قراءات نقدية

وثيقة سردية.. قراءة في رواية: نجمة البتاوين لشاكر الانباري

تعرف الوثيقة على انها: الوعاء الذي يستوعب المعلومات الكتابية، والبيانات، والمخططات، والخرائط، والرسوم، والصور الفوتوغرافية، والشهادات، والمستندات...الخ، وهذه المدونات تستعمل في المعاملات لغرض حفظها؛ لأنها تتسم بالثبوت، لكن مالايعرف ليعد استعمالاً حديثاً أن صح لي الجزم، هو أن الكثير من النتاجات الأدبية - منذ الماضي  وتطورت كثيراً في الحاضر- قد أنتقلت الى صياغة مهمة التدوين بلغة ادبية مفهومة وممزوجة بنكهة كاتبها أولاً،الذي استغل بذكائه الظروف المحيطة به وصاغها بلغة كتابية ممزوجة بأسلوبه الخاص، ومستندة على الواقع في اغلب سردها.

أسست الكثير من الروايات العراقية عنونة ثانوية لعنوانها الأول، ليتحول المصطلح الجديد هو العنونة الرئيسة والمتداولة بين الكثير من القراء والباحثين.

و(نجمة البتاوين) رواية اقتربت من الشارع العراقي كثيراً، منذ الوهلة الأولى نجد انفسنا بصدد عنونة عراقية، ونحن نقرأ المتن السردي نجد ذاتنا تقرأ تاريخ معاش بجذوره، إذ أسست الرواية متنها من لغة الشجن، والوحشية،والخراب،والدمار، وانهيار البنى السكنية، وانتشار الجثث مجهولة الهوية، اوتلك التي قتلت تحت مصطلح الفتنة الطائفية التي عايشها الشارع العراقي خصوصاً في المدة المحصورة بين(2006-2007)، وهي ذروة الفتنة المفتعلة من قبل المصالح السياسية والأمريكية الحاكمة.

انصب اهتمام المتن السردي على توظيف شخصيات عايشت الأزمة المفتعلة؛ لأن العراق منذ سياسة الحكم العثماني الذي وظف سياسة (فرق تسد)، وهو يعاني من أنزياحات عدّة، أسهمت في تكبد الفرد والمجتمع عامة سلسلة متوالية من الأحزان.

وأكثر مايهمش الأوطان هو توالي النكبات والحروب، وأشدها الفتنة الطائفية المميتة.

استثمر (الأنباري) الفضاء العراقي، فوظف شخصيات المتن السردي من المحيط البيئي المعاش، (زاهر) الصحفي العائد من المنفى بعد احتلال العراق، وهو نموذج للكثيرين الذين عادوا وهم يمتلكون صورة فنية في مخيلتهم عن عراق جديد، لينصدموا بعقم الواقع اليومي المعاش.

أما (عمران)، فهو المهندس العراقي الذي تحول الى مقاولاً وحالماً بعراق جديد، ليكون فيما بعد قيداً مخطوفاً عند الجماعات المسلحة.

و(ابو حسن ) صاحب مكتبة في شارع المتنبي شخصية عراقية اصيلة من محيط الواقع الثقافي العر اقي، الذي انتقل الى مثواه الأخير اثر تفجير شارع المتنبي.

والشاعر (علي)، والمصحح اللغوي الذي انتقل بين اليمن وليبيا وأسس ثلاث منازل تخلت عن حمايته في ظل الظروف والأختناق  الحياتي المعاش.

سعى الروائي في متنه الى أن يكون باحث اجتماعي، وناقش تكوين شخصية الفرد العراقي، لتشكل فكرته هنا تناصاً مباشراً مع الدكتور (علي الوردي) الذي ناقش تكوين شخصية الفرد العراقي.

ما سعت الرواية الى عرضه جاء بلغة صريحة ومفهومة،نقلت واقع معاش .

فما نقتله الرواية من فتنة طائفية وظروف معاشية ضاغطة، اصبحت هوية العراق الثقافية الجديدة، مما حفز الكثير من النتاجات الأبداعية الى استثمارها وتحويلها الى وثيقة (مدونة) كتابية .

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم