرومان لم نجد في اشعارهم ما نسميه (بفن الحب) ومع ذلك فان رموزهم الاسطوريه عن المرأة كانت اكثر من رموز العرب لذا تواردت الاجيال من الموروث الغربي تلك الرموز دالة على شهرتها وتواردها في مساحة كبيرة في الادب .

و من الرموز التي توارثت في الشعر العراقي:

1- عشتروت: وهي البعلة معبودة الفينيقيين الالهة الام ربة الحب والخصب والحرب التي امتدت عبادتها من اوغاريت الى المدن الفينيقية الاخرى والى فلسطين وقد جاء هذا الرمز ديوانا للشاعر رشدي العامل بعنوان (اغاني عشتروت عام 1951م) قال فيه:

عشتروت

اغنيتي في خفوت

تطوي الدجى والقفار

هناك في لا قرار

تسير حيث السكون

و قد لحقه الشاعر البياتي متأثرا بما قاله رشدي في رمزه هذا، فقال:

عشتروت

ربيعنا لن يموت

ما دام عبر البحار

امرأة تنتظر

يا حبها المحتضر

و اعتمد الشاعر عبد القادر رشيد الناصري على رمز عشتروت التي عرفت بانها ملكة السماء، وفي منظور الشاعر ان عشتروت ليست الهة خصب وانما هي طريق الخلاص من الظلام الذي يعاني منه الشاعر في قوله:

خذيني واجعلي مني صليبا لأحيا فوق صدرك ان بليت

خلقت من التراب وانت نور فاسألك السنا يا عشتروت

2- عشتار: الهبة الحرب والحب لدى سكان ما بين النهرين، ابنة انو وهي رديفة عشتروت وافروديت عند اليونان والرومان، ما زالت هياكلها في اورك واشور وهي نجمة الصباح والمساء، قال الشاعر البياتي في قصيدته (العودة من بابل):

بابل تحت قدم الزمان

تنتظر البعث، فيا عشتار قومي املأي الجرار

و بللي شفاه هذا الاسد الجريح

لكنما عشتار

ظلت على الجدار مقطوعة اليدين

يعلو وجهها التراب

و الصمت والاعشاب

ايتها الحبيبة، عودي الى الاسطورة

فكما نلاحظ ان الشاعر يرفض بقاء عشتار مصلوبة في هذا الهيكل الذي لا يساوي قيمتها الحقيقية فيطلب منها ان ترجع الى اسطورتها الحقيقية اما الشاعرة لميعة عباس عمارة حين تخاطب فارسها نوروز تخبره عن عشتار الاميرة التي احبت جميع الرعاة في قلعة اربيل:

كل رعاتك تهواهم عشتار

يا قلعة اربيل ومعبد عشتار

اليوم يقوم من الاعماق ربيعا تموز

3- الاسطورة انانا: وهي ملكة الحب والضياء والبركة، جاءت في قصيدة الشاعر عادل البياتي رمزا للخير لكنها بخلت ان تعطيه خبزا:

انانا ملكة السماء

الهة الحب والحياة والضياء

اكلت خبزها

و طرت في سماء اور باكيا

و سرت في صحبة ابراهيم

من قلب فلسطين مهاجرا

و عدت لا خبز (نانا) في ربوع وطني

4- ميدوزا: وهي الاسطورة اليونانية التي قيل عنها، انها تحيل من تقع عليه عيناها صخرا، وقد اعجب بها الشعراء العراقيون رمزا اسطوريا، فالشاعر زهير غازي زاهد قال:

الا يا روضة الاحلام فيك الحسن حيانا

و هز الحلم شادية فغنى فيك نشوانا

فما للنظر الواشي تنزى فيك غضبانا

اشعت عين ميدوزا على افاق دنيانا

و للشاعر عبد الامير الموسوي في ديوانه (المرفأ الازرق) وصف لعيون ميدوزا قال

يا عين ميدوزا اتورق بسمة مثل الصباح فتلتوي بلقاك

5- فينوس: الهة الجمال والحب عند الرومان، تقابلها افروديت عند اليونان، وعشتروت عند الفينيقيين قال فيها الشاعر محفوظ داود سليمان:

اين فينوس والعذارى عرايا خالعات غلائل الاردان

و من الرموز العربية الخاصة بأعلام الاناث:

1- زرقاء اليمامة: وهي فتاة الحي المعروفة بشدة بصرها في المسافات البعيدة، قال فيها الشاعر عبد الامير الحصري:

و كل ارهاف سمع في نقائهما طاف اعين فتاة الحي اذناك

2- شهرزاد: وهي بطلة شهريار في الف ليلة وليلة العربية التي امتلكت القدرة على الحديث وسعة الاطلاع وسرد القصص الطوال حفاظا على نفسها من القتل الذي لابد منه من قبل الملك، وقد انتصرت عليه اخرا وانقذت نفسها ووليدها من الموت، قال فيها الشاعر رشدي العامل:

شهرزاد، اغنية تستعاد

ترجيع انغامها، يرف في كل واد

شهرزاد هات اغاني الفؤاد

و رجعي سحرها الحان تلك البلاد

شهرزاد الليل سحر الفؤاد

3- سلفا وهي المدينة التي ترمز للمسيح المزور .

4- سونيا: وهي اسطورة منقولة من اغاني السندباد البحري، جاء ذكرها في قصيدة عبد الوهاب البياتي (سونيا والاسطورة):

و يظل في ليل المصح الاخرون

بلا دموع يذبلون

على فراش من رماد

تظل سونيا في اغاني السندباد

اسطورة تروى واغنية تعاد .

3- رموز الطبيعة: لقد كان فهم الانسان القديم للطبيعة فهما ذاتيا وقد تصورها على نحو انساني، بعد ان تصور نشأة الكون وفسر ظواهر الطبيعة على نحو سحري، ومن هنا استحوذت الطبيعة على اساطير القدماء مركزة على محورين كما مر ذكرهما، الانفعالي والسحري، ومن اهم تلك الرموز:

1- ارم ذات العماد: ارم مدينة اسطورية وهي رمز لعالم تخيله الشاعر كي يثير به المتلقي ليلتمس ضفاف تلك الجنة الاسطورية التي يقال انها بنيت من الذهب والؤلؤ ثم اختفت، فاذا كانت ارم المدينة قد ارتبطت مادية فان ارم الشاعر هي جنة الخيال التي تفوق ارم الاسطورية، وعند السياب تكاد ان تكون ارم، رمزا اسطوريا كاملا قد وظفه السياب في حديثه عن شداد بن عاد الذي بنى جنة لينافس بها جنة الله وهي ارم، وحين اهلك الله قوم عاد اختفت ارم وظلت تطوف وهي مستورة في الارض لا يراها الانسان الا مرة في الاربعين عاما وسعيد من انفتح له بابها، قال السياب:

و ليس يرجع الزمان ما مضى

سوى اراها فيكم

فانتم الاريج بعد ذبول زهرتي

فان رأى ارم

و احدكم، فليطرق الباب ولا نم

ارم، في خاطري من ذاكرة الم ..

و قد جاء بعده الشاعر عبد القادر رشيد الناصري وبنى رمزا لجنة الخيال القدير وعالما مسحورا لا تضاهيه جنائن عاد،(و قد تعامل الشاعر مع الرمز تعاملا حيا منسجما مع تجربته ونقل الرمز من مواصفاته المعروفة الى حالة خلق جديد)

قال الشاعر:

يا ابنة الوهم والرؤى والشعور هذه جنة الخيال القدير

اين من سحرها جنائن عاد وفراديس بابل والسدير

ارم لا تقاس وهي اساطير بلذات عالمي المسحور

و كلنا يعلم بان ارم ذات العماد جاء ذكرها في القران الكريم في سورة الفجر وقد صورها الله تعالى ذات عماد لم يخلق مثلها في البلاد واكد البيضاوي في تفسيره ان ارم ذات العماد تمثل مدينة لها صفات الجنة

2- جنة ادم: عبر حكايات الف ليلة وليلة ما قال الشاعر حسب الشيخ جعفر:

حدثنا عن جده السندباد

عن ادم، عن نخلة لم تزل مثمرة

ان بلادا هي صحو البلاء

3- جبل الياقوت: جاء في قول الشاعر يوسف الصائغ:

ثم اغتسلت

غسلوا الياقوت على جبل

و التمع الموت سوارا

4- العنقاء: قال الشاعر عبد الامير الحصيري:

و لو تشربت العنقاء عتمته لم تفن مشهدها الابصار انفاقا

5- وادي عبقر: جاءت اشارة الشاعر راضي السيفي اليه قائلا:

غارقا في بحار عبقر ما شاء يروي بالسحر عطش القفار

و في قصيدة الشاعر راضي مهدي السعيد (الوية الريح) جاء ذكر عبقر:

العالم في كلمات الشعر نهر من فرح اخضر

فليولد طفلك يا عبقر

و لتتبارك كل الاسماء المكتوبة

في سفر الارض الابدية

ما دام الانسان الجوهر

رابعا: الاساطير الذهنية: ثمة رموز اسطورية لا تعد من الانواع المارة وهي تتأرجح بين التذكير والتأنيث وتغلب عليها الصورة الذهنية مثال ذلك:

1- الاعور الدجال: استلهم الشاعر شاذل طاقة الموروث للدلالة على الواقع المرير وقد رمز للصهاينة الذين سماهم تترا، مجوسا، يهودا، مغولا، قال:

و قالوا

و كان المسيح المزور

سمينا واعور

2- الغانية العارية: جاء في الاساطير ان هناك غانية تغتسل تحت شلال فتشفى من المرض، قال الشاعر عادل البياتي:

تئن من اضلاعها

من وجع المفاصل

مهورة مسحوقة العظام

داست على اشلائها

سنابك اللئام

3- ظل الفارس البرونزي: الذي ذكره القدماء وكان موجودا في احدى مدن الشرق النحاسية وهو فارس مدجج يعكس نور الشمس فيبيد جيوشا، اذا اصابه حجر او ضربه سيف او رمح يخرج صدى رعب يملأ الافاق، وقد ذكروا ان لهذه المدينة سورا اذا اعتلاه مخلوق رمى بنفسه ولن يعود، قال الشاعر عادل البياتي:

كان بلا قيد

و قيدت يداه

كان بلا هم وقال اه

4- سربروس بابل: اشارة الى الكلب في الاساطير اليونانية الذي قام بحراسة مملكة الموت، وقد خلق السياب مناخا اسطوريا معاصرا جابه به الوضع السيء الذي كان يمر به الوطن في مطلع الخمسينيات:

ليعو سربروس في الدروب

في بابل الحزينة المهدمة

و يملأ الفضاء زمزمه

5- زهور الريح: تلك الاسطورة التي تتحدث عن زهور بيضاء مجنحة تحمل الاطفال في السحر الى عوالم ابدية رقيقة تعيش في الريح، قال فيها الشاعر تركي الحميري:

فاشهقي يا زهور الريح

يا فجرا من التجريح

جناحك فوق هذي الارض لي

للناس جناحك قبل ان امتاح هذي الكؤوس

القسم الثاني: تشكيلات بنائية لا اسم للأسطورة فيها:

كلنا يعلم احيانا بأن قصيدة الشاعر تتكئ على شخصية ما وربما لا يصرح بها شاعر اخر ويرمز اليها رمزا من خلال وحدة بناء تفي بالغرض الاسطوري المطلوب، ومن امثلة ذلك:

1- بجماليون وجالاتيا: تتحدث اسطورة بجماليون عن ملك قبرص الذي كان نحاتا بارعا وذات يوم عزم على رسم وصنع صورة لفتاة غاية في الجمال واطلق عليها اسم (جالاتيا) فلما راعه جمال ما صنعت يداه توسل الى الهة الحب (افروديت) ان تنفث نفثة الحياة في الرخام البارد تمثاله وقد احست افروديت بالارتياح بقدر احساسها بالانتصار ازاء هذا التغير في الرأي من جانب الانسان الفاني الذي كان حتى تلك اللحظة برهانا ضد نفوذها وذات يوم تحركت نفس بجماليون لتقبيل شفتي التمثال، وفي تلك اللحظة الصادقة تحركت الهة الحب فنفثت الحياة في الجسم واصبحت جالاتيا كائنا حيا ذا جمال ساحر ومع مرور الوقت صار بجماليون زوجها

و قد وقف الشاعر عبد القادر رشيد الناصري موقف المبدع ليشكل لوحة بنائية لا يذكر فيها اسم الاسطورة ولكن يقترب من مضمونها قائلا:

ثم تقربت الى هيكله بابتهالات نبي ملهم

و متى قبلت منه موضعا رقصت من فرحة اللثم دماي

يا لقلبي كيف يهوى صنما منحته نعمة الخلق يداي

و دلالة الشاعر تقف مقارنة بين جالاتيا التي بوأت حبيبها الذرى في جمالها حين نفخ فيها الروح فقد منحته نفسها زوجا له عندما دبت بها الحياة ردا على جميله، بينما حبيبة الشاعر الناصري تعقه حينما قدم قلبه وارجعته الى الثرى، انظر قوله:

يا فؤادي لا تقل كن حذرا من جمال يتحدى القدرا

فلقد بأك الحب الذرى مثلما انزلك الحب الثرى

ما الذي تأمله من حجر ابدعت كفاك منه بشرا

ان الشاعر لم يستخدم اسما بل رسم تجربة كانت في الاسطورة قصدها في ذاته ونسجها في روحه فشكلت في تجربته خلفية شعرية عبر عنها باداء رائع يكسب المتلقي الخبرة والمعرفة بجذور الاسطورة، وقد اكد الدكتور عز الدين اسماعيل قائلا (يستطيع المتلقي ان ينفعل بالعبارة حتى وان لم يلم بالأسطورة)

و هكذا اثرت الرموز الاسطورة بناءا شعريا منسجما مع نفسية الشاعر بتفاعل صادق وتجربة دقيقة ونهضت الصورة مؤثرة في الايحاء والاشارة وهذا تشكيل فني جديد للرموز الاسطورية في الشعر العراقي وقد خرج عن قابلية وصف الاسماء والمخاطبة (الوصف الحسي المباشر .

2- الرمز الاسطوري علاء الدين والفانوس السحري: لقد اشار الشاعر تركي الحميري في قصيدته (فوانيس علائية) الى وحدة بناء دون ان يذكر اسم علاء وقد سهل على المتلقي بذكر الفانوس انظر قوله:

احلم في فانوس

يحيلني سيد هذا العصر والاوان

و اصنع الجنان

و اعبر الحياة طائرا تحمله الشموس

الفارس المجنح

يعبر ارض السبخة الموات

اتيا من عالم مورجح

تخصب الرغبة في اهاته ظلا اخضرا

و يفرح السبات

حصانه القمر

سياطه الحقول والشجر

يطير في بساطه الريح

و هكذا يستمر بناء قصيدته بسرد قدرات مصباح علاء الدين، فتأتي صور النبي سليمان وحوله الاحزان من الجن والبشر وكذلك بلقيس العرجاء التي خاضت اللجة وينتقل الى مقطع اخر يتحدث عن هارون الرشيد وخادمه مسرور وجواريه، ولم تنفصل وحدة بنائه بل يستمر ويذكر ايوب (عليه السلام) ومرضه وكل هذه الانتقالات تحصل عن طريق الفانوس:

لمحته يسأل في مملكتي صبيا

ما اسمك يا مورد المحيا

عبوس، كيف كنت يا اينع من عروس

مبارك، تبارك الفانوس

اذ يجعل الحرية مرأته ويصقل النفوس

يحطم الصولجان

يجعل من هرون في عبوسه انسان

3- الصيحة القاتلة: تقول الاسطورة ان الصيحة كانت تترامى الى المدينة من وراء الجبل، فاذا ادركت شخصا منتبه نودي باسمه، فلبى النداء ومضى فلا يرجع ابدا، قال الشاعر عادل البياتي:

مشى الى المخدع يستريح

و صائح الموت به يصيح

يلوح تحت ناظريه غادر

و نسب الخيانة الصريح

مساوم في ارضه جبان

يهمه الثمن الربيح

القاك اشلاء بكل درب

و جيفة من نتنها تفوح

و يبدو الرمز الاسطوري واضحا بدلالة بنائه التي رسمها الشاعر فقد وصف طاغية ظالما يحمل الخيانة والغدر حتى حانت ساعة رحيله فصار جثة، ان الشاعر عادل البياتي يلتقط من تلك الصيحة مدخلا ليوظف به قصيدته بوصف اسطوري يتمعن فيه المتلقي ويجد بناءا وصياغة جديدة لا تخرج من مضمونها عن روح الاسطورة الحقيقية ولكن بشكل جديد وتشكيل دال على ذهن وقدرة وابداع ..

4- جنية البحر والصخرة: قال البياتي في قصيدة (حجر):

جنية البحر على الصخرة تبكي مات سندباد

و ها انا اراه

بورق الجرائد الصفراء مدفونا ولا اراه

مركبه يباع في المزاد

و سيفه يكسره الحداد

من يشتري عبدا طروبا، قالت الاصفاد

و قال لي الجلاد

رباه طالت غربتي رباه

و غرقت عبر الليالي – ارم العماد –

5- اسم الاسطورة والمبالغة في الرؤيا لها:

قال طه ياسين حافظ في قصيدة (طريقة جديدة لمسك الضوء)

تحملهم تحملنا المراكب القديمة المصبوغة

الجديدة، البحر

امواجه المناورات الرشوة الطقوس

التجسس الشجاعة الخيانة الشرف

تنكسر الاسطورة الخزف

و يرى الشاعر زهير غازي زاهد اسطورته في السنوات السبع، ضائعة في (وادي عبقر)

لا تبوحي هواك جرح نشيدي ومجاليك شهقة في وجودي

و امانيك غمغمات ترامت لهاث على لهات الرعود

و مطاويك كلما يسفح العمر حذاء في هاويات الخمود

لا تبوحي فالنفس خفقة اوهام حيارى متشنجات الورود

يا رؤى عبقر تشقق واديك قلوعا مستنفر الرفعات

رفرفت نجمة على صوته المغمور تدنو مرتاعة السمات

تشرب المنى تصفق للازمات تهفو لوهم فجر ات

قالت الشاعر لميعة عباس عمارة في قصيدتها ويوجين مطلع القصيدة (احمل فانوسي ظهرا وافتش عنها) وهنا تبدأ لترجع بنا الى الاسطورة ولكنها لم تتطرق لاسمه بل ترو قصته قائلة:

انا لم ابصر شيئا

لا تسأليني

و احمل فانوسك

كي توهم نفسك

انك تبحث عنها

قال محفوظ داود سليمان في قصيدة عنوانها (اسطورة) :

الارض هذي سدوم الخطاة والكفران

خيولها ماضيات تشد بالأرسان

تقود هذي السرايا لعالم النيران

هياكل قد تهاوت معفرات المباني

ماذا يبقى غد في شواهد الصلبان

اسطورة نسجتها انامل الفنان 1962م وفي قصيدة الرماد

ها انت في عريك اسطورة كم ارتوى منها رماد السنين

و انت ما انت سوى هيكل تنخره الديدان في كل حين

و للبياتي قصيدة عنوانها (سونيا والاسطورة) في ديوانه المجد للأطفال والزيتون

تظل سونيا في اغاني السندباد

اسطورة تروى واغنية تعاد

في وحشة الردهات في صحراء ليل الهالكين

يا هودج الحب الحزين

و يشير البياتي في قصيدته الحجر الى ارم ذات العماد وعصا سليمان قائلا:

رباه طالت غربتي رباه

و غرقت عبر الليالي ارم ذات العماد

عصا سليمان على بلاطه الزمان

و هو عليها نائم متكيء يقظان

ينخرها السوس، فيهوى ميتا رحيم

قال الجواهري:

جزائر اسطورة حلوة شمس ترد على يوشع

الاسطورة تشير دائما الى وقائع يزعم انها حدثت منذ زمن بعيد، لكن النمط الذي تصفه يكون بلا زمن

جوهر الاسطورة لا يكمن في اسلوبها او موسيقاها او في بنيتها ولكن في القصة التي تحكيها

 

الاستاذ الدكتور صدام فهد الاسدي

كلية التربية / البصرة

.................................

مصادر البحث

1- البرج، ياسين طه حافظ، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977م .

2- مرايا الزمن المنكسر، راضي مهدي السعيد، مطبعة الاديب، بغداد 1972م .

3- العطشى في السفينة، تركي الحميري، مطبعة الاهالي، بغداد، 1986م، ص31

4- ظمأ البحر، زهير تركي زاهد، مطبعة الفنون، النجف الاشرف، 1970م، ص

5- عراقية، لميعة عباس عمارة، دار العودة، بيروت، 1971م، ص24 .

6- اغاني بلا دموع، رشدي العامل، مطبعة دار السلام، بغداد، 1957، ص46 .

7- النار والكلمات، عبد الوهاب البياتي، دار العودة، بيروت، 1970 .

8- شجرة القمر، نازك الملائكة، دار العودة، بيروت، 1967 .

9- لو انبأني العراف، لميعة عباس عمارة، الدار العراقية للنشر، بيروت، ط2، 1985م .

10- صلاة بدائية، محفوظ داود سليمان، دار الحرية للطباعة، 1976 .

11- اشرعة الجحيم، عبد الامير الحصيري، مطبعة الندى الحديثة، 1974م، سندباد والحلم ص43، فتاة الحي ص63 .

12- الذي يأتي ولا يأتي، عبد الوهاب البياتي، دار الادب، بيروت، 1966م، ارم العماد ص61 .

13- ظل الفارس النحاسي، عادل البياتي، مطبعة عماد، بغداد، 1971م .

14- المجد للاطفال والزيتون، البياتي، دار الكاتب العربي، القاهرة، ط3، 1967م .

 

 

في المثقف اليوم