قراءات نقدية

تنمية الاحساس الوجداني والفكري في قصيدة (حيرة) ليحيى السماوي

علوان السلمانالنص الشعري.. اشتغال على البنى اللغوية والصورية والايقاعية (الداخلية والخارجية) لما يمتلكه من طاقة ايحائية وقدرة تفجيرية مستفزة للذات الآخر ونابشة لخزانته الفكرية.. باستثمار التداعي والتفاصيل اليومية لاضاءة العوالم المعتمة بالفاظ متوهجة بعيدة عن الضبابية والغموض ببناء درامي متصاعد.. مقترن بالتحولات المجازية والجمالية باعتماده على ممكنات التخييل الخصب واصطياد اللحظة الواقعية ومزجها به من اجل خلق صوره النابضة بمشاعر منتجها..

وباستنطاق النص الشعري (حيرة) الذي انتجته ذهنية  الشاعر الواعية والمترقبة لواقعها يحيى  السماوي  ونسجت حروفه صورا مشهدية مستفزة.. تعنى بالايماءة الخاطفة المركزة التي تقول الكثير من المسكوت عنه بدرامية اتخذت المناجاة النفسية تقنية لها.. مع توافر عنصر الادهاش والابتكار وتجاوز المألوف والجرأة في تناول الوجع الانساني (سياسيا واجتماعيا..) بتوظيف الرمز التاريخي الذي اضفى على النص نوعا من المفارقة:

سـأظـلُّ مـشـنـوقـاً بـحـبـلِ

الأسـئـلـةْ :

 

الـدارُ ثـكـلـى

والـمـديـنـةُ  أرملـةْ

 

وطـنٌ تَـسَـيَّدَهُ الـلـصـوصُ

وعـاقـدو صـفـقـاتِ نـصـفِ الـلـيـلِ

والـمُـتَـجَـلـبـبـونَ بـطـيـلـسـانِ "  الـبـسـمـلـةْ "

 

فـإذا حُـفـاةُ الأمـسِ بـاتـوا الـيـومَ أسياداً

بـأرفـعِ منزلةْ

فالنص يعتمد السرد الشعري كي يرتقي من التعبير الذاتي الى افق موضوعي يتميز بعمق الرؤية التي تتسم بواقعية تسجيلية مع اشتغال على سايكولوجية الذات انطلاقا من معطياتها وسلوكها النفسي وتحولاتها.. اضافة الى ذلك يسجل المنتج (الشاعر) لحظة حركة الواقع ويرصد متناقضاتها باعتماد المشهد الذي ينتزع اللحظة ويسجلها بعناية متناهية بلغة واعية مرتبطة بمشهدية متعاقبة مبنية على الحوار الذاتي الذي عزز عنصر الدراما..ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة..والنص الموازيparatexte والعتبة التي تحتضن عوالمه.. والمفتاح الاجرائي في التعامل مع متنه في بعديه الدلالي والرمزي:

حـتـى مـتـى يـبـقـى عـلـى الـتـلِّ الـجـيـاعُ

مُـحَـدِّقـيـنَ بـسـارقـيـهـمْ

مُـكـتـفـيـنَ بِـشـهـرِ سـيـفِ " الـحَـوقـلـةْ " ؟

 

ولِـمَ اسْـتـحَـلـنـا لا نُـمـيِّـزُ بـيـن " حلاّجٍ " وحـجّـاجٍ "

وفـلاّحٍ وسـيّـافٍ

ولا بـيـن " الـحـسـيـنِ " و " حـرمـلـةْ " ؟

 

فـمتـى تـفـيـقُ مـن الـسـبـاتِ  جـمـوعُـنـا

الـمُـسـتَـغـفَـلـةْ !

فالمنتج(الشاعر) يحاول تحفيز الوعي الانساني مع تركيز على موسقة الالفاظ الموحية والتراكيب الجملية المكثفة التي تكشف عن الجوانب النفسية من خلال حوار الذات..فضلا عن تنمية الاحساس الوجداني والفكري من خلال الصورة الشعرية  التي تقوم على آليتي (المكونات والسمات) من جهة ومن جهة اخرى تجاوزها الى ما هو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي وهو يجمع ما بين الحسي والذهني بتشكيل بصري..ونبر ايقاعي جاذب ورؤية واعية مبنى ومعنى..ناثرا تفعيلاته للاقتراب من الحداثة الشعرية..القائمة على الاستدلال باعتماد تقنيات فنية واسلوبية كالتنقيط دلالة الحذف والاستفهام التحريضي الباحث عن جواب مع توظيف الرمز الذي يسهم في تصعيد التكنيك الشعري وتوسيع مديات التجربة الشعرية باستدعاء المستهلك(المتلقي) لتحريك ذاكرته والكشف عن ابعاده الفنية والانسانية.. اضافة الى اتصافه بالتعابير السردية(الحدث والشخصية والحوار بشقيه(الذاتي والموضوعي)..فضلا عن اعتماده خطابا سرديا يتسم بالواقعية التسجيلية المتميزة بالحركة مع اتساع جغرافية المكان البؤرة الثقافية الراصدة للموقف الاجتماعي..

وبذلك قدم المنتج (الشاعر) نصا شعريا شكل دفقة شعورية موجزة العبارة متميز بانسياب صوره المتوهجة مع تركيز على الانزياح والدلالة..باعتماد رؤية متشابكة بينه والواقع بكل تمفصلاته الخالقة لمشهد  ينتزع اللحظة ويسجلها بعناية متناهية مبتدءا بضمير المتكلم من خلال حوار ذاتي وحركة الزمن الخفي..

 

علوان السلمان

 

 

في المثقف اليوم