تجديد وتنوير

قضايا التنوير (قضايا التنوير (4-1)): النضال في أوربا

adnan oayeedلا بد لنا هنا من العودة إلى الوراء، إلى "فولتير" وحلفائه في فرنسا  الذين ناضلوا من أجل تسييد الحرية والتسامح في الحضارة الإنسانية من أجل مواجهة الحصنين التوأمين الكنيسة والدولة الذين عارضا في الغالب أي شيء يقف ضد مصالحهما، حيث أن معارضة النظام الملكي بشكل خاص، ومكشوف اعتبرت أمرا قاتلا، بينما كانت معارضة الكنيسة تعتبر هدفا أقل خطورة، لذلك نجد أن البروتستانتية المعارضة للكنيسة الرسمية على سبيل المثال استطاعت أن تجعل من الدين خلافا عائليا، وفولتير استطاع بمهاراته أن يستشهد بتعاليم دينية من كنسية ضد أخرى لخلق حالات من الجدل والصراع بين الكنائس وإضعافها، وبالتالي إضعاف مصداقيتها. لقد كرس فولتير جهدا عظيما من وقته في مهاجمة قواعد المعتقدات الكنسية، وبخاصة في بنية المعتقدات التي تقول إن الكتاب المقدس مصدر الهام، وأن الله قد تجسد في السيد المسيح، وكذلك تكفير أو إدانة غير المؤمنين. لاشك أن فولتير قد استساغ هذه المعركة مع الكنيسة إرضاء لذاته، بيد أنه لم يفقد أبدا رؤية هدفه المركزي، فسقوط قوة الكنيسة سيزيد بالضرورة من مساحة الحرية في أوربا .

لقد انظم فولتير إلى عصبة المفكرين المتمردين أو الثائرين الذين عرفوا كفلاسفة، أمثال: (Charles de Montesquieu، Pierre Bayle، Jean d'Alembert،  ). (جين،بيرر بايل، كارل سدي مونتيسكيو)، والعديد ممن هم أقل شهرة من هؤلاء .

تراث التنوير :

غالبا ما يرى التنوير في هذه الأيام  كشذوذ تاريخي، أو لحضه تاريخية مختصرة عند عدد من المفكرين الذين فُتنوا بالعقل، وافترضوا دون جدوى بأن المجتمع الكامل يُفضل أن يبنى على إحساس مشترك وتسامح، وأن كل هذا الخيال انهار وسط رعب الثورة الفرنسية والانتصار الساحق للرومانتيكية، فالمفكرون المتدينون كانوا يدّعون وبكثير من الشك أن التنوير قد مات، والماركسيون انتقدوا التنوير بسبب ارتقاء أفكار وقوة البرجوازية على حساب الطبقات العاملة،  وناقدو الاستعمار رفضوا مثالية التنوير، وعلى وجه التحديد اعتبار الأفكار الأوربية كحقائق كونية .

حتى هذا التاريخ وفي اتجاهات عدّة لايعتبر التنوير نشطا عند البعض، فأفكار حقوق الإنسان تقدمت كثيرا وأصبحت ذات تأثير وجاذبية قوية على  الكثير من الناس الذين لم يزالوا ينشدون فكرة الحق الطبيعي في أماكن عدة من العالم، علما أن أفكار الحق الطبيعي هي ذاتها التي أثارت فولتير وجفرسون !، ثم أين ما تنظر تجد الصراعات الدينية،  ولم يزل التسامح الديني يُطرح كحل، أما  أفكار روسو عن القانون الطبيعي نفسه فقد ظلت أفكارا عامة جدا لأن أسوء المستبدين قد أخفى استبداده بادعائه أن ما يقوم به من ممارسات استبدادية هي لمصلحة الشعب، أما  الأوربيون فقد راحوا يعتبرون أفكارهم  ذات بعد عالمي وليس لها حدود، ومن خلال هذه الأفكار ظهرت المركزية الأوربية وسيطرت الدولة الحديثة  .

على العموم، إذا كان عالمنا قد اقترب قليلا من الكمال مقارنة عما كانت عليه فرنسا في القرن الثامن عشر، فهذا ناتج جزئيا عن فشلنا في تقدير أرباحنا التي سلمنا أنها حقيقية .

في الحقيقة، إن فولتير لم يكن متفائلا سطحيا، بل هو طوباويا مرتابا، وإذا نحن اعترفنا بتأثيره أو لم نعترف، سنبقى نفكر اليوم بمنهجه وأسلوبه أكثر من أي منهج وأسلوب آخر من أساليب ومناهج أعدائه، وعندما نذهب عبر معظم أعماله المؤثرة، فقاموس الفلسفة سيبحث عن ممرات كثيرة ستساعد على وضع خلفية لنماذج من التفكير الجديد، كما يبحث أيضا عن ممرات سوف تبدوا نوعا من التحدي، غالبا ما تجلت في نماذج من الجدالات التي استمرت حتى يومنا هذا .

 

The Enlightenment

Created by Paul Brains

ترجمة : د.عدنان عويّد

كاتب وباحث من سورية

 

 

في المثقف اليوم