قراءات نقدية

دوي القبل بين العاطفة والامل

صدر للشاعرة شذى فرج عن دار المتن الطبعة الاولى لمجموعتها الشعرية التي ضمت واحدا وخمسين نصا، وهي:دوي القبل، بحث في حلم، او اشتغال، رحلة الشقاء، ولادة، شوق وذكريات، عسل، بلل قبلة، صوت ثمل، غروب شتائي، روح الروح، زمن السبايا، حبيب دون ملامح، الثقوب السوداء، اعترافات متاخرة، مراسيم وطقوس، حين يعاودني الحديد، حفر على الجدران، اهادنك حبا، هاتف، في حضرتك، احلام ساحرة، مطر، ثرثرة الاشتهاء، اغتراب، دجلة، بسمة، سأعشق الليل، غرام مؤجل، سيد الاشياء، تجوال، شارع الحب، من انت، رحيل، لاتحتار، صخب الحب، تعال، هيا بنا، طال الانتظار، عجلة الايام، انه لا..يوم، تنساب معي، في يومياتي، اجتياح، سويعات ما قبل الفجر، مناغاة، انتظار، شاطيء الحب، حروف، محطات، ملامح الحب.وكان قد صدر لها قبل هذه المجموعة، مجموعة دغدغة روح، و مجموعة للعشق صلاة، ومجموعة قصصية بعنوان حكايات من بلادي، ومجموعة ومضات بعنوان البحث عني لا اجدني، وشذا فرج شاعرة متعددة المواهب، فهي شاعرة لها حضورها المتميز في المشهد الشعري، وهي قاصة تمتلك اداتها الفنية بشكل جيد، ولها ايضا حضوها في عالم الصحافة، فقد عملت في اكثر من صحيفة، كالصباح حيث عملت مندوبة لها، وجريدة نينوى فقد عملت لها مندوبة في بغداد، وعملت سكرتير تحرير جريدة الصناعي، ومحررة في طريق الشعب، ولها نشاط ثقافي في العديد من المواقع الالكترونية (ككتابات والنورو بصرياثا ومؤسسة الشبكة والصدى) ولكتاباتها حضور بارز على صفحات الصحف الورقية، كالبينة الجديدة، والمواطن، الزمان، ومجلة اهلا، فهي بهذا النشاط المتميز، تمثل الشخصية المثقفة بكل خصائصها وسماتها الاجتماعية والسلوكية والابداعية، وللشاعرة تجربتها الشعرية المتميزة، فهي تمتلك لغة بسيطة واضحة ولكنها جزلة وسهلة، من السهل الممتنع، وقراءتها تُشعرالمتلقي بالمتعة، وتجذبه ليعيش في اجوائها ويتنزه في حدائق صورها الفنية وهو يلتقي بعاطفة الشاعرة ومشاعرها، التي جسدت من خلالها تجربتها الوجدانية، و يكشف من خلال نصوصها ابداعها الذي يصل بالقاريء الى ذائقته، التي تتفتح على جماليات النص ورقته التي تاتيه عبر عاطفة صادقة، تتساوى عند (ديكارت) بالشعور والاحساس ويمكن ان نضيف الوجدان ايضا باعتباره احساس يتمثل فيه الادراك والمعرفة والشعور بالذة والالم.عندما نشرع بالدخول الى فضاء المجموعة مستصحبين احاسيسنا ومشاعرنا في توق للالتقاء بها والارتقاء معها الى عوالمها الابداعية، فاول شيء سنواجهه هو عنوان المجموعة، الذي هوالمدخل الى عمارة النص، و ابرز عتبات النص، التي يطأها (1) المتلقي اول ولوجه الى فضاء النص، قهو المفتاح والنافذة والباب، وهو دائرة استعلامات النص والمولد لدلالات النص فمن خلاله نستكشف شبكة العلاقات في النص، وهو الثريا التي تضييء طرق النص( فهو نظام سيميائي ذا ابعاد دلالية واخرى رمزية، تدفع الباحث على تتبع دلالته ومحاولة فك شفرته الرامزة)(2) وعند قراءتنا لنصوص المجموعة اول ما استوقفنا عنوانها (دوي القبل) فاخذنا بجس جمرته، وفتح مغاليقه وتفكيك مكوناته، قصد اعادة بنائها من جديد، (لان ليو هوك عرفه(بانه مجموعة علامات لسانية تصور وتعين وتشير الى المحتوى العام للنص)(3) وهو يعلو النص ويمنحه الضياء، ف(دوي القبل) العنوان المركزي للمجموعة، وهو الذي يتوفر على الطاقة الدلائلية، بل هوجزء منها، وعند محاولة تفكيكه والاطلاع عليه من قرب، نجده يحمل استعارة تنافرية، فالدوي في المعاجم اللغوية متعدد المعاني، فهو صوت الرعد وجلجلته ودوي الفحل يسمع لهديره دوي والدوي الذهاب والدوي عزيف الجن وصوتها ودوي الطائر : دار في الجو ولم يحرك جناحيه، ولكن اكثرها قربا من الدلالة هو انه الصوت المرتفع المتولد عن الانفجار او انه صوت المدفع فهو واسع الانتشار ويشير الى شيء ذي رهبة، اما القبل فهي تلك الحركة التي تحركها العاطفة لتشير الى قوة العلاقة هامسة رقيقة، وهي اسمى طرق التعبيرعن الحب والمشاعر، والتواصل الروحي بين الافراد، وهي تحمل في طياتها الكثير من العواطف والمشاعر ومن غير الممكن ترجمتها بالكلام وهو بصياغته العنوانية (يثير الدهشة

وحالة اغراء لجذب القاريء والامساك بتلابيبه) (4) والعنوان بصيغته ينتج مفارقة اسلوبية تحول الواقعي المألوف الى خيالي )(5) وللوصو ل الى علاقة انسجام والكشف عن دلالته وبعد تفكيكه واعادة تركيبه فدوي القبل اشارة واضحة الى طهارة الحب وعفته فقبلاته لنقائها لاتختبيء بل ترفع الصوت عاليا للدلالة على سمو العواطف، ونتلمس ابداع الشاعرة من قدرتها على المراوغة فنصوصها الواحد والخمسين ماكرة وفاتنة ايضا،

ففي نصوصها الواحد والخمسين، قدمت لنا تجربة ذاتية وجدانية، محورها وقطبها عاطفتها واحاسيسها الاصيلة والخيال والفكر والانفعال والموسيقى التي لاتتغيرلانها تكمن داخلها، وهي ذات قيمة ذاتية تعلو بها عن غيرها، لانها هي العناصر التي تشكل منها البناء الشعري المتكامل لقصائد المجموعة، ولكنها بتجربتها وخبرتها في استعمال اللغة تحمل المتلقي لكي يكون مشاركا في اكتشاف القصيدة، ويكون فاعلا كما يقول احد الباحثين : ان اللغة الشعرية قالت ما قالت وتركتنا لنكتشف خفي ما لا يقال(6)

فالنصوص التي بين ايدينا، كتبت بمتعة وسحر وفتنة، فهي تنم على الحالة العاطفية او الانفعالية للشاعرة، التي بحدسها الشعري جعلت صورها الشعرية على علاقة مع بقية عناصر القصيدة علاقة اساسية، فرضت حالة من الانسجام والوحدة العضوية في كل قصيدة من قصائد المجموعة، فجاء بنائها الشعري متماسكا، من غير فصل جزئياته وعناصره، لانه عبر عن عواطف الشاعرة ورؤيتها الذاتية الخاصة، التي تصل بالمتلقي الى ذائقته، لان عاطفة الشاعرة هي المهيمن الاكبر على نصوص المجموعة، التي نراها اكثر جمالا ورقة، وهي تحكي لنا من خلال لغتها الشعرية الخاصة، التي استخدمتها في البناء الشعري لنصوصها التي قامت على العلائق المتبادلة بين العناصر المكونة للنص الذي تم

التعبير من خلاله عن مضمون التجربة الشعرية، مسترشدة بتجربتها الوجدانية المنطلقة من العاطفة الذاتية، وهذه التجربة كما يرى الدارسون هي من اقوى التجارب الشعرية، واعمقها عبر العصور، وهي ما عرضتها الشاعرة في قصائد المجموعة (دوي القبل) فقد عبرت من خلالها عن خلجات النفس وما يعتريها من شعور بالفرح او الالم او القلق، فهي تجربة ذاتية وجدانية محورها ومرجعيتها عاطفة الشاعرة واحاسيسها، وقد اتسمت المجموعة بسمات تبدا بالذات وما يعتريها من احاسيس ومشاعر وعاطفة وتنتهي بالذات، دون ان يعني ذلك الانعزال والابتعاد عن الاخر بل انها قدمت العلاقة الانسانية بصورة تجلت فيها العاطفة الصادقة والوجدان،

المتامل في نصوص المجموعة يجدها تحمل سمات المذهب الرومانسي من حيث المضامين والافكار والشكل فجاءت لغتها وجدانية محلقة حالمة، متاثرة بلغة الحياة ومعطياتها المعاصرة،

معبرة عن نوازع النفس ومتجانسة مع المشاعر، فالنسيج اللغوي تصوير بالكلمات لافكار الشاعرة وترجمة لخيالها) والكلام عن الذات هو في الوقت ذاته كلام عن الموضوع (7)، وقراءة النصوص قراءة متانية تبرز لنا بانها تتوزع على عدة محاور في تجربة الشاعرة الذاتية في مجموعتها تمثل فيها العاطفة الخاصة بمشاعر الذات التي هي اقوى العواطف، خاصة عندما يبرز الانا بشكل محوري متمثلة بمشاعر الحب الذي لعب دورا كبيرافي نصوص المجموعة، وعندما تقع الشاعرة تحت وطأة الحالة الانفعالية والاستعداد النفسي، يمكن ان تتوزع محاورالمجموعة بين شخصنة الاشياء المادية والمعنوية والحب، والقلق، والشكوى، وشيوع نبرة الحزن، والتسامي بالعواطف واعلاء قيمة الخيال، سريان روح القص واسلوب الحوار، والسخط على المجتمع والتعاطف مع المظلومين والتجديد والموسيقى، وكان العنصر المهيمن في نصوص المجموعة موضوع الحب وذلك لانه من اسمى المشاعر والعواطف الانسانية، لذلك فهو صار المحور الاساسي في التجربة الذاتية للشاعرة، فهي تقدمه من خلال صور فنية، تعكس من خلالها الوان العلاقة الانسانية، فقد اعتنت بتوصيف عاطفتها ورؤها في الحب، لانها وجدت في الحب والعلاقة العاطفية عالما انسانيا جميلا، وهو مصدر السعادة، رغم ما تتلبسه من بعض التنا قضات، التي هي نتاج الواقع الاجتماعي والمشاعر الانسانية، وللحب سلطان كبير على وجدانها، فهي ترسم عوامله بمزج الوانه التي هي عندها (الرغبة والاشتياق وانصهار) وله في قلبها مساحة كبيرة، بل اني ارى ان كل قلبها حبا، ففي هذا النص الذي عنوانه (دوي القبل ) والذي وسمت الشاعرة مجموعتها به، جاء النص عاطفيا ويتفجر مشاعرا عبر ما تقدمه اللغة التي ابدعت الشاعرة في استخدامها لترسم للقبلة مشهدا يكون معادلا للحب، لان القبلة دليل على عمق العلاقة العاطفية، والمحرك القوي للاحاسيس والوجدان لترسم لنا صورة عمل خيالها الفني على صياغتها بنشوة، وقد ابدعت فيها ومن علائم ابداعها ذلك الاسلوب الترف في شخصنة الاشياء المادية والمعنوية، كما فعلته في بعض نصوصها الاخرى مستعملة خبرتها الفنية في استعمال ادوات الصورة الشعرية الفنية.:

تجتمع كل الحواس ضيفا لقبلة

ضيفا لايتمنى الرحيل

وتبقى حاسة الشم تائهة

بين ضمة عمقها البحار

وعطر شعر يتناثر راقصا

على نغمات القبلة  (8)

وفي نص منحته تسمية دالة على عمق العلاقة والذوبان والتوحد فهو روح الروح:

هل ستحاصرني يا هذا

ام انك كل ايامي

ام ان الايام انت

ام انت والايام انا

ياروح الروح . (9)

وهناك نصوصا اخرى في المجموعة، عمدت فيها الشاعرة الى شخصنة الاشياء كاسلوب فني تتجسد من خلال ما يرسم من صور فنية العواطف:

كم تمنيت ان تكون حينها هو

حلمت ان تهب نسمة وتهمس لي

وانا عند زاوية الشباك احاول الطيران (10)

وفي النص ذاته تدير الشاعرة حوارا عاطفيا مع الوردة الهدية من الذي لاتذكر اسمه، وكانها تحاور فتاة، رسمها خيالها وهي تستعيد ذكريات زمن مضى:

رافقتني على طول طريق مدرستي

وانا احاكيها بكل لغات العالم

واعدها باني ساحتفظ بها (11)

والشكوى حالة وجدانية تلجا لها الشاعرة عندما تجد نفسها في موقف لاتستطيع الاستسلام له ولا القبول، وهذه الحالة النفسية التي يصاحبها الالم والاسى والشعور بالحزن، هي ذاتها (طريق ومنفذ للراحة والتنفيس من اوجاع النفس)( 12) وهذه الحالة النفسية تظهر جلية في نصوص المجموعة، وهي تؤشر (دقة الاحساس ورهافته) (13) فالمواقف لاتمر الا وتترك اثارا على مشاعرها وتتعدد مصادر الشكوى عند الشاعرة كالرحيل:

وعاتبت النفس اكثر

وددت لو توقف الزمن

وربما استرجعت بوصلة الماضي

تمنيت ايامي كانت مؤجلة

الرحيل ياصاحبي محطة اخيرة

ثقيلة موجعة كئيبة

فيها الورد برائحة الموت

وفيها القمر يسكن الكهوف

السماء تختبيءوراء الرمال

وقد لا تفعل

السماء تبث ثلجا. (14)

وتشتكي انتظارا وتشكي نهاية باردة :

عزفت على اوتار قلبي

فتهرأ... واناملي مللتني

ونظري صوب الامل اتعبني .(15)

وفي نص جميل تبث الشاعرة مشاعرها بشكوى وعتاب شاءت ان يكون لها حياة، ولكن:

ادرب النفس وقصة الصبر

اناجي طيفا ظل يلا زمني. (16)

والحنين الى الماضي في وجدان الشاعرة، محل مؤثر في بنائها النفسي فهي دائمة الحنين اليه، والاحساس به، وما زال قائما متناميا، وتتمنى العودة اليه، وهي بذلك تمارس الهروب بالبحث عن الخلاص من الواقع وهمومه، وهي بامتلاكها زمام لغتها الشعرية توظف الماضي عبر تصويرها للحياة التي عاشتها، مستعينة بالخيال والاحلام، التي تجدفيها السعادة، او ان تنطلق بخيالها :

على مصطبة خشبية هناك ذكريات

حديث كان بالامس . (17)

وهي تود لو ان الزمن توقف، ليمكنها من الرجوع الى الماضي:

وددت لو توقف الزمن

وربما استرجعت بوصلة الماضي

تمنيت ايامي كانت مؤجلة . (18)

ومن خلال الاطلاع على تجربة الشاعرة الشعرية العاطفية، نجدها تتناول المواضيع التي لها تاثير في سير الحياة بتناقضاتها وحلوها ومرها، وهي غندما تجد العقلانية لاتلقى استجابة او ان يكون اثرها في نفوس الاخرين سطحيا، تراها تذهب نحو السخرية علها تستفز الاخر وتحمله على مراجعة مشاريعه :

ضحكت من نفسي

ضحكت منك

ضحكت من الحياة ومن الحب . (19)

من علامات الاصالة في التجربة الشعرية الذاتية للشاعرة، هي ذلك الكم من العواطف، التي توظفها الشاعرة في شعورها اتجاه الاخرين، حيث انك عندما تتعايش مع نصوصها، تحس بان وراء كلماتها، ومشاعرها قلبا مرهفا حساسا بمعاناة الاخرين كل الاخرين على اساس انساني لاغير، وهذا ما نتلمسه في نصها المفعم بالعاطفة والمشاعر المخلصة اتجاه شريحة اجتماعية ترتبط بها الشاعرة انسانيا ووطنيا، وهي ماساة الاخوة الايزيديين لاسيما المعاناة والمأساة التي عاشتها البنت الايزيدية، ففي نصها (زمن السبايا) استحضرت فيها اللغة ذات الجرس المثقل بالحزن والقادر على رسم صورة المأساة بمشاعر يتشابك فيها الحزن والخوف والرفض والانفعال الطاغي المحتج والرافض للحالة التي فصولها بكل احاسيسها ورؤاها وهواجسها، فهي في هذه التجربة الذاتية ناشطة في ايصال صورة المأساة عبر لغة مركزة مشحونة بالدلالة على عمق المأساة

في زاوية مظلمة رطبة

بغرفة لايطأها الجرذان

بكت .. ونادت نادية

ذات العشرين او يزيد

وصرخت باعلى

من صوت صلاة العيد

قتلوا امها، ابيها

ونحروا رقبة اخيها

ساقوها كما تساق النعاج(20)

احمد زكي الانباري

..............................

الهوامش

1- سيمياء العنوان : 33

2- المصدر نفسه : 33

3- المصدر نفسه: 45

4-  المصدر نفسه: 59

5- المصدر نفسه: 83

6- المصدر نفسه : 65

7-  دوي القبل :5

8-  المصدر نفسه :11

9-  المصدرنفسه :28

10- المصدر نفسه : 23

11-  المصدر نفسه: 14

12- بناء القصيدة الوجدانية : 43

13-  دوي القبل:24

14-  المصدر نفسه : 15

15-  المصدر نفسه :27

16-  المصدر نفسه : 31

17-  المصدر نفسه : 21

18-  المصدر نفسه :15

19-  المصدر نفسه : 37

20-  المصدر نفسه: 29

:

في المثقف اليوم