قراءات نقدية

قصيدة مالك بن الريب في المنظار النفسي!!

صادق السامرائيمنولوج النفس الفاعل في أجيال الأمة رثائي بكائي جنائزي، ويبدو كنمطية سلوكية جاثمة على وعي الناس منذ عصور بعيدة، ولايزال للرثاء والبكاء دورهما في بناء التفاعل الجمعي في مجتمعاتنا، المنكوبة بالدموع والدماء والأنين والتشكي المتدفق الذي لا يعرف الإنقطاع.

وهذه القصيدة الرثائية الذاتية تختصر ديناميكيات التفاعل النفسي القابضة على سلوكنا، وما تتسبب به من تأثيرات وتداعيات مأساوية قاتمة، تتكثف في كلمات وعبارات مشحونة بالعواطف والمشاعر والتمنيات السرابية المستحيلة النوال، فواقعنا النفسي يطارد خيط دخان، أو يلهث وراء سراب.

والقصيدة ملحمة موتية يسكب فيها الشاعر ما يعتريه وهو يتقدم نحو الموت الداب في عروقه والمتمكن من وجوده، والذي يخبره بأن النهاية قد أزِفَت، وعليه أن يلتحف التراب، ويذوب فيه كالسابقين واللاحقين، لكنه إنسان يتمحور حول ذاته ويغوص منفردا في موضوعه.

وفي قصيدته يسجل مراحل المواجهة مع الموت بدقة متناهية، ويكتشفها قبل أن يتكلم عنها الإختصاصيون النفسيون في القرن العشرين، والتي تشتمل على النكران والغضب والمساومة والكآبة والقبول.

وفي هذه اللحظات الوجيعة تنثال الذكريات ويستيقظ ما في الأعماق من مطمورات، وتجد الإنسان في مواجهة صارخة مع الحياة بما فيها وما عليها، وما يتصل بها من مرغبات ومنغصات، إنها يقظة الموت التي عندما تجتاح البشر تضعه على شفا مفترق طرق رهيب.

 الموت الذي تهرب منه المخلوقات لتسقط في حبائله وتنتهي كما يريد، فلا قدرة لمخلوق على الفرار من الموت، إلا بالموت الواعد بما هو أرقى وأسمى من الحياة الدنيا، وهذه الكينونة التصورية المتحكمة بالبشر تساهم في تهذيب سلوكه، وأخذه إلى مدارات الرؤية القادرة على إستجلاء المخاوف والتوجسات المرعبة، التي تجثم على وعيه وتقضي بنفيه من الدنيا وإطعامه للتراب.

وحالما يكون البشر في مواجهته الأخيرة مع الحياة بعد أن تحاوطه الموت وأطبق عليه، يتفاعل بآليات تكاد تكون متشابهة، وفي هذه القصيدة إختصار مكثف لمعنى أن يتقدم البشر نحو الموت مرغما بسبب، وأسباب المنايا لا تعد ولا تحصى.

يبدأ الشاعر قصيدته بالتمني المستحيل، وكأن ما كان قد حضر أمامه حيا نابضا ومتوهجا، فاستشعر طيبته ولذته وقيمته التي ما كان يعرفها من قبل، فقيمة الأشياء الماضية تنبض في وعيه ووجدانه وتستعيد حيويتها وكأنها تطمئنه بأنه من الأحياء.

فيقول:

الا ليت شعري هل أبيتن ليلةً

بوادي الغضى أزدي القلاص النواجيا

فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه

وليت الغضى ماشى الركاب لياليا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى

كزارٌ ولكن الغضى ليس دانيا

هنا يستحضر لذة السعادة القصوى التي أغفلها، فرائحة الحطب وطعم أجيجه وصور نيرانه تتفتح في ذهنه وتشرق في نفسه فيعيشها بعذوبة ونشوة خارقة، وترتسم في وعيه لوحة تلك الأيام بلياليها ومفرداتها ومعطياتها، وما يساهم بإبداعها وتلوينها وتحبيبها وبلوغها ذروة الجمال والإفتنان.

وفي هذا نزوع نحو الماضيات الطيبات، وهو نوع من التحليق والهرب من الواقع الذي يعيشه، والحرمان الذي يقاسيه، وكأنه السمكة التي غادرت بيئتها المائية، وراحت تلفظ أنفاسها، منتظرة مَن سيتلذذ بطعم لحمها.

أ لم ترني بعت الضلالة بالهدى

وأصبحتُ في جيش إبن عفان غازيا

وأصبحتُ في أرض الأعادي بعدما

أراني عن أرض الأعادي قاصيا

وقصة البيتين معروفة، فهو كان جميل الطلعة قويا مهابا، إحترف مهنة قطاع الطرق، فأقنعه سعيد إبن عثمان بن عفان لترك ذلك والتوجه معه لغزو خراسان، ففعل، وكأنه يريد القول أن ثمن إهتدائه أن يكون بعيدا عمّا يحبه ويهواه، أو أنه إرتضى الإنضمام للحملة تعنيفا لنفسه، وتكفيرا عمّا إقترفه من جرائم بحق الأبرياء الذين كان يسلبهم وربما يقتلهم.

 ويظهر الندم واضحا وتأنيب الضمير، وشعوره بأن حياته التي يتهم إبن عفان بخطفها منه كانت أسهل وأهنأ، وفيها ما ينشده ويتلذذ به من القوة والقدرة على إستلاب الآخرين، والإتيان به لأهله وهم فرحون بما غنمه وجناه من المؤن والمتاع.

وكأنه يقارن بين ما كان يجمعه من حرفة قطاع الطرق وما يغنمه في الغزو، والفرق أن ما جناه من الغزو لا قيمة له لأنه بعيد عن الأهل والأحبة، ولا يقدم له شعورا بالقوة والقدرة على التحكم بمفردات الحياة، وما يمنحه محبيه له من مشاعر إيجابية ذات قيمة تلذذية تزيد من حماسته ونشوته.

دعاني الهوى من أهل أودَ وصحبتي

بذي (الطِبسين) فالتفتُّ ورائيا

أجبتُ الهوى لما دعاني بزفرةٍ

تقنَّعتُ منها أن ألامَ ردائيا

أقول وقد حالت قرى الكُرد بيننا

جزى الله عمرا خيرَ ما كان جازيا

الغربة تلتهب وتتأجج في هذه الأبيات التي تنسجر فيها نفس الشاعر وروحه، بما إلتهب من جمر الشوق والهوى، وما كان منه إلا أن يطلق زفرة ألم وحسرة وخيبة، فهي الجواب الأصوب على نداءات الهوى المتوقدة في دنياه، وراح يصف تفاعله مع صرخاته وصيحاته المدوية في أعماقه، حتى صار يخشاها ويتوهم بأنه سيتفاداها بتغطية وجهه بردائه، الذي ربما حسبه قد أجّ من حرارة الحسرات المنتدفقة من تنور صدره.

وحالما تبين له أن المسافة طويلة وأنه أصبح في حالة لا تعينه على الخطو والحياة، إتجه إلى الله الذي يرى أن بيده مقادير مُجازاة عمره الذي أفناه، وها هو على حافة الفناء المبيد.

إنِ الله يُرجعني من الغزو لا أرى

وإن قلّ مالي طالبا ما ورائيا

تقول إبنتي لما رأت طول رحلتي

سِفارُكِ هذا تاركي لا أبا ليا

لعمري لئن غالت خراسان هامتي

لقد كنت عن بابَي خراسان نائيا

فإن انجُ من بابَي خراسان لا أعد

إليها وإن منَّيتموني الأمانيا

وتمثل هذه الصورة حالة التمني المستحيل الذي يعلقه على الله الذي يتمنى أن يشافيه ويعيده إلى موطنه، وتنثال ذكريات لحظة فراقه لأهله وإلتحاقه بالغزو، ويعاتب نفسه ويعنفها، فهو الذي كان بعيدا عن خراسان فكيف به يكون على أبوابها، ويُصاب بما أصيب به من دواعي الموات والإحتضار القاسي، منقطعا عن مشيمة وجوده وحبل وصاله بالحياة التي عشقها وقاتل فيها.

كما أنه يُظهر من المشاعر السلبية والغضب والتذمر المؤلم لأنه تورط بوجوده في خراسان، ولو تجاوزته المنية وتمكن من الرجوع إلى أهله فأنه لن يعود إليها أو يلتفت لذكرها، لأنها أوجعته ووضعته في مواجهة متوحشة مع مصيره المحتوم.

فلله درّي يوم أترك طائعا

بنيّ بأعلى الرَّقمتين وماليا

ودرُّ الظبَّاء السانحات عشية

يُخَبرنّ أنّي هالك مَنْ ورائيا

ودرُّ كبيريَّ اللذين كلاهما

عليَّ شفيقٌ ناصح لو نهانيا

ودرّ الرجال الشاهدين تفتكي

بأمريَ الاّ يَقْصُروا من وَثاقيا

ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتي

ودرُّ لجاجاتي ودرّ انتهائيا

ويعود محاورا نفسه ومطمئنها بأن ما قام به في سبيل الله، فهو خرج مجاهدا في سبيله، وقد حقق هذا السلوك وعبّر عنه بقوة وصدق وإخلاص وإيمان مطلق، لكنه في ذات الوقت يعود إلى موطنه الأصلي ويتذكر الحياة فيه، وأن موته قد أنقذ الظباء من قسوته وكأنها تحتفل بهلاكه، لأنها نجت من سطوته ومهارته في صيدها.

ويمضي على هذا المنوال ليشمل كبيريه والرجال في بلاده، وحتى الهوى الذي يطعمه من نضارة قوته وعنيف ما عنده من الطاقات الفياضة.

تذكرتُ مَن يبكي عليّ فلم أجد

سوى السيف والرمح الرُّدينيّ باكيا

وأشقرَ محبوكا يجرُّ عنانه

إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا

ويرى أنه لو كان بين أهله لبكى عليه مَن بكى، ولكنه يواجه نهايته الأليمة في غربته ووحشته ، ويتصور أن حصانه وسيفه ورمحه ستبكيه فيستعيض بها عمّن سيبكيه لو كان بين أهله وعشيرته.

ولكن بأطراف (السُّمينةِ) نسوةٌ

عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا

صريعٌ على أيدي الرجال بقفرةٍ

يُسوّون لحدي حيث حمّ قضائيا

ولما تراءت عند مَروٍ منيتي

وخلَّ بها جسمي، وحانت وفاتيا

أقول لأصحابيْ ارفعوني فإنّه

يَقّرُّ بعيني أنْ (سهيلٌ) بدا ليا

لكنه في مكان بعيد مقفر خالٍ من الأحبة والمعارف الذين سيشاركون بتشيعه وحمله إلى مثواه، ولا يجد سوى بعض الرجال الذين يعالجون إنحداره نحو حتفه المحتوم، والذي سيحل به بعد ساعات أو بضعة أيام، فهو يشعر بأن الموت أزف وهو ميتٌ لا محالة، ويُقال أنه لُدغ بأفعى أو طُعن في الحرب، فأحس بالموت يسري في عروقه ويخطف قواه وقدرته على البقاء.

ويبدو قد توطنه شعور غريب أن يكون بعيدا عن التراب الذي سيلتهمه ويفنيه، فيحلم بأن يكون مرفوعا أو نائيا عن ملتهمه الشرس، وياليته كان قرب أبعد نجم في السماء، وفي هذا تعبير عن تمام بنيته وجماله، وما يفتعل فيه من نرجسية لا تزال مؤثرة بسلوكه.

فيا صحابيْ رحلي دنا الموتُ فانزلا

برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا

أقيما عليَّ اليومَ أو بعضَ ليلةٍ

ولا تُعجلاني قد تبين شانيا

وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيّئا

ليَ السدرَ والأكفانَ عند فنائيا

وخطا بأطراف الأسنةِ مضجعي

ورُدّا على عينيَّ فضلَ ردائيا

يفترش موتا ويتخيل روحا تفيض من بدنه، ويرغب أن يحفروا له قبرا بالرماح فهو المقاتل المغوار، الذي يأبى أن يُحفَر قبره بالمعاول والمساحي، وفي هذا تعبير عن سمو ذاته وعلو همته، وأنه يواجه الموت بإباء وأنفة وإقدام مقاتل همّام.

ولا تحسداني باركَ الله فيكما

من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا

خذاني فجراني بثوبي إليكما

فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا

وقد كنت عطّافا إذا الخيل أدبَرَت

سريعا لدى الهيجا إلى مَن دعانيا

فطورا تراني في ظِلالٍ ونعمةٍ

وطورا تراني والعِتاق ركابيا

ويوما تراني في رحا مستديرةٍ

تُخَرّقُ اطراف الرماح ثيابيا

في هذه الأبيات وصف دراماتيكي لقبول الموت الذي سيأتيه، ويرغب بقبر واسع، وعليهما أن يأخذانه بثوب ويجرانه كتعبير عن وصوله إلى ذروة التفاعل مع الموت، ففي الحياة كان صعب القياد والمراس ولديه قوة طاغية وقدرة قتالية عالية، ولا يهاب ويندفع للقتال بشراسة وعنفوان، والآن قد خمدت قواه وخارت عزيمته، وما عاد بدنه يتوافق مع إرادته المستعرة، فتجده وكأنه نار ملتهبة تأكل ذاتها وتنتهي إلى رماد، فهو يريد معالجة رماد وجوده كما يتصوّر.

وقوما على بئر السُّمينة أسمِعا

بها الغُرَّ والبيضَ الحسان الرَّوانيا

بأنّكما خلفتُماني بقفرةٍ

تهيل عليّ الريحُ فيها السوافيا

ولا تنسيا عهدي خليليَّ بعد ما

تقطّعُ أوصالي وتَبلى عظاميا

ولن يَعدم الوالون بثّا يصيبهم

ولن يعدم الميراثُ منّي المواليا

وتبدأ المناجاة والمعاتبات الفياضة الحارقة القاسية التي تلهب البدن وتزعزع خلاياه، فيدب شعورٌ ساخن في عروقه يستحضر ذكريات متوافقة مع درجة سخونته.

وكأنه يتخذ من الإسقاط آلية للتعبير عن وجيعه في قفرة وبُعدٍ ووحشةٍ تتناهبه فيها الرياح وتأتيه بما لا يرغب ويحب، ويصدح برجاء التواصل حتى بعد الموت ويأمل بزيارة وتذكر جميل، وإستحمام بالمشاعر والأحاسيس المبثوثة بحرقة وتألّم.

يقولون : لا تبعَدْ وهم يدفنونني

وأين مكان البعد إلا مكانيا

غداةَ غدٍ يا لهفَ نفسي على غدٍ

إذا أدلجوا عنَي واصبحتُ ثاويا

وأصبح مالي من طريفٍ وتالدٍ

لغيري وكان المال بالأمس ماليا

وهنا يتصور أن أصحابه يخاطبونه وهم يدفنونه لشدة تأثرهم بوجيع غربته، فيقولون له لا تبعد، فأنت لست غريبا، ويرى أنهم سيدفنونه ويرحلوا عنه وكأنه نسيا منسيا، وكل ما عنده سيصبح لغيره، وتلك حكاية الحياة بإختصار حزين.

فيا ليتَ شعري هل تغيّرت الرحا

رحا المِثل او أمست بفَلْوَجٍ كما هيا

إذا الحيّ حلوها جميعا وأنزلوا

بها بقرا حُمّ العيون سواجيا

رَعينَ وقد كاد الظلام يُجّنها

يَسُقنَ الخزامى مرّةً والأقاحيا

وهل أترك العيس العَواليَ بالضُّحى

بِرُكبانها تعلو المتان الفيافيا

إذا عُصَبُ الرُكبان بين (عُنيزةٍ)

و(بولانَ) عاجوا المُبقيات النَّواجيا

وتمضي التداعيات ويقظة الذكريات المطمورة في أعماقه، ويتواصل إنثيالها بإندفاقية متسارعة، كأنها تسابق اللحظات لأنه ينحدر بسرعة على سفوح الغاديات، ويقترب شيئا فشيئا من مثواه الأخير.

فيا ليتَ شعري هل بكت أم مالكٍ

كما كنتُ لو عالوا نَعيَّك باكيا

إذا متُّ فاعتادي القبور وسلِّمي

على الرمس أسقيتِ السحاب الغَواديا

ويحسب أن أم مالك ستبكي كما لو بكى عليها إذا نعوها إليه، وبذلك يعبّر عن حبه الشديد لإمرأة قد تكون زوجته التي تركها ومضى غازيا، ويرى أنها ستعتاد على زيارة القبور، لكن قبره في قفرة نائية، ولن تسترشد إليه لأنه سيمحى مع الزمن وبسبب الرياح العاديات.

على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقه

تُرابا كسَحق المَرْنَبانيَّ هابيا

رهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تضمَّنت

قراراتُها منّي العِظامَ البواليا

فيا صاحبا إما عرضتَ فبلِغا

بني مازن والرَّيب أو لاتلاقيا

وكأنه يبلغ صاحبه رسالة إخبار لأهله بأنه قد مات وتم دفنه، فهو رهين الحجارة والتراب وستبلى عظامه ويغيب كالسابقين واللاحقين من البشر.

وعرِّ قلوصي في الركاب فأنها

ستفلقُ أكبادا وتُبكي بواكيا

ويتخيل أن فرسه سيبكي عليه، إن لم يبكه أحد في هذا العالم الذي يواجه الموت فيه لوحده مغتربا في فلاة الله الواسعة.

وأبصرتُ نار (المازنياتِ) مَوْهِنا

بعلياءَ يُثنى دونَها الطّرف رانيا

بعودٍ ألنْجوجِ أضاءَ وقودُها

مها في ظِلال السِّدر حورا جوازيا

غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفرةٍ

يدَ الجهر معروفا بأن لا تدانيا

عند إقتراب الموت تتداعي المشاهد والذكريات، وكأن البشر كان نائما فإجتاحته إنتباهة عارمة عصفت بكيانه وزعزعت أركان وجوده، وأوجعته بطاقاتها التحفيزية المطلبية التي تريده أن ينجز ما لا يستطيع إنجازه في لحظة يقظة الموت.

أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى

به عيون المؤنساتِ مُراعيا

وبالرمل منّا نسوة لو شهدْتني

بَكينَ وفدَّينَ الطبيب المُداويا

فمنهن أمي وإبنتايَ وخالتي

وباكيةٌ أخرى تهيجُ البواكيا

وما كان عهدُ الرمل عندي وأهله

ذميما ولا ودّعتُ بالرمل قاليا

وراح يقيم مأتما إفتراضيا متخيلا يراه شاخصا ومتصاخبا ونائحا على فقده المأساوي المفاجئ الذي ما كان يتوقعه، وأنه ذلك القوي الشجاع العامر البنية والهيئة والجمال، وإذا به يتهالك ويتهاوى فوق التراب، وكأنه يجذبه ويسعى لإلتهامه وإبادة وجوده المادي فوقه.

وفي هذه المرثية الذاتية يعبّر عن مراحل الموت التي دبّت في عروقه وصاغها بمهارة شعرية، إستلهمت واقع مكانه وزمانه، وأرّخت لرحلته التي إنطلقت من الضلال إلى الهداية، ومن فعل الشر إلى الجهاد في سبيل نشر الدين والتضحية في سبيل الله، وقد أجاد بروحه من أجل ذلك الهدف السامي النبيل.

وتلك محاولة لقراءة القصيدة بمنظار نفسي وإقتراب مكثف ومختصر، أرجو أن يكون موفقا ومنصفا لهذه القصيدة العصماء!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم