قراءات نقدية

الشاعرة اسماء القاسمي وميلاد يقظة اليقين

wejdan abdulazizبعدما حاولت التمعن في اسطر قصيدة (حجر الذاكرة) للشاعرة اسماء القاسمي، وجدت هناك محاولة تقريب بين المرئي "الحجر" وبين اللامرئي "الذاكرة" امتد ليعطي حالة من حالات العدمية بدليل قول الشاعرة: (أنا الغارقة في اللا شيء/عدمية الفكرة) فالعدمية : موقف فلسفي يقول إن العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان، عديم القيمة وخال من اي مضمون أو معنى حقيقي.وحسب هذا المذهب ينحصر الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدمياً، وبذلك ينضج فكر الإنسان نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له، والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود. والكون ما هو الا محاولة من العدم لأن يعي ذاته.. فاستخدم النقيض.. فنقيض العدم هو الوجود وأفضل الطرق لمعرفة الشيء هي معرفة نقيضه... فكان العدم اراد ادراك ذاته باداركه لنقيضه.. وما وعينا الا جزء من الوعي الكلي الشامل الذي يصب في النهاية في العدم محاولا اداركه لذاته.. وحتى لا اقع كمتلقي في تناقضات الادراك، فاقول الوجود مدرك ولكن هناك شكوك حول يقينية الادراك، هذه الشكوك كفيلة باثبات الوجود وعدم اهتزاز اليقين .. فإن الإنسان خلق وله إمكانات محدودة وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون. وإن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.. اذن العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود،ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية. وبهذا اصبحت الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت، لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه، وبالتالي يلجأ الاديب الى الالتزام الادبي للعدمية، الذي يؤدي إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم. وهنا تهدف العدمية إلى إلغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن؛ لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن، فإن الهدف يبقى واحداً وهو : المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم. وعليه فان الشعور بالعدم، هو شعور بالوجود مضافا له الشعور بالتطور والغلبة، وميلاد ما يسمى بيقظة اليقين ... تقول الشاعرة اسماء القاسمي :

(مذ كانت أرواح الموتى داكنة

كنت الونها بالنسيان

واصيح بوجه العالم من نحن بهذا الان؟

ارسم حجرا

أخدش به ذاكرتي)

فقابلت الموت والنسيان، كسكون بحركة الرسم، وقولها اصيح بوجه العالم، وحين تقرر الشاعرة بقولها: (انا قلعة تمشط جدرانها رياح مكلومة/ تهرب طيور الحلم من اعشاشها اليها / طمعا في حرب اخرى/ ودوي رصاص في السلالم) تؤكد ما ذهبنا اليه، من اثبات ميلاد يقظة اليقين، وهو بلا ادنى شك يجسم صورة مناقضة لصورة العدم وفوضى الوصول .. ثم في التفاتة شعرية راقية من لدن الشاعرة القاسمي قولها: (في هذا المدى المسجى/ أحاول الركض خلفي)، بمعنى الالتفات وحركة استطلاع لما يحدث امامها، وقد تغفل عنه، وبمجرد الحركة لاحتواء كل الافاق تنتهي العدمية بيقظة اليقين ....

 

وجدان عبدالعزيز

.......................

قصيدة (حجر الذاكرة) للشاعرة أسماء_صقر _القاسمي

7-8-2015

في المثقف اليوم