دراسات وبحوث

آدم في القران / جعفر المزهر

فكل ما يقع تحت البحث يلزم الباحثين فيه بالدقة الموضوعية، والتي يكون أساسها الوثيقة المقطوع بصدورها، فعلى مستوى البحث لا يقبل من الباحث ان يقول سمعت أو هذا هو الشائع بين الناس، وعلى مستوى التحليل فهناك مناهج بحث يلتزم بها من قبل الباحثين الذين يرومون الحقيقة واهمها التحليل الاستقرائي والذي لا يخضع للمزاج الذوقي أو الأيديولوجي، فإذا خضع اي موضوع لهذين المزاجين يصبح دعاية وعمل حزبوي أكثر منه عمل بحثي يسعى إلى التنوير . 

 

وعلى ضوء ما تقدم اقدم محاولتي في طرح آدم القراني الذي هو بالضد من آدم الشعبي والمتداول بشكل ساذج في بعض الاوساط، وهذه المحاولة مستوحاة من سياق الثقافة العلمية والاكاديمية باتجاهاتها المختلفة، بمعنى أنها ليست حكرا على الدينيين كما يروم البعض تصويرها أو انها ثقافة دون مستوى ثقافة المتون الأخرى  كما يروج بعض العاجزين . الاستشراق والجامعات العريقة الاوربية منها قبل العربية  قد تناولتا موضوعات القصص القراني وعلومه، فمن ماسنيون إلى كوربان وكارزيه وصولا إلى عبد الرحمن بدوي ونصر حامد ابو زيد وعشرات الاكاديميين غيرهم اهتموا بموضوعات القرآن وعلومه لأنه كتاب سماوي يستحق العناية والدراسة كما تستحق الكتب السماوية الأخرى هذه العناية، وما زالت كليات الفلسفة واللاهوت في اوربا توليهما اهتماما كبيرا وتفرغ كثيرا من الباحيثن لدراستهما ؛ بهذا اقطع الطريق على الذي يدفعه عجزه الثقافي عن دراسة القران بشكل علمي جيد ان يدعي علينا بأننا نتناول موضوعا غير ذي قيمة معرفية .

 

ادم وزوجه من الجنة إلى الأرض  

 قال الله تعالى (أني جاعل في الأرض خليفة)

تشكل هذه الآية الكاشف الرئيس لعلية الخلق، فالله تعالى وقبل  أن يعلن لملائكته المقربين عن آدم حدد فلسفة الخلق التي تقوم على خلافة الأرض أي تعميرها اجتماعيا وماديا وهذه الآية تبين لنا ان ليس هناك فراغا أو حراكا مستقبليا غير واضح الملامح في مسيرة الخليفة الإنسان. فالله بجعله الإلزامي الواجب هذا، اوضح ان الإنسان سيخلق للأرض، فلا التباس ولا ترد ان الإنسان وأبو الإنسان ادم خلقوا للأرض وليس هناك فوضوية أو تردد من قبل الله تعالى في ان الارض هي موقع آدم بعد خلقه .

 

حوار الملائكة وإبليس مع الله  

السائد في الثقافة والمخيلة الشعبية ان آدم كان عارفا وملما بالحوار الذي دار بين الملائكة وإبليس وبين الله مع ان القرآن يشير بشكل واضح وقاطع ان الحوار الذي تم بين الملائكة وبين الله كان قبل خلق ادم ؛  

(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)؟ قال : (إني أعلم ما لا تعلمون).  

الآية هنا تشير وبشكل جلي على ان الحوار تم قبل خلق ادم مما يعطينا بيانا واضحا للحالة التي كان عليها آدم وانه لم يكن عارفا بالحراك والصراع الذي كانت تعيشه الملائكة ومعهم إبليس اتجاه هذا المخلوق الذي أمروا  ان يسجدوا له بعد خلقه مباشرة، وآدم وفق عدم معرفته لم يكن مهيئا لثقافة خوض الصراعات وحيلها، وحتى عندما حذره الله تعالى نسي هذا التحذير لانه كان بلا تجربة فعلية، قال الله تعالى " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " هذه الآية تشير بشكل واضح للخمول الذي كان يلف حياة ادم الفكرية لانها حياة بلا تراكمات وصراعات الخير والشر، فهو كان يرى الحياة بعين وردية وقريبة من خالقه الذي هو عنده كل شيء، ولهذا لم يجهد نفسه بالحفاظ على العهد أو التحذير الذي حذرهُ به الله تعالى، ونسي لانه كان يعيش مرحلة الخير المطلق قال تعالى (إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى * وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) هكذا كانت حياته في "جنة الإعداد " التي أوجده الله فيها قبل انتقاله المحتوم إلى الأرض بدلالة أية (أني جاعل في الأرض خليفة).

 نعم حركية هذا الإعداد تُرك ادم فيها يجرب قدراته أمام مخلوق آخر هو إبليس والذي يتمتع بمعارف كثيرة مما جعلته يتمرد حتى على الخضوع لأمر الله تعالى في السجود لآدم (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) هذي هي حياة ادم وزوجه في بدايتها، فهي حياة محدودة بقدرتها التخيلية وشبيهة بقدراتها المحدودة حياة الاطفال الذين ينسون ويترددون ويثقون كثيرا حتى بالذي يكذب عليهم . هذا ليس تلاعبا لغويا مني بل هو كشف لدلالات نصوص قرآنية في هذا السياق  – سآتي على ذكرها – تتناول الغواية في قصة ادم وزوجه ومقدمات الانتقال إلى الارض وعمارتها وتحدي صعابها بخيرها وشرها . 

 

 ادم  وزوجه والغواية 

يسود بين الحكواتيين وجداتنا حكايات غرائبية  عن ادم وزوجه تصلح لليالي شتاء ما قبل ابتكار الراديو والتلفاز، حكاية فيها تفاح وتغنج واغراء وتواطئ من "حواء" مع إبليس للإيقاع بآدم، حكايات تصور آدم وزوجه قبل الغواية الابليسية: عراة، مسلوبي الشهوة الجنسية، وبعد ان أوقعهم إبليس في حباله أصبحت الشهوة تضطرم في داخلهم وتشيط نار الجنس في رأسيهما، واصبح آدم وزوجه – حسب الحكواتيين - فيما بعد يبحثان عن ورق لستر عورتيهما اللتان لم يكونا يعرفانهما؛ هذه هي حكايات ليالي شتاء ما قبل التلفاز والراديو . المشكلة لا تكمن في الحكاية، فهي حكاية تحكى وستبقى تحكى، لكن المضحك المبكي ان الحكواتيين هذه الايام عنيدون جدا بسبب الانفتاح والقدرة التكنولوجية  التي جعلت الكل يطمح بان يصبح مشهورا على حساب الحقائق وطرق معارفها .

 

يجمع المتخصصون بفن القصص ان القران استخدم بقصصه السرد الموجز والذي يتجسد من خلال الإحكام المبرم لثيمة الموضوع الأساسية  من اجل حتى لا يقع المتلقي داخل مجسات التأويل على مستوى اصل الحكاية، مع تناول لبعض  أطراف  الحكاية وتشعباتها الدرامية والتي يكون التأويل فيها متاحا لانه لا يؤثر على اصل الحكاية وصدقيتها وهذا بينٌ  في كل موضوعات القصص القراني، في قصة نوح وموسى وأيوب ويوسف إلى آخره من قصص قرآني، وفي قصة آدم كانت ثيمة الموضوع تنصب بالأساس على تجسيد حق الطاعة لله من قبل الملائكة ومن قبل  آدم وزوجه، واللذان سيمثلان النواة الاولى للانسان  على الأرض بعد ان يطأها آدم وزوجه . فالقصة لا تبدأ بواقعة الإغواء  – كما توهم البعض –  لان الغواية ليست الثيمة الاساسية، بل هي موضوع هامشي بالنسبة لعمق القصة وثيمتها، فالثيمة الاساسية في القصة تشتغل على مفهوم  حق الطاعة لله، والذي لابد على الكل ان يسلكوه، وقد بدأت دعوة الله لتحقيق طاعته بالملائكة قبل آدم وزوجه لأن الملائكة سابقون على الإنسان بالخلق وهم شهود  عملية خلق الإنسان وعظمتها من من قبل الله، ولقد بين الله الإرهاصات الحوارية الأولى بينه وبين ملائكته حول ماهية مخلوق الأرض الجديد، قال تعالى (وإذ قال ربك أني جاعل في الأرض خليفة) في هذه الآية يتم إبلاغ الملائكة الذين كانوا متحصلين على دراية مسبقة بان الأرض هي دار للتناحر والاختلاف والاقتتال (قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء) مع طموحهم الذاتي في ان يبقوا هم وحدهم عبادا لله وهذا واضح في ذيل الآية (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فكان جواب الله النهائي (أني اعلم ما لا تعلمون)   بعدها طلب الله تعالى الاذعان وتحقيق طاعته من قبل ملائكته المقربين عندما خلق ادم  (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا)  بهذا تم التسليم وتحقيق الطاعة من قبل الملائكة لله، ولم يلتف الملائكة على هذا السجود باعذار بل هم حققوا الطاعة كما يريد الله وتقتضي حكمته (إلَّا إبليس أبى واستكبر  وكان من الكافرين)  هذا هو الشق الأول من ثيمة القصة الذي قام على بعدين بعد تجسدت فيه طاعة الله على أتمها من قبل الملائكة وبعد انكشف فيه تضخم ذات إبليس الذي جعله لا يستجيب لطاعة الله وهو العارف بحقه على أتم وجه .  أما الشق الثاني في ثيمة القصة الأساسية  يقوم على تبيين الأسباب التي أدت بآدم وزوجه لعدم الامتثال والطاعة، ولقد كان الله قبلها قد أخبرهم بأخذ الحيطة والحذر من احابيل الشيطان وان لا يقعوا في شراكه (فقلنا يا آدم إن هذا – أي الشيطان – عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) والتحذير من الشيطان كان هو مطلع  عهد الله لآدم  (ولقد عهدنا لآدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) وتتمة العهد كانت (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)  فطاعة الله التي طُلب تحقيقها من ادم وزوجه هي عدم الاقتراب من الشجرة المنهيان عن الاقتراب والأكل منها مع تحذيرهم من ان يغويهم إبليس  .

 

تنويه  

– لم يشر القران إلى نوع الثمر الذي تنتجه هذه الشجرة وترك للمتلقي ان يتخيل نوع هذا الثمر، فله ان يتخيل تمر، تفاح، نبق، رارنج، بحسب ما تتفجر به مخيلته ! لكن ليس لهذا المتلقي ان يتفذلك ويفرض ما سمعه من الجدات في ان هذا الثمر رمان او تفاح حامض او حلو، وإذا خالفه احد ادعى عليه بالتخلف او الرجعية او التبعية – .

 

 أسباب  عدم امتثال آدم وزوجه لحق الله وعهده؟

هناك إلتباسات يقع به الحكواتيون وغير الباحثين العلميين في النص القراني، وتقع هذه الإلتباسات على عدة أشكال في قصة ادم : 

أولاها، يتصور الحكواتيون ان آدم وزوجه " حواء " كانا عُريانين ولم يحسا بهذا العري إلا بعد ان أكلا من الشجرة وهذا اللبس قائم على فهمهم السطحي الخاطئ للآية (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى) فلو كان اتباع هذا اللبس من الحكواتيين ملمين إلماما جيدا بقصة آدم لما وقعوا بهذا الوهم الساذج، لان الصورة الحقيقية لآدم وزوجه وقبل أن يعريهم الله هي : أنهم كانوا يتمتعون بلباس سوي يستر عريهم الطبيعي بدلالة الآية القرانية والتي تسبق أية التعرية في القصة، قال الله تعالى (إن لك الاَّ تجوع فيها ولا تعرى) فليس هناك عري أي ليست "سردحا مردحا " كما يصورها البعض، فلقد كانا سويين، فسلجيا وعقليا، ولهذا عندما اسقط الله عنهما اللباس لمعاقبتهما على أكلهم من الشجرة، خجلا وأصبحا يلفان جسديهما بورق أشجار الجنة . الآية واضحة للذي يفهم العربية ويفهم تتابع الجمل في القران، فهما كانا بلباسهم الكامل وكانا يعرفان قيمة اللباس، وإلا لما ارتبكا وخجلا عندما تمت تعريتهم واصبح يركضان على ورق الأشجار لستر عورتيهما به.

ثاني هذي الالتباسات التي يطرحها البعض تقوم على ان آدم وزوجه لم  يعرفا الحياة وملذاتها وشهواتها ولم يعرفا بسوأتهما  إلا بعد ان أكلا من الشجرة، وهذا ما يسطره البعض في كتابات فنطازية مع ان الحقيقة التي تفرضها الدقة العلمية في فهم النص القراني  تقول ان آدم  وزوجه كنا مكتملين ويمارسان حياة طبيعية، وان الله في أساس الخلقة التي أبدعها، أودع في الزوج وزوجه كل مقومات الحميمية بينهما ورأس الحربة في هذه الحميمية هي العلاقة الجنسية (ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) والسكن المراد به هنا هو العلاقة الجنسية، فملذات الحياة وضروراتها بجنسها وأكلها وملبسها كانت مودعة في النفس الإنسانية في اصل خلقة وليست هي نتاج خطيئة الإغواء، فهما بهذه المقومات الحميمية  كانا يستعدان للانتقال للأرض ليعمروها، لان فترة جنة ادم وزوجه كانت في حقيقتها عبارة عن مرحلة أعداد وجيزة يتعرضان فيها لاختبارات الاستعداد ؛ وهذا ما نلحظه داخل السياق الزماني المتقارب جدا بين أمر الله بعدم الاقتراب من الشجرة وبين وسوسة الشيطان لهم بأهمية الأكل من هذه الشجرة  وبين انتقالهم للأرض (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما) هذه الآية دلالتها على مستوى الزمان واضحة جداً وخصوصا في فعل وسوس الذي جاء ماضيا ملاصقا ومتحققا بعد إسكان آدم وزوجه في الجنة مباشرة وهذا يعطينا فهما واضحا ان كل الذي جرى في قصة آدم كان سريعا، تمهيدا لدفعه نحو الأرض بتحصينات ربانية قائمة على مفاهيم الطاعة  والتوبة (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فالطاعة وحقها ومستقبلها هي على الأرض ولهذا نرى ان آدم وزوجه عاشا التوبة بأبهى صورها بعد ان اغواهما إبليس، وعلى ضوء هذه التوبة تم اجتباء آدم  (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)

 

ولابد ان لا يخفى على احد – وخصوصا الذين لا تأخذهم غلواء الأيديولوجيا – ان جنة آدم  التي اخرج منها هي ليست جنة الخلد، لان جنة الخلد (لا يمسهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين) أي أنها جنة ليست فيها شياطين وتعب وقلق . ان عدم الخلود، والقلق من هذا العدم، هو الذي كان يشغل ادم وزوجه، وهذا الاشتغال هو الذي جعلهم يصدقون إبليس عندما اقسم لهم ان أكلوا من الشجرة سيخلدون في الجنة الابدية  . إذن اية جنة هذي التي كان فيها ادم و زوجه وتم إخراجهما منها  ؟ هناك آيات عديدة تشير لجنات أرضية تدفعنا ان نستدل  بها لاستقراء شكل الجنة المرحلية لآدم وزوجه، قال الله تعالى في هذه الجنات الأرضية :

 

(واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا)(وانا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة) وهم المذكورن اعلا وجنتهما هنا جنة ارضية لان اصحاب جنة الخلد لا يبتلون ولا يمسهم اي نصب سواء نصب شيطاني او نصب التعب والقلق، قال تعالى في جنة الخلد  (لا يمسهم فيها نصب وما هم عنها بمخرجين) فجنة ادم – كما ذكرنا انفا –  جنة ارضية او جنة اعداد؛ فحب الله ورغبة  آدم بالخلود قربه جعلته وزوجه يذعنان لوسوسة إبليس ونسيان العهد ؛ فإذعانهم لم يكن لرغبة جنسية جامحة كما يحلو للبعض او عملية قتل، وإنما كان لرغبتهم بالخلود قرب خالقهما ليسبحان بحمده كما الملائكة يسبحون . 

 وسوسة ابليس لآدم وزوجه كانت التفاف واحتيال شيطاني عالي (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) !!! 

 إبليس هنا يقسم لهم ويحلف ان اكلكم من الشجرة سيقربكم من الله . إذن، ليس في الموضوع جنس وعري ورغبات فضائحية كما يتصور البعض . ادم وزوجه كان الخلود بقرب الله همهم الأكبر، لكن وسيلتهم لهذا الخلود كان منهي عنها من الله، فالشجرة التي كانت امتحانا لهما في اصلها لم تكن محرمة، بل حرمت عليهم امتحانا واعدادا، وكانت هي المدخل في تحقيق وامتثال الطاعة الحقة لله، ولهذا إبليس دخل من هذا الشق الرفيع جداً مع علمه المسبق ومعرفته بأن آدم كان في طوره الأول، وهو طور ساذج لا تراكم خبرات فيه، وهذا تكشفه لنا مراحل آدم اللاحقة والتي اصبحت فيها خبراته متراكمة جراء تجربته الأليمة مع ابليس والي اهلته  ان يجتبيه ربه (واجتباه ربه) بعد ان اتم التوبة على اتم اوجه، وكان جوهر هذه التوبة هو عزمه الأبدي  ان لا يعصي الله ابدا وان لا ينسى عهد الله  الذي نساه من قبل (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) .

 هذا هو آدم الأرضي بعد التوبة، فهو مكتمل معتمد على نفسه عارف بدروب واحابيل الشيطان، ولابد ان يتضح بعد كل هذا،  ومن سياق كل الآيات التي تناولت القصة ان  "حواء" كانت رغبتها مساوية لرغبة زوجها بالخلود قرب الله، وهي في كل هذا التصوير القراني خيرة وليست بماكرة وليست هي الاغوائية كما يتصور البعض،  وان فعلها للمعصية كان مساويا لفعل زوجها، وإلا لو كانت هي اس الاغواء  فليس بعزيز على الله ان يركسها كما اركس زوجة لوط، فالاغواء كان شيطانيا بامتياز، وعليه لنسعد ولتسعد النساء بهذا بعيدا عن تحميل هذه القصة امراضنا الأيديولوجية او حكيتنا الشعبية اللتان لا يمتان لآدم و زوجه " حواء " القرآنيين بأي ربطة ثقافية .

 

.............

* ما بين الأقواس هو آيات قرآنية .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2269 الخميس 08 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم