قراءات نقدية

ماياكوفسكي وقصيدته بعنوان: قصائد عن تباين الاذواق

diaa nafie2نقّدم للقارئ اولا نص قصيدة ماياكوفسكي هذه بترجمتي عن الروسية، ليطلع عليها، ثم ننتقل بعدئذ الى تاريخها والتأملات حولها والافكار بشأنها، وذلك كي يكون القارئ على بيّنة بشأن الآراء التي سترد في هذه المقالة، والتي تعتمد على الفكرة الاساسية الكامنة في تلك القصيدة. 

قصائد عن تباين الاذواق

ماياكوفسكي

 

قال الحصان

وهو ينظر الى البعير –

يا له من حصان عملاق هجين!

أما البعير

فقد صرخ قائلا-

أأنت حصان؟

أنت لست سوى بعير،

بعير

ناقص التكوين.

***

ربّ السماء

ذو اللحية البيضاء

وحده

كان يعرف،

انهما -

حيوانان

من جنسين

مختلفين.

 

كتب ماياكوفسكي قصيدته القصيرة هذه عام 1928 عندما كان في زيارة لباريس، (اي قبل سنتين فقط من انتحاره، الذي حدث في عام 1930)، ونشرها عام 1929 في مجلة، ثم نشرها مرة اخرى في ديوانه الموسوم - (ذهابا وايابا) الصادر في موسكو عام 1929 ايضا، وكانت هذه القصيدة في بداية الديوان، وكتب فوقها – (بدلا من المقدمة)، اي انه اعتبرها مقدمة لديوانه هذا، وكل هذه الشواهد تبين الاهمية التي كان ماياكوفسكي يوليها لهذه القصيدة الصغيرة، والتي تبدو للوهلة الاولى وكأنها – كما كتب احد القراء الروس في تعليقه مرة حول هذه القصيدة قائلا – (انها تبدو وكأنها قصيدة مرحة للاطفال ليس الا). ان اعتبار ماياكوفسكي لهذه القصيدة (بدلا من المقدمة) يعني، فيما يعنيه، ان الفكرة الكامنة في تلك القصيدة تعبّر عن فكرة ذلك الديوان باكمله، والفكرة هذه واضحة هناك وبشكل ساطع، وهي ان (التباين) حقيقة ثابتة في الحياة، الا ان المشكلة هي عدم الاعتراف بذلك التباين من قبل (المتباينين !)، اي عدم الاعتراف بالرأي الاخر في المجتمع بغض النظر عن الواقع، فكل جهة ترى نفسها فقط لا غير وتخضع (بضم التاء) الاخرين لنظرتها تلك ليس الا، ف (الحصان) يرى ان (البعير) هو (حصان عملاق هجين)، بينما يرى (البعير) ان الحصان (بعير ناقص التكوين) . ان السخرية التي طرحها ماياكوفسكي من النظرة الاحادية للظواهر واضحة تماما، وهي فكرة لم يتناولها الشاعر في قصائده السابقة بتاتا، تلك القصائد التي كان يمجّد فيها فلسفة البناء الاجتماعي الجديد في بلده بالاساس ويتحّدث فقط عن نجاحاته وانجازاته الكبيرة، وكان ماياكوفسكي طبعا يحاول ان يؤسس شعرا جديدا بموسيقية خاصة به، وهي محاولة عملاقة وجريئة قلّ نظيرها في تاريخ الشعر الروسي والعالمي بشكل عام، و رغم انه لم يستطع تحقيقها واقعيا، ولكنه حاول القيام بذلك وبكل شجاعة، وبالتالي، فانه يمتلك شرف المحاولة، و هذا بحد ذاته ليس بالشئ القليل في هذا المجال الفكري الخطير، والذي يلعب دورا هائلا في مسيرة المجتمعات الانسانية.

ختاما لمقالتنا هذه، اود ان اشير، الى اني سبق لي ان ترجمت هذه القصيدة ونشرتها في حينه، الا اني توقفت طويلا عند العنوان الذي وضعه ماياكوفسكي نفسه لقصيدته تلك، اذ ظننت ان كلمة (قصائد) الموجودة في العنوان ربما ستربك القارئ، ولهذا، وضعت عنوانا آخر لها، هو (اجناس مختلفة من الحيوانات)، ولكني عدت الان الى العنوان الاصلي، والذي يكمل واقعيا الفكرة الكامنة في القصيدة، اذ انها فعلا (قصائد)، ولكن الشاعر أضاف - (عن تباين الاذواق) ومن الواضح انه كان يقصد (عن تباين وجهات النظر).

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم