قراءات نقدية

المقولاتُ الكونيَّة الكبرى في شعر: د. ريكان إبراهيم

وليد العرفي تسعى هذه المقاربة إلى استكناه المقولات الكونيَّة الكبرى في شعر د. ريكان  إبراهيم التي وجدنا أنها تتمحور في المقولات التالية:  القيامة، الموت، الزمان والمكان والحب، وهي تقوم على تسلسل ذات نسق تصاعدي يتدرج وفق قانون الحياة ونواميس التخلق، إذ تسلم كل مقولة إلى أخرى، وهو ما سيكون محور هذه الدراسة التي ستتبع النصوص في مسارها الأفقي والعمودي بعيداً عن ارتباطها بالارتهان الزمني، ذلك أنَّ قضية الزمن ربما تكون حالة عابرة غير مرتبطة بحقيقتها الواعية للظرفية التي يقولها الشاعر، إذْ كثيراً ما يقفز الشاعر فوق ليتجاوز الزمن بمقولاته، ومن هنا تظهر أهمية البحث في هذه المقولة بعيداً عن التأريخ، وإحالاته المرجعية التي تكشف عن ظرفية إبداع القصيدة وآنيتها

المقولة الأولى: مقولة القيامة:  

تُحيل على مرجعية ترتبط بالفكر الديني الإسلامي الذي يرى أنَّ القيامة تحقيق لعدالة مفتقدة في الحياة الدنيا، وعلى هذا يؤسّس الشاعر مقولته التي بدت بظهوراتها اللغوية عبر تكرار تركيب فعلي جاء في الزمن المضارع: (أحبُّ القيامة) ما شكّل لازمة أفادت التأكيد من حيث اللغة بوقوع الحدث، وكشفت عن توق الشاعر إلى تحقّق ذلك المشهد الذي يصوّر مشاهده كما وقرت في الذاكرة الدينية التي جاءت في توصيف القرآن الكريم لمواقفها في غير آية يقول: 

على هولِها..

أُحِبُّ مَشاهدَ يومِ القيامة

أُحِبُّ الجِبالَ إذا سُيِّرتْ

وشمْساً إذا كُوِّرتْ

أُحِبُّ العِشارَ إذا عُطِّلتْ

أُحِبُّ انكدارَ النجوم...

فيومُ القيامةِ عُرْسُ الإلهِ

على اليابسةْ

وفي آخِرِ العُرسِ تنطفئُ الأضويةْ

ويخلَعُ عُرسانُهُ الأرديةْ

وفي المقطع الثاني يرد الشاعر على تساؤل يفترضه لماذا تحب القيامة على هولها؛ فيأتي الجواب مُعلّلاً ذلك الحب بـ:

أُحِبُّ القيامةْ

لأنَّ القيامةَ حَقٌّ تحقّقَ،

يعني: انتَصرْ

وقد عِشتُ عُمْراً ولم أرَ حقّاً

على باطلٍ ينتَصرْ

إن تطلع الشاعر إلى انتصار الحق سبب من تلك الأسباب

أُحِبُّ القيامةْ

لأنَّ الجِبالَ التي أفحمتْني بقاماتِها

ولمْ تَحْنِ هاماتِها

أراها تسيرُ أمامي ذليلةْ

وقد أعْدمتها النهايةُ كُلَّ وسيلةْ

فما عادَ فيها الشموخُ ولن تدّعي الكبرياءْ

وما من قويٍّ أمام القضاءْ

ورغبة الشاعر في رؤية الجبارين، وممن رأوا في أنفسهم العظمة التي لا نهاية لها سيخضعون رقابهم سبب آخر لتلك الرغبة في مشاهدة القيامة

وهكذا تتوالى تلك الأسباب عبر متواليات إشارية تربط بين الرغبة، والسبب وفق المتواليات الآتية:

الحبُّ ــــــــــــــــــــــ تكوير الشمس

أُحِبُّ القيامةْ

ففيها أرى الشمسَ قد كُوِّرتْ

وكانتْ إذا أشرقَتْ أحرَقتْ

وقدْ أحرقتْ لي ثيابي

ولكنّها اليومَ باردةٌ مثلَ خَمْرِ

الخوابي

تُفتِّشُ عن كُوّةٍ من ضياءْ

وعن آمِنٍ من مكانْ

لتخلَعَ عن قُرْصِها العُنفوانْ

الحبُّ ـــــــــــــــــــــــــــ تعطيل العشار

أُحِبُّ القيامةْ

لأنَّ العِشارَ بها عُطِّلتْ

وكانت إذا ولَدتْ تَلِدُ الفاجرينْ

فيزدادَ كُفْرٌ

ويُزهِرَ عُهْرٌ

وتزدحِمَ الأرضُ بالساقطينْ

الحبُّ ــــــــــــــــــــــــــ تغيير طبيعة الكون

أُحِبُّ القيامةْ

ففيها يُغادِرُ تلكَ النجومَ الضياءْ

ويَسودُّ وجهُ السَماءْ

ويعتذرُ البدْرُ عن نورهِ

ويُطفئُ مِصباحَهُ في حَياءْ

الحبُّ ـــــــــــــــــــــــــ إحقاق العدل

أُحِبُّ القيامةْ

لأنَّ القيامةَ  عُرْسٌ لكلِّ مُعذَّبْ

ويومٌ به يأخذُ الضُعفَاءُ

جميعَ الحقوقِ من الأقوياءْ

ويحبو به الظُلمُ حَبْوَ الرضيعِ

أمام الفَناءْ

الحبُّ ـــــــــــــــــــ الخلاص

أُحِبُّ القيامةْ

لأنَّ القيامةَ تَعني القيامَ

من الذُلِّ في كبْوةِ الصادقينْ

الحبُّ ــــــــــــ حقيقة

أحِبُّ القيامةْ

لأنَّ قيامَ القيامةْ

دليلٌ بأنَّ هناكَ قيامةْ

وإلّا فلن ينتهي العُهْرُ يوماً

ولن يكتسي فاجِرٌ بالندامةْ

وهكذا تتبدّى مقولة القيامة لدى الشاعر بوصفها إحدى المقولات الكبرى في مصير الإنسانيَّة والكون .

مقولات: الزمان والمكان والحب

تُشكّل مقولة الحب محور العلاقة الإنسانية التي تربط الإنسان ببني جنسه من جهة، وبالأشياء المحيطة به من جهة أخرى، وعلى هذا التأسيس المحور يكون الحب نقطة ارتكاز الكائن البشري في تعامله مع الواقع المحيط، وهو ما يبدأ الشاعر عليه نصه الذي يبدأ بإحالته المكانية بالجار والمجرور الذي يجعل من الحب بوابة لاستجذاب المكان الذي يحبُّ:

في الحُبِّ يتّخِذُ المكانُ له مكاناً مُستطابْ

حيث الغيابُ له حضورٌ والحُضور بلا غيابْ

وتدورُ فوق رؤوس ِ مخمورينَ فاكهةُ المكان

وإذا كانت العلاقة العاطفية بالمكان غير منتهية ؛ فإنها تمثل ظاهرة أزلية منذ أن عرف الإنسان الحل والارتحال في مفازاته، فالحبُّ ارتباط وارتهانٌ للمكان الوجود، وهذا الوجود لا يُمكن أن يكون خالياً من دون علاقته بالزمن الذي يجعل للمكان ماهية واستقلالية، وإن تغيَّرت فيه المعالم، أو تبدّلت فيه الأشياء، وما الوقفة الطللية التي اشتغل عليه الشعر القديم غير إشارة إلى ذلك الارتباط، وتلك الحقيقة التي جعلت من المكان شيئاً من الفردية والذاتية التي تبقى حبيسة انغلاق في المكان مهما ابتعدت عنه:

والحُبُّ ظاهرة لها بَدءٌ وآخِر كُلِّ ذي بدءٍ

مسافاتٌ يُقاُسُ بها الزمانْ

هو كائن ٌ حيُّ اذن، وسفينةُ الزمكانِ

مبحرةٌ به نحو الشموخِ أو الهوانْ

قد كان قبلَ الآنَ لا موجٌّ يهيد ولا شواطئٌ تقترِبْ

لكنهُ زمنٌ مضى، والأمنياتُ كما يحِبْ

وعليه، مهما اعتلَّ مٍمّا فيهِ، أنْ يجدَ الطريقَ الى المكانْ

مَنْ يقتدي بمنِ ألمكانُ أم الزمانْ؟

فأنا حضرتُ وأنتَ لم تحضَرْ

فعاتبني الغيابُ على حضوري

وأعارني ثوباً لأستُرَ سَوْءتي

وأخيطَ فتْقاً في ضميري

يا حُبُّ أيُّ المِيتَتيْنِ تُحِّبُها

موتي أمِ الزمكان في هذا السعيرِ

يبدو السؤال هنا بحثاً عن حقيقة ثالوث المكان الزمان الحب، تلك المفهومات التي قد نعي ألفاظها من دون أن ندرك حقيقة ماهيتها بالنسبة إلينا ما دامت فينا مسكونة إلا أن افتقاد أي منها يجعلنا في حالة انكسار وبحث عنها:

لا شيءَ أرقى في الحياةِ من أمتلاءِ

فراغِ كأسِكَ بالبياضْ

إنَّ البياضَ بدون ألوانٍ هو الألوانُ

أجمعُها وسَيّدُ كُلِّ أزهارِ الرياضْ

وفراغُ كأسِكَ صُورةٌ غنّاءُ من صُورِ المكانْ

بل لوحةٌ تحكي لياليكَ المِلاحَ

وتستعين على ضياعِكَ بالزمانْ

هذا هو الزمكانُ،فاحذرْ أنْ تُحِّبَ

وأنتَ خارجَهُ فتخسَرَ في

الرِهانْ؟

وأمام عدم يقين الشاعر من إكمال تعريفه لذلك الثالوث يستعين بالتمثيل في محاولة إضافية لتجسيد المعنى، وتعميق الدلالة، إذْ يُدخل عنصر الرسم باستخدام أحد عناصره البارزة (اللون الأبيض)الذي يُشير إلى "استثارة ذكريات ضائعة مع الإحساس يكون اللون عندئذ قوَّة رمزيَّة"1.

واللون الأبيض في المعرفة السائدة رمز النقاء والصدق، وهو  يُمثّل البداية في مقابل النهاية، والألف في مقابل الياء" 2 .

وبإحالته الرمزية يتبدّى الشاعر رسّام لوحة يتخلّق فيها الوجود في لحظة العدم والعطالة إلا من التأمل الميتافيزيقي في طبيعة الخلق ؛ فالفراغ هنا ليس الفراغ الخالي، إنه فراغ الامتلاء، وهو لحظة عابرة الفكر إلى اللافكر، والانعتاق من الحالة الجسمانية إلى الحالة الروحية التي ربّما تتحقّق بفعل مادي يستغوي الشاعر فيه هذا التحليق ؛ ليعيش حريته في لحظة متجاوزة عابرة للزمان والمكان، ولكنها قابضة على جمرة الحب رغم آلامها .

أتُريدُ مِنّي أنْ أُلخِّصَ ما أقولْ؟

حسناً ...أقولُ لكلِّ حُبِّ، كي يُسمّى الحُبَّ

شرطٌ في الزمانْ،

حُبٌ أتاكَ مُبكِّراً طفلٌ رضيعٌ لا يُحصِّنُه وقارْ

واذا أتى متأخراً يبدو كساقطةِ الخريفِ من الثِمارْ

ولكي يُسّمى الحُبُّ حُباً فهو يختارُ القلّوبَ له مكانْ

الحُبُّ مثلُ قصيدتي هاذي، بَدتْ في صدرِها

سوداءَ مُعتِمةً ومبهمةَ البيانْ

لكنّها في ذيلها فرُجتْ، كذاك الحُبُّ يبدأ معتماً ليصيرَ

آخِرُهُ جميلاً في النوايا والعبارةِ واللسانْ

وفيما يبدو أنه استدراك من الشاعر في يقينه أنَّ ذلك الثالوث لم يصل في حدوده المعرفية إلى المتلقي يضع الشاعر خاتمة ونتيجة لما قدَّم ؛ فيبين أن الحبَّ لا زمان لمقدمه، وهو في كل حالات قدومه مرتهن بالزمان، وله اشتراط العمر، وهو من دون شك حالات وظروف عابرة بين إحباط ويأس إلى أمل وفرح يرى الشاعر أنَّه نهاية الحبّ، وهنا أودُّ أن أشير إلى أمرين: الأول: فرض الشاعر على متلقيه قانونه الذي ير أنَّ نتيجة الحب هي تحقيق الانفراج في الخاتمة، وهنا أسأل هل كل حبٍّ يودي إلى هذا المصير، وتلك المآلات ؟ وكم من قصّة حبٍّ قديمٍ ومعاصر انتهت بالمأساة؟  مع إدراكي أنَّ الشاعر قصد الحب بمفهومه العام،لا الحب العاطفي غير أنَّ الحبَّ العاطفي الذي أعنيه هو أكثر تأثيراً في النفس من غيره من أنواع الحبّ الأخرى على قدرتها وتأثيرها في النفس .

الأمر الثاني وهذا أمر  كنت أتمنَّى على الشاعر: ريكان إبراهيم، وهو العارف لو أنه تخلَّى عن التعليل الأخير بتحديد موقع الحب بأنه في القلوب، إذْ لا مكان للحب إلا القلب،فقوله:

(ولكي يُسّمى الحُبُّ حُباً فهو يختارُ القلّوبَ له مكانْ)

يبدو هذا التعليل إضافةً غير مبرّرة، وكأنَّ هذا السطر قد جاء مُقحماً يُمكن حذفه من غير أن يتأثَّر السياق بتجاوزه، علاوةً على أنًّه جاء شعريّاً أقل من السياق الوارد فيه ما جعل ريشته المُعلّلة التي بدأت بلكي الثقيلة لغةً وتفسيراً تُضعف تحليق النص، وتهبط بجمالهِ الفنيّ .

مقولة الموت

لا بدَّ أنَّ التفكير بالموت من أكثر الموضوعات بُعداً عن النفس على الرغم من أنه حق، وأنه كأس دائرة على كلِّ إنسان، وهو ما أكَّده البيان الإلهي في كتابه الكريم كل نفس ذائقة الموت، مثلما عبّر عن تلك الحقيقة كعب بن زهير  بقوله:

كلُّ ابنِ أُنْثى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ           يوماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ3

والسؤال الذي يجد المرء هنا أمامه لماذا يتطرق الشاعر إلى موضوعة الموت، وما أسباب رثاء الذات لدى الشاعر المعاصر؟ وللإجابة عن مثل هذخ الأسئلة لا بدَّ من معرفة السيرة الذاتية التي دفعت الشاعر إلى هذا النوع من الموضوعات من مرض عارض، أو حالة نفسية عابرة، ولأننا نجهل تلك العلاقة ؛فإنني سأتجاوز ذلك إلى يقينياتي الكبرى التي هي قواسم مشتركة لتماثل الواقع والموقف بين البلدان العربية، وحالاتها المأساوية فيما آلت إليه أمور البلاد والعباد ما يدفع إلى التفكير برثاء الذات التي تعيش الموت وتراه حقيقة ملموسة، وواقعاً معيشاً في كل يومٍ في مسلسلٍ دموي يكاد لا تنتهي حلقات دراميته في استنزاف طاقات الإنسان الذي يجد نفسه لا حول ولا قوّة إزاء مجريات الأحداث وتسارع  حوادثها  يقول شاعرنا ريكان إبراهيم متسائلاً:

لمن باق؟ وقد عز البقاء

            وأصبح أنجع الحل الفناء

تغزل بالذي ولى وجهز

              لآ تيك الرثاء كما يشاء

كفى بك موريات القدح عزما

           وحسبك أن يخلّدَك العطاء

على متنيك قد رقصت هموم

         وامحل عارض وزها شقاء

يبدو الشاعر بحدسه الفطري أنه استشعر ذلك السؤال فراح يجيبنا عن دوافع هذه المرثية التي يوضّح أسبابها ما بين أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تشعَّبتْ بدورها ما بين المادية والروحية:

وفي عينيك من سهر الليالي

         قذى وبريق شمعتك انطفاء

بمثلك كان لا يأتي خريف

          ويخجل من رعونته الشتاء

كأن الكون أجمعه ربيع

          وهل بعد الربيع يطيب ماء

إنها معادلة الحياة التي إنْ تساوت في ميزان إنسانها الأشياء الجميلة والقبيحة فقدت معانيها، وكأني بالشاعر هنا يستدعي قول المتنبي في تمثّل تلك الحقيقة مع إضافات للشاعر يربطها بالبعد الديني حين لا يكون من وسيلة لدى المرء إلا الدعاء والتضرّع إلى الله:

وَمَا انْتِفَـاعُ أخـي الدّنْيَـا بِنَاظِـرِهِ     إذا اسْتَوَتْ عِنْـدَهُ الأنْـوارُ وَالظُّلَـمُ4

 واجهض بارق الحلم المساء

  فدعها مثلما ولدتك تأتي

      ولا تلحف اذا استعصى دعاء

كما يستدعي النص القرآني لتمثل الحالة وإسباغ العبرة بأبعادها الدينية ؛ لما للمعتقد الديني من مكانة مهمة واعتبار في تحقيق الغاية بالإقناع للفكرة التي يريد الشاعر إبلاغها:

أتذكر يوم قد آنست نارا

        وحين بلغت خادعك الضياء

على شفة العطاش أدرت راحا

         لمن سألوا وهم جدب ظماء

وفكرة الدواء من جنس الداء تحيل الذهن إلى قول أبي نواس:

                     ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ 5 

فصرت اليوم وحدك تتقيها

            وداؤك في مآسيها الدواء

اذن صعر اذا جارت، خدودا

             فقد تعني التكبر  كبرياء

لمن باق؟ فلا ساقٌ لأنثى

            ولا ساقٍ فيدركك انتشاء

وبينك والسراب حسبت ماءً

               ملائكة العذاب الأنقياء

وأمام هذا الواقع يتراءى للشاعر أنه لا بدَّ من الزهد في هذه الدنيا الفانية كيف لا؟ وها هو يكشف عن افتقاد جماليات الحياة فيها، فلا أنثى تبهج بوجودها وجه الحياة العابس، ولا كأس يُسلي الهموم، ويُفرّج الغموم،إنها مجرّد توهمات رؤية تبين وجود الفرح، وهو بعيد المنال، وإذا كان ليس بالإمكان تغيير الحال؛ فإنه لابدَّ من التوافق والتكيّف مع الواقع، وهو من دلائل الذكاء الطبيعي التي تُوجب على الإنسان أن يتكيّف مع الظروف المحيطة به . ولهذا نجد دعوة الشاعر التي جاءت بصيغة توجيه وأمر يُرشد الآخر إلى ضرورة القناعة بما هي فيه، لا كما يريد ويتمنَّى:

لقد كانت كما شاءت فكنها

           كما قد شئت يملؤك الإباء

ولا تخصف فقد بانت فهانت

           وما من عورة ستر الحياء

ويا ذاتي رثيتك قبل موتي

           فبعد الموت مالي أصدقاء

وهكذا يمازج الشاعر في نصّه الرثائي بين الذات والآخر، فكانت مرثيته مرثية عامَّةً لم تنغلق على حدودها الذاتية، بلْ كانت مرثية بمعناها الشمولي العام رثاء واقع وحالة عامّة من رثاء الذات . 

 

د. وليد العرفي

.....................

1-  الفن والشعور الإبداعي: غراهام كولبير  تر: منير صبحي الأصبحي، وزارة الثقافة، دمشق،  1983 م، ص 250 .

 2- ينظر: اللغة واللون،  أحمد عمر مختار، عالم الكتب،  القاهرة، ط 2، 1997 م، ص   186 .

 3-  كعب بن زهير (الديوان) اللام .

4-  أبو الطيب المتنبي: أحمد بن الحسين (الديوان) قافية الميم .

5-  أبو نواس  الحسن بن هانىء (الديوان) الهمزة 

 

 

في المثقف اليوم