قراءات نقدية

مناجاة الذات والذات الآخرى.. الجواهري انموذجاً

الحديث عن تجربة الشعر العربي المعاصر عامة والشاعر محمد مهدي الجواهري خاصة ، تحتاج إلى أدوات نقدية تفكك التجربة ليطلع عن طريقها القارئ على إشكالية هذه التجربة وخصوصيتها .

تتلمذ على يد كبار علماء الأدب والنحو والصرف، فقد كان يقرأ القرآن الكريم ، مما دفع والده الى ارساله الى مدارس ذات شأن في العلم والبلاغة والفصاحة.

انتمى ملبسه في ريعان شبابه الى الزي الأسلامي والعمامة،  لأنه ينتمي الى عائلة دينية وتتلمذ على يد اساتذة الدين.

كتب الشعر وهو في سن مبكر، ثم تطورت هذه الموهبة لترتقي الى سلم القصائد والأشعار، وتنمو بإزاء الأيجابية ويجاري كبار الشعراء،مثل (الرصافي، والزهاوي).

لقب بـ (شاعر العرب الأكبر) وهو أهل لهذا اللقب، والشاعر العراقي ابدع فأجاد فأنتج، كـ (السياب،ونازك الملائكة) وغيرهم الكثير.

ارتكزت اشعاره على أساس تداخل المادي والملموس بالحلم ، بطريقة اقتباسية ، صاغت ذاته الموجوعة وذات الآخر(المجتمع).

ثقافته سجلت حضورها على اشعاره اغلبها،وقصيدة (دجلة الخير) خير شاهد لثمرة ابداعه، وقدرته على مناجاة الذات والذات الآخر.

حييت سفحك عن بعد فحييني

يادجلة الخير يا أم البساتين

حييت سفحك ظمآناً ألوذ به

لوذ الحمائم بين الماء والطين

 

يا دجلة الخير يا نبعا أُفارقه

 

على الكراهة بين الحين والحين

إني وردت عيون الماء صافية

نبعا فنبعا فما كانت لترويني

وأنت يا قاربا تلوي الرياح به

لي النسائم أطراف الافانين

وودت ذاك الشراع الرخص لو كفني

يحاك منه غداة البين يطويني

يستعمل الشاعر في نصه هذا لغة حوارية تحاور ذاته ، بحيث نجده يسأل ويجيب وكان ذلك بعد الاستغراق  في الوصف والتصوير بهدف تهيئة السامع وتشويقه واستحضاره الأشياء أمامه ،(حييت / فحييني،حييت / سفحك) كما نجده عمد إلى التوثيق في(يادجلة الخير ياأم البساتين).

إذ يتضمن النص دلالات رمزية عالية ومهمة تحيلنا إلى الواقع العراقي وتحولاته ، وهو نص في الوقت ذاته يفسح المجال للشاعر لسرد ما في ذاته المضطربة ، فنجدهُ عمّد إلى توظيف لغة المباشرة ليسجل عن طريق هذه المباشرة ذاته الموجوعة في قوله : (يا دجلة الخير يا نبعا أُفارقه   على الكراهة بين الحين والحين)، ليدخل فضاء القصيدة محور جديد في أشراك الذات مع الذات الآخر ، هذا مَنْ جانب ، ومَنْ جانب أخر فإنَّ النص يقدم التفاتة ذكية عندما وظف قضية الخلق في قوله: (لوذ الحمائم بين الماء والطين)وهي قضية خلق الأسطورة ونشأة تكوين الإنسان وكيف خلق من ماء وطين.

واحتضنت القصيدة التراث العراقي الأصيل ورمزياته التي تغنى بها الكثير من الشعراء،دجلة التي تمثل الأم والأب والأهل والوطن والصديق والزوجة والأطفال لذات الجواهري المتعبة المثقلة بالشجن.

وظف الشاعر (ياء) المنادى بطريقة تسرد الشجن (يادجلة الخير /   يا أم البساتين  /  يا نبعا أُفارقه /  يا قاربا تلوي).

ونرصد الغزل الصريح والمعلن بقامة العراق وعمتنا (النخلة)، وهي رمزية تغزل بها الكثير من الشعراء،  لأنها شمعة العراق وظله.

ويعمد الجواهري الى توظيف المترادفات على طول مسلة قصيدته الشامخة، كـ (حييت / فحييني، ألوذ / لوذ،الحين / الحين،نبعاً / فنبعاً،الرياح / النسائم،...الخ).

ومما لا شك فيه أنَّ الشعر ولد رومانسياً ، زغرفتهُ فسيفساء المثالية لتزينه  الكلمات الرونقية.

أضيف، انتضمت ابداعية الجواهري هذه ضمن التراث العراقي الأصيل، لأنها موروث ادبي ناطق بجمالية العراق وتراثه العريق، ومسلة شعرية توازي مسلة حمورابي.

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم