قراءات نقدية

الشاعر يبحث عن المسؤولية في قصيدة: الفراق يقظة الحواس للشاعر اللبناني المغترب كامل محمود بزي

qasim madiبين همومهِ الشخصية الوقتية الضاغطة، وبين ما يحطيه من العلاقات الوجدانية القديمة والحديثة من الذين أحبهم عبر رحلة طويلة، توجهاً بالبحث عن الذات والشعور بالصداقة وحقوقها على الإنسان، ونحن نعيش حالة التمزق في العلاقات الإنسانية واشتغال كل فرد بنفسه في هذا العصر المضطرب والمشوش والذي يفتقد الوجه الإنساني .

" أبوح ُ بوجعي، فيبتلعني بئرُ حزني " بيننا والصداقة، عشرةُ عمر، خمرها الزمن "

لغتهُ الشعرية متهيئة لأداء مهمتها التي اتخذها في تشكيل صوره بكل مشخصاتها للصورة الشعرية المرسومة للمكان والزمان، روحه الشعرية المشتعلة بمحيطه الإغترابي وذاكرة المدينة التي لا يستطيع نسيانها، وهو يساعدنا " بزي " على تنسيق مشاعرنا من خلال الاثارات المتنوعة التي تثير فينا صوره، ويبدو الشاعر الذي تعلم ودرس في مغتربه الامريكي سار على نظرية الفيلسوف " كرتشمير " والذي عرف خصائص أنماط أربعة للناس تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا، وهذا الاختلاف الجوهري في الطبائع، لابد أن ينتج عنه اختلاف الناس في استجابتهم للصورة الحسية ومدى تأثرهم بها،ولهذا أصبحت ذاكرته الإغترابية حقيبة تحمل في داخلها الهم الإنساني والمعرفي

"مفتاح مسَرة للقلوب، الفراق ُ يقظة ُ الحواس، واستنفارها، والشوق ٌ إليك َ يحرقني"

وهو يعمل على إستعادة صوره الشعرية بمفردات ودلالات شعرية فيها من درجات الخيال الكثير، ولعلنا في أيامنا هذه ندرك بيسر هذا التوالج بين وحدانية الحقيقة وتعدد الأنظمة الراصدة لمضمونها،

"وعند بداية كل صباح، وها أنا اليومَ أعود ُ إلى الديار، وأقرأ أقداراً مخطوطة في دفتر الفراق"

ذلك أن ما تشتمل عليه أي لغة من الصيغ الأدائية يمثل نظاما آخر مكتملا من الإحالات، فلنهوم معاً في الذاكرة المستعادة، وهذا شيء طبيعي بإن مجموعة من الصور تكون قد نبتت في عقل شاعرنا " بزي " الامر الذي جعله يستجيب للصور الحسية ويتأثر بها، ولو دققنا في قصائده القديمة والجديدة نجدها تعبر عن طموحه الشخصي لابداع الجديد في مجال الصورة الشعرية التي إنطلق منها،

" المنزلُ الذي جفاهُ النوم، ولفهُ عشبُ الحنين، يفيضُ من الحب الذي تركتَه "

وهكذا أراد شاعرنا أن يقول لنا، وهو يؤكد في هذه القصيدة التراتب الزمني للإستذكار، عبر شريط حياتي بصري، فيه حياة وقوة، وكأنك في عالم ذي سياق سينمائي فيه الكثير من الصور المحزنة والتي تُفتت القلوب .

" فعزفت سيمفونية الوداع، وتوارى القمرُ، بين غيوم الفقد، وغاب َ النجمُ سريعاُ "

وهو يرصد تاريخا ً منذ أن ُصدم جلجامش بموت أنكيدو، فانبعثت أسئلته عن الرحيل الأبدي، والشاعر " بزي " المعبأ بالكثير من الإرهاصات المشخصة التي يحتويها عقله وقلبه الكبير العاج بالحب والتسامح .

"في دياركَ الأبدية، سلاُم لذكراك َ الطيبة، أنا فيك َ المعُزَى "

وهو يختزل الفواصل الزمنية في مواءمة معرفية، لا تلغي خصوصيات المراحل التاريخية، ناشراً على الأمكنة السواد،

" ملأت َ كأسي بخمر الفجيعة " وتعميقاً للفجيعة فأنها جعلت من شاعرنا " بزي " يخاطب نفسه ومن حوله وخاصة أبناء " مدينة بنت جبيل " وهو يمدح عبر خطابه الشعري، صوره المرئية واللامرئية التي تلامس واقع الشاعر النفسي، مؤكداً بذلك قول لكل ماله بداية فله نهاية

كم من مرةٍ

تقاسمنا الحلم َ بالعودة ِ

الى المرابع الاليفة

الى ربوع (بنت جبيل)

 

قاسم ماضي – ديترويت

في المثقف اليوم