قراءات نقدية

القصيدة الشعرية عند الشاعر جمال مصطفى

جمعة عبد اللهينفرد الشاعر بسمات خاصة في تجربته الشعرية في لونه الشعري المتفرد، في اسلوبية تعود وتنتمي اليه، وهي تخالف العام الدارج والشائع في الواقع الشعري العام . انه يشق طريقه الخاص بكل اقتدار، بخبرة ومعرفة في اللعبة الشعرية واصولها ونظمها وتكتيكاتها، وفي سماتها الجمالية الفنية اوالشكلانية، ولكن دون جمالية تعبيرية واضحة المعالم في عوالمها ومكوناتها، اي ان القصيدة هي نتيجة خمرة او عجينة تقدح في شراراتها في الذهن، في تداعيات الخيال اللاشعوري، او العقل اللاواعي في تراكيباته الغرائبية . ويلعب عليها في النحت والتركيب اللغوي والبلاغي، في صياغة صور الخيال من باطن العقل اللاشعوري، يطلق عنانه بكل حرية، ان يكون تخيلاته وصوره الفنية. وشيء طبيعي ان ينقسم قراء قصيدته الى ثلاثة اصناف، بخليط غير متجاس بينهم، ليس في تأويل القصيدة (وهو احد ابرز مقومات ابداعات الشعر) وانما في البنية التكوينية للقصيدة بشكل عام، في المفهوم القرائية للقصيدة . الصنف الاول . يعتبرها غريبة غير مفهومة وغير مستساغة . الصنف الثاني يحاول التعبير عن المجاملة الاخوانية، في التحية والاطراء الاخواني، وبعضهم لم يفهم القصيدة بشكل عام، إلا النزر القليل جداً، ولاتعتمد في النظرة التقيمية في التعليق المطلوب . الصنف الثالث يكون مفهوماً جاداً، في تقيمه الموضوعي، لانه يستذوق جماليتها الفنية، ولكن دون جماليتها التعبيرية، الذي هو مفقود، او يتوضح بالنزر القليل، كأن الشاعر من انصار (المعنى في قلب الشاعر) . ولكن الشاعر جمال مصطفى، يوظف ببراعة معرفته الواسعة، في العروض الشعرية وبحورها . اي ان قصيدته تنتمي الى شعر الخليلي، في الوزن والقافية والموسيقى . هي موجودة بكل ابداع، لكن نعرف الفرق الشاسع بين موسيقى وموسيقى . مثلاً : الموسيقى بدون محتوى، وخاصة الموسيقى الحديثة، مع موسيقى التي تملك محتوى . مثل عند المطربين والملحنين الكبار . التي تملك المحتوى والاحساس والمشاعر، التي تداعب هواجس الوجدان في الايقاع والنغمة الجرسية . لذا فأن الموسيقى في الشعر لها سمات تعبيرية، وتوجهات جمالية في المحتوى التعبيري في تراكيبها، التي تملك الحس الفني والتعبيري معاً . لذلك قصيدة الشاعر جمال مصطفى، تمتلك الخاصية الاولى (الفنية) وتفتقر الخاصية الثانية (التعبيرية والمحتوى الايحائي) . لذلك فأن قصيدته هي نتاج التلاعب والنحت اللغوي، والتداعيات الخيالية في الصور الفنية التي يلعب بها الخيال، التي تتكون من الفكرة المختمرة، ويظل يماطل او يبني عليها عليها تداعياتها الشعرية الغرائبية، حتى اخر بيت شعري في القصيدة، ولا يفصح عن الفكرة التكوينية، اي المعنى يظل في ذهن الشاعر، لانها نتاج تكوينات الخيال اللاشعوري، ونستطيع ان نطلق على قصائده، بأنها قصائد بلا ضفاف في عوالمها وتضاريسها التكوينية، التي تشحن في اللامعنى . لان القصيدة مقوماتها تستند على ركيزتين . الجمال الفني والجمال التعبيري، مثلاً على سبيل المثال سمات الاسلوبية التعبيرية عند الشاعر الكبير (السياب) نتلمس حريق المعاناة والاحزان والآهات الغريب عن الوطن البعيد، في الظروف القاهرة . بينما نجد الاسلوبية التعبيرية للشاعر السماوي الكبير، التحفيز الهائل في شحن وايقاظ الذهن، بالفعل اللازم لتمزيق ثوب الركود والقنوط واليأس، ويعطي الدافع المعنوي الهائل في المشاعر والاحاسيس، في تمزيق شرنقات الواقع، لينطلق بعزيمة الى الحلم في مملكة العشق، لتكون البديل المنتظر، على جراحات الواقع . وكلا الشاعرين (السياب والسماوي) شعرهما موجه الى العام الاشمل والاوسع من القراء . بينما شعر جمال مصطفى موجه الى العام المحدود والقليل، الى فئة محدودة من نخبة المثقفين . وحتى هذه النخبة القليلة، تتذوق الحس او المجال الجمالي الفني للقصيدة، اما الجمال التعبيري، فهو في شحة النزر القليل، يقطر بالقطارة . لان حسب قناعات الشاعر جمال مصطفى، يريد ان يتميز عن موجودات الشعر في الواقع العام، في تياراته وموجاته الموجودة، في الاعم الاشمل، التي يتقاسمها . الشعر الرومانسي، والشعر السياسي، رغم ان هناك من بعض الشعراء يمزج في وعاء واحد، الرومانسية والسياسة. او السياسة والايروسية . لذلك ان قصيدة جمال مصطفى، لا تنتمي الى هذه الاصناف او الموجات او التيارات المتداولة . واعتبر ظاهرة قصائد الشاعر جمال مصطفى، ظاهرة صحية، في التنوع الشعري الموجود في الواقع. انه يشق طريقه الخاص، في سمات الشعر اللاشعوري

 

جمعة عبدالله

 

 

في المثقف اليوم