ترجمات أدبية

إروين شو: الفتيات فى الفستاين الصيفية

قصة: إروين شو

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كانت الجادة الخامسة ساطعة بضوء الشمس عندما عبرا حديقة بيروفورت وبدأا فى السير نحو ميدان واشنطن. كما كانت الشمس دافئة على الرغم من أننا فى شهر نوفمبر، وبدا كل شىء يؤكد أننا فى صباح يوم الأحد، الحافلات والناس فى ملابسهم الأنيقة، يمشون ببط أزواجا أزواجا، والمبانى الهادئة بنوافذها المغلقة.

أمسك مايكل بذراع فرانسيس بإحكام وهما يسيران وسط المدينة تخت ضوء الشمس،كانا يسيران بخفة، يبستمان تقريباً، لأنها ناما متأخرين وتناولا إفطاراً جيداً، كان ذلك يوم الأحد. فك مايكل إزرار معطفه وترك جوانبه ترفرف حوله فى مهب الريح، سارا فى صمت وسط الشباب والناس اللطيفين،الذين يبدو أنهم يشكلون على نحوها معظم سكان هذا الجزء من مدينة نيويورك.

قالت فرانسيس وهما يعبران الشارع رفم ثمانية :

- احترس... ستكسر رقبتك

ضحك مايكل وضحك فرناسيس معه.

قالت :

- ليست جميلة على أية حال... على أية حال ليست جميلة لدرجة أن تكسر رقبتك عند النظر إليها.

ضحك مايكل من جديد، ضحك بصوت أعلى هذه المرة، ولكن ليس بنفس القوة :

- لم تكن سيئة المظهر، كانت ذات بشرة لطيفة، بشرة فتيات الريف، كيف عرفت أننى أنظر إليها ؟

مالت فرانسيس برأسها إلى جانب وابتسمت إلى زوجها من تحت حافة قبعتها المائلة. وقالت :

- مايكل حبيبي

ضحك مايكل، ضحكة صغيرة هذة المرة، ثم قال :

- حسنا الدليل هنا، معذرة لقد كان لون البشرة، إنها ليست من ذلك النوع من البشرة التي نراها كثيرًا في نيويورك، معذرة.

ربتت فرانسيس على ذراعه برفق و جذبته قليلًا لتسرع به نحو ميدان واشنطن. قالت:

- ما أجمل الصباح. هذا الصباح رائع. عندما أتناول الإفطار معك أشعر أنني بحالة جيدة طوال اليوم.

قال مايكل:

- نبيذ. استعادة النشاط صباحًا.. خبز وقهوة مع مايك.

- القصة أيضًا أنني نمت طوال الليل مقطوعة النفس بجوارك مثل الجبل.

- في ليلة السبت أسمح بمثل هذه الرفاهية فقط، بعد انتهاء عمل الأسبوع.

قالت:

- ستسمن.

- أليس تلك هي الحقيقة؟ الرجل النحيل من أوهايو.

قالت:

- أحب هذا. خمسة أرطال إضافية للزوج.

قال مايكل بجدية:

- أحب هذا أيضًا.

قالت فرانسيس:

- لدي فكرة.

- زوجتي لديها فكرة. تلك فتاة بارعة.

قالت فرانسيس:

- هيا لا نرى أحدًا اليوم. هيا فقط نكون وحدنا، فأنا وأنت دائمًا ما نكون مع الآخرين نشرب نخبهم أو يشربون نخبنا، نحن لا نكاد نرى بعضنا البعض إلا في الفراش.

قال مايكل:

- مكان اللقاء العظيم. ابقى في السرير لفترة من الوقت وسيظهر كل من تعرفه هناك.

قالت فرانسيس:

- رجل حكيم. أنا أتحدث بجدية.

- حسنًا و أنا أستمع بجدية.

- أريد أن أخرج مع زوجي طوال اليوم، أريده أن يتحدث معي فقط، ويستمع لى أنا فقط.

سأل مايكل:

- ما الذي يمنعنا من ذلك؟ أرى جماعة تنوي أن تمنعني من رؤية زوجتي بمفردي يوم الأحد؟ أي طرف؟

- عائلة ستيفنسون، يريدون أن تمر عليهم في الساعة الواحدة، ثم يأخذوننا فى رحلة معهم إلى الريف.

قال مايكل:

- آل ستيفنسون المرعبون. واضح. لن يحصلوا على ما يريدون، يمكنهم أن يتفسحوا في الريف مع أنفسهم، أنا وزوجتي يجب أن نبقى في نيويورك...

- أهو وعد؟

- وعد.

مالت فرانسيسن وقبلته في أعلى أذنه.

قال مايكل:

- حبيبتي... هذه هي الجادة الخامسة.

قالت فرانسيسن:

- دعني أنظم برنامجًا. برنامج يوم الأحد في نيويورك لزوجين شابيين يبعزقان فيها نقودها.

-   تمهلى.

قالت فرانسيس:

- في البداية دعنا نشاهد مباراة كرة قدم، مباراة كرة قدم للمحترفين.

قالت ذلك لأنها تعرف أن مايكل يحب مشاهدة لعب المحترفين، ثم أضاقت:

- الشياطين سيلعبون. وسيكون لطيفًا أن نكون في الخارج طوال اليوم ثم نجوع، وبعد ذلك نذهب إلى مطعم كافتاج ونتناول شريحة لحم كبيرة جدا بحجم مريلة الحداد مع زجاجة من النبيذ. وبعد ذلك، هناك  فيلم فرنسي جديد في السينما حيث يقول الجميع... يقولون، هل تنصت إلي؟

قال:

- بالتأكيد.

تابع بعينيه فتاة دون قبعة ذات شعر أسود، تقص شعرها مثل الراقصات – يبدو مثل الخوذة – كانت الفتاة تسير وهي واثقة من نفسها، تمتلك رشاقة الراقصات، وكانت بدون معطف وتبدو ثابتة جدًا وقوية، بطنها ضامر مثل بطن الصبيان تحت تنورتها، أنا ردفاها فكانا يهتزان بجرأة لأنها كانت راقصة ولأنها أيضًا كانت تعلم أن مايكل ينظر إليها، ابتسمت إلى نفسها عندما مرت به، و لاحظ مايكل كل هذه الأشياء قبل أن يعود وينظر إلى زوجته، قال:

- بالتأكيد. سنذهب لمشاهدة الشياطين وسنذهب لأكل اللحم وسنرى الفيلم الفرنسي. لكم تحبين كل ذلك!

قالت فرانسيس بشكل قاطع:

- هو كذلك.. ذلك هو البرنامج لهذا اليوم. أم ربما كنت تفضل أن تتمشى ذهابا وإيابا  في الجادة الخامسة.

قال مايكل باهتمام:

- لا. لا مطلقًا.

قالت فرانسيس:

- أنت دائمًا تنظر إلى النساء الأخريات، إلى كل امرأة ملعونة في مدينة نيويورك.

قال مايكل متظاهرًا بالمزاح:

- أوه، تعالى الآن، إلى الجميلات فقط، وبعد كل ذلك، كم عدد النساء الجميلات في نيويورك، سبع  عشرة؟

- أكثر، على الاقل أنت تفكر في ذلك، أينما سرت.

- ليس صحيحًا. أحيانًا، ربما أنظر إلى امرأة أثناء مرورها بي. في الشارع. أعترف، ربما في الشارع أنظر إلى امرأة ذات مرة للحظة..

قالت فرانسيس:

- في كل مكان. كل مكان ملعون ذهبنا إليه: مطاعم. أنفاق، مسارح. قاعات المحاضرات، حفلات الموسيقى.

قال مايكل:

- الآن، حبيتي، أنا أنظر إلى كل شيء، لقد منحني الله عينين، فأنا أنظر إلى النساء والرجال وأنفاق السكك الحديدة و الصور المتحركة و الأزهار الصغيرة في الحقول، أنا دونما قصد أفحص العالم.

قالت فرانسيس:

- ينبغي أن ترى النظرة في عينيك وأنت تفحص البشر صدفة في الجادة الخامسة.

- أنا زوج سعيد.

ثم ضعط على مرفقها بلطف، مدركًا ماذا يفعل، ثم أضاف:

- وكنموذج لهذا القرن العشرين السيد والسيدة مايك لوسيس.

- أتعنى هذا حقًا؟

- فرانسيس، حبيبتي...

- هل أنت حقًا رجل سعيد؟

قال مايكل وهو يشعر بأن صباح الأحد كله يهبط ثقيلا داخله مثل الرصاص:

- بالتأكيد. الآن ما هذا الإحساس بحق الجحيم في حديثك هكذا؟

- أود أن أعرف.

سارت فرانسيس وهي تنظر أمامها مباشرة، دون أن يعبر وجهها عن أى شيء، وتلك كانت طريقتها دائمًا عندما تناقش أو تشعر بالسوء.

قال مايكل بصبر:

- أنا زوج سعيد بشكل رائع.. أنا موضع حسد من جميع الرجال اللذين تتراوح أعمارهم بين سن الخامسة عشر وسن الستين في ولاية نيويورك.

قالت فرانسيس:

- كف عن المزاح.

قال مايكل:

- لدي بيت جميل، وأحصل على كتب رائعة ومسجل اسطوانات وأصدقاء لطاف. أعيش في المدينة بالطريقة التي أحبها وأمارس العمل الذي أحبه، وأعيش مع المرأة التي أحبها. عندما يحدث شيء ما طيب. ألا أجري إليك؟ وعندما يحدث لى شيء سيء ألا أبكي على كتفيك؟

قالت فرانسيس:

- نعم، أنت تنظر إلى كل امرأة في الطريق.

- تلك مغالاة.

قالت فرانسيس وهي تسحب يدها من تحت ذراعه:

- كل امرأة. إن لم تكن جميلة تبتعد عنها سريعًا. و إذا كانت نصف جميلة تراقبها لمدة سبع خطوات..

- يا إلهي يا فرانسيس.

- أما إذا كانت جميلة فبالتأكيد تلوي عنقك..

قال مايكل وهو يتوقف:

- هاي. هيا نأخذ مشروبًا.

- لقد تناولنا الإفطار للتو.

قال مايكل وهو يختار كلماته بعناية:

- الآن، انصتي يا حبيبتي. إنه يوم لطيف وكلانا يشعر بالرضا وليس هناك من سبب لفقد هذا الشعور. دعينا نحظى بيوم أحد لطيف.

- كان يمكن أن يكون لدينا يوم أحد لطيف إن لم تكن تبدو كما لو كنت ستموت لو لم تركض وراء كل تنورة في الجادة الخامسة.

قال مايكل:

- هيا نتناول مشروبًا.

- لا أريد شرابًا.

-  ماذا تريدين، شجاراً؟

قالت فرانسيس بحزن شديد لدرجة أن مايكل شعر بالأسف لها:

- لا. لا أريد شجارًا. لا أعرف لماذا بدأت هذا النقاش. حسنًا، لندع هذا،  هيا نقضي وقتًا طيبًا.

تأبط مايكل ذراعها في حياد وسارا معا دون كلام وسط عربات الأطفال و كبار السن الإيطاليين في يوم الأحد والفتيات في حديقة ميدان واشنطن.

بعد فترة قالت فرانسيس وهي تستعيد نبرة صوتها التي استخدمتها في الصباح وفي بداية مشيهما:

- آمل أن تكون مباراة اليوم جيدة. أحب ألعاب كرة المحترفين، يضربون بعضهم البعض كما لو كانوا مصنوعين من الأسمنت.

قالت ذلك محاولة أن تضحك مايكل، أضافت:

- إنهم يثيرون الفتنة، إنه لأمر مثير للغاية.

قال مايكل في جدية تامة:

- أريد أن اقول لك شيئًا. أنا لم ألمس امرأة أخرى، مطلقًا طوال الخمس السنوات التى قضيتها معك.

قالت فرانسيس:

-   حسنًا.

- تصدقين ذلك، أليس كذلك؟

- حسنًا.

سارا بين المقاعد المزدحمة تحت أشجار منتزه المدينة الفوضوي، قالت فرانسين كما لو كانت تتحدث إلى نفسها:

- حاولت ألا ألحظ ذلك. أحاول أن أصدق أن ذلك لا يعني شيئًا. بعض الرجال يحبون ذلك، أقول لنفسي، لابد أنهم يرون ما يفتقدونه.

قال مايكل:

- بعض النساء هكذا أيضًا. لقد عرفت في حياتي سيدتين.

قالت فرانسيس وهي تسير إلى الأمام مباشرة:

- لم أنظر أبدًا إلى رجل آخر.. منذ المرة الثانية التي خرجت فيها معك.

قال مايكل:

- لا توجد قاعدة.

- أشعر باضطراب داخلي، داخل معدتي، عندما نمر بامرأة، وتنظر إليها، فأرى تلك النظرة في عينيك، وتلك هي الطريقة التي تظرت بها إلى في المرة الأولى في منزل أليس ماكسويل، و أنا أقف في غرفة المعيشة بجوار الراديو، وقبعة خضراء، وسط كل هؤلاء الناس.

قال مايكل:

- أتذكر القبعة.

قالت فرانسيس:

- نفس النظرة، وهذا يجعلني أشعر بالسوء، يجعلني أشعر بالفزع.

- اسكتي. من فضلك حبيبتي، اسكتي.

قالت فرانسيس:

- أعتقد أنني أريد أن أتناول مشروبًا الآن.

سارا إلى بار في شارعة ثمانية دون أن يتفوها بكلمة واحدة، ساعدها مايكل لكى تجتاز حافة الرصيف ثم قادها وسط السيارات، مشي وقد أغلق معطفه. أخذ ينظر بتمعن إلى حذائه البني الثقيل اللامع، وهما يخطوان داخل البار. جلسا بالقرب من النافذة في البار، يتدفق عليهما شعاع الشمس، وثمه نار صغيرة مبهجة في المدفأة. جاء نادل ياباني صغير، وضع بعض المعجنات (بسكويت مملح) وابتسم إليهما في سعادة.

سأل مايكل:

- ماذا تطلبين بعد الإفطار؟

قالت فرانسيس:

- براندي على ما أعتقد.

قال مايكل:

- كورفوازير ( نوع من كونياك) اثنان كورفوازير.

جاء النادل بكأسين وجلسا يشربان البراندي في ضوء الشمس، أنهى مايكل كأسه وشرب قليلًا من الماء. ثم قال:

-  نعم أنظر إلى النساء، صحيح، لم أقل إن ذلك صحيح أو خطأ، أنا أنظر إليهن إذا مررت بهن في الشارع وإن قلت لم أنظر إليهن، فأنا أخدعك، أخدع نفسي.

قالت فرانسيس وهى تعبث بكأسها:

- أنت تحدق فيهن كما لو كنت تتمناهن، كل واحدة منهن.

قال مايكل بهدوء وكأنه لا يتحدث إلى زوجته:

- على نحو ما. على نحو ما هذا حقيقي. لا أستطيع أن أفعل شيئا حيال ذلك. لكنه حقيقية...

- أعرف ذلك، لهذا أشعر بالسوء.

صاح مايكل:

- براندي آخر، أيها النادل، اثنان براندي زيادة.

قالت فرانسيس:

- لماذا تهينني؟ ماذا تفعل؟

تنهد مايكل وأغلق عينيه ومسحهما برفق بأطراف أصابعه:

- أحب الطريقة التي تبدو عليها النساء، من أفضل الأشياء التي أحبها في نيويورك هي أسراب النساء. عندما جئت إلى هنا لأول مرة إلى نيويورك من أوهايو كان ذلك أول شيء لفت انتباهي، مليون امرأة راعئة في جميع أنحاء المدينة، ميشت وقلبي في حلقي.

قالت فرانسيس:

- طفل... ذلك إحساس طفل.

قال مايكل:

- خمني ثانية... خمني مرى أخرى، كبرت الآن، أنا رجل أقترب من منتصف العمر، و أميل إلى السمنة ومع ذلك أحب المشى في الجادة الخامسة في الساعة الثالثة على الجانب الشرقي من الشارع بين شارع خمس عشر  وشارع خمسين حيث يخرجن جميعًا. يعتقدن أنهن يتسوقن، في فرائهن وقباعتهن المجنونة، كل شيء يأتي من جميع أنحاء العالم في ثمان بنايات، أفضل الفراءات وأجمل الملابس وأكثر النساء جمالًا، يخرجن لإنفاق المال بشعور طيب، ناظرات إليك ببرود، ليجعلنك تعتقد أنهن لا ينظرن إليك أثناء مرورهن بك.

وضع النادل الياباني المشروبين وهو يبتسم بسعادة غامرة. سأل:

- هل كل شيء على ما يرام؟

أجاب مايكل:

- كل شيء رائع.

قالت فرانسيس:

- إذا كان مجرد زوج من المعاطف الفراء و قبعات ب 45 دولار...

- إنها ليست معاطف الفرو أو القبعات. ذلك مجرد شهد لهذا النوع من المعين من النساء. افهمي. لست مجبرة على الاستماع إلى هذا.

- أريد الإستماع.

- أحب الفتيات في المكاتب، أنيقات، بنظارتهن الشمسية، ذكيات، نشيطات، مرحات، يعرفن كل ما يدور حولهن، يعتنين بأنفسهن طوال الوقت.

ركز مايكل عينيه على الذين يمرون ببطء خارج النافذة ثم أضاف:

- أحب الفتيات في شارع أربعة وأربعين وقت الغذاء، الممثلآت. متأنقات في انتظار أن يكتشفهن المخرجون. أحب البائعات في متجر ماسي، يولين اهتمامًا بك في البداية لأنك رجل، تاركات الزبائن من النساء ينتظرن. يغازلونك بالجوارب و الكتب و إبر الفونوغراف، لقد تراكمت لدي كل هذه الأشياء لأنني كنت أفكر في الأمر لمدة عشر سنوات، والآن تسألين عنها وها أنا أجيب.

قالت فرانسيس:

- استمر.

- عندما أفكر في مدينة نيويورك، أفكر في كل الفتيات، الفتيات اليهوديات، والإيطاليات والإيريلانديات و البولنديات والصينيات والألمانيات والزنجيات والإسبانيات والروسيات، جميعهن في موكب المدينة، لا أعرف ما إذا كان هذا شيئًا خاصًا بي أو ما إذا كان كل رجل يسير في المدينة له نفس الشعور في داخله. لكنني أشعر وكأنني في نزهة في هذه المدينة. أحب أن أجلس بالقرب من النساء في المسارح، الجميلات المشهورات اللاتي قضين ست ساعات ليكن جاهزات ويبدون هكذا. والفتيات الصغيرات في مباريات كرة القدم بخدودهن الحمراء،خاصة عندما دفء الطقس، الفتيات في ملابسهن الصيفية.

انتهى من شرابه، ثم أكمل:

- تلك هي القصة، لقد طلبت ذلك، تذكري. لا يسعني إلا أن أنظر إليهن، لا يسعني إلا أن أرغب فيهن.

كررت فرانسيس بدون وضوح:

- أنت ترغب فيهن.. أنت قلت ذلك.

قال مايكل بقسوة ودون حذر لأنها جعلته يفضح نفسه:

- حسنًا. أنت من استدعى هذا الموضوع للنقاش وسنناقشه بشكل كامل.

أنهت فرانسيس شرابها وابتلعت ريقها مرتين أو ثلاثة، ثم قالت:

-  أتقول أنك تحبني؟

- أنا أحبك، لكنني أيضًا أريدهن. حسنًا.

قالت فرانسيس:

- أنا جميلة أيضًا، جميلة مثل أي واحدة فيهن.

قال مايكل مؤكدًا على ذلك:

- أنت جميلة جدًا.

قالت فرانسيس فى توسل:

- أنا طيبة معك. كنت زوجة صالحة ومدبرة منزل جيدة، وصديقة جيدة، لقد عملت كل شيء من أجلك.

قال مايكل:

- أعرف.

مد يديه وأمسك بيدها.

قالت فرانسيس:

- تود أن تكون حرًا في...

- سشششش.

سحبت يدها من يده وقالت:

- قل الحقيقة.

نقر مايكل على حافة كأسه بإصبعه وقال بلطف:

- حسنًا.. أشعر أحيانًا أنني أود أن أكون حرًا.

قالت فرانسيس في تحد وهي تقرع المائدة:

-  حسنًا.. في أي وقت، قل.

- لا تكوني حمقاء.

أدار مايكل مقعده نحوها وربت على فخذها.

بدأت في البكاء، بصمت، دافنة وجهها في منديلها، مالت بشكل كافٍ حتى لا يلحظها أحد في البار. ثم قالت وهي تبكي:

- يومًا ما، سترحل...

لم يقل مايكل شيئًا، وجلس يراقب النادل وهو يقشر الليمون ببطء.سألت فرانسيس بصوت أجش:

- أليس كذلك؟ هيا، أخبرني، تكلم. أليس كذلك؟

قالت مايكل وهويعيد مقعده إلى حيث كان:

- ربما.. كيف لي بحق الجحيم أن أعرف؟

واصلت فرانسيس:

- أنت تعرف. ألا تعرف؟

قال مايكل بعد وهلة:

- نعم.. أعرف

توقفت فرانسيس عن البكاء وتمخطت في المنديل مرتين أو ثلاثة، ثم وضعته جانبًا، ولم ينبيء وجهها عن أي تغيير. قالت:

- على الأقل أسد لي معروفًا.

- بالتأكيد.

- توقف عن الحديث عن مدى جمال هذه المرأة، أو تلك. عينان جميلتان، صدر لطيف، مظهر جميل، صوت عذب.

ثم أضافت وهي تقلد صوته:

- احتفظ بهذا لنفسك، لست مهتمة.

قال مايكل وهو يشير إلى النادل:

- معذرة... سأحتفظ بذلك لنفسي.

غمزت فرانسيس بطرف عينيها وقالت للنادل:

- براندي آخر.

قال مايكل:

- اثنان.

قال النادل وهو يتراجع إلى الخلف:

- نعم سيدتي، نعم سيدي.

نظرت فرانسيس إلى مايكل في هدوء عبرالمائدة وتساءلت:

- هل تود أن أتصل بآل ستيفنسون؟ سيكون الجو لطيفًا في الريف.

قال مايكل:

- بالتأكيد... اتصلي بهم.

نهضت من وراء المائدة وقطعت الحجرة سائرة نحو الهاتف. شاهدها مايكل وهي تمشي، متفكرًا، يالها من فتاة جميلة، يا لها من سيقان لطيفة.

(تمت)

***

.......................

المؤلف: إروين شو /  IRWIN SHAW(1913-1984)

ولد أروين شو عام 1913 في نيويورك في أسرة مهاجر أوكراني وهو ينتمي إلى الجيل التالي من الكتاب الأميركيين العظام : ( فيتزجيرالد، - همنجواي- فوكنر- توماس وولف – باسوس ) بدأ حياته الأدبية في منتصف ثلاثينات القرن الماضى، وقد أثبت شو منذ خطواته الأولى أنه صاحب أسلوب متفرد، وموهبة أصيلة وذلك عندما نشر في في عالم الأدب، 1936 مسرحية ثورة الموتى، فجلبت له شهرة واسعة، وأروين شو كاتب مسرحي و روائي وسيناريست وكاتب مجيد للقصة القصية،   ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، اشتهر في العربية بمسرحية ثورة الموتي، لكنه كاتب روائي قدير وكاتب قصة قصيرة بارع، وتعد قصة الفتيات فى الفساتين الصيفية درة قصصه القصير، وربما كانت القصة القصية هى أكبر الأجناس الأدبية التصاقا بمبوهته ككاتب. حاز إرين شو على جائزة أوهنرى فى القصة مرتين وجائزة الاكاديمية الأمريكية للفنون والآداب مرة، توفى شو فى دافوس بسويسرا عام 1984م.

في نصوص اليوم