قراءات نقدية

جغرافية بغداد في رواية واحدة.. قراءة في سيدات زحل

نسجت رواية "سيدات زحل" بنائها السردي عن طريق خارطة بغداد، واتخذت عنونة ترتبط بالفضاء الفلكي خص بـ (كوكب زحل)، الذي يمثل احد اكبر الكواكب للمجموعة الشمسية.

والقصدية معلنة في هذه الرواية، فمساحة بغداد تكاد صورة موازية لكوكب زحل الكبير، ليشتركا في الوجع الموحد، بغداد – والعراق عامة- تعاني من وجع كبير يتمثل في الظروف الضاغطة، التي اخذت من فرحها الكثير، وزحل يرمز للعناء والكد، ويختلف عن بغداد داخل الرواية بـإنه رمزاً لـ(النحس)، - بغداد- عاصمة الرشيد كانت ولازالت على الرغم من وجعها، وحزنها على تراثها وشبابها الضائع في مفترق المتاهات المظلمة، عاصمة الأمل والزهو.

استهلت الرواية بالأشارة الى فقدان هوية بطلتها الضائعة(حياة البابلي)،وارتكزت على الشخصيات النسائية .

خمس نساء، والصحفية الفرنسية، هن اعمدة البناء السردي للرواية.

وعمدت الروائية الى رسم حدود الأمل على الرغم من حجم الدمار الكبير الذي اصاب بغداد وشوارعها ومعالمها الأثرية والثقافية، عن طريق اسم (حياة)، لكسر افق الشجن.

ونحن نتفحص الرواية لانحتاج الى اعمال ذهن؛لأن السردية جاءت من محيط الواقع بحذافيره، ولغته، وشخصياته، واماكنه، وسياساته المختلفة.

يمثل المكان في الرواية احد عناصر الفضاء الذي ينقسم الى (زمان، ومكان)، والمعروف انه يأتي بصيغة فنية خيالية، لكنه جاء هنا بطريقة دليل لخارطة طريق مضبوطة، تساعد اياً كان وترشده الى شوارع بغداد وازقتها، فقد وظف بطريقة تفصيلية تتضمن العنوانات الدقيقة له، وعنوانات الاسواق والأزقة" تسير باتجاه تقاطع دمشق، مبنى المحطة العالمية عن يسارنا، قبتها الزرقاء الشهيرة علاها الغبار، وساعتا برجيها توقفتا منذ عشر سنوات، امامنا مبنى المجلس الوطني القديم الذي أحرق ونهب وانهارت بنايته،حثثنا الخطى نحو مجمع النقل في منطقة (العلاوي)، لنستقل سيارات الأجرة العابرة، الى جانب الرصافة، وجهتنا الباب المعظم ومن هناك سنستقل سيارة اخرى الى الباب الوسطاني في سور بغداد العباسي وراء المقبرة والطريق السريع..."، "جامع الخلفاء العباسي في منطقة الشورجة حيث تباع الطيور والأفاعي"، "شوارع احياء الداوودي والمأمون والمنصور وحي الجامعة"، "أطوف حول المنابر وبرج بغداد واعبر دجلة في قارب الى جانب الرصافة، اهبط من القارب واعبر الأسواق المهجورة مارة بسوق دانيال وسوق الصفافير الى شارع الرشيد".

وتأتي دلالة المكان بصيغة ثابتة، وهو معاكس للزمان المتغيّر، وظيفته-المكان-نقل الأحداث ورسم الحدود الجغرافية للشخصية الروائية،فهو هوية الشخصية ورمزية متقنة لنقل ظروفها بصيغة متقنة؛ لأن المكان أن كان جيداً كان ساكنيه بحالة جيدة،وأن كان مثقلاً بالهم والشجن كان ساكنيه بصورة موازية له،وهذا مارصدناه داخل النسيج السردي الذي صور اوضاع الإنسان العراقي خاصة بعد احداث(2003)، التي نقلت الإنسان نقلة جذرية كبدته الشجن والبسته السواد.

واقع يومي بلغة مدونة، وكأن الواقع الشفاهي والمرئي أذن للقلم بإن يدون مأساته، ونحن نقرء المتن نفسر احداثه ؛ لأننا نعلم بحيثيات القضية كلها، سجن ابو غريب واشكالياته وسلسلة قصصه المثقلة بالهم والحزن الممارس على معتقليه، حيثيات مايعرف بالقاعدة وتنظيمها، احداث الثمانينيات والتسعينيات، تشابك المعقدات بين الماضي والحاضر، عندما اشارت الى شجرة السدر" السدر شريكنا في الحزن والشجن وكان اهلنا يحرمون علينا قطع شجرة سدر مخافة أن يحل شؤمها علينا فيموت اب او ولد في مصيبة مفاجئة لم يحتسب لها احد، لكنهم ماتوا جميعاً من دون أن تقطع اشجار السدر"، فـ " في كل تلك الليالي والنهارات المروعة كان الشر يتنزه حولنا ويسخر منا، يغير سحنته كل برهة، يصير صاروخاً...او عبوة ناسفة او صديقاً، ما ان نحدس اقترابه ونتحسب له حتى يغير سيمياءه كحرباء ويكمن لنا بهيئة لانتوقعها".

نسجت الجوامع،والكنائس،والشوارع، والحدائق، والجسور، والمعالم الثقافية، حكاية الف ليلة وليلة الجديدة، (الميتاسرد) نقل موت الإنسان، موت المكان، موت الأمل، موت الطفل...الخ.، الموت المجهول نعيش تحت فرضية الموت الأجباري.

وعلى الرغم من هذا الشجن، الأ ان الرواية تضمنت رسالة موجهة الى العالم كله، مسؤولية المرأة العراقية، تحولت الأم، والأخت، الأب، الأخ، فهي الصامدة بإزاء هذه التراكمات الضاغطة.

وسجل النقد الحضور الأول فيها، فنقدت الظروف الضاغطة والسياسات بانواعها جميعا، سواء كانت (دينية، سياسية، حزبية،دينية سياسية) وهذه الأخيرة اخطرها؛ لأنها وظفت قناع الدين لخدمة مصالحها السياسية، واشارت الرواية الى هذه الظاهرة بمقاطع سردية عدّة.

اضيف، لطيفة الدليمي نجحت عندما استثمرت المكان بصورته الحقيقية، ليجد القارىء وهو يقرء واقع حقيقي بلغة سردية، إذ نقلت الواقع بصورة حكائية بعيدة عن الخيال الروائي؛ لأنها استغلت الظروف المحيطة بالمجتمع كله، وادخلته في بناء روايتها التي لازالت تنتظر الأمل عن طريق شخصيتها الرئيسة (حياة)، فهل تعود حياة بغداد ؟وسكونها؟ ويخفف جراحها؟هذا ماننتظرروايته في رواية ثانية من (حياة البابلي).

 

بقلم: وسن مرشد

 

 

في المثقف اليوم