أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

رغم ما يتسم به العمل الإبداعي من فردانية و فرادة لا يمكنه أن يحيا بغير وعي جمعي وجماعي لقيمته التصاعدية.. وعي نابع من إحساسنا بالمسؤولية اتجاهه واتجاه موروثنا الثقافي واتجاه وطن كان مهدا للحضارات يوما ما وصدرها لتعبر عباب البحر نحو بلدان كانت مجهولة وصارت اليوم هي الإولى.. نعم.. لقد قطعنا عباب البحر وحين العودة غرقنا.. نعم قطعنا..على متن سفينة فينيقية ومركب.

ذات حلم أمطرت السماء وغمرت النفوس بالمحبة والتعاون والعطاء

ذات حلم مسحت الأمطار الحدود لتزهر الأرض مع فجر يوم آخر موعود مزركشة فوق الأخضر ب الفراشات والورود والعنبر..

ذات حلم تعطرت أنفاسي بحب الحياة وصرت أصلي لرب الأرض والسموات أن يوفقني لأكمل رسالتي فيما عقدت العزم عليه..

إذ كانت الدروب واضحة إليه..

ذات حلم أردت أن أجعل منه حقيقة.. ورسمت الأفكار الموصلة إليه ثم الحلول لمعظم الإشكالات المتوقعة في دقيقة..

ثم.. ثم.. ثم ماذا..

أيقظتني تلال الأشواك على واقع مر كالحنظل.. وسألت نفسي ذاك السؤال العالق جوابه في ذاته وعلى ألسنة العامة من المحبطين

(ضمن ذاك الكم الهائل من الفساد المترابط والمرتبط بالمصالح والعلاقات وما تفرضه من تحديات وإقصاءات.. ماذا أستطيع أن أفعل؟ من السائل ومن المسؤول؟!

لم تكن تصوراتي مغايرة..

ولكن كنت أعتقد أني قادر على التأثير والتغيير.. كنت كلما فتحت نافذة يبنى مقابلها جدار..

من المسؤول عن إيقاف عجلة الحياة؟..

من المسؤول عن إشعال الأحقاد و الضغائن ونشر الظلمة والظلام من المسؤول عن قتل الحمائم في مدن الشمس وفي أم المدائن؟

من المسؤول عن تعكير صفو الحياة والرواق؟

من المسؤول عن ضخ كل هذا السم والوباء؟.. من؟

ما أصعب أن تحيا غريبا في وطن لا مكان لك فيه

تنزوي في ركن منسي تحت ظل القمر تسكب دموعك فوق ركام أحلامك وتمضي مستسلما للقدر

بلا أمل بلا عمل بلا هدف يشعل جمرة الحراك في ذاتك في أنفاسك في تخيلاتك..

كما جسد بلاروح.. تنتظر الموت و مابعد الموت..

تعد الثواني والدقائق تعد الساعات والأيام.. تحلم بالعودة لغفوة.. طويلة مديدة.. مديدة طويلة.. تبدأ من الأرض وتنتهي إلى السماء.. مديدة طويلة.. طويلة مديدة.. لا يتخللها حلم أو مطر أو داء

***

الفينيق حسين صقور

تعد مدينة بومبي الرومانية الاثرية أهم معلم سياحي مرتبط بالسياحة المظلمة في إيطاليا على الاطلاق، وأحد أكثر الكنوز الاثرية أهمية على النطاق العالمي وفقا لعلماء الآثار. وتحتل مكانة هامة على خارطة هذا النمط السياحي على النطاق الوطني والعالم أجمع، إلى جانب كهوف (ارديتين) ومقبرة (كابوتشيني) و(سان بيترو انفاين) وجزيرة (سترومبولي) وموقع كارثة (سيفيزو الصناعية) وغيرها. إذ يتراوح عدد الزوار والسياح الذين يؤمونها سنويا بين (2) و(2،5) مليون شخص (2،571،725 مليون شخص في عام 2007). يشكل الأجانب (50) في المائة منهم تقريبا وفقا للأحصائيات المحلية.

ويحكي واقع المدينة الحالي قصة مأساة حقيقية وكارثة طبيعية حلت ب (بومبي) وبأهلها البالغ عددهم (200000) نسمة تقريبا، جراء الطفوح البركانية (الخفاف) الناجمة عن ثورات جبل (فيزوف البركاني) الشهير في الرابع والعشرين من آب عام (79 م). فغمرتها عن العالم حتى القرن الثامن عشر (عام 1748 على وجه التحديد)، عندما بدأت بعض معالمها بالظهور من جديد نتيجة لأعمال البحث والتنقيب المضنية التي طالت المنطقة، واستمرت بعد ذلك وخلال فترات زمنية مختلفة وحتى يومنا هذا، وتحت مظلة منظمات محلية ودولية مختلفة. وذلك لأهمية المدينة التي تجذب أفواج السياح من الداخل والخارج رغم المخاطر والتهديدات المحدقة بها جراء العوامل الطبيعية والجيولوجية (عدم الاستقرار الهيدروجيولوجي). الامر الذي يتطلب معها المزيد والمزيد من العناية والرعاية والاهتمام من قبل هذه المنظمات بعد صمود المدينة الاثرية لأكثر من 2000 عام.

وكان آخرها شمول المدينة بخطة مراقبة ومتابعة دقيقة ومحكمة عبر أجهزة الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية، تقوم بها مجموعة الدفاع والتكنولوجيا الإيطالية المعروفة اختصارا بـ(فينميكانيكا) المعروفة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والمدرجة عالميا ضمن أكثر من (10) جهات نشطة وفعالة في حقول الفضاء والدفاع والامن، وذلك للحد من التداعيات والتراجعات الحاصلة في ابنية وموجودات المدينة لأكثر من سبب، ومنها الأنشطة والفعاليات السياحية نفسها. وقد صارت تهدد هذا الموقع الاثري الهش والحساس، وبأكثر من اتجاه، بسبب الوجود المكثف للزوار، للرغبة الشديدة في زيارته ولأكثر من مرة في كثير من الأحيان، مع تعاظم عدد وحجم البرامج السياحية المنظمة والموجهة اليه من قبل الشركات السياحية الإيطالية، وطيلة أيام السنة والمرتبطة بعدة أشكال وأنماط سياحية، مثل: السياحة الثقافية والسياحة التاريخية وغيرهما.

***

بنيامين يوخنا دانيال

في منتصف ستينات القرن الماضي، و أنا كنت في آخر مراحل دراسة البكالوريوس بكلية الفنون في برلين، ذهبت الى مديرية الإقامة العامة لتمديد اقامتي التي  يجب أن تتجد سنوياً.. تفاجأت بأن صلاحية جواز سفري العراقي كانت منتهية، فتعذر علي تجديد الإقامة، مما حدا بي للذهاب في اليوم التالي الى السفارة العراقية من أجل تجديده.. تفاجأت بأن القنصلية تطلب مني أن أدفع البدل النقدي عن الخدمة العسكرية والبالغ مقداره 1250 ماركاً ألمانيا.. ولم يكن لي علماً مسبقاً بذلك وقد حدد الموظف المختص بأن ليس لدي سوى يوماً واحداً ولم يكن قد وصلني خبر هذا التعميم بتاتاً.. فوقعت في حيرة كبيرة، لا سيما و أني كنت أتقاضى مساعدة مالية شهرية من الجامعة مقدارها 280 ماركاً ألمانياً.. وكان الشهر قد أوشك على الإنتهاء.. فما هو الحل، ومن يعين على مثل هذا المأزق.. وعندما لا تتجدد اقامتي لا يحق لي الدوام في الجامعات الألمانية، وأخسر دراستي و كل آمالي التي وضعتها عليها.. أتصل بي صدفة  بعد الظهر "ماتياس" أحد زملائي  في الدراسة، وسمع مني مخاوفي بأني سوف لا أستطيع البقاء معهم.. أحسست من صوته بأنه حَزِنَ لهذا الخبر.. ما هي الا ساعتين و إذا بماتياس يتصل بي و يفاجئني، بأنه هو و أصدقاءه قد جمعوا لي المبلغ  وسيأتي الي فورا ليسلمني إياه، لأكون جاهزاً في اليوم التالي للذهاب الى السفارة ودفعه.. كنت أسمع منه هذه الكلمات  و الدموع تتساقط من عيناي.. وفي نهاية الشهر وددت أن أقسط ما علي من دين الى اصدقائي و زملائي الالمان.. لكنهم رفضوا ذلك وقالوا هذه هدية متواضعة منا اليك..

فهل يمكن لي ما زلت حياً أن أنسى هذا الموقف الانساني الراسخ في الذاكرة ؟!

***

د.هاشم عبود الموسوي

كانت ختيارات أيام زمان كحيلات، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فقد كن يحلبن الغنم، ويخضن اللبن بالشجوة، ويكنسن المرابض (الدوار)، ويقمن بفصل الحملان، والصخال، ويقمرن شملات القمح خلف الحواصيد، ويصنعن البرغل بسلق قمح الكبارية في قدرهن النحاسي الكبير على النار، ويصنعن الجشج مؤونة للشتاء، ويعملن الرشدة بايديهن من عجين القمح، بعد تقطيعه بالسكين .

وكن عندما يفاجأن بأن المؤونة مع بداية موسم الحصاد الجديد من العام، قد أوشكت على النفاد، وأن الكوارة (مخزن الطحين) قد بدت لهن فارغة، وأن الكولكة (حجرة خزن القمح) لم يتبق فيها شيء من قمح، فإنهن يسارعن، وقد شددن أطراف جلبابهن في احزمتهن (الشويحي) الذي نسجنه بيدهن من غزلهن من صوف غنمهن ، لتقوم واحدتهن بقطف سنابل القمح، من زرعهم المحيط ببيادرهم بالمنجل، ثم تقوم بنقل السنابل إلى البيت على كتفها، بعباءة الصوف (البشت)، التي كانت قد غزلتها بيدها من صوف الغنم، وحاكتها بيدها، لتشرع بدق السنابل بعصاها الغليظة، في فضاء البيت. وما أن تنتهي من سحقها، تقوم بتذريها على الهواء (بالسرادي)، وهو غربال اوسع فتحات من منخل الدقيق، لفصل حب القمح عن التبن العالق به، ثم تقوم بعد ذلك بطحن القمح على الرحى بيدها، حيث تقوم بعجن الدقيق الذي صنعته توا، بالمخمر الخشبي، إذ تنهض لسجر تنور الطين ببعر الأغنام، وقليل من الشوك والعاكول، حيث تقوم  بتقطيع العجين الطازج بيدها إلى كتل بحجم كفها، وتمطه بين كفيها ليترقق،ثم تخبزه على التنور، لتخرجه بعد أن يجف وينضج، رغيف خبز حار، يفوح رائعة زكية، حيث تقوم بتقديمه لعيالها وجبة طعام شهية، مع زبدة ولبن الغنم (خاثر) سائغا للشاربين، وأحياناً مع السمن الحر المدبس من الظرف. ولك أن تتخيل الطعم اللذيذ، والنكهة الرائعة، لهذه الوجبة الطازجة بكل مكوناتها.

هكذا كانت ختيارات أيام زمان، كحيلات حقاً، يواجهن صعوبات الحياة، بروح إيجابية، ومن دون تذمر، ولذلك لا يزال ذلك الجيل الذي عاصرهن، وعاش مفردات ذلك الموروث الريفي الجميلة بتفاصيلها، أيام زمان، يحن،ويستذكر حلاوة تلك الأيام،  بعد أن سئم ضجيج العصرنة الصاخب، وبعد أن أفسد الغذاء المعلب ذائقته ،بما يحويه من مواد مضافة، وكيماويات حافظة ، أضرت كثيراً بالصحة العامة للناس.

صفحات ماضي مكتضة بمعاناة قاسية، لكنها كانت مفعمة بالسعادة، مع كل تلك الصعوبات . مفردات تراث جميل، انطوت مع صفحة أيام ولت، ولن تعود .

***

نايف عبوش

حياتنا رحلة، فقد مضينا ومضى فينا العمر تغير كل شيء بنا إلا القلب ما زال يبحث عن ماضٍ لا سبيل في عودته، يأخذننا الحنين إلى أيام مضت حيث الأمان وراحة البال وضحكة من القلب.

أصبحت اليوم مثقلة بالهموم ويعلو جبيني اليأس والانكسار جسد مرهق، مشاعري مبعثرة، مستقبلي مجهول، وأمنيات مشتةعلى قيد الإنتظار أعلم إنه قيل لي لا يظل من يسير على طريق مستقيم، فإستقمت ولكني شعرت بالضلالة حاولت جاهدة أن أقاوم تلك المشاعر أن ازرع في قلبي أمل كي لا أنطفئ ويبدو أني زرعت نفسي في أرض غير أرضي فذبلت، فسقاها الزمان مر الحياة، إن أسوء ما يحدث أن نبدأ حياتنا في ضياع المشاعر محاولين تدارك الخسائر المعنوية في شتات أنفسنا فنعجز هاربين

هكذا أنا كنت في فترة ما غارقة في ظلمات حزني كمن تلاطم في البحر بلا مجداف، أمضي متأرجحة من موجة تعلو بي إلى أخرى باحثة عن قشة أتعلق بها لعلي أنجو أظن إني امتلكت طوق النجات فإذا بي أغرق لا قاع في الأسفل ولا هذا ينتهي، لا يد تنقذني ياالله ابحث عن نجمة لأهتدي فيتشتت يقيني وتزداد العتمة، حينها

توقفت عن التأمل وعن التمنى والمحاولة، أصبح قلبي كالمحيط يحمل ثقل الآمال المحطمة الضائعه وبينما أنا غارقة في يأسي في تلك اللحظة التي ظننت فيها أن كل شئ كاد أن ينتهي، تراءى لي تسبيح ذا النون في بطن الحوت حين اشتدت به الظلمات بعضها فوق بعض وتذكرت يقين موسى حين حاصره البحر وجنود فرعون فقال (كلا إن معي ربي سيهدين) فأخذت ارددها بإصرار موسى على نفسه بالهداية واسبح تسبيح يونس وأنا على يقين ان الله سيهديني سينقذني وما خيب الله ظن الموقنين به، شعرت بأن ثمة نافذة صغيرة فتحت في قلبي تسلل النور من جديد فيها من السماء ليشع بداخلي ويقتل ذلك الظلام المهلك كان هناك للأمل نافذة مفتوحة دائماً برحمة ربي فمضيت أجدف بصبر وعزم وأنا مثقلة بالهموم نحو ما تشتهيه روحي، كان لابد ان أستمر في التجديف فالوقوف يعني الغرق، الطريقة الوحيد للنجاة هي أن أقاوم قد كنت على وشك الغرق لكني نجوت، قد نغرق أحيانا لعدم يقيننا بالنجاة قد نغرق ونحن على اليابسة فهذا الغرق يجعلنا أقوى من قبل وتجعلنا

فاذا غرقتم في ظلامات أحزانكم سبحو كما سبح يونس عليه السلام سبحي يانفسي بإقرارك بذنبك، بحبك لربك قولي (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). ينقذك الله منها كما انقذه من الغرق، ينقذك من حيث لا تعلمين مهما بلغ منك يانفسي التيه والضياع مبلغه أمضي

بيقين موسى يقينه الذي فلق له البحر سيهدي الله خطواتي وساصل للمكان الصحيح، نعم إنتهت المعجزات لكن لم تنتهي قدرة الله يانفسي صدقيني لا يقشع سواد اليأس عن قلبك إلا نور الدعاء فهل أيقنتم معي النجاة بالدعاء...

***

ذكرى البياتي

سيخفق قلبك.. وتتعالى سريرتك.. وتنطلق نسمات الربيع من أدغـال أعماقك كتنهيدة خلاصٍ أبدية تسامر قلوب المعذبين.. وترمي لحظتها جانبا" قساوة الزمن ودبابيس الأيام والخريف والحزن وأنت تجلس في ركنٍ من أركان المسجد كما أجلس أنا الآن داخل حرمـه متضرعا.. أنها الطمأنينة التي تشرح القلوب، أنها بهجة الروح وصفاء سريرتها، أنها الرحمة التي تلامس الأفئدة ومشاعر المؤمنين..

رحت أتأمل ثلّة من التلاميذ التفوا حول معلمهم الشاب وهو يرتل آياتٌ من الذكر الحكيم، يرددون ما يتلو بسعادة غامرة فتعلوا صيحاتهم بألحان رائعة تحاكي نغماتها الآفاق وتنطلق مبشرة إلى ما وراء الطبيعة والصدى وغيبيات الوجود الأزلي، كانت مشاعري أسيرة تلك الأهزوجة المقدسة وأرتقي شوقا" بين الفينة والأخرى لسماع جديدها.. جديد الترتيل المشوق لمعلمهم المثابر من صعود وانحدار في نغمات نبرتـه العذبة تارة، وترديد التلاميذ بصوتهم الناعم الرقيق تارة" أخرى، أحسست لحظتها براحة الجسد وسكينة النفس وكأني قد قطعت على قدم وساق دروب الأجيال الطويلة وسط الأعاصير والمطر، وتمنيت أن أتغلغل بين صفوفهم وأعود طفلا" أمضي وراء سذاجتي وأمتطي صهوة الأمنيات وأنتزع من على سحنتي آثار سنيني العجاف التي هجرها الربيع ورافقتها زوبعة الشتاء ووحل الضياع المهلك.. لامحض سُنّة مذهبية ولا فروض عقائدية قذفتني في قوقعة الخشوع تلك بل هي فطرة الهداية الإلهية التي أقنعت الروح على هجر طريق التمرد وتخليص النفس من وساوس الشيطان والكف عن ذنوبها والعصيان، فرحمة الهداية أسعفتني بزورق النجاة وأنا أتقاذف في بحر الظلمات وسط أمواج الخطيئة والطغيان، وها هي دموعي تسبق بصيرتي تعانق الندم وتتوسل الصفح حتى أمتزجت معها شهقات وغصة خرجت منتفضة من أروقة الأعماق أجهشت خلالها بالبكاء العميق مثل أولئك المحرومين الضعفاء، ذلك البكاء الحنون الذي يطفئ لهيب الحزن ويرّقع ثقوب الضمير ويقزم قامة الكبرياء..

وجدت أن غمامة النحس تتساقط من عليائها عند خشوعي والدعاء، ورأيت في برهة فقدٍ وإغماء أن ملائكة" شُدادا" تُحلّق فوق حطام النفس تهاجم الشيطان وتجرف أوكاره السوداء، وراحت عيناي نافذة الروح تسرح في سرابٍ ينقشع عنه الغبار وتنجلي عني سحابة الغموض وتنفتح أمامي جنائن مدهشة الغمار.. تبهر الأبصار.. ثمارها شيء عجيب وبلا رقيب.. قصورها رحاب، تعلوها بروجٌ وقباب، تقيم فيها كائنات رقيقة اللمسات.. جذاّبة الهمسات.. كلآلئ نثرت في عتمة الطرقات.. يتوارى عشاّقها خلف خمارٍ من ضباب.

أنه ربيع جديد يعدو فوق أنفاسي، وها هي خيوط الشمس تداعب إحساسي بوداعة وانشراح وأنا أحلّق مستأنسا" مع الطيور والنسمات، أطارد الرياح وأعبث كالشقي في أروقة السحاب وأهوي خافظا" نحو الحقول أقبّل الزهور وأغني مع حفيف الشجر.. ورحت أطوف مبتهجا" فوق روابٍ ساحرة بقوة خارقة تقمصت أحشائي أخذتني صوب سهول الحواري والقلاع.. نغماتها تطرب الأسماع.. فيها خمر ولهوٍ ومتاع.. تضطجع هناك على أرائك مذهبة، حواري شقر ناعسة، ساحرات الكمال.. مبهرات الجمال.. تناديني إحداهن بهمسٍ ودلال..

وفجأة.. استيقظت بوخزه دبوس من غفوة أحلامي وصوت المؤذن يصيح (حي على الصلاة.. حي على الصلاة) لأجد نفسي محاطا" بثلّة التلاميذ وهم ينظرون نحوي ويضحكون، فقد حسبوني متشردا".. بلا عقل.. مجنون.

***

ماهر نصرت – بغداد

صار يبحث عن موضوعات بها يستأنف معنى وجوده، ألفى نفسه أمام مهارات، بها يبلغ  مبتغاه، تمت مكافأته.. توصل إلى ابتكارات أذهلت من حوله، مسائل كان يتطلب الخوض فيها وقتا طويلًا، ودراسة متأنية، اكتشف مسميات بات فهمها أسهل من قبل.

أضحى الزمن بالنسبة اليه مثل دالة رياضية، تتحرك وفقا لمنظومة هذه العقارب التي تتلى أجزاؤها على شاكلة عناصر ذرية، تمت صياغتها بشكل دقيق، خاصة بعد أن تم تثبيت تجارب أبحاثه الطبية المتعلقة بموضوع الخلية الحيوانية، ليتم تداولها، وتدريسها لطلبة المراحل العليا من الكلية الطبية.

أمست الأفكار بالنسبة إليه مثل أشكال هندسية، تتغير بين الفينة والفينة، تكبر، تنشطر، ثم تلد، لتحط بأوزار أثقالها عند نقطة المنتصف،  ذلك بعد أن تخضع تماما لدائرة العقل.

ترتب عليه أن يواصل  مشوار شقائه الأزلي ، لعله يغترف من آباره كنوز ثروته التي بها يقدر أن يتجاوز حدود هذا القيد الذي يفرض معادلتي الفناء والبقاء.

قرر أن يستعيد صبره، راح يفكر على طريقة فاوست، أخضع نفسه لوثيقة التحدي، افترش جبروت شقائه المعرفي، ومضى لكي ينحت من الوجع أسطورة جديدة.

***

عقيل العبود

.................

* راجع اسطور فاوست، الميثولوجيا الاغريقية.

عائشة الكونتيسة او عيشة القنديشة ، مقاومة مغربية من أصول أندلسية قتل المستعمرون الاسبان زوجها ونكلوا بعائلتها فأبت الا أن تنتقم لهم.

ظلت الروايات المختلفة ترسم صور خاصة عن (عيشة قنديشة) فهي لا تخرج إلا بالليل ولا تنام إلا في الغابات أو بجوار المجاري المتهرئة ويمكن أن تأكل الثمار والاعشاب والحيوانات وحتى البشر، ولذلك أصبحت (عيشة قنديشة) رمزا حقيقيا لكل أنواع الرعب. متوحشة وشعرها المنفوش وقدماها اللتان تشبهان حوافر البغال أو الحمير وعنقها المزين بمنقار الفيل وبذيل أقرب إلى ذيل الكلاب.. هكذا هي قنديشة في العرف وفي الثقافة ،فما رأيكم أن في هذه الصورة الكثير من التجني والمغالاة واللاحقيقية .

التاريخ الحقيقي إما أن تكتب كل حقائقه أو يترك جانبا،أما عدا ذلك فإنه معرضا للاخطاء والاكاذيب والتضليل أحيانا، وهو ماحدث في قصة عيشة قنديشة.

قنديشة بتلك الصورة التي رسمت في تمثلات الثقافة الشعبية خاطئة تماما، إنها السيدة الحرة التي حكمت شفشاون بشمال المغرب، إبنة امير شفشاون علي بن موسى بن راشد ،وشقيقة وزير، وزوجة حاكم تطوان محمد المنظري ثم زوجة السلطان أحمد الوطاسي فيما بعد. كانت تعمل في الصباح في الخياطة والحياكة وتعليم الفتيات القرآن في منزلها وفي الليل تتحول عائشة إلى وحش كاسر تصطاد جنود الاستعمار الاسباني وتنكل بهم أشد تنكيل وكانت ترتدي رداء ابيض وتغطي وجهها برداء أسود حتى ظن الاسبان انها جنية وليست من البشر ن وكانت تتصيد الجنود الاسبان على جوانب الطرقات وفي ظلام الليل الدامس ويقال انها تستعمل كلاب مدربة للفتك بالجنود الاسبان وسحبهم الى الوديان ثم تقوم بتقطيع اوصالهم ليكونوا طعاما لكلابها.

وتضاربت الانباء حول وفاتها ولكن اغلب الاقوال تقول أنها توفيت بمنزلها في تطوان، لكن المؤكد انها تحولت من اسطورة للمقاومة والحهاد الى عيشة القنديشة (الجنية) اسطورة الرعب التي تقتل الرجال ولها سيقان ماعز. وهي قصة ألفها الجنود الاسبان ظنا منهم أنها ليست من البشر وتنقالها المغاربة منهم لتصبح مجرد أسطورة من أساطير قصص الرعب التي تروى في مجالس الكهول .

***

رنا فخري جاسم/ العراق

جامعة بغداد / كلية اللغات

استقيت عنوان المقال هنا من رواية "حمار الحكيم" من تأليف "توفيق الحكيم " عام 1940م.. وهي رواية تمتاز ببساطة أسلوبها وتصويرها لأحداث واقعية بطريقة لا تخلو من الطرافة والمتعة وذلك من خلال ذكره كيف اشترى حماراً صغيراً من أحد الفلاحين لمجرد أنه أعجب بشكله.. مع ذكره المواقف الطريفة التي حدثت معه عندما اشترى هذا الحمار الصغير وإقامته في الفندق وكيف قام بإدخال الحمار إلى غرفته من دون أن يشعر أحد بذلك.. وركز توفيق الحكيم في روايته على ذكر أحوال الريف المصري وما فيه من الفقر وقلة الاهتمام بأمور الصحة والنظافة عند أهل الريف في ذلك الزمان.

وقد بات الحمار في رواية "توفيق الحكيم" مجرد رمزاً للحوار والسرد الروائي لأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، كما هو حال الكثيرين ممن استخدموا الحيوانات في كتاباتهم للولوج في الأحداث الدائرة في مجتمعاتهم بشيء من السخرية الأدبية، كما يفعل ممن يكتبون في أدب الأطفال والمسرحيات مثلاً، حيث يجعلون الحيوانات مادة مرنة يتلاعبون بها كيفما يشاؤون ووقتما يشاؤون لأسباب كثيرة وأهداف متعددة.. فتكون الشخوص من الحيوانات كالأسد والقط والديك والثعلب والأرنب وغيرها.

أما مقالي هنا فيدور حول الحمار المسكين.. وتساؤلاتي عن حال الحمير بين البشر.. فلماذا خلق الله هذا الحيوان بلا حول ولا قوة، بل ونعت صوته بأنكر الأصوات؟  ما ذنب هذا الحيوان المغلوب على أمره حتى يشقى أغلب عمره في خدمة البشر، وتحمّل شقاء حمل الأثقال وجر العربات والدوران في السواقي وتلقي الضرب بالعصي والمهانة؟ لماذا يختلف هذا الحيوان من حيث المكانة عند البشر عن حال الحصان مثلاً، حيث للحصان عند الناس له مكانة عالية ويرمز للفخر والعزة والدلال؟

قد يجادلني البعض، ولن أختلف معهم البتة، بأن الخيول والحمير والبغال والجمال والأبقار كلها مطايا للبشر وتتعرض لمشقة ركوب البشر على ظهورها وتجر العربات المحملة بالأثقال وتفتقر للحرية في العيش كما تعيش باقي الحيوانات في البراري والسهول وتمارس حياتها الطبيعية في أرجاء الطبيعة.. تقتات وتتزاوج وتتصارع فيما بينها حسب قوانين الطبيعة الحيوانية، بل وقد تتعرض بعضها لهجمات الحيوانات الكاسرة كالأسود والذئاب والضباع وغيرها من الحيوانات الآكلة للحوم.

لقد لخص الأستاذ "أحمد شمس الدين" (القبس) قضية حمار فقد صبره ولجأ للانتقام من مالكه العنيف معه بقوله "لقد قتلوك يا حمار واحرقوك وتخلصوا منك".. فقد خرج حمار "موجوع" عن صمته وصبره وجلده وقوة تحمله، ليوجه لصاحبه "عضات" حاول من خلالها استرداد كرامته المسلوبة، وهو يتلقى الاهانات، إما ضرباً مبرحاً وإما دفعاً أو حتى رفساً، وهي صفة "حمورية" بحتة!  ويشرح من وجهة نظره ما يتعلق بالحالة النفسية الصعبة والوضع المهين الذي اوصله اليه صاحبه، حتى أفقده صوابه، وأخذ ثأره بنفسه عندما قام بعضه في وجهه، ربما انتقاماً من "البوكسات" التي تلقاها على وجهه الحموري ورأسه الصلب، وقام بعد ذلك بقطع جزء من لحم فخذ صاحبه واستمر في رفسه بهدف قتله، لولا تدخل العناية الإلهية التي انقذته على يد أهله وأصحابه الذين هبوا لنجدته!

ويضيف "شمس الدين" بأن الحمار الصبور حسبما أفادت الصحف تحول فجأة الى "مسعور" وحتما لهذا السعار "الكلبوي" اسباب يمكن تلخيصها في تلقيه الاهانة العميقة، والاسلوب اللاإنساني أو "اللاحموري" الذي كان يتعرض له يومياً، على يد صاحبه الغليظ القلب، ولو كان الحمار على قيد الحياة حتى لحظة كتابة هذه الأسطر لربما سرد لنا ما مر به طوال فترة خدمته لبني البشر!  ولأن الحمار معروف بالصبر والجَلّد وقوة التحمل، فإنه بات من الاهمية بمكان ان نضيف لصفاته صفة الكرامة، وعدم قبوله بأي نوع من انواع الضرب والمهانة، لا سيما إذا كان الضرب من نوع "الطراقات والبوكسات"!

في حالة حمارنا هذا، يجب ان نقف جميعاً وقفة تأمل انسانية، والنظر بعين العطف لعموم حمير العالم، وأخذ الحيطة والحذر والتفكير العميق مليون مرة قبل الاقدام على اهانتها، لان العابثين بمصائر الحمير ونفسياتها أيا كانت جنسياتهم، سيكون مصيرهم وجزاؤهم العض العميق والرفس والدوس والنهيق، احتجاجاً صارخاً على المعاملة الدونية لأكثر حيوانات العالم ذكاءً واقواها تحملاً، وصبراً وجَلَداً، وخدمةً لبني البشر، منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة.  للصبر حدود يا بني البشر، رسالة قوية يرسلها كل حمار "مظلوم" في أصقاع المعمورة، ولنا في ذلك "الحمار الدرعوي" خير مثال، على نفاد الصبر.. فهل يا ترى نتعظ؟!  أو هل نجتمع كلنا لمناصرة الحمير كما فعلت ممثلة الإغراء الفرنسية "بريجيت باردو" قبل عقود من تبنيها ومناصرتها لحمير العالم؟

ويقول في شأن الحمير الأستاذ "خالد القشطيني" (الشرق الأوسط) بأن الحمار "مركوبٌ ومضروبٌ"، أي "مطلوبٌ ومذمومٌ".  نركبه بسبب كسلنا ونضربه ليسرع بنا.  ولكنه أيضاً "مركوبٌ ومشتومٌ"..  فنحن نصف أي امرئ غبي بأنه حمار.. فالحمير عندنا مذمومة بشكل عام. يصفون أي موظف أو طالب أو حتى طبيب فاشل بأنه حمار..  وهي مسبة لكل عشيرة الحمير.. ننسى فضله علينا.. ولكن للحمير عند الغربيين مكانة خاصة.. فهناك في بريطانيا مثلاً جمعية كبيرة باسم جمعية الرفق بالحمير.. بل وحتى عندنا فقد تم اقامة عدة مستشفيات وملاجئ وجمعيات للحمير في الشرق الأوسط، في مصر والأردن والسودان ولبنان.

الحمار في الحقيقة حيوان ديمقراطي لأنه "مَركَبٌ" للبسطاء والفقراء - في حين أن الحصان حيوان أرستقراطي.. والحمار أيضا حيوان مسالم يؤمن باللاعنف.. فلم نسمع عن فارس يخوض الحرب على ظهر حمار.. وهذا من أسرار حب الأوروبيين له.. فهم يتذكرون بأن "السيد المسيح" عليه السلام عندما ذهب إلى القدس كان راكباً حماراً.. وفي ذلك رمزية عن التواضع والفقر والسلام.. وكثيرا ًما نلاحظ الأجانب يهرعون إلى أي حمار يصادفونه فيمسحون على رقبته ويغازلونه ويشاركونه بما بأيديهم من طعام، آيس كريم أو حلويات أو كعك ونحو ذلك.

أما الحصان مثلاً، رغم علو شأنه بيننا، فهو الآخر في أحيان كثيرة يتعرض للصعاب.. ندخل به الحروب ونمارس على ظهره بعض الرياضات والسباقات.. ويتعرض للجلد والتعنيف.. وكذلك الحال مع البغال والجمال أيضاً، حيث نمارس ضدها الكثير من الممارسات الشاقة ونحرمها من حريتها وممارسة حياتها الطبيعية.. لذا أتجرأ هنا وأتسائل عن عدالة السماء في خلق هذه الحيوانات وتسخيرها لخدمة البشر وعيشها في شقاء وبلاء ومهانة؟

ويمكن بشكل عام القول بأن القرآن الكريم قد بين أن الحيوانات سُخرت لخدمة الإنسان، ولكن في نفس الوقت يفرض على الإنسان المسلم معاملة الحيوانات بلطف ويمنع أي إساءة لها.. الحيوانات، مع سائر المخلوقات، يُعتقد أنها تعبدُ الله بالرغم من أنها لا تعبّر عن ذلك بلغة البشر.. وقضية الرفق بالحيوان هي الأخرى مثار للجدل والنقاش بين الكثيرين، وتتفق معظم الآراء على مبدأ إنساني أخلاقي إسلامي، يقوم على العطف على الحيوانات وتقديم الرعاية لها، وقد حثت التشريعات الإسلامية على الأمور التي تتحقق بها رحمة الحيوان، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) خير أسوة في ذلك، فلخص لنا منهجاً كاملاً في كيفية العناية بهذه الحيوانات بشكل عام.. ربما من أهم الأمور المرتبطة بالرفق بالحيوانات هي كلمة "الرفق"، أي مراعاة مشاعرها كونها كائنات حية لها حقوقها وعلينا واجبات تجاهها.. فيتوجب علينا إطعامها وتقديم النفع لها واستخدامها بالمعروف.. وقد توعد سبحانه وتعالى أشد الوعيد كل من ملك حيواناً وفرط فيه دون إطعام أو شراب.. وقد تم تحريم اتخاذها هدفا لأي شكل من المبالغة في تحمليها فوق طاقتها لما لذلك من آثار سلبية على نفسية الحيوان، ولان هذا يدخل ضمن ممارسة العنف ضدها وذلك حرام شرعاً.

بل ويتوجب علينا الإحسان إلى كل الحيوانات حتى عند الذبح من أجل الطعام، وذلك بذكر اسم الله عند ذبحها واحترام حقها في موت رحيم دون ألم أو تعذيب.. ويتوجب علينا من الناحية الأخلاقية والدينية إنقاذها إن كانت في محنة أو مأزق، كمن سقط من الحيوانات في بئر أو حفرة أو غرق أو تعرضها للإصابة البدنية.. بهذه التعليمات السامية، التي تدعو إلى احترام حقوق الحيوانات في الحياة باطمئنان، يقدم ديننا الحنيف أروع مثال في الرفق بالحيوان والحرص على حقوقه، فحث الإنسان على أن يكون رفيقاً به، لما يترتب على ذلك من أجر وثواب.. وربما نتذكر قصة تلك المرأة مع الهرة كمثال على حث المسلم على عدم التسبب في أذية الحيوانات.

فما بال من تعارفوا على رياضات كمصارعة الثيران والديوك والكلاب والجِمال، وتؤدي بعضها للموت أو الإصابات والتعذيب والمهانة؟   وكذلك الأمر مع سباقات الخيل والجمال وغيرها.. وماذا نقول في شأن من يقتلون الحيوانات والطيور باسم رياضة الصيد؟   وكيف نتقبل تحميل بعض الحيوانات مثل الحمير والبغال والجِمال أحمالاً فوق طاقتها الطبيعية؟   وأميل هنا أيضاً لمساءلة من يقتنون الطيور في أقفاص، أو يربون (أو يحكِرون) الحيوانات "الأليفة" في المنازل، حيث تعيش تلك في بيئات غير طبيعية، بالرغم من تلقيها المأكل والمشرب والرعاية.. لكنها في نهاية المطاف تكون محرومة من ممارسة الحق في حريتها بغير حق!!   بل والأقسى يكون عندما تتخذ بعض العائلات من عملية اقتناء القطط والكلاب الصغيرة من أجل أهواء وقتية قصيرة المدى ثم يتخلصون منها برميها في الطرقات والبراري وهي لم تتعود قط على تلك الحياة فتكون ضحية للحيوانات الأخرى والجوع والعطش وتقع فريسة للأمراض، بل وبعبث بعض الأطفال الجهلاء ممن يجدون متعة "سادية" منحرفة في سوء معاملتها وتعذيبها، بل وقتلها بلا رحمة!!

***

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني 

مُلا عثمان الموصلي: لماذا يبقى مجهولاً صاحب لحن "زوروني بالسنة مرة"؟

ملا عثمان الموصلي: لماذا يبقى مجهولاً صاحب لحن "زوروني بالسنة مرة"، و"فوق النخل" و"طلعت يا محلى نورها" و"يا أم العيون السود" وكاتب كلمات "قدك المياس يا عمري"؟! مزعج هذا القفز والتعتيم على العراق اسماً وحضارة ومبدعين الذي يمارسه أغلب الإعلاميين والمثقفين العرب في الإعلام المعاصر؛ فقبل أيام كنت أشاهد برنامجاً وثائقيا لطيفا على إحدى القنوات الفضائية العربية حول نجوم الغناء والتمثيل القدماء والأماكن والأغاني التي ترتبط بحكايات وذكريات جديرة بأن تروى. وكانت الحلقة التي شاهدتها حول المطرب المصري القديم والشهير الشيخ سيد درويش. ومن ضمن الأسماء التي ارتبطت بعلاقة قصيرة بالشيخ درويش ورد ذكر الشيخ مُلا عثمان الموصلي. الغريب أن المتحدث فعل المستحيل، ولف ودار، ودار ولفَّ حتى لا يذكر جنسية الموصلي العراقية وجلَّ ما قاله إنه قدم من حلب إلى مصر والتقى بالسيد درويش، ولم يذكر أين ولد ومن أين سافر. والصحيح، أن الشيخ سيد هو الذي سافر الى حلب والتقى فيها بالملا العراقي كما سيأتي بيانه بعد قليل.

* هنا تعريف سريع بالمُلا عثمان الموصلي استقيت أغلب معلوماته من مقالة للسيدة الباحثة الموسيقية فاطمة الظاهر حول سيرة المُلا عثمان: هو عثمان بن الحاج عبد الله بن عمر الموصلي ولد عام 1854م في محلة باب العراق في مدينة الموصل وقيل في غيرها في عائلة فقيرة يعيلها والده السقاء والذي ورث المهنة عن أجداده.

توفي والده وهو في السابعة من عمره، وما لبث أن فقد عثمان بصره متأثراً بمرض الجدري، وضمه جاره محمود العمري إلى أولاده لرعايته وعين لهُ معلماً حفّظه القرآن، وقد أعجب العمري بصوت عثمان فخصص لهُ معلماً يعلمه الموسيقى والألحان فنبغ فيها وحفظ الأشعار والقصائد، وشرع عثمان في تعلم علوم اللغة العربية. وكان صوفيا على الطريقة القادرية.

سافر الملا إلى إسطنبول حيث تلقاه أحمد عزة باشا العمري، وعّرفه على مشاهير الناس وعلمائهم، ولكي يوسع معارفه سافر الملا الضرير إلى مصر. وأصدر وهو في مصر مجلة سماها "المعارف" ولكنها لم تستمر طويلا. عاد من مصر إلى الموصل، وكان قد درس في بغداد على يد الشيخ محمود شكري الآلوسي. سافر الملا عثمان إلى اسطنبول أكثر من مرة، أقام في إسطنبول في زيارته الأولى بين عامي 1887 و1895، نال بسبب فخامة صوته وحسن تلاوته حظوة السلطان عبد الحميد، الذي عيّنه شيخ قراء جامع آيا صوفيا.

وفي مقهى (قراءة خانة) بإسطنبول أحيا الملّا عثمان الأماسي الرمضانيّة مع نخبة موسيقيّي المدينة مثل عازف الكمان ممدوح، وعازف القانون شمسي باي، والمغني قراقاش أفندي، وظلّ المقهى العثمانيّ الشهير حتى الحرب العالميّة الأولى، مساحة ثقافيّةً تردّد عليها شعراء ومسرحيون وموسيقيون من وزن الطنبوري جميل باي، والعوّاد نورس، ورؤوف يقطا، وعازف الكمان الأرمنيّ تاتيوسس أفندي إسكرجيان واليوناني فاسيلاكي، وغيرهم من موسيقيي الأقليّات التي كانت تمسك بمقاليد صناعة الترفيه الموسيقيّ في إسطنبول.

أستمع إليه الناس في جامع آيا صوفيا وأعجبوا به وأصبح مقصداً للمجتمع الأدبي والفني. وأهم الشخصيات التي تعرف بها في إسطنبول محمد أبو الهدى الصيادي وأخذ عنه الطريقة الصوفية الرفاعية.

ذاع صيته خارج العراق وخصوصا في تركيا ومصر وبلاد الشام. زار الشام ونال اعجاب المغنين والفنانين، ثم زار بيروت وسافر منها الى مصر فألتف حوله مشاهير الطرب والغناء أمثال عبدة الحمولي ومحمد عثمان، وقد استمع منهم الى الأدوار ثم أسمعهم غناء الادوار المصري، فأعجبوا بأدائه، كان عثمان الموصلي موضع حفاوةٍ وإجلال وإكرام في كل بلد يحل بها. التقى عند ذهابه إلى مصر عام 1895 بالموسيقار عبده الحمولي وغيره من رجال الموسيقى والفن ودرسوا عليه فنون الموشحات. والتقى عام 1909 بسيد درويش في الشام، حيث تعلم سيد درويش منه الموشحات وفنون الموسيقى، وقام بتخميس لامية البوصيري (التخميس هو أن يأخذ الشاعر بيتاً لسواه، فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له في الوزن والقافية، أي يجعله عجز بيت ثانٍ، ثُمَّ يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين فيحصل على خمسة أشطر).

كان الموصلي شاعراً باللغة العربية والفارسية والتركية، وكانت أكثر أشعار المواليد النبوية وتلحينها في العراق من نظمه وتلحينه. وكان يجيد الضرب على الدف عالِماً بالإيقاع والأوزان، ملحناً من أحسن الملحنين، وقد ألف كتباً عديدة. لديه عدد كبير من الموشحات والأغاني والتي معظمها موشحات وابتهالات دينية، حولت فيما بعد الى موشحات وأغنيات عاطفية يتغنى بها مشاهير الغناء العربي وأهمل صاحبها جهلاً أو عمدا، وأشهرها:

* "زوروني كل سنة مرة"، انتشرت هذه الأغنية بسرعة. وأصل هذه الأغنية موشح "زر قبر الحبيب مرة". والتي اقتبس لحنها سيد درويش هي وأغنية "طلعت يا محلى نورها" التي كانت موشحًا للموصلي بعنوان "بهوى المختار المهدي".

* «أسمر أبو شامة» وأصلها «أحمد أتانا بحسنٍ وسبانا».

* «فوق النخل فوق» التي هي بالأصل ابتهال "فوق العرش فوق".

* "ربيتك زغيرون حسن" التي كانت في الأصل «يا صفوة الرحمن سكن».

* أما أغنية «يا أم العيون السود» فقد اشتهرت بصوت ناظم الغزالي وانتشرت في معظم أنحاء العالم العربي، فهي من ألحان الموصلي أيضا.

ومن الأشعار المغناة التي أبدعها الملا عثمان الموصلي نذكر:

قدُكَ المياس يا عمري

يا غصين البان كاليسرِ

أنت أحلى الناس في نظري

جلَّ من سواك يا قمري

قدك المياس مُذ مالَ

لحظُكَ الفتان قتالا

أنا وحبيبي في جنينة

والورد مخيم علينا

عيونك سود يا محلاهم

قلبي تلوع بهواهم

صار لي سنتين بستناهم

حيرت العالم في أمري.

***

علاء اللامي

...................

* هذه كلمات أغاني أيام زمان قبل أن ننتقل إلى أغاني الردح والرثاثة من نوع "تعال أشبعك حب أشبعك دلال.. أريد اگلك آني قافل عليك"!

* الصورة لتمثال الملا عثمان الموصلي في الموصل وقد دمرته عصابات داعش الإجرامية حين سيطرت على المدينة سنة 2014.

تجاورت مثل نجوم في السماء أفراح رمضان وعيد القيامة المجيد وشم النسيم وعيد الفطر توحد المصريين في تحالف وجداني وقومي تزينه خمسة أيام إجازة، يمكنكم أن تسترخوا فيها وتكسلوا قدر ما تريدون، فليس كل الكسل عيبا،  بل إن بعضا من عظماء الأدباء امتدحوا الجوانب الممتعة والمفيدة من هذه الحال. وقد اعتبر الكاتب المصري الفرنسي ألبير قصير أن الإنسان الكسول وحده يملك الوقت للتأمل والتفكير! وعندما سألوه:" لماذا تكتب؟"، أجابهم:" حتى لا يستطيع أن يعمل في الغد من يقرأ لي اليوم"! أي أنه يكتب تشجيعا للكسل! ولكى نرفع عن الكسالى أي حرج أقول إن كولومبيا شرعت في الاحتفال بيوم الكسل منذ عام 1985، وتعود فكرة الاحتفال إلى " كارلوس مونتويا" أحد سكان مدينة " ايتاجوى" الذي بدأ موضحا: " علينا أن نحتفل بالاستمتاع بالحياة وليس فقط بضجيح الأعمال التجارية والصناعية". وفي ذلك اليوم يخترق الآف الكولمبيون الشوارع رافعين المراتب والأسرة والأغطية رمزا للكسل الجميل، ويقيمون المسابقات لأفضل بيجاما، وأجمل غطاء نوم! أما أمريكا فقد بدأت الاحتفال بيوم الكسل العالمي منذ عشر سنوات. استرخوا وإكسلوا إذن. وقد امتدح الاستمتاع بالحياة أدباء عظام منهم الكاتب الألماني هيرمان هيسة في كتابه " فن الكسل" مشيرا إلى أن الكسل: " فن قديم دمرته مكنة التفكير الحديثة الخالية من الروح علاوة على النظام التعليمي الذي سلب الفرد حريته الفكرية وشخصيته المستقلة"، ثم يوضح فكرته قائلا: " لطالما كان الفنانون بحاجة إلى شيء من الكسل، ويرجع ذلك إلى حاجتهم لفهم وهضم التجارب التي تمر بهم، ومنح الفرصة للأفكار التي تخرج من اللاوعي حتى تنضج". هناك أيضا فيلسوف عالمي معروف هو برتراند راسل الذي كتب كتابا بعنوان " في مديح الكسل"، صدر عام 1935، ذهب فيه إلى أن الحضارة الانسانية انتعشت في ما مضى بفضل الكسل الذي وفره كدح العبيد للسادة والنبلاء بحيث تفرغ السادة للفنون والعلوم، ويستشهد راسل بقصة مسافر في إيطاليا وقع بصره على اثني عشر شحاذا استلقوا في الشارع، فعرض عليهم أن يقدم ليرة لأكثرهم كسلا، فهب الجميع وقوفا فقام المسافر بمنح الليرة للرجل الثاني عشر الذي بقى مستلقيا وتكاسل عن النهوض! وعن الكسل تقول أجاثا كريستي الكاتبة الأكثر رواجا في العالم: "الاختراع ينبع في تقديري من الفراغ، وربما من الكسل أيضا، بهدف أن يوفر المرء على نفسه الجهد الشاق". ويقول الكاتب الانجليزي جيروم. ك. جيروم صاحب رواية " ثلاثة في قارب": " إنني أحب الكسل فقط عندما لا يصح أن أكون كسولا.. حينذاك أحبه" ! وسنجد في تراث معظم الشعوب المثل القائل: " الكسل أحلى مذاقا من العسل"، ومع ذلك كله فلا ينبغي أن يفهم من الحديث أنه دعوة للتكاسل، لكنه دعوة للاستمتاع بالحياة، فكما يتعين علينا أن نستمتع بالعمل حتى الشاق منه، فإن علينا أن نتقن فن الراحة، والاسترخاء، لكي نواصل العمل، سواء أكان عملا أدبيا، أو اعتياديا، أو متعبا، لأن العمل يظل أساس التقدم الانساني كله، وبفضله تقدمت البشرية وسيطرت على الطبيعة وغارت في النفس الانسانية، ووصلت إلى القمر. استرخوا إذن وإكسلوا أيام أعيادنا الجميلة، لكي تتأهبوا لمزيد من الإبداع، والانتاج، والثمار، والتقدم.   

***

د. أحمد الخميسي

قاص وكاتب صحفي مصري

انقسمت الصين في العهود الغابرة، قبل الميلاد الى ثلاث دويلات شو، وُي و وُو عُرفت في التاريخ باسم فترة الممالك الثلاث، إذ تحولت الصين الى ساحة حرب ودم ونيران وفوضى،وتقاسم جبالها الوعرة وسهولها الواسعة أمراء تلك الدويلات..

استثمرت تلك الأحداث المأساوية والحروب الدامية فنياً وأدبياً من طَرف أديب اسمه لو غوانغ تشونغ، عاش في القرن الخامس عشر ميلادي، فأبدع رواية الممالك الثلاث، الرائعة والمليئة بالعديد من الشخصيات العسكرية والسياسية والأنثوية، ومن بينها كانت شخصية كونغ مينغ الذّي يعتبرُ في الصين نموذّجاً للذكاء وعبقرية التخطيط..

و كونغ مينغ كان شخصية تاريخية حقيقية عاشت في تلك الحقبة، اسمه الحقيقي تشو قه ليانغ، أصله من مقاطعة شاندونغ بشمال الصين..

كان يعيش في الريف يَقضي مُعظم وقته في القراءة، إذ كان مُطلعاً على معارف العصر من تاريخ وجغرافية وفن الحرب والقتال. وكان يُؤلمه كثيراً الثمن الباهظ الذّي يدفعهُ الناس بسبب الحروب والصراعات الدموية في البلاط بين الوزراء والمستشارين أو في ساحات القتال بين الجنود والقادة العسكريين ذوي الميول الاستقلالية..

اختار الوُقوف بجانب ليو بيه أمير دولة شو ووضع جميع قدراته الفكرية وكفاءته التخطيطية في خدمته فاستطاع أن يُحقق انتصارات باهرة على قوات جرارة يقودها عدوه اللدود تساو تساو، مؤسس اسرة وُي...

كما اقترح عليه التحالف مع دولة وُو في الجنوب التي يحكمها سون تشوان، وتم ذلك التحالف الذّي حقق بفضله انتصارا مدوياً في معركة الجرف الأحمر على ضفاف نهر اليانغتسي..

وخطته الذكية في تصنيع مئات الأسهم في ثلاث أيام أبهرت ولا تزال تُبهر من يقرأها وتُؤكد عبقريته إذ استفاد من الضباب الكثيف فأمر السفن من مملكة وُو أن تقترب أكثر من معسكر العدو تساو تساو، وكانت سفنه الحربية صغيرة تحمل جنوداً من القش فاعتقد جنود وُي أن العدو يهاجمهم بسبب عدم وُضوح الرؤية فبدأ يمطرهم بالنبال التي كانت تصيب الرجال المصنوعين من القش..

ورجل عبقري ومُخطط عسكري بارع مثل هذا الأكيد أن الأمراء والقادة لا يُفرطون فيه لذلك أوصى له ليو بيه بالعرش وهو يحتضر لكنه رفض بشدّة وفضل أن يستمر في خدمة ابنه الأمير ليو تشان، واستمر في تهدئة الأوضاع في البلاد ، وقام بتسوية النزاعات الداخلية في مملكة شو مرات بالحسم العسكري ومرات أخرى بالتكتيك السياسي الماهر كما قام بإصلاحات اقتصادية وتنظيم الجيش، بل إنه قاد الحملات العسكرية بنفسه مرات عديدة للقضاء على وُي وتوحيد البلاد لكنه فشل.

وقد مات في معسكرات الجنود وهو يحاول توحيد البلاد تحت راية أسرة واحدة قوّية.

***

بقلم: عبد القادر رالة 

تعتبر السياحة العرقية واحدة من أهم وأبرز أشكال السياحة الثقافية المستدامة في الفلبين والكثير من الدول في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وكمبوديا واندونيسيا وفيتنام ولاوس وتايلند وبروناي وميانمار، إلى جانب أشكال وأنواع كثيرة، مرتبطة بالمواقع الاثرية والمنتجات الحرفية اليدوية (الحرف الخشبية في باجيو، القيثارات المصنوعة يدويا في سيبو) والأسواق العتيقة والمعارض والمتاحف والقرى العرقية (قرية باتايو العرقية، قرية بانايو العرقية وغابة الصنوبر) والدروب الاثرية المحلية وغيرها.

وقد وجدت وتطورت هذه السياحة في الفلبين (أي السياحة العرقية) في ظل الاهتمامات الواضحة للسلطات السياحية والثقافية والبيئية بهذا الشكل السياحي الحيوي من خلال الاستثمار الأمثل للموارد الثقافية المرتبطة بالأقليات العرقية في البلاد، وخصوصا المتميزة منها. وهي كثيرة ومتنوعة، باعتبارها مغريات سياحية عالية التأثير وجاذبة للسياح والزوار من مختلف بلدان العالم، ومحققة للتدفقات السياحية إلى مناطق استيطانهم، وإلى أماكن إقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية – العرقية، مثل مهرجان (كامولان) في (مالاي بالاي)، ومهرجان (كاليمودان) في (ايسولان)، ومهرجان (كاليلانكان) في (سانتوس)، وغيرها (موريونيس، أنيبينا بولاوان، الفوانيس العملاقة). ووفقا لأسس الاستدامة المعروفة، الداعية إلى تنمية وتطوير تلك الموارد، واستخدامها بعقلانية، والحيلولة دون استنزافها، والاشتراك الواسع والحقيقي والدائم للأسر والأشخاص الذين ينتمون إلى تلك المجموعات العرقية في النشاطات السياحية المختلفة، على نحو دائمي أو مؤقت، وبما يرفع من مستواهم الاقتصادي والمعيشي، ودون المساس بمنظومة القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية الخاصة بها على قدر الإمكان. وهذا جانب مهم جدا، ويتم التركيز عليه دائما باعتباره أحد أهم أركان السياحة الثقافية المستدامة التي باتت تظهر وتنتشر في كثير من الدول في العالم في ظل تنامي الوعي لدى العموم ولدى السياح على وجه الخصوص.

***

بنيامين يوخنا دانيال

....................

للمزيد من الاطلاع، ينظر (ببليوغرافيا السياحة العرقية) للباحث. مطبعة بيشوا. أربيل – العراق 2014.

لا يمكن الحكم على مصير الإنسانية بصورة قاطعة، فالتطور التكنولوجي والسوسيوثقافي قد يؤدي إلى تجويد حياة الإنسان وتقدمه في العديد من المجالات، ولكنه في المقابل يمكن أن يتسبب في تحديات وتهديدات جديدة.

على سبيل المثال، يمكن أن يتسبب التطور التكنولوجي في زيادة العزلة والانفصال والتباعد بين الناس، مما قد يؤدي إلى انخفاض مستويات التفاعل الاجتماعي والعاطفي. كما يمكن أن يؤدي التطور التكنولوجي إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

من جهة أخرى، يمكن أن يتسبب التقدم التكنولوجي في ابتعاد الإنسان عن طبيعته، وتعزيز الهيمنة الإلكترونية والتحكم الآلي على سلوكاته ، وهذا يعني أن البشر يمكن أن يفقدوا القدرة على السيطرة على التكنولوجيا التي اخترعوها.

فضلا عن ذلك، يمكن أن يتسبب التقدم التكنولوجي في تفاقم التهديدات الأمنية والصحية، مثل الهجمات السيبرانية، مما يزيد من حدة التوتر والانقسامات العالمية.

ومن أجل الحفاظ على إنسانية الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي يجب اتخاذ التدابير الاستعجالية حيث يجب أن تكون الأخلاق والقيم الإنسانية في مقدمة التفكير عند تصميم وتطوير التقنيات الذكية، وضمان أن تكون تلك التقنيات تدعم الإنسانية وتحميها. كما يجب تشجيع التفاعل الاجتماعي بين الناس والتنوع الثقافي ، والحفاظ على التواصل الإنساني، وتجنب الاعتماد الكلي والأعمى على التكنولوجيا وأن تكون هناك شفافية في استخدام التقنيات الذكية وتقديم المعلومات المتعلقة بها، وضمان المساءلة للأطراف المعنية عند وقوع أي أخطاء وحماية خصوصية البيانات الشخصية للأفراد وضمان عدم استخدامها بطريقة غير مشروعة أو غير أخلاقية.

إن التعاون والشراكة يشكلان جزء مهما من الجهود المطلوبة للحفاظ على إنسانية الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي. ويمكن أن يتم التعاون والشراكة على المستويات العديدة حيث يجب أن يكون هناك تعاون وشراكة بين الحكومات والشركات التقنية لتحديد الأهداف الإنسانية المشتركة وضمان استخدام التكنولوجيا بطريقة تحمي حقوق الإنسان. أيضا يمكن للمؤسسات التعليمية والصناعية التعاون لتوجيه المهارات والتدريب اللازمين لتطوير وتحسين تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان استخدامها بشكل صحيح.

على المستوى الدولي يجب أن يتم التعاون لتحديد الأهداف الإنسانية وتطوير السياسات والتشريعات التي تحمي الإنسانية وتضمن استخدام التكنولوجيا بطريقة أخلاقية ومسؤولة.

أما على مستوى جمعيات ومنظمات المجتمع المدني يمكن التعاون معها لرصد استخدام التكنولوجيا والمساءلة عند وقوع أي انتهاكات.

بشكل عام، يجب أن يكون التعاون والشراكة حاضرين في كل مجال يتعلق بالذكاء الاصطناعي، لضمان استخدام التكنولوجيا بطريقة أخلاقية ومسؤولة، وحماية حقوق الإنسان، والحد من الانحرافات الناتجة عن استخدام التكنولوجيا بشكل خاطئ. كما يمكن للتعاون والشراكة أن يساعد في تحقيق الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للتكنولوجيا، مثل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتعزيز الاستدامة البيئية. لذلك، يجب أن يعتمد الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي على التعاون والشراكة بين جميع الأطراف المعنية.

***

عبده حقي 

وهو في عقده التاسع رأيناه في أوج عنفوانه وبهاء ألقه يُلقي بيننا درسا بمناسبة تكريمه في كلية الآداب بتونس سنة 2014

هو أستاذنا توفيق بكار أحد مؤسسي الجامعة التونسية وأحد أعمدتها الراسخة والشامخة بفضل سعة علمه وعمق اِطلاعه وطرافة اِستنباطاته وتواصل عطائه تدريسا وتأطيرا وتأليفا ومساهمة متميزة في الأنشطة الثقافية على مدى نصف قرن بل يزيد بسنين عددا

ذلك هو توفيق بكار كما عرفتُه منذ أربعين سنة في وقار وهدوء ولطف أستمع إليه بشغف فإذا صوته ينساب بالعربية اِنسيابا والحروف تنثال في نبراته اِنثيالا وهو يشرح في إمتاع وإبداع باب الحمامة المطوقة من كليلة ودمنة هذا التأليف العابر للحدود وللعصور وقد توقّف ـ سي توفيق ـ عند بعض العبارات الواردة في النص مثل عبارة ـ إخوان الصفاء ـ فرأى أن الإخوان غير الإخوة لأن الإخوة تربط بينهم القربى التي على أساسها النّسب بينما الإخوان تربط بينهم القرابة التي أساسها الانسجام والتعاون والتضامن أمّا كلمة الصفاء فقد رجع أستاذنا بمعانيها إلى الاِشتقاق اليوناني فاِنتقل بنا من لغة إلى إلى لغة ومن الجغرافيا إلى التاريخ ومن خصائص الحيوان إلى طبائع الإنسان فراح يُفضي بنا من فن إلى فن ومن علم إلى علم حتّى وصل بنا إلى الاستنتاج المتمثل في أنّ الحيوانات المتنوعة التي تعاونت وتضامنت وتصافت من أجل خلاصها في نص الحمامة المطوقة يمكن أن تكون عبرة للناس أجمعين كي يتجاوزوا خلافاتهم واِختلافاتهم ليعيشوا في أمن ووئام وينتصروا على العدوّ المتربص بهم

ذلك هو الدّرس الذي اِستنبطه أستاذنا توفيق بكار من شرحه الموجز لنص اِبن المقفع ـ الحمامة المطوَّقة ـ

هو درس بليغ وثمين كأني بأستاذ الأجيال أراده بهذه المناسبة ,وفي هذا الظرف بالذات, أن يكون وصية للتونسيين لعلهم يتجاوزون خلافاتهم مهما تعدّدت وتنوّعت من أجل تحقيق التضامن والتعاون والأمن بل إنه رأي واضح وبليغ للأستاذ توفيق بكار في خضم الوضع العالمي الراهن القائم على الصراعات الدامية بحيث يرى أنه لا خلاص للإنسانية إلا في البحث عن المنافع المشتركة لدفع خطر الدمار الشامل الذي يهدد الكون فما على الإنسانية جمعاء أفرادا وجماعات وشعوبا وقبائل وأمما إلا أن تسلك سبُل الإخاء والتعاون للعيش في سلام وصفاء مَثَلُها مَثَل الحمامة وغيرها من الحيوانات في هذا الباب من الكتاب

فتحية تقدير وإكبار ووفاء لأستاذنا الكبير توفيق بكار

ـ أوصيكم خيرا باللغة العربية ـ هي آخر ما سمعنا من أستاذنا

***

سُوف عبيد

نَهَضَ راعي (الصَّحافةِ الحُرَّةِ) على إستحياءٍ وبأجلالٍ تامٍ بحَضرةِ هُمَامِ الثَّقافةِ والفِكرِ الحَصين وإمامِ الحَصافةِ والذِّكرِ الرَّصين، نَهضَ وبقولٍ خجولٍ بَثَّ ونَفَث؛

" لَعَمريَ أنَّ هذا نَصُّ مَقالةٍ رفيعٌ بديعٌ عن الطَّلاقِ إن حَدَث، لومَا أنّهُ قد أَوْكَدَ الطَّلاقَ ثلاثاً وما جدَّدَ فيهٍ وما بَحَث، فهلّا صيَّرتَ -ياإمامَ الحرفِ الحَصينِ- الطَّلاقَ اربعاً وجدَّدتَ الدّينَ بِبَعث، حِفاظاً على أثاثِ الدّاَرِ وعلى ثُرياتِها وحِفظاً لصِبيةٍ صِغارٍ في الدارٍ مِن ذَكَرٍ ومَن وقعَ عليهِ القولَ وأَنُثَ، وقد تعلمُ -ياهمامَ الذَّرفِ المتينِ- ألّا جَمالَ لمقالٍ إلّا في مُخالفَةِ واقعَ حالٍ وللخِلافِ نَبَشَ فَهَشَّ فَرَفَشَ وشَعَث، ونحنُ فيما ههُنا لا نبغي تَمرّداً -وحاشا للهِ- ولا فتنةً ولا جدالَ ولا فسوقَ ولا رَفَث، بل نبتغي رَفعَ مَواردِنا بعدما مسَّها كسادُ الجهل وطَمَث، ونبغي دَفعَ ورفعَ أجرَكَ الى سنامٍ مُعتَبرٍ إن ذلكَ حَدَث".

بُهِتَ إمامُ الحرفِ الحصينِ والذَّرفِ المتينِ وفي مُتَّكئهِ جثَمَ ولَبَث، ثمَّ نظَرَ في سماءِ الغُرفةِ ثمَّ بَسَرَ وإكترَث، ثُمَّ بادَرَ فغادرَ الغُرفاتِ فالحُجُراتِ حثيثاً بِغَثَث، ثُمَّ مَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ وفي مُكْثِهِ قليلاً لَبَث، ثمَّ عادَ للغُرفةِ مَسروراً بِلَهَث، فسَلَّمَ على راعي الصَّحافةِ الحرَّةِ وسَلَمَ نصَّ المَقالةِ على خَجلٍ وبِخَنَث.

وكانَ ممَّا جاءَ في المَقالَةِ الحَدَث:

[قد عَلِمتَ أيا قارئي ذا الشَّيبةِ والحَدَث، أنَّ (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) وذاكَ لَعَمري هو الحقُّ ولن نبغيَ لهُ تبديلاً ولا حِوَلاً عنه وكانتِ السُّوأَىٰ عاقبةٌ لمَن نَكثَ، بيدَ أنَّ الفِكرَ اليومَ ياقارئي قدِ إستنارَ والذِّكرَ اليومَ قدِ إستثارَ على كلِّ زَبُرِ ولعهودِها نَكَث ولبُنودِها حنث، فمَن شاءَ مِنكُم فليُمسِكْ أو يُسَرِّحُ في الثَّالثةِ بدَمَثَ، ومَن شاءَ فليُمسكْ أو يُسَرِّحُ في الثَّالثةِ والثّلاثين بإحسانٍ وبلا عَبَث، ومَن شاءَ منكمُ فليمحُ إحصاءَ الطَّلاقِ من مِنهاجِ الزُّبُرِ ولا أثلاثَ عليهِ ولا وغداً وَرث، وما على المُضطَرِّ من سبيلٍ ولا جرمٍ ولا غرمٍ في مالٍ ولا في زرعٍ كانَ قد حَرَث. (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) بلِ الإثمُ على مَن عبث. ونحنُ ما خططنا مقالَنا هذا إلّا من واقعِ مالِنا ومَآلِنا وما فيهِ من وَعَث، وما أردنا إلّا الحُسنى وإبتغاءَ سعادةِ الوِلدانِ وحِفظاً لسُقوفِ الدَّارِ وما فيها من ثُريّاتٍ وما تحتَها من قُدُورٍ راسياتٍ ومِن أثَث، واللهُ من وراءِ القَصدِ وهوَ الشَّاهدُ على عقدِ النِّكاحِ وهوَ رَبُّ الوِلدانِ ورَبُّ الثَّرى وثُرياتِ الدَّارِ وربُّ البَعث، وهو المُنتقمُ مِن كلِّ كَاتبٍ وأديبٍ بدَّلَ وداهَنَ العهدَ أو للعهدِ نَكَث].

وقفَ راعي الصَّحافةِ على إستحياءٍ وبأجلالٍ تامٍ بحضرةِ هُمامِ الثَّقافةِ والأدبِ الرَّصين وإمامِ الحَصافةِ والفِكرِ الحَصين وبقولٍ حييٍّ بثَّ ونَفَث؛

" لَعَمريَ إنَّ هذهِ لهيَ الرِّيادةُ الحَقُّ في الثَّقافةِ وإنَّها لهيَ السِّيادةُ الحقُّ في الصَّحافةِ، وهو التَّجديدُ العدلُ للدّينِ بلا خبثٍ ولا عَبَث، فهنيئاً لنا بكَ ياهُمامَ الثَّقافةِ والأدبِ الرَّصين بلا ضَغث، ومَريئاً لقرَّائِنا الأحرارِ بكَ يا إمامَ الحَصافةِ والفكرِ الحَصين بلا شَعَث، وإذاً فمَن شاءَ من فرّائنا فليُمسكْ وحُريّةُ الفِكرِ مكفولٌ لمَن مَسَكَ الثّريات والأثاثَ والإناثَ بِرَمَث، ومَن شاءَ فليُسَرِّحْ في ثَلَاثَ مِائَةٍ وثلاثٍ وثَلاثين، وحُريّةُ الفِكرِ مكفولٌ لمَن سَرَّحَ في ثلاثٍ أو في ثلاثينَ أو في ثَلَاثَ مِائَةٍ وزادَ ثلاثاً وثلاثين بلا عَبَث".

***

حرَّرَ النَّصَّ إمامُ الحَرفِ الرَّصين: أخوكم علي الجنابي

....................

* رَمَثٌ جمع أرماثٌ ورماثٌ: وهو الحَبْل الخَلقُ، أو الطَّوْفُ، خَشبٌ يُشَدُّ بَعضُه إلى بعض ويُرْكَبُ في البحر- القاموس المحيط.

كان الروائي الفرنسي ستندال يقول لرفاقه إن االكتب هي التي تجعله يحب الحياة. وصف سارتر هذه الحالة في يومياته"الكلمات": "كان يبدو لنا طبيعياً أن تنمو الكتب كما تنمو الأشجار في حديقة" ".

كثيرا ما يطرح عليً سؤال من بعض الاصدقاء وهم يشاهدون اكوام الكتب تحيط بي: هل قرأت كل هذه الكتب؟، وتكون اجابتي التي تعلمتها ذات يوم من الراحل الكبير جبرا ابراهيم جبرا والتي تعود ان يقولها للذين يتدهشون من حجم مكتبته لقد إطلعت عليها كلها.. لم يكن الكتاب بالنسبة لي سوى ضرب من العشق واتذكر مقولة فرنسيس بيكون الشهيرة " بعض الكتب وجد لكيما يذاق، وبعضها لكيما يبتلع، والبعض القليل لكيما يمضغ ويهضم " قال لي الراحل جبرا ذات يوم ان الروائي الانكليزي  د.ه. لورنس عندما دخل يوماً الى مكتبة اكسفورد وجد انها تحوي على  مائة الف كتاب وفي ثلاث سنوات من الدراسة تعرف عليها جميعا هذا التعرف بمفهوم جبرا هو أساس الكثير من المعرفة، وهو الذي يدل القارئ الى الاتجاه الذي عليه أن يسير فيه لطلب المزيد من المعرفة.. لنا ان نتذوق الكتاب اونبتلع بعضه او نمضغه ونهضمه ببطء في كل الأحوال نحن نعيش حالة عشق لاتملها النفس

في الفصل الاخير من من كتابه "اعترافات روائي ناشيء"، - ترجمه الى العربية سعيد بنكراد - والذي عنوانه "كتب.. كتب.. كتب" يحدثنا امبرتو إيكو عن الكتب قائلا: هناك في العالم كتب أكثر من الساعات التي يمكن تخصيصها للقراءة. نحن بالتالي نشعر بتأثير عميق للكتب التي لم نقرأها، التي لم يتوفر لنا الوقت لقراءتها.. يتعيّن عليّ أن أعترف بأني لم أقرأ (الحرب والسلم) إلا حين بلغت الأربعين من عمري. لكنني كنت أعرف سلفاً مجريات الرواية الأساسية. هكذا نستطيع أن نرى بأن العالم مليء بالكتب التي لم نقرأها، لكننا نعرف جيداً محتوياتها. وعندما نلتقط الكتاب أخيراً، نكتشف أنه مألوف. كيف يحدث ذلك؟

يكتب جبرا في مقال بعنوان " عشق من نوع آخر": " كانت تراودني فكرة اشبه بالحلم فكرت في كتابتها منذ اكثر من اربعين سنة، وهي عن رجل كان يعشق الكتب اشترى بقعة نائية على كتف عال لتلة صخرية، مشرفة على واد كثير التعاريج والشعاب، وبنى عليها فندقا جميلا يجتذب الناس اولئك الذين يريدون الاختلاء بالطبيعة البعيدة عن ضوضاء المدن طلباً للتعمق في ذواتهم، مقابل أجور معقولة وكان ذلك جزءاً من خطة وضعها لنفسه. فهو ينفق معظم ربحه في كتب يشتريها بالمئات. وفي بضع سنوات تجمع لديه من المال ما يكفيه أخيراً لان يحول الفندق الى صوامع، رتب فيها الكتب على رفوف لا تنتهي وجعلها داراً مفتوحة لكل من يريد أن يقرأ ويكتب، شريطة أن ينتهي ما يكتب الى مؤلفٍ يزيد من حس الانسان بروعة الوجود ". في روايته " ظل الريح يكتب الاسباني كارلوس زافون :" لقد علمني ذلك الكتاب أن القراءة تمنحني فرصة العيش بكثافة اكبر، وانني قادر على الابصار بفضلها. وهذا يفسر كيف غير حياتي كتابٌ اعتبره الآخرون بلا جدوى ".

في اليوم العالمي للكتاب علينا ان نتذكر الكتب التي ساهمت في تغيير مسار حياتنا.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية 

لمَا نويتُ أنْ أرسمَ الافكارَ حروفا تتشكل كما اُريد فاذا بها تُشكلني كما تريد، فكأنّ الحرف كائنٌ لا يُعرف كنهُه، والكُنهُ جوهرُ الشئ ومصدره، يقول الشاعر الموصلي عبد الغفار الاخرس وهو من فحول شعراء العرب المتأخرين:

وكم أخبرَ التجريبُ عن كُنْهِ حالِهِ

ويَظهَرُ كنهُ المرءِ عند التجاربِ

أقول: وقد هممتُ أنْ ابدأ مقالتي ب (أقول) اصلا فاذا بتخميسات الشاعرِ الفلسطيني تميم البرغوثي تراودني عن نفسي كفاتنةٍ فار جمالُها فصاغها جوهرةً توسطت تاجَ بلقيس فانفجرت عيونا كحجر موسى أصابتني منه واحدة كأسباط يعقوب تعاتبني أنْ كيف لمثلك أنْ ينسى مثلي:

أقــولُ  لــدارٍ  دهــرُها  لا  يــســالـمُ

ومـوتٍ  بأســواق  النـفــوس  يسـاومُ

وأوجــهِ  قـتـلى   زيّـنـتْـها   المـبـاسمُ

على  قدر  أهل  العـزم  تأتي العزائمُ

وتـأتي  على  قـدر  الكـرام  المكـارمُ

ولأنّ العزيمةَ أصلُها فكرةُ والفكرةُ مادةُ الحروف ولمّا كانت آلةُ الكلام – الحنجرة - تعطي الحرفَ صوتَه، يصير الكلامُ حياً إذا خالطَتْه عزيمةٌ وفيما عداه يمسي الكلامُ هذراً لا روحَ فيه.  والعزائمُ على قدر النفوس، فكما تتعبُ الاجسامُ في مرادِ الكبيرةِ منها كما قال المتنبي، يتعب الحرفُ في مراد الافكار العالية.

استنكر البدوي الفصيح نسبةَ التعب الى الحروف فقال بفطرته السليمة انّ الحروفَ تسعُ المعاني جميعَها، بل وتسعُ الافكار التي لم تخامرْ عقلَ أحدٍ بعد، ومَنْ قال بتعب الحروف إنّما نسب الضعفَ الى لغته. سمع الفتى كلامَ البدوي الفصيح فأعجبه فتمتم في سرّه: سبحان من كَمُلتْ كلماتُه فلا تحيطها البحورُ مداداً ولا شجرُ الارض أقلاما، جاء العارف بالله فربّتَ على كتف الفتى مبتسما مستحسنا ما أسرّ في نفسه، قال العارف: لا تعجب فانّ لأهل الله موجةً يسمعون فيها الطيّبَ من القول، والسمعُ على قدر المحبة.

شتان بين المُحبّ والمحبوب فهذا طالب وذاك مطلوب، والمحب للحق من أجل علّة لا يستوي مع من كان محبا من غير غرض في نفسه فذاك في خِلّة.

استرسل العارف: الكلام سفير النفوس، ما طاب منه سكنها "كالبلدِ الطيب يخرجُ نباتُه بإذن ربّه وما خَبُثَ لا يخرج الا نكِدا"، فاملأ جرّتك بالعذب من الماء، إنْ فاضت لم تفضحك وإنْ نقصت دفعتك لملئها بالعذب والطيب.

عندما يكثر الصخبُ، ويغشى البصيرةَ الحُجبُ، وتندثر النُخب، ويتصدّر للأمرِ كلُّ مذبذبٍ أجدبٍ قد أصابه العطب، يصير لزاما ان يحدد الحُرُّ موقفَه، أعلى أو أدنى، أو قل أن يميل الى ما غلب من طبعه. ولمّـا كان الانسان من جزئين؛ قبضةِ تراب جمعها ملكٌ كريم بين يدي رب العزة ونفخةٍ من روح العلي العظيم، فانظر الى ما تميل، الى التراب أم إلى الاعلى والاقدس.

يقول آلان دونو، الحاصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة باريس والمحاضر في جامعة كيبيك في كندا في كتابه الشهير نظام التفاهة:

ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافه آخر. معاً، يدعم التافهون بعضهم بعضا فيرفع كلّ منهم الاخر لتقع السلطة بيد جماعة أكبر باستمرار لأن الطيور على اشكالها تقع. ما يهمّ هنا لا يتعلق بتجنب الغباء وإنما بالحرص على إحاطته بسور من السلطة.

ويقول ايضا: ما ان تتم مكافأة مرتزقة الكلمة على جبنهم، فانهم يصبحون أكثر شراسة وجدبا، بل انهم قد حولوا الكلمات الى اشارات يستعملها الكثير من الناس في تواصلهم مع بعضهم البعض.

يقول مجد الدين سنائي الذي توفاه الله قبل ألف عام تقريبا:

ماذا أفعل  بالروح  وأنا من الطين

ماذا أفعل  بالجسـد  وأنا من عليين

ويقول مولانا جلال الدين: إذا كان هذا الامر حقا فأين النور؟ ارفع رأسك من البئر وانظر أيها الدني. اترك البئر واذهب الى الايوان والكروم.

هنالك انتفض الفتى وخرج من البئر، وسارع الى البيت الذي اختاره الله بنفسه فسجد لله واقترب فطاف به سبعا علم فيها أن الوجودَ كلَّه عدمٌ، ثم تعلّق بأستار البيت وشم رائحته ومسح على الحجر الاكرم بيده ثم مسحها على وجهه فكحّلـه صاحب البيت فصار يرى ما لا يراه المحروم من الخمر فناداه الدرويش أن هلمّ الى الحبيب فاني واقف عند الباب احَيّي من أراد السلام عليه.

أيها   المـشـتاقُ   لا  تنمِ

هـذه  أنــوار ُ  ذي   سَلَمِ

عـن قـليلٍ أنـت  بالحـرمِ

عند خير العُرْبِ  والعجمِ

وجد الفتى الدرويشَ مئذنةً اسطنبولية رشيقة عليها غطاء رأس طويل مخروطي الشكل أخضر كلون قبة الحبيب، فطرق الباب فدخل، فرأى الحبيب فاختلطت الرهبة بالفرح وصارت ضربات القلب تتسابق مع الدموع ايهما ينال شرف الاحتفال بهذا الموقف الذي لا يقفه الا من دُعِيَ إليه كفراشة تحوم حول النور تدري ان فناءها باقترابها، ولكنّ فطرتَها غالبةٌ، فالفَناءُ يدني الى فِناءٍ لله درّ ساكنيه.

رفقا بي ايتها الحروف، تطير بي كريشة في يوم كثير النسائم، أيّما نسمةٍ هبّـت دفعتي الى حيث اختارت ولا مفر فالأفكار الاصيلة لا تلتزم بقاعدة معينة فالصدق يدفع المرء الى اكتشافها وربما تطول بك رحلة الاكتشاف هذه وتدفعك لتسلق شعرة املا ان تجد في نهايتها ما يُسكِتُ مرجل الصدق داخلك. 

وهنا أقول:

إن الكلامَ إذا ما جئت ترسمُهُ

فارفق بنفسك إن الحرفَ غلّابُ

هل السيادة تكون للفكرة على الحرف أم للحرف على الفكرة؟

الفكرة سابقة، تختار ما طاب لها من الحروف لتعبر عن نفسها أم الحروف تعطي الفكرة شكلها وسمعها وبصرها؟ الفكرة روح والحرف جسدها، ولكنْ هل نرى الأرواح أم الأجساد؟ الأرواح باقية والاجساد فانية.

هل السيادة مشتركة؟ فان كان الامر كذلك، فما العمل ان تخاصم السيدان؟ أيتخاصم القوس مع السهم؟  هل الحرف ظل الفكرة؟ فماذا تفعل الفكرة ان جاء الظلام؟ الفكرة روح، أيكون للأرواح ظل؟  جاء العارف ليقطع سلسلة الأسئلة فقال: اعرفْ الروح من حركة الجسد، ثم سكت.

فلمن تكون السيادة؟

قلت: أين الدرويش؟ فنادى من باب الحبيب ضاحكا: يا احمق، دع عنك هذا الذي انت فيه وداوم على قرع باب الملك فمن أدام قرع الباب ولج.

***

د. تميم أمجد توفيق

اغلب الايام، صباحا، بعد تناول الفطور وشرب قهوة الصباح اخرج للتمشي وممارسة تمارين رياضية احيانا في الحديقة الكبيرة القريبة من سكني، الواقعة بعد تقاطع شوارع عريضة، كل شارع بمسارين، للذهاب والاياب، باتجاهاتها الاربعة، المتقابلة، والتي يتوجب علي انتظار اشارة/ ضوء المرور الاخضر وعبور جانبين من التقاطع .... حيث تتحرك الحافلات والسيارات المختلفة الالوان والصناعات والحجوم.. اغلب الاحيان اصل عندما تتوقف عند خط اشارات/ علامات المرور الضوئية.. واحيانا انتظر مرورها امامي، فاظل اراقبها، واتابع الوانها وصناعاتها... اليابانية والكورية الجنوبية والالمانية والفرنسية والامريكية، هي الاكثر بينها مع باقي الشركات والبلدان المصنعة.. بعض الحافلات العامة مشتراة اغلفتها الخارجية من شركات تجارية ومصبوغة بالوان اعلاناتها البراقة، بشكل كامل، دعايات وعروض تجارية لماركات جديدة من الملابس او الاثاث وحتى افلام سينما ومواعيد عرضها، وغيرها من اعلانات الشركات والمخازن الكبرى في بريطانيا. فتختلف عن اللون الاحمر الاساسي في باقي الحافلات، المعروفة به، حافلات النقل العام في لندن. والتي صدّرت بعضها الى كثير من مدن اخرى، مثل بغداد. الاغلب فيها بطابقين ومقاعدها مريحة بحجومها وتوزيعها الموزون بهندسة فنية. والجديد فيها هنا الكاميرات الداخلية التي تساعد سائقيها على مراقبة الركاب في الصعود والجلوس والنزول منها وخدمات الانترنت وامكانية شحن الهواتف الذكية عند معظم المقاعد الامامية.

لا شرطة مرور في الشوارع ولا حوادث مرور او تجاوزات كثيرة، لا تعد ولا تحصى هنا، كما تنقل وسائل الاعلام يوميا عنها هناك.. لكن لا تخلو من حوادث سير محدودة.. عند ظهور الضوء الاحمر في علامات المرور على اعلى العمود في كل شارع، تتوقف كل السيارات وحتى راكبو الدراجات العادية والكبيرة، ويتم التحرك بانسياب حسب الاتجاهات والاشارة باوقات محسوبة ومركزة بجداول خوارزمية لا تخطيء بذاتها، وكانها تدور في سباق مع دوران عقارب الساعة المسندة على حائط المحل التجاري الكبير قرب التقاطع الكبير الذي اعبره كل مرة او كلما اتوجه الى الحديقة الواقعة عند الزاوية الشمالية من وجهة حركتي..

الاسيجة التي تحيط بالحديقة عالية وملونة ايضا بالوان زاهية تضيف رونقا لجمال الحديقة. مدخلها الذي ادخل منه يبدا بأقواس عالية وممراته الرئيسية تخترق الحديقة من هذا المدخل الى نهايات الحديقة الاخرى، الى مدخلها من الطرف الاخر.. مرورا ببحيرات موزعة بانتظام ومسيجة ايضا باسبجة خشبية في اغلبها وفيها مساحات مفتوحة مخططة ومخصصة للصيد والصيادين الذين يؤجرون اوقاتهم وينصبون ادوات صيدهم، صناراتهم، وخيمهم وكراسيهم في اماكنهم المحددة. وتتوزع داخل الحديقة كراسي وطاولات صغيرة ومساطب عريضة على طول الممرات وحول البحيرات وداخل بقعها الخضراء. عند المدخل لوحات للاعلانات ومعلومات عن برامج او خطط لحياة الحديقة اليومية وكذلك خارطة جغرافية للحديقة بتفاصيلها الكاملة. وبعد البحيرة الكبيرة ملاعب مسيجة لكرة القدم والسلة وامكنة مخصصة باجهزتها للتمارين الرياضية، واخرى للشواء ومقاعد خاصة وملاعب اطفال قريبة منها.

اشجار الحديقة المنتشرة بانتظام وتوزيع هندسي محاطة باسيجة ومساحات مملوءة بانواع الزهور، الطبيعية والوانها المعروفة.. وتشكيلاتها واصنافها.. وثمة اشجار عالية وكبيرة الجذوع، دالة على قدمها وتاريخها الطويل في مكانها وذكريات المارين عليها.. هذه الالوان والخضرة فيها تكون في اشهر الربيع والصيف، اما في فصلي الخريف والشتاء، فتتحول الارض الى مجمعات اوراق الاشجار الصفراء المتساقطة، التي تجمعها الادارة المختصة في اكياس وتنقلها سيارات نقل خاصة بها، ومثلها يطغى اصفرار الاعشاب وجفاف شجيرات الورد والزهور، كما السماء، تتلبد بالغيوم التي تنعكس اشكالها على سطوح البحيرات فتصبح وكانها لوحة رسام، ولا تبخل عليها بين فترة واخرى من حملها من الامطار.

حين تمطر، خفيفا او مدرارا، اتذكر وانا امشي اقوالا منقولة للفنان العالمي المعروف تشارلي شابلن (1889-1977) ومنها:

1- أنا دائما أحب المشي فى المطر، كي لا يراني احد أبكي.

2- لا شيء دائم فى هذا العالم الشرير، ولا حتى مشاكلنا.

3- الحياة مأساة عندما تُرى عن قرب، لكن نراها كوميدية على المدى البعيد.

4- أظل مجرد شيء واحد، وشيء واحد فقط، وهو مهرج، لأنه يضعني في طائرة تحلق أعلى بكثير من أي سياسي.

5- يوم بدون ضحك هو يوم مهدور.

6- نحن نفكر كثيرا ونشعر قليلا.

وطيور البحيرة انواع والوان، ففيها البط والوز، الابيض والاسود الريش، وله اسماء حسب البلد او التواجد الاكثر، ومنه الخضيري والبش، كما يسمى في العراق، ويتميز ذكره بتعدد الوان ريشه وراسه الاخضر وكبر حجمه عن انثاه التي لها لون واحد، بني فاتح، وحجم اصغر، والامريكي الاسود، الاصغر حجما بين البط، الذي يتميز ذكره عن انثاه بلون المنقار والارجل فقط، اللون البرتقالي للانثى والاخضر والابيض للذكر. واسماك البحيرات انواع وبحجوم مختلفة، وحتى بالوان ايضا.

اما طيور الحديقة الاخرى كالحمام والفختى والعصافير والبلابل، فمتعددة حجما ولونا وطباعا. والاكثر فيها الحمام الرمادي او الازرق الفاتح منه، الذي نراه في اكثر البلدان، في الساحات العامة، المساجد، الكنائس، مراقد الائمة وكذلك الحدائق طبعا. والمميز ايضا بين الذكر والانثى منه، فالذكر يتعمق لون ريشه وتطوق رقبته الوان زاهية، خضراء وحمراء، والانثى تطوق بالوان اضافية، بنفسجية متداخلة ومتدرجة. ويعيش حيثما يتواجد بشكل مجموعات متقاربة، تطير سوية او تحط بحثا عن طعام او تزود بما تبحث عنه. والاطرف فيها محاولات الذكر في اغراء الانثى، بهديل موسيقي خاص، ونقر رقبتها قرب راسها، لتنحني له ويعتليها وما ان ينتهي من سفاده، ينفض ريشه منتشيا كما هي ويبتعدان، او كل منهما يعود للمجموع من زاويته بحثا عن طعام او مشاركة لمجموعهما في لحظته. وللفختى صوت شجي حزين ترجمه العراقيون في بلدهم وغنوه في لحن مقابل.. كما هو حال تغريدات العصافير وشدو البلابل.

اعود من الزيارة غارقا في عوالم الطبيعة والحيوان والطيور وهموم الانسان، منتشيا من جولة الصباح الاعتيادية، حاملا هاتفي الذي يشغلني ساعات من العمر كل يوم بصمت ويساعدني على التواصل والبحث والاطلاع وحتى الكتابة برضاي رغم الصعوبات المنوعة،.. المعروفة!.

***

د. كاظم الموسوي

 

مونتينيغرو تسعى لتكون وجهة سياحية منخفضة الكربون

مونتينيغرو أو جمهورية الجبل الأسود دولة أوروبية ساحلية في أقصى الجنوب من جزيرة البلقان، ومطلة على البحر الادرياتيكي بطول (295) كم من السواحل الساحرة الخلابة الزاخرة بشتى المغريات الطبيعية والصناعية، وقد التحقت بركب الدول السائرة على طريق السياحة المستدامة في إطار سياسة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في السنوات الأخيرة، ووفقا لقواعد وضوابط الاستدامة المعروفة، وتحت رعاية (وزارة التنمية المستدامة والسياحة). وذلك لتدارك المثالب والعيوب المتمخضة عن السياحة التقليدية التي تنامت في البلاد على نحو سريع، وساهمت في انبعاث الكثير من الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري – غازات الصوبة الخضراء)، وعلى نحو مباشر وغير مباشر (البصمة الرئيسية والبصمة الثانوية). واليها تعزى ظاهرة الاحترار العالمي وتبدل المناخ على النطاق العالمي، لتبلغ مساهمتها (أي السياحة) في الناتج المحلي الإجمالي (20) في المائة في عام 2014 (نحو 733 مليون يورو). ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى (32) في المائة بحلول عام 2025 وفقا لتقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة.

ولذلك اعتبرت مونتينيغرو من أسرع الوجهات السياحية نموا في أوروبا... ومن أنماط السياحة المستدامة في البلاد حاليا (السياحة منخفضة الكربون) القائمة على خفض البصمة الكربونية للمنشآت والمرافق والأنشطة السياحية والخدمات السياحية إلى أدنى مستوى ممكن، وخفض البصمة الكربونية للسياحة الوافدة والسائح الأجنبي.

علما يختلف السائح الدولي الوافد إلى البلاد في اليوم الواحد حاليا نحو (6.5) كغم من غاز ثاني أكسيد الكربون (البصمة الكربونية للسائح). وبحسب دراسة ل (شبكة البصمة العالمية 2016) ومقرها في (أوكلاند) بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية، تشكل الانبعاثات الكربونية في الجبل الأسود (56 %) من اجمالي البصمة البيئية للبلاد التي تستخدم (45 %) من الموارد الطبيعية المتجددة. علما ان (20) في المائة من مساحة البلاد هي تحت الحماية الدولية والوطنية، وتبلغ مساحة المتنزهات الوطنية فيها بحدود (28) الف هكتار.

و كان من المتوقع أن تزداد الانبعاثات من الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري) بنسبة (40) في المائة بحلول عام 2020 بالمقارنة مع عام 1999 إذا استمر الحال على ما هو عليه، ودون اتخاذ التدابير الضرورية اللازمة والكافية التي من شأنها موازنة وتحييد الكربون على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الصعيد السياحي الذي كان موضوع المؤتمر الدولي الأول المعني بالسياحة منخفضة الكربون. وقد انعقد في (بودفا) في تشرين الأول 2016 كجزء من مشروع (تنمية السياحة منخفضة الكربون) بكلفة (3) ملايين دولار أمريكي. وبتمويل من مرفق البيئة العالمي وتنفيذ مركز تنمية المستدامة / برنامج الأمم المتحدة الذي وضع آلة حاسبة وبرنامج على الشبكة العنكبوتية لتمكين السياح من قياس الأثر البيئي لسفرهم واقامتهم في ظل خطة لتخفيف البصمة الكربونية للسياحة على أمل جعل البلاد وجهة سياحية منخفضة الكربون في عالم يعيش تحت وطأة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

***

بنيامين يوخنا دانيال

 

ساشا دحدوح تقدم أداء مدهشا وعظيما في دور (قمر) في مسلسل النار بالنار التي تم عرضها في رمضان عام ٢٠٢٣، وقد يبدو للقارئ أن دورها سيكون اعتياديا ومكررا في الدراما العربية التي على مر تأريخها تحاول النيل من عقل المرأة وترسيخ فكرة إنها المؤذية والأقل رجاحة عقل من الذكور وهي مصدر التوتر الأسري والمجتمعي.

إن قمر أعطت دورا جريئا وفي الدقة إنه حقيقي وواقعي لمكانة المرأة في الأسرة والمجتمع، حيث إنها تسكن في حي شعبي في لبنان وكان والدها المتوفي لديه مكتبة لبيع الكتب وأغرمت بشاب يساري أسمه (جميل) وتزوجته، لكن بعد مدة من الزواج بدأ زوجها في الانغماس بالقمار والخسارة المتكررة حتى وصل به الأمر الى بيع أثاث منزله المستأجر والكتب الكثيرة والنادرة التي أهداها والد قمر إليها قبل موته إضافة الى كتب زوجها. 

رفضت قمر ما يقوم بها زوجها وبدأت في ترويضه وعاشت الآلام المالية والمعنوية حتى بدأت تتركه وتترك المنزل لفترات متقطعة وتطل عليه (زوجها) بين فترة وأخرى لتأخذ كل ما في جيبه من نقود وتنصحه بشدة ويطردها وتعاود العودة إليه تكراراً.

وبعد مدة قد تبين أن هذه النقود التي تأخذها قمر بالقوة من زوجها بين فترة وأخرى هي محاولة لأبعاده من القمار أولاً. وثانيا: تذهب الى الذيّن لديهم أموال بذمة زوجها وتسدد ديونه باضافة مبالغ من نقودها الخاصة. وثالثا: تذهب الى الأماكن التي يقامر بها زوجها وتطلب منهم أن لا يستقبلوه، حتى في يوما وجهت لها إحدى النساء التي تمتلك احد بيوت القمار قائلة: يا قمر عليك ان تتركيه وشأنه لانه انغمس بهذه اللعبة ولا يمكنه ان ينفك منها. أجابتها قمر: ربما بالحب أستطيع التأثير عليه والحياة ليست كلها مستقرة وتمر أزمات في الحياة الزوجية يجب أن أتحداها وسأبقى معه مهما كلف الأمر ومهما طردني لأن الأسرة الحقيقية تبنى بهذا الشكل.

مبادئ النُبل التي لدى قمر قد أوصلتها لطريق مسدود ولم تتوصل الى حل مع زوجها جميل بترك القمار، لذا قامت بتبديل خطتها ورجعت الى منزلها مع زوجها وقالت له (أنا حامل) أندهش زوجها من هذا الخبر وقال لها مباشرةٌ يجب إسقاطه لأنني لا أتحمل المسؤولية، فكانت إجابة قمر (أنا أمرأة عاملة) وسأرعى طفلتي وأسرتي، فبدأت تعمل في مقهى الحي الذي تسكنه وترتب المنزل وجماله وتشتري الأثاث وأعادت الكتب وطورت المكتبة.

في هذه الأثناء ذهب زوجها الى مُرابي الحي وطلب منه مبلغ كبير للعب القمار ووقع عقدا للمُرابي بأنه يبيع إحدى كلياته أن لم يسدد في الوقت المحدد، وفعلا جاء وقت التسديد ولم يُسدد فذهب وباع كليتهُ وسدد مبلغ دينه وأعطى ما تبقى منه الى زوجته قمر قائلا: يا قمر هذه الاموال لكِ ولمصاريف الولادة وأنا قررت أن أترك القمار واهتم بكِ وبطفلتي القادمة، أجهشت قمر من البكاء وقالت: أنا لست حاملا وكذبت عليك كي أحاول أن أبعدكَ عن القمار وتهتم بعائلتكَ…

هذه الشخصية النبيلة المعطاء والذكية لقمر هي جزءاً من مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع، لذا تختفي الكلمات أمام الاداء المبهر الذي قدمته ساشا دحدوح وهذا النجاح المبهر، وكأنها جسدت لنا خيال الروايات وأرجعت لنا أملٌ بأن هناك فن عظيم ومواهب فنية حقيقية في الدراما العربية، ولا ننسى كلماتها حين تتجادل مع زوجها مخاطبةٌ له: افلاطون.. ابن زهرة.. يا بعلي… وبعد دقة ملامح وحوار قمر وإصرارها الفعلي للحب الذي يخرق القوانين والعادات ويحقق المستحيل أصبحت فعلا حامل وترك زوجها جميل القمار وأهتم بعائلته.

ملاحظة: ان ثنائية قمر وجميل في مسلسل النار بالنار تمثل احدى زوايا أحداث نص دراما المسلسل في حين أحداث المسلسل عميقة جدا ومتنوعة وتعتبر الأجرأ والأفضل في الدراما العربية لهذا العام ٢٠٢٣. ومن بطولة الفنان الكبير عابد الفهد وكاريس بشار وجورج خباز.

***

حسام عبد الحسين التميمي

 

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان ليست جديدة كليّا لكنها كانت مختلفة عما سبقها، أجمع المعنيون يومها على اللّحظة التاريخيّة في لقاء الشعر باللحن وبالموسيقى لإنتاج اغنية ذات هوية، مارس اصحابها حريتهم الإبداعية في أطار الاحترام والحفاظ على المجال العام للمجتمع، اختصر ذلك المطرب رضا الخياط بقوله (كان يحكمنا قانون العيب والأعراف). ومن يقرأ سيرة الاسماء التي أسهمت بظهور الاغنية "السبعينيّة" سيعرف طبيعة المعاناة التي مروا بها للوصول إلى ما وصلوا إليه، وهناك الكثير من الحكايات عن حياة الفنانين والأموال التي كانوا يحصلون عليها مقابل عصر ارواحهم، هي اشبه بنكتة سوداء. فلقد كان الملحن العراقي منشغلا بفنه دون عون من فرد او مؤسسة، هو مَن يبحث عن الشاعر وعن كلمات مغسولات عديد المرات في نهر التجربة، هو مَن يبحث عن صوت قادر على أداء الاغنية بشجن يطرب الأذن. ثم يشرعون بالعمل أشهرا يلطّفون القوافي ويرشّون الماء على احزانها، لفسح المجال امام المستمع في ان يتذوق جمالية الاغنية ويأخذ دلالات الكلمات بالاتجاه الذي يود.

الاغنية "السبعينية" توصيف مجازي لشكل الظاهرة الأخير، ردّده العراقيون بحبٍ ومبالغة أديا أحيانا إلى تحميله تبعات اخرجته عن سياقه الاجتماعيّ\الثقافيّ. فهناك مطربون عملوا في الستينات وهناك قصائد شعر كُتبت قبل ذلك، عندما كان القمع والظلم طاغييّن، ثم أطلقها ملحنون مبدعون بعد تحسّن أوضاع العراق في السبعينات. وهناك أغنيات ظهرت في السبعينات ولم تنتشر إلاّ في الثمانينات كما هو في اغنية "سلامات" التي كتبها كاظم الرويعي وغناها المطرب حميد منصور. بمعنى انها موجة غنائية لم يلعب الزمن فقط دوره الحاسم في تحديدها وتطورها. تساوقا مع ذلك ذهب آخرون إلى ربط الاغنية "السبعينيّة" بالمد اليساري بالعراق، بدليل الأسماء والمضامين الشعريّة، مع ان الاغنية العراقيّة ليست هي فقط من تطورت في السبعينات، المصريّة والخليجيّة واللبنانيّة تطورت أيضا، ففضاء التعليم والتجريب والتخصص بات منتشرا في ارجاء العالم العربي. أما الذين أسهموا في صناعة الاغنية "السبعينيّة" فقد تحدثوا عن لون مختلف وجديد في الغناء العراقي بعيد عن النخبويّة والفئويّة والطبقيّة، ورأوا فيه جزء من نهوض عام في التعليم والاعمار والمسرح والشعر والرسم.. ارتبط ذلك بانفتاح سياسي مؤقت بين الأحزاب المتصارعة. في العموم لا يمكن عزل الفنون عما يحدث بالبلد، إلا ان تصنيف الاغنية "السبعينيّة" سياسيّا وجغرافيّا قد لا يضيف لها فنيّا، بل يُحسب للأغنية الجديدة انها حافظت على خصوصيتها الفنية رغم حالة الاستقطاب السياسي الجارية بالبلد يومذاك، وهو ما ساهم في انتشارها حتى بين من لديهم اتجاهات سياسيّة وقوميّة ودينيّة مختلفة، فالعراق بلد متعدّد الاقوام والاذواق. وهذا الذي نقول لا يقلل من حقيقة ان اهم وجوه الظاهرة السبعينيّة نشأت في مدن الوسط والجنوب، ينتمي اغلبهم لتيار يساري له ثقله في الشارع. وهناك شعراء منهم كبار عاشوا في العاصمة بغداد تروي قصائدهم عن معاناة الفلاح في الجنوب "مظفر النواب" ولكن المشترك بين شعراء تلك الفترة انهم كتبوا قصائد شعر تعمّق وعي الفرد وتدفعه للتأمل والتفكير والفعل، من دون اغراق الشعريّ بالسياسيّ. بل حتى الاغاني التي ارتبطت كلماتها مباشرة بالسياسة (عمي يابو چاكوچ، اليمشي بدربنه شيشوف..) التي كتب كلماتها الشاعر البصري "كاظم السعدي" حملت مضامين وطنية وصبت في قوالب موسيقية راقصة ما زال الناس حتى اليوم يرقصون على أنغامها. إنّ الهوة بين الحكومة وبين الشارع العراقيّ كانت على الدوام عميقة، ملأها الشعراء يومذاك بحبيبات خجولات وعشاق ثوريين وشطوط دهله وجروح تشفى ولا تمحى. صاحب ذلك ظهور ملحنين اشتغلوا على إنتاج أغنيات مختلفة طوروا فيها ذوق المواطن ودافعوا عن إنسانيته، وكل ذلك أُنجز بأدوات فنية وجمالية تناولت الإنسان ببعده الشامل، وليس العاطفي فقط (مدللين يلوگ لحبابي الدلال، شوگهم نسمة جنوب وسيّرت لأهل الشمال) إنّ التحسس من "الشراگوة" ولهجتهم وسحنتهم دفع رجال السلطة إلى تفضيل الأغاني البدويّة والغجريّة على أغنيات وسط وجنوب العراق، وهو ما اشارت إليه كتابات ووثائق وأفلام مصورة. وهذا التعامل السلبي مع الأغاني الريفيّة الجنوبيّة الذي كان يتبناه رجال السلطة، ممثلا بالمناطق التي قدموا منها، وجد امتداده في الاغنية السبعينيّة. فلقد استكثروا على جنوبٍ نبتت فيه حضارات قديمة وعظيمة ان يظهر فيه شعراء ورسامون ومطربون وملحنون وعلماء. إنّ ممارسة التضييق المتعدّد الأوجه، ومنع بعض الأغنيات من الظهور لأسباب غير فنيّة، لم يعِق الاغنية الحديثة من الانتشار فلقد كان الشارع متعطشا للجديد، وهو ما دفع الملحنين للبحث عن المختلف والجاذب عبر الاستعانة بقصائد شعر تعبر عن روح المواطن العراقي، حتى لو لم تكن قصائد غنائيّة. فمظفر النواب شاعر قصيدة وليس شاعرا غنائيّا، وقصائده الطويلة مليئة بالرقة والعذوبة والتحريض ضد الواقع المر الذي يعيشه المواطن، ولكن الملحنين في بحثهم الجاد هم الذين اكتشفوا تلك المساحة واشتغلوا عليها لصنع اغنية بهوية وطنية (يا ريل طلعوا دغش والعشگ چذابي، دگ بيّه كل العمر ما يطفه عطابي، نتوالف ويه الدرب وترابك ترابي، وهودر هواهم ولك حدر السنابل گطه).

في السبعينات كانت أنهرنا طافحة سريعة الجريان، وكلام الحب لا يتعدى العيون، والسجون مليئة بالوطنييّن. وكان الناس يهوون القراءة، ثقافتهم شعرية، فيهم مَنْ لا يكتب الشعر يتذوقه ويحفظ منه. ساهم ذلك بدوره في انتشار الاغنية الجديدة. بمعنى ان انتشار الاغنية "السبعينيّة" ليست صدفة ذوقية، ففهم القصائد المركبة وسماع اللحن والموسيقى دون الشعور بالنشاز يشيران إلى وعي ثقافي كامن خلف الخوف المتكدس في ذاكرة الناس جراء الصراعات السياسيّة. فرائعة البنفسج لياس خضر (يا طعم، يا ليلة من ليل البنفسج، يا حلم، يا مامش بمامش، طبع گلبي من اطباعك ذهب) كلمات يتطلب فهمها وعيا ينسجم مع عمقها وغموضها، فهي ليست كلمات نخبوية وفي ذات الوقت هي ليست شعبية بسيطة المضامين وسهلة التراكيب، ولكنها صارت شعبية لجهة انتشارها جماهيريا بين شرائح متعلمة وغير متعلمة، مسيسة وغير مسيسة. امّا مصطلحات الاغنية الهادفة، الملتزمة، الدسمة، الجيدة.. فهي نُحتت لاحقا كبوابة تفضي للانحياز والتوظيف والاستحواذ. أردنا القول ان القصائد الشعرية التي رافقت ظهور الاغنية "السبعينيّة" لم تكن غريبة على الشارع العراقي، وكان بسطاء الناس ينفقون وقتهم بكتابة "الدارمي" ويحفظون القصائد الطوال قبل ان تُغنى، من دون معرفة اسم الشاعر أحيانا، فبعض شعراء تلك الفترة كانوا مجهولين عند العامة، وبعضهم ذيّلوا قصائدهم بأسماء مستعارة نتيجة ممارسة السلطة القمعية. من جهته الإعلام الرسمي لا يقول الكثير عن شعراء خلف القضبان بتهم سياسيّة، أعطى ذلك الانطباع بأنه في زمن النهوض الاجتماعيّ تكون القصيدة مقدمة على الشاعر، ولكن حين تحل الفوضى وتتصدع القيّم يكون الشاعر أهم من القصيدة، وهو ما نجده بالشارع العراقي بعد الاحتلال الامريكي. في السبعينات كان للذائقة الشعبية دورا في غربلة النصوص وتأويلها وانتشارها، تارة بمزاجية وتارة أخرى بقصدية، رافق ذلك حوارات في المقاهي عن مضامين القصائد وغموض مفرداتها، فعلى سبيل المثال اغنية فاضل عواد " يا ريحان" (شگد نده نگط عل الضلع وانسيت اگلك يمته، شگد رازقي ونيمته) كلٌّ منّا أخذ الندى إلى زاوية بمخيلته في حين تحدث كبار السن عن سكان الاهوار وهم يقطعون القصب تاركين اضلاعه نابتة ومغطاة بندى الصباح. واستطرادا فإنّ ترديد الأغاني وفهم الابعاد النفسيّة والاجتماعيّة لكلماتها كان قد خفف حواجز نفسية كانت موجودة، صار ابن المدينة يعرف شيئا عن حياة الفلاح وچباشة الهور وحسچة اهل الفرات. إنّ استخدام شعراء الاغنية مفردات غامضة وصور شعرية متعددة المعاني، بسبب لهجاتهم او تجاربهم الحياتية والشعرية، لم يشغل المستمع فقط. فالغموض العذب للصور الشعريّة انتقل بدوره للملحن، تجلى في تبديل بعض الكلمات او اختيار مقاطع من القصيدة دون غيرها للوصول إلى النهاية المرجوة، وهو ما يفسر بقاء قصيدة "البنفسج" عاما كاملا بين يدي الملحن الكبير طالب القره غولي، كما يذكر المطرب ياس خضر.

الشارع العراقيّ كان مسرح الاغنية السبعينيّة ورافعتها، وليس الصالونات وقصور الأغنياء والحكام، تجلى في تعاطف شرائح اجتماعيّة مهمشة ومقموعة مع الاغنية الجديدة، ومع مثقفين قضوا أعوام خلف القضبان. وكان من الطبيعي ان تصنع هذه الاغنية معارضون لها، مثلما صنعت عشّاق ومحبون، إنْ كان ذلك بدعوى دورها في ترييف اغان المدينة أو ضعف علاقتها بالموروث العراقي او في استعانتها بتجارب غنائية عربية وفي تطويل المقدمة الموسيقيّة التي لم تكن شائعة في الاغنية العراقيّة.. وهي اعتراضات غلب عليها الطابع الفني وليس السلطوي، لم تُتهم فيها الأغنية الجديدة بالإسفاف وبالإساءة لتقاليد الفن العراقي أو إدخال آلات هجينة أو بالسماح للمتطفلين بعرض بضاعتهم والقفز دون ضوابط، فلقد كانت هناك لجان متخصصة بالكلام وباللحن وبالموسيقى. ولو تركنا على جهة حقيقة ان الفنون تؤثر وتتأثر ببعضها، داخل البلد وخارجه، فإن الاغنية الجديدة ارتبطت بتغييرات مفصلية في بنية المجتمع العراقي، ولم تكن نتيجة خلل قيمي سببه فقط هجرة الريف للمدينة، فلقد كانت الهجرة تلك الأيام في بداياتها ولم تكن العشوائيّات قد أحاطت بأطراف المدن بعد، باستثناء العاصمة بغداد، لكن الاغنية اشْرت حضورا في حياة الناس لم يستطع حزب الحكومة هضمه، وحاول استخدام ادواته للنيّل من شعراء وملحنين ومثقفين ينتمون للحزب الشيوعي العراقي، قدموا من بيئات وسط وجنوب العراق، محملين بقصائد شعر تضج بالحب والعتب والحزن والعند والمواجهة. الشاعر الغنائي "سعدون قاسم" يقول (لست شيوعياً، ولكنّ ثقافة الحزب الشيوعي في السبعينات وتأثر الأدباء والفنانين بتلك الثقافة أنتجت جيلاً مثقفاً جميلاً في كل المجالات؛ ومنها الشعر فكانت نوازع إنسانية ترتقي بالفرد والمجتمع الى ذائقة جمالية عالية من الحسّ والرقي. ولربما كان هذا أحد الأسباب المهمة لبقائها)

كان أصحاب الأغاني القديمة في الاربعينات والخمسينات، بالريف والمدينة، هم يكتبون الكلام ويلحنونه ويغنونه، اتصفت اغنياتهم بالقصر والمباشرة والانشغال بموضوعات الحب والفراق. اغان خفيفة لها جمهورها ومحبوها، كثير منها أُعيد تقديمه لاحقا بشكل جديد ومعاصر. في السبعينات اختلفت هموم المواطن واهتماماته نتيجة تغيّر اجتماعيّ\ثقافيّ شهده الشارع العراقي، وباتوا يتحدثون عن أسماء شعراء وملحنين ومطربين متخصصين، قَدِموا من وسط وجنوب العراق، كل منهم يحمل خصوصية المكان الذي جاء منه. كانت العتبة الأولى في الاغنية الجديدة هي القصائد الشعريّة التي مدّت خيوط العلاقة بين الحبيبة والنخلة والأرض والماء والناس، كما في رائعة الملحن طالب القره غولي (هواك انت يذكرني بفرات ودجلة يومية، مثل گلبي ومثل گلبك تلاگن صافية النية) كلمات حفزت وعي المواطن وارتقت بذوقه دون ان تدغدغ رغباته الركيكة. المعنيون تحدثوا كثيرا عن العلاقة التكاملية بين اقسام الاغنية، إلاّ ان هيمنة الثقافة الشعريّة على غيرها من الفنون هو الذي ساهم في وضع الكلمة أولا ثم اللحن والموسيقى، صارت معه أهمية الاغنية ترتبط بأهمية الكلام، وأن أي تراخ بالأغنية او ضعف في انتشارها سيلقى باللوم مباشرة على الكلام. عضّد هذا الرأي ظهور شعراء كبار دمجوا ذواتهم بالكل الاجتماعيّ، قَدِموا من وسط وجنوب العراق، محملين بلهجات وحكايات وقصائد شعر فيها مناخ شعبيّ ودينيّ وتاريخيّ وحتى قصصيّ. فقصيدة ناظم السماوي "يا حريمة" التي كتبها في سجن "نگرة السلمان" وغناها حسين نعمة، ارتبطت بحكاية عشق خاسرة عاشها الشاعر، لكنها تخطت لحظتها ووجدت مكانها في الذّاكرة الاجتماعيّة، فخسارة الحبيبة فيه محاكاة لخسارات محايثة عاشها جيل الشاعر (انه ووعودك صفيت بلايه وعدك، وانه دمعات الحزن شاتله ضليت عله خدك، وانه سچة درب سواني زماني يا حريمة).

لا يمكننا الحديث عن الاغنية "السبعينية" دون التوقف قليلا عند مقدار وتنوّع الحزن فيها؛ حزن يتوسل الحبيب وآخر يسنّن العواطف وثالث يصنع المسرّات ورابع يحرض وخامس حسينيّ وسادس.. للوهلة الأولى يبدو الشعراء هم من يتسابقون أيهم الأكثر حزنا، ولكن مع سماع الألحان والموسيقى نجد أن الحالة تكاملية بين الشاعر والملحن والموسيقي، إضافة إلى المستمع الذي يتمايل طربا في اضفاء حزنه على الحبيبة والنخلة والروح والنهر (مثل الشموع الروح يا بنادم، بس دمع مامش صوت\ رفة جنح مكسور يا بنادم، روحي ترف بسكوت) ويمكننا الذهاب بعيدا بالقول ان الحزن العراقي حقيقي وقديم لا تتحمل الاغنية "السبعينيّة" أسبابه ونتائجه. عند شعوب الفرح، أو الرقص، هو الذي يخلق التوازن العاطفي، وعند شعوب أخرى الحزن هو من يقوم بذلك، كما هو منتشر في الاغنية العراقية والطقوس الدينية ووجوه الناس والثياب السود. الحزن العراقي ليس مرضا بقدر هو ظاهرة اجتماعيّة\دينيّة غائرة في عمق التاريخ تحوّلت بمرور الأعوام إلى أسلوب حياة، يختلف بين بيئة وأخرى، انعكس ذلك على الاغنية، واتخذ أكثر من لون غنائي؛ فالمطرب حميد منصور والملحن محسن فرحان وجعفر الخفاف.. جلبوا معهم من مدن الاضرحة حزن ثقيل (بعدني ما طحت ومني تبريت، بعدني لا بچيت ولا تشكيت). اما طالب القره غولي ومحمد جواد أموري وغازي ثجيل.. جلبوا معهم حزنا جنوبيا مبللا بالماء والوفاء والحب والهجر (احنه طرزنه الستاير للشبابيچ العبر منها الضوه، احنه علمنا الخلگ طبع الوفه ابدرب الهوى). نحن هنا نتحدث بالعموم فالملحن العراقي قدّم اغنيات متنوّعة عن الحب والوفاء والهجر والحزن والغزل، أدتها أصوات قديرة ما زالت حاضرة في الذاكرة الاجتماعيّة (ياس خضر، حسين نعمة، سعدون جابر، فؤاد سالم، رياض أحمد، حميد منصور، ستار جبار..) بالرغم من مرور نصف قرن على ظهور هذه الأسماء اللامعة، ورحيل بعضها، إلا انه لم تُصنف بعد الأغنية "السبعينيّة" تراثا، فمازالت هذه الأسماء والاغاني حاضرة على ألسنة الناس وفي مناسباتها، وما زالت الأجيال الجديدة في برامج المسابقات تعود للأغنية "السبعينيّة" حتى تبيّن للمستمع حسن اختيارها وقدرتها على الأداء، وما زال هناك سميعة يثنون على أداء المطربين للأغنية "السبعينيّة" لكنهم يفضّلون سماعها بأصوات ملحنيها، فلطالما كانت العودة للنبع أكثر شجنا وأصالة.

***

نصير عواد

 

 

يُحكى أنّ ليلى في العراق مريضة، ليلى كانت الوصل للعشق القلبي الذي وقع في قلوب الأدباء والشعراء في زمانها. تقدّم إليها غفوةُ الشعب في لغة الضاد، ينشدون أنّهم اكتشفوا الدواء المداوي، لكن، هل سأل العشاق من هي ليلى؟، لم يكترث الكثير بوصفها، قصيرةً أم طويلة، سمينةً أم ضامرة، إنّها رسالة عشق وقع فيها العاشق حتى وصل نثرها أصقاع العشاق والأدباء، إنّها فريسة الأدب التي لن تتكرّر، ما زالت ليلى أمام اختفاء الجسد وليس الروح. أصبح الشعراء والأدباء والعوام توّاقين في وصفها لإبراء القلوب التي عشقت واكتوت بنار الحب حتى فقدت نار العيش، بدون من يهوى، فراقٌ دائمٌ لا يفترق.

يا جميلة الوصف أين أنتِ؟، هلّا انتفضت من سباتك حتى تتيقني أنّ العاشقين، ينتظرون بين دجلة والفرات وبين النيل المصري والسوداني، النيل الأزرق القادم إلى القادم. لقد ضاع القوم يبحثون عنك، حتى فهم البعض أنّ الورد حان قطافه، لكنهم ما لبثوا أن ضاعوا بين النذور يسألون الموالين وقت الفرج.

أرسلت الرسائل من الجزائر وأغادير وتونس وليبيا ومصر حتى الخليج، يكتبون تلك الخطابات إلى المسؤولين والمداويين، كيف حال ليلى؟، عفا الجواب طال انتظار الصبر في أن يدوم، لكنّ العاشق وضع قلبه على دربها، أعانه ذلك السائق بوجودها في البيت العتيق الجميل، لم يصدّق أنّ ليلى تنتظره، غاب عن الحياة فترة، جاف الوقت يفكر، كيف انتبهت ليلى، إنّني أبحث عنها.

منع الجواب، وصل إلى دارها، طرق الباب برفق، بعد هُنَيهة، سمع صرير الباب: أنا الطارق سيّدتي، جئتُ لرؤية ليلى.

- من أنت؟

- أنا الصبي العاشق الذي ضاع ظلّه سنين طويلة، يبحث عن ليلى.

وقفت وصيفتها تنظر إلى العاشق الولهان كأنّني على ميعاد، هل أنت الصادق؟

- نعم سيّدتي.

- تفضّل، سمعنا أنك في الطفّ تحوم بين الإبل تبحث عن قلب ليلى المريضة.

تفضّل سيّدي الصادق، ليلى تنتظر قدومك، أمهلني بعض الوقت.

نظر الصادق العاشق بين زوايا البيت، وجد تلك القطيفة التي نقش عليها هذا البيت:

يقولون ليلى بالعراق مريضة *** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا

بين المقعد والأريكة، سمعت صوتها، التحية إلى سيّد الحب، وقوفًا وجلالة الحضور، أفاقت الجوارح في خشوع، تفضّل أيّها الصادق.

كانت ملفوفة بالسّواد لا تقع العين على شيءٍ، قالوا إنّ الشفاء حظّك لكثير من الفتيات، الحكام والسلاطين قد علموا أنّ ليلى بالعراق مريضة، أغلبهم، غلب عليهم الخيال والوهم، بأنّ ليلى في التخيّلات فقط، إنه حظّي يا سيدتي، حتى لا يتجرأ أحدٌ في البحث عنك.

ضحكت ليلى: إنك شقي مراوغ.

جاءت أقداح الشاي حين تجرأت وقلت: أين أكواب الصهباء؟

أنتَ في حضرة ليلى وتحت سماء بغداد، أنا امرأة مسلمة، وأنتَ، هل حسبتني من الكافرين؟

تغيّر مجرى الحديث.

مولاتي: لقد جئت للعناية بك، وهو فضلٌ لن أنساه ما حييت.

أفاقت ليلى من سُباتها، نظرت إليه كعاشقة وسألته: هل تعرف أيّها الصادق؟ لقد كنتُ ثَمِلة منذ عقد، أنتظر رؤيتك، قرأت روايتك في ليلى، الحب في زمن الخيال، الليلة الأولى من العشق، منذ وصولك إلى المدينة، كنتَ في الخمّارات ثملًا بين الغانيات ترقص ليلًا، تبحث في شفاء ليلى، يطلع النهار ورأسك منفوخ من كثرة الشّرب.

سيّدتي: الثمالة كانت في البحث عنك. تعلمين، لقد جئتُ من أقصى بلاد القوم البعيدة، لم يتوقف قلمي عن الهيام بكِ، علمت الحقيقة أنك على ضفاف دجلة تنظرين.

لنا في الغد لقاء، المخدع ينتظرني، روحي ظلّت طريقها ليلاي

دعيني أرفع السواد الذي أسدل وجهك، من ثقب الضباب، ليلاتي، دعينا، نبحر من بيروت إلى قرطاجة حاملين العِلم بين ثقلين، الأول لكِ والثاني لكِ، اشتاقت الأشرعة اتجاهاتها الأربعة بين الطواحين والسرور.

أيّها الصادق، فكّر في مجدك، أنا ليلى، ناصية واجفة خربة، جوارحي تأبّطت واشتاقت أن تتوق الروح موسمها، أربعين سنة، أنتظر رؤياك، هيّا قف وانزع اللثام عن وجهي، اقترب لقد حان القطاف قبل الرحيل.

بين ليل بغداد وضع قربه أمام حانة قريبة من مخدعه، الموسيقى أخذت جفاه، جلس يفكّر في رؤية ليلى في اليوم القادم، جاء النادل: سيدي، ماذا تشرب؟

ألا أيّها الساقي، أدر كأسًا وناولني، دعني أفكر قليلًا، ليلى تنتظرني غدًا، أخاف من المخبرين الذين يروونَ روايتي لها في هذا الليل العتيق، الشك مقدار من الخوف.

نظر النادل: إذًا عليك عن شراب التوت.

لا، دع التوت، النّبيذ سيّد الطريق، الروح تنتظر الروح غدًا.

أفاق سمعه بعد وقت قصير على صوت، أديب الدّايخ:

يقولون ليلى في العراق مريضةٌ

أيا ليتني كنت الطبيب المداويا

وقالوا عنك سمراء حبشية

لو لا سواد المسك ما انباع غاليا

ارتفعت آهاته محلّقًا بين الوادي والجبل، رفع يديه ثائرًا أن يكون بين ليلى غدًا، بعد رحلة طويلة بين مدن العراق، يغازل بناتها بين النظرة والنظرة. سمعت المدائن بقدومه، جاءت الفتيات من كلّ صوب، رافعين الرياحين في الشفاء بين يدي المليح، ينفضون أرواحهم بين قلبه، يقول لهم تمتمات شفائية ثم يذهبون إلى ديارهم، متمنّيات أن يكنّ زوجًا لهذا العاشق الولهان.

جاء اليوم. كان يطرق باب ليلى، ظهرت وصيفتها ترحب، أيّها الصّادق، الانتظار سيّد الفوائد والبخور يلوح بالمكان، المدّ في الانتظار أزعجه، التفت برهة، وقع قدميها أوتار، أمام الهبوط من زاوية المكان، سمراء جميلة مثل الليل فاتنة، لونها من لون مُقلتها، إن كنت أخطأت فقولوا لي جفّت الكلمات التي عرفتها منذ فجر ميلادي، تموج بعباءتها حضورًا.

سيّدتي، كنت بالأمس في حضرة الشيخ أدعو أن يكون الختامِ، خاتم بين إصبعين، عندها يبدأ الهيام.

ليلاتي: نعم، أيّها الصادق، لا زلت تلحق البغاء في الليل الساتر، انتشرت رؤياك، أنا غضبة منكَ، لماذا لا تسعدني وتتوقف؟ أنتَ تعرف ما هو الهيام! تلعثم بالراء قليلًا، قال: كنت أراقب نفسي في محو المجون والجنون، في الحانة، سألت النادل في شراب التوت، أغفلت عن الصّهباء لأجلك، أيّتها السّمراء، ذلك ظنّي بأنّ مخبريك يلهثون ورائي، بلغ غيظي أشدّه، قبضتي تريد المسك بين الظل والنور.

عندما تشرب وتنظر إلى الملاح يتوقف قلبي في القيح غضبًا، يخلو الأدب في وقته وتذهب الأخلاق في غفلتها أيّها الصادق المجنون.

لست مجنونًا، الجنون هو العشق الذي نزل في دهاليز الرّوح التي آلت أن تهدأ. انصرفي وتوقفي عن الجنون، بدأ العشق يهدر جداولي في رحلة النسيان، اركب مركبي، إلى لقاء لن يتكرّر.

- هل غضبت منّي؟

- نعم، ماذا أقول؟ كوني أديب دندنة الأخلاق والأدب، المدينة تعرف سبب وجودي في البحث عنك؛ كوني غريبًا قادمًا من بلد عربي بعيد، حتى تلامذتي يتسامرون بينهم في السؤال بين الوهم والحقيقة التي يبحث عنها أستاذهم.

هل تريد غفرانًا يصبو إليك؟، الأدب يفرّق الكلام أثناء الشتات بين الكؤوس، تطيب النفوس في حرمٍ، لقد ذكره الله في ذكره.

ليلاي، إنّ نفعه أكثر من ضَرّه، يشربه النصراني ويظلّ سليم الأخلاق، ويشربها المسلم ويصبح سيّئ الأخلاق.

اسمعي ليلاتي واعقلي: لم يَبقَ لي رشدًا أسمع به وأعقل.

لم يَبقَ إلّا الوداع، لقد انقلب قلبي في دقاته كساعة أحجمت عقاربها عن الوقت الذي يحين.

لقد أغرقت دمعاتي، أيّها الصادق، تعالَ ضع رأسك واثنِ على فخدي، إنّها النهاية، أيّها الجميل، طرق الباب شيخ ذو عمامة بيضاء، فتحت الوصيفة الباب، قالت: اكتب كلمات الوثاق قبل أن يغادر الطير إلى مرساه.

***

فؤاد الجشي - السعودية

 

كان يرتدي اللون الأسود بالتفرد. في وقفة المتسكع، كان يُمثل قُوة إبليس الحرارية، والتي تحدث هالة شرّ متدفق. إبليس اللعين يتبختر في لباسه الأسود الحريري، وربما كان يُجري التحكم في حيواناته الأليفة من بشر الأتباع الأوفياء. كان اللعين يستجمع سلطة كل القوى الشيطانية المتجددة، عن طريق اختراق الذكاء الاصطناعي، وبعث رسائل الإغراءات والانحرافات.

في الأرض السفلية الهجينة بالتحالفات، كان شعب إبليس يتشكل من العبيد الطيعين. عبيد يمثلون البلاهة، ولا يحق لهم ممارسة التفكير عن بداية السؤال. فيما إبليس السيد الحاكم بالاستبداد والخديعة، فقد كان يعيش في لهو مستمر، وهو يُربتُ على رأس ذاك الحيوان الأليف، ويُنْجز الخوارزميات البدائية للتحكم في مشارف الحرب ضد الخير. فلم يكن الحيوان المفضل عند إبليس من سلالة قطط فرعون، كما علمتنا أفلام الرعب الأمريكية، بل كان من فصيلة الذئاب العصية عن الصيد والتدجين.

رؤية إبليس بلباسه الأسود في يوم عيد طرده السماوي، يوازي قوة عيون الصقر في معارك صيد متعة الاستنزاف. في حكمه لشعب العبيد في الأرض السفلية، كان يتحرى إنتاج جيش من الأشرار والمدلسين والفاسدين، جيش لا يملك مخاوف إنتاج الشر، ولا تلك الحدود الأخلاقية الوجودية. محاربون من جيش البلاء، يمتلكون الذكاء الاصطناعي في بناء الفخاخ، ويزيدون بسطة من لعنة السماء عليهم. كانت سلالة إبليس تعمل وفق شبكة (الويفي) في تعبئة العبيد الطيعة الخنوعة.

في رؤيته المستقبلية لتكهنات القرن الحادي والعشرين، كان إبليس يجدد تكوين المدربين والمكونين من قشدة المهرة الانتهازيين، لتدعيم جيوش الشر والزيادة في لهيب الفتنة بالأرض العلوية. كان يخطط للانتصار على الخير وينهي القيم الوجودية. مكر إبليس لا حدود معرفية له، ويفوق مستقبل تفصيل عباءات تحويل الوعي الإنساني لسلوكيات سليمة ومتجددة، والتي حتما توازي المتغيرات الاجتماعية. فإبليس لا يريد من شياطين الأرض الإنسانية أن تتفوق عليه في خططه الحربية، بل كان يتكفل طوعا في ترويع الخير والخيرين.

في دروسه اليومية لعبيد الأرض السفلية، كان يوثق لكل الأحداث بالتسجيل والكاميرات الحديثة، فهو يخشى على سلالته الاختراق من طرف الدم الأزرق البشري الطاهر. كانت كل أوصافه لعبيد البشر الطيعين توازي سياسة التحقير والتيئيس، واللعب على أوتار التمايزات بين مَنْ خلق من طين طيعة، ومَنْ كان خلقه من نار حمئة. كانت معادلته الرخوة والغيورة، هي من أخرجته بسقطة مدوية في الأرض السفلية، وبات يسترق السمع، ومن الرجم ينال عقاب شُهب المذنبات السماوية.

من عطلة الأرض البينية للشر، حين تكبل شياطين الشر، وتنال التصفيد في ليال معدودات، ومع ليلة السراح، كان عبيد الأرض العلوية من الإنس السذج بالغباء، يشعلون نور الشموع، ويحرقون دخان الأبخرة، ويتوجسون خيفة من العائد الناقم نحو ساحة المعارك بطائرات بدون طيارين من أخوية جيوش إبليس اللعين.

في مخيلة الشيطان العائد بالحرية، تتمثل لديه صورة الإنسان بذاك العبد المنهك بمتاعب هَمِّ الحياة. كل الجدل عند العبيد الطيعة، كانت تجرى بالبدائية في الأرض العلوية، وتنكسر عند حدود كيفية التحرر من سلطة إبليس التحكمية. بحق، كان عبيد إبليس لا ينتجون فلسفة دائمة متحررة من المكر والفساد، بل ألفوا استهلاك الموجودات، والرضا بتحكم إبليس السيد. في مجتمع عبيد معتل وطيع، بات إبليس يستغل (ويفي) الذكاء الاصطناعي، ويؤمن بتدبير العقول البدائية بالأوهام والخرافة، فهو أمسى يحكم بالاستبداد منذ الزمن البعيد، و يداوم على تجديد أنماط العلاقة بين السيد والعبد.

***

محسن الأكرمين 

 

كنت أعمل مراسلا لإذاعة الإمارات في موسكو عندما أعلنوا عن زيارة سيقوم بها الرئيس مبارك إلى موسكو في 15 مايو 1989، فكلمتني الإذاعة باهتمام ولهفة أن أحصل منه على تصريح خاص تنفرد به الإذاعة. بالسؤال تبين لي أن جميع المراسلين من دول العالم كافة سيقفون في المطار لاستقباله يوم وصوله خلف حاجز، وهذا هو المتاح لا أكثر. كان يوما مشمسا توجهت فيه منذ الصباح الباكر إلى المطار فوجدته يغص بالحراس والمراسلين والكاميرات. وقفت مع الجميع خلف حاجز أحمل جهاز تسجيل صوت صغير. بعد فترة انتظار هبط الرئيس ومر أمامنا يصافحنا مغمغما لكل منا بكلمتين وحيدتين: " أهلا وسهلا" ويواصل بعدهما سيره. سجلت العبارة وهرولت أزيح المراسلين لعلني ألتقط شيئا ما قد يقوله، لكنه لم يزد عن " أهلا وسهلا". سجلتها خمس مرات، واعتبرتها – لا أدري لماذا- " تصريحا خاصا" تنفرد به الإذاعة ! أسرعت بعد ذلك عائدا إلى البيت وشرعت في كتابة الرسالة لكي ألقيها في اتصال هاتفي، وأشرت إلى أن الرئيس المصري هبط إلى المطار وكان في استقباله فلان وفلان، وصرح سيادته لإذاعة الإمارات بقوله: " أهلا وسهلا"، وقبل أن يستقل سيارته أعاد علينا نفس التصريح بحذافيره! اتصلت بالإذاعة ووجدتهم متلهفين على رسالة تغطي حدثا عربيا سوفيتيا كبيرا. بدأت أتلو الرسالة وشعرت عن بعد بالذهول الذي حل على الاستديو أبو ظبي. واستفسر مني المسئول بدهشة وغيظ: " يا أستاذ.. هذا هو التصريح الذي اختص به إذاعتنا ؟". قلت بجدية: " نعم. أهلا وسهلا هذه تحتاج منكم فقط لمجرد توضيح.. فهي بمعنى أن الرئيس متفائل وأن المباحثات ستمضي على أفضل وجه! وللعلم هذا تصريح خاص بنا وحدنا، يمكن أن تسميه انفرادا". بعد انتهاء المكالمة فتحت الراديو ووجدتهم يذيعون الرسالة وجاء في مقدمتها: " تصريحات خاصة من الرئيس المصري لمراسلنا في موسكو"! لكنهم يا للأسف أذاعوا " أهلا وسهلا" مرة واحدة وحذفوا المرات الأربع الأخرى مع أن بعضها كان في منتهى الأهمية. بعد زيارة مبارك وتحديد في أغسطس 1991، كان جورباتشوف يستريح في القرم حين تم عزله من " لجنة الطواريء" التي ضمت الشيوعيين المتشددين، ووزيري الدفاع والداخلية. جرت المحاولة فجرا وأنا نائم بالطبع، ومبكرا في الصباح دق جرس الهاتف وإذا بها الإذاعة، يسألونني بلهوجة واهتمام بالغ: " أستاذ أحمد ما أخبار الانقلاب عندكم؟". قلت وأنا أفرك عيني: " أي انقلاب؟". قالوا: " على جورباتشوف". قلت مدهوشا: " متى حدث ذلك؟". صاحوا بغيظ: " فجر اليوم". صحت متعجبا: " ومن الذين قاموا بالانقلاب؟". انفجر الزميل من الطرف الآخر صارخا: " يا أستاذ نحن نتصل بك لتعطينا المعلومات، لا لكي نعطيك نحن المعلومات"!! غضبت من الاذاعة بسبب هذه الملاحظة، وبسبب ما سبقها من عدم تقدير لانفرادي الصحفي بتصريح خاص من الرئيس مبارك. ومع ذلك فقد نبهني العمل الاذاعي إلى حقيقة مهمة، ففي بداية عملي معهم سجلت لهم رسالة عن العلاقات الروسية الكويتية، وفي أثناء القاء الرسالة نطقت كلمة " الكويت" كما ننطقها في مصر، لكن زميلا من هناك استوقفني وقال لي: " الكويت.. بفتح الواو وليس بكسرها"، وتنبهت إلى حقيقة أن النطق السليم للكلمات هو المعيار اتقان اللغة حقا، فعكفت على كتب اللغة العربية بجوار دراستي للروسية، واكتشفت خلال ذلك أن اللغة الروسية أسهل مئة مرة من لغتي الأم التي أعشقها رغم صعوباتها.

***

د. أحمد الخميسي - قاص وكاتب صحفي مصري

 

عرف الانسان الحيتان وعمل على اصطيادها من أجل لحومها وشحومها منذ عصور ما قبل التاريخ (نحو 3000 – 6000 عام ق. م). وكانت عمليات وأنشطة الصيد بادىء ذي بدء محصورة بالمياه القريبة من السواحل، لصعوبة التوغل في المياه العميقة من قبل الشعوب الساحلية، مثل الهنود الحمر في أمريكا، وشعب سامي في منطقة النرويج الحالية التي أكتشفت فيها نقوشا على الحجر عمرها 4000 سنة تقريبا. بالإضافة إلى وثيقة صيد تعود لعام 890 ميلادية. ثم تطورت وتوسعت بمرور الزمن لتأخذ منحى تجاريا بتطور الملاحة البحرية والتكنولوجيا، وزيادة الطلب على منتجات الحوت من لحوم وزيوت مستخدمة في صناعة طلاء الورنيش والصوابين ومستحضرات التجميل والادوية، وأعلاف وأسمدة مستخرجة من بقاياها. فأوجدت صناعة صيد الحيتان التي قضت على أعداد هائلة جدا من الحيتان (50000 حوت سنويا اعتبارا من 1930).

وهددت أنواع كثيرة منها بالانقراض والفناء اعتبارا من عام 1940، مثل الحوت الأزرق وحيتان العنبر والحيتان الرمادية في غرب المحيط الهادي التي لم يتبق منها إلا (100) حوت تقريبا. وأخلت بالبيئة وأضرت بالتنوع الحيوي على نحو بين، وبما يتناقض ويتضارب مع القوانين الدولية الرامية إلى المحافظة على الحيوانات بمختلف أنواعها، لما تشكله من أهميات جمة للأنظمة الايكولوجية. وكانت التغيرات المناخية والتلوث والضوضاء واستنزاف طبقة الأوزون من المخاطر والتحديات التي واجهتها الحيتان أيضا من جراء الأنشطة البشرية العديدة.

إن التحفظات على أنشطة صيد الحيتان الجائر والمفرط قد أثيرت في (عصبة الأمم) في عام 1925، وقدمت في عام 1931 اتفاقية جنيف لتنظيم صيد الحيتان، ووقعت عليها (26) دولة، وبضمنها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والنرويج، وامتنعت عن توقيعها اليابان والاتحاد السوفيتي – سابقا والمانيا. وقد دخلت حيز التنفيذ في عام 1934. وفي عام 1937 انعقد المؤتمر الدولي لصيد الحيتان الذي خرج بجملة شروط وضوابط على أنشطة صيد الحيتان.

و في 2 ك 2 / 1946 تم التوقيع على (الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان)، وأفضت إلى (اللجنة الدولية لصيد الحيتان) التي عقدت آخر اجتماع لها في (بورتوروز) في جنوب غرب سلوفينيا خلال 24 – 28 تشرين الأول 2016. وتضم في عضويتها حاليا نحو (90) دولة. وتعقد اجتماعا واحدا كل عامين.

و كان التحول من صيد الحيتان إلى مراقبتها ومشاهدتها من قبل السياح (سياحة مراقبة الحيتان التي سجلت عائدات بقيمة بليون دولار في عام 2001 و2،1 بليون دولار في عام 2008 و9 ملايين – 13 مليون سائح) أحد أهم وأبرز الاتجاهات الرامية إلى المحافظة على هذه الكائنات الرائعة وحمايتها من الانقراض، لا سيما وانها تتم وفق قواعد وأسس الاستدامة البيئية القائمة على المحافظة على الموارد وخصوصا المهددة منها، وعدم استنزافها والتفريط بها، بل تنميتها وايصالها على الأجيال اللاحقة أكثر غنى وتطورا.

و تعميم الانتفاع منها لتشمل جهات متعددة وعلى نحو مستمر. مثل المجتمعات المحلية (كما في جونية بجنوب شرق الاسكا) والشركات السياحية والاقتصادات الوطنية. إذ تشير العديد من الدراسات والبحوث الحديثة (انظر دراسات د. مارك أورامس) إلى أن مراقبة ومشاهدة الحيتان هي أكثر نفعا بالنسبة لهؤلاء من اصطيادها وتسويق منتجاتها من لحوم وزيوت وغيرها، وخصوصا على المدى البعيد المرتبط بالاستدامة. ولا سيما لو تمت وفقا للضوابط والقواعد التي تم صياغتها وإصدارها لهذا الغرض، تجنبا للآثار السلبية والمثالب التي قد تنشأ عن سوء ممارسة هذه السياحة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

 

الاعتداد بالشاعرية ــ على وجه الخصوص ــ واحدة من الصفات التي لازمت الشاعر العربي عبر عصور وأجيال شعرية متعددة وقد تجسدت في افتخاره بما لديه من امكانات وأدوات شعرية يعتقد انها غير متوفرة لدى اقرانه من الشعراء، ولا أجد هذه الصفة عيبا في شخصية الشاعر اذا ما اقترنت بالتواضع وعدم الاحساس بأنه أفضل من غيره بل هي واحدة من وسائل الشاعر في تحدى الخصوم والتنفيس عن همومه، كما وصفها الكاتب انيس منصور انها ثقة بمثابة سلاح في (معركة ضد كل مضاعفات الهزيمة)، ولعل الشاعر المتنبي كان من بين أكثر الشعراء الذين تفاخروا بشعرهم واسبغوا عليه صفات عظيمة وخارقة وصلت أعلى درجات الفخر بالشاعرية وقد تجلى ذلك في قوله (أنا ترب الندى ورب القوافي) بل وراح أبعد من ذلك عندما جعل من شعره شفاء لعاهات مستديمة وذلك في قوله:

أنا الذي نظر الأعمى الى شعري

وأسمعت كلماتي من به صمم

ويشعر المتنبي ايضا بالزهو حين يرى نفسه فارسا مغوارا في مملكة الشعر وقوافيه خالدة يتردد صداها على مدى الدهر حيث ينشد :

وما الدهر إلا من رواة قصائدي

إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

ويوغل بالتسامي في عظمة شاعريته اذ يؤكد تفوقه على الشعراء في اقتناص القوافي بكل يسر وطواعية في حين يعاني الآخرون من ملاحقتها والاتيان بمثلها وتلك ثقة عالية بالنفس:

أنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها

وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ

ويأتي بعد ذلك الشاعر ابو العلاء المعري ليسير على ذات النهج الذي سار عليه المتنبي فيطلق قصيدته الذائعة الصيت التي يعلن فيها انه قادر على تقديم ما عجز عنه الذين سبقوه فيقول فيها:

وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ

بإخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكاملُ؟

*

وإني وإن كنْتُ الأخيرَ زمانه

لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ

وشاعر آخر هو الشريف المرتضى ــ شاعر وفقيه ــ أدرك ايضا هذه العظمة حين جعل من الاستماع الى شعره دليل على ذوق السامع وذلك في قوله:

واذا المسامعُ أنصفت لم تقتنص

الاّ كلامي وحده وخطابي

وصفة التباهي والفخر بالشاعرية لم تغيب عن ساحة الشعر الشعبي فها هو الشاعر سعدي المصور الذي غادرنا قبل أيام يعلن وبكل ثقة قدرته على اركاع القوافي المتمردة والعاصية على الشعراء فيقول:

طبيت لرياض الشعر والقافيات

وگمت اداعبهن على وحي الخيال

*

وانشدتْ وين القوافي العاصيات

إجن سجدن واعلنن لي الامتثال

***

ثامر الحاج امين

 

يحدث أن تطلب منك جمعية أو مؤسسة ثقافية سيرة ذاتية تلخّص فيها مسيرتك الابداعية. ويحدث أن تكلّفك جمعية أو مؤسسة بجمع سير أعضائها لتأثيث ملفّات خاصّة أو جعلها في كتاب يكون مرجعا للباحثين عن اسم هذا المبدع أو ذاك. وقد تسعى عن طيب خاطر الى جمع وتوثيق تراجم المبدعين فتصبّ جهدك واهتمامك للحصول على غايتك ويصل بك الارهاق الى حدّ الشعور بأنك تشحذ منهم سيرهم لخدمتهم وللتعريف بهم. ويحصل عندك على المكتب أنماط وأشكال من السّير مختلفة حجما وشكلا ومضمونا. وقد تضطر الى عملية فرز مضنية لترتيب المحاصيل حسب الأنماط. فأنت لا محالة مدفوع على أشكال عديدة من السّير تختلف كلّها عن النموذج الذي اقترحته عن المترجم لهم ولم يأخذوه بعين الاعتبار.

ــ نمط أول: هو لا يختلف كثيرا على قصة حياة المبدع، يروي اليك المترجم لنفسه تفاصيل ميلاده ويصف صرخته الأولى والليلة التي شرف فيها العائلة بنزوله الى الحياة ولا ينسى الظروف الاجتماعية العامة التي ولد فيها وقد تمتدّ القصة وتفيض على أكثر من خمسين صفحة. ثم يعنونها: سيرة ذاتية مختصرة. وقد يطلب منك ألا تتعمّد التنقيص منها. وتجد نفسك مجبرا على اهمال تسعة أعشارها.

نمط ثان: يبدأ سيرته الذاتية بذكر صفاته المتعددة ونعوت ينسبها لنفسه وأسماء شهرة ويمرّ الى ذكر أحفاده واحدا واحدا بتاريخ الميلاد والجنس واسم زوجته. ولا ينسى أن يذكر عنوانه كاملا وهاتفه وكيف التواصل معه وكل هذا لا يفيد الباحث في شيء.

نمط ثالث: لا يتجشّم المترجم له عناء تحرير سيرته الذّاتية ويكتفي بإرسال صورة من غلاف أحد كتبه ثم لا يخجل أن يطلب منك نقل ما ورد على الغلاف من معلومات شحيحة في أغلب الأحيان وقد لا يعذر لك خطأ في تاريخ لم تتبيّنه جيّدا في الصورة التي تغيم أمامك بمجرّد تكبيرها.

نمط رابع: يمدك بسيرة ذاتية اكاديمية يورد فيها مراحل دراسته وتدرّجه في المهنة ونصوصه المنشورة بصفة فردية وجماعية ويذكر المقالات التي نشرها بتفاصيلها ويرفقها بتلخيص مطول. وينصّ على عدد السّاعات التي يقوم بتدريسها في الكلّية وعدد الطّلبة المستفيدين. ولا ينسى ان يدرج مجموعة المداخلات التي قدمها في شكل دروس في المنتديات مع بعض الملاحظات التي أشادت بالمداخلات. فيختلط عليك الامر بين سيرة ذاتية لكاتب وبين سيرة لنيل شهادة جامعية.

خلال انجازنا لبعض كتب التراجع اعترضتنا مثل هذه السير ففرضت علينا تعبا كان من الافادي للجميع لو اننا انفقناه في شيء آخر. وما حز في النّفس حقيقة أن بعض المترجم لهم يدفعونك دفعا نحو ارتكاب الخطأ ثم يرمون باللوم عليك.

ان كتابة السيرة الذاتية في اعتقادنا فنّ ابداعي له خصوصياته ومقوّماته فهو يختلف عن البطاقة الفنّية ويختلف كذلك عن القصّة الواقعية. هو تلخيص لمسيرة إبداعية تقدّم صاحبها دون أن تهمل محطّة هامّة ودون أن تسهب في الحكي. فالسّيرة لا ينبغي أن تثير قلق القارئ بل تشدّه الى قراءة العناوين الدقيقة والمقدمة في صورة رؤوس أقلام فلا هي افراط في القول ولا هي تفريط في معلومة مهمّة من شأنها أن تحيل الباحث او القارئ الى موضوع ما. وأن تُذكّر كاتبَها أن لكلّ عنوان في سيرته هدفا واضافة لنفسه أولا ثم للأخرين. وإن كل إضافة بدون هدف تعتبر حشوا زائدا ومملا.

وإننا نقترح هذا النموذج لأننا رأينا فيه بساطة في التحرير وسهولة في الاطلاع:

اسم الشهر والاسم الكامل.

تاريخ ومكان الولادة.

التدرّج في التعليم واللغة التي تلقّى بها دروسه.

المؤهلات العلمية مع الاكتفاء بذكر الشهادات، عناوينها وتاريخ الحصول عليها.

المسيرة الإبداعية: فقرة تلخص أهم المحطات الثقافية في حياة الكاتب.

الإصدارات مع ذكر جنس الإصدار وتاريخ نشره ودار النشر.

أهمّ المشاركات أو المساهمات في الشأن الثقافي.

الجوائز التي تحصّل عليها الكاتب.

بعض الإضافات التي يراها الكاتب مفيدة للباحثين عن اسمه.

***

د. المولدي فرّوج 

  

أكثر كلمة ممكن أن تسبب صراعات وحروب عند جميع الأطراف هي كلمة "نسويات". لست هنا لأناقش جرائم مجتمعنا الذكوري ولا تشوه نفسية "الذكوريات" من ترضى بالذل والتسلط لقناعتها أن ذلك حق عليه وواجب عليها

إهتمامي ليس محصوراً فقط في النساء أو الرجال أنا إنسانه مهتمة بالإصلاح والتوعيه بل هي أحد أهدافي، ولكن بطبيعة الحال فإن معظم كلامي موجه للبنات كوني بنت أكثر فهما لجمالية تركيب نفسية الأنثى بكل تعقيداتها..

لايكفي فقط أن تمنعي عنف وتسلط الرجل عليك بل أن توقفي عنفك ضد نفسك وضد بنات جنسك.

هناك عنف خفي دائماً يظهر خلف أشياء معظمنا يعتقد أنها طبيعية نظرتك القاصرة لنفسك وسعيك بهوس خلف الكماليات وبحثك المضني عن الإطراء والعاطفة.. عنف تقترفينه بحق نفسك عنف يقتل جمالك الداخلي الذي اهملتيه كلياً وراء متطلبات الجمال الخارجية السطحية، تتردد عبارة على مسامعنا كثيراً كمبرر للهوس التجميلي المنتشر وهي :"أنا أفعل الشيء الذي يعيد إلي ثقتي بنفسي ويجعلني راضيه، انا حره وافعل ما أريد" كلام جيد ولا أختلف عليه لكن تكونين حرة فقط حينما يتعلق الموضوع بكِ وحدك ولست حرة أبداً أن تسقطي مقاييسك على كل إمرأة تقابلينها"هذه سمينه-هذه بشعة -مسكينه تحزن لماذا لاتهتم بنفسها-تحتاج عملية تجميل أنف- فلر- بوتكس" وسيل لاينتهي من التنمر والمضايقات لأي إمرأة لا تطابق المقاييس بل أن الأمر وصل من السخافة إلى الحد الذي قد تنحى فتاة من مجموعة نسائية وتقصى تماماً في المناسبات لمجرد أنها سمينة وغير أنيقة.

أنتِ لاتعلمين أن تفكير بهذا القدر من السطحية يدمرك داخلياً (أن تسقطي قيمتك كإنسانه على شكلك)، لم تخلقي في العالم فقط لتكوني جميله ولا لتعجبين جميع الرجال (الذين يعجبهم أي شيء بالمناسبة) إدمان الإطراء سوف يقودك إلى أن تشرعي أبوابك لكل من وقف خلفها لاهثاً بجمالك،من أحبك لجمالك وشبابك سوف يكرهك ويتركك لذات السبب 

المرأة المستقلة

لاتعني فقط إستقلالك المادي ..بل يمتد إلى إستقلالك الفكري بالنضوج والتطور والثقافة وإتساع زوايا الأمور في نظرك والإهتمام بمهاراتك العقلية وإعادة تقييم حياتك وعلاقاتك ونمط تفكيرك (لا تكوني عبارة عن كائن مزعج، شكاك، نظرتك للحياة هي (زوجي خانني - هذه سحرت لي وسرقت زوجي - تلك خطفت حبيبي) لملمي جراحك وإرحلي عمن لم يقدرك وإعلمي أن الخيانه ذنب لايغتفر... ابداً ولا فرصة أخرى تقدم لخائن لأن الخيانة هي إشارة لإنتهاء مرحلة ما وما انتهى لا يعود.

النمو العاطفي هو عدم قبول المذله والهوان، أن لاتجعلي من استعبدك سيداً وتفسدين علاقتك مع كل من حاول تحذيرك منه

حينما تدركين كل ذلك يرتقي مفهومك للنسوية من "عداء الرجال ومحاربتهم" الى التحرر من هذا العداء بل أن معاداتهم تعني انك مازلت خاضعة تحت سلطتهم الذكورية عليك

النسوية هي احترامك لنفسك ووضع حدودك وعدم التنازل عن حقك ووقوفك بوجه أي أذى سواء كان من الرجال أو النساء .. أو حتى نفسك

***

لمى ابوالنجا

كاتبة من المملكة العربية السعودية

 

أتذكر في عيد ميلاد محمد عبد الوهاب الذي يوافق 13 مارس أنني رأيت عبد الوهاب بالمصادفة في دار الأوبرا القديمة عام 1961عندما صحبني والدي إلى حفل الموسيقار العالمي آرام خاتشادوريان. كانت مقاعدنا في الصف الثاني أمام المنصة، وكنت أتلفت خلفي مبهورا، وفجأة رأيت محمد عبد الوهاب مقبلا في الممر برفق مثل أنغامه وإلى جواره زوجته، ثم جلس في الصف العاشر بعيدا عن المنصة! في الثالثة عشرة من عمري تصورت أن عبد الوهاب بخيل استرخص المقاعد الخلفية! فسألت والدي عن ذلك بدهشة، فقال لي مستنكرا: " لا يا ابني.. أي بخل؟! إنه أستاذ ويعلم من أي المقاعد يكون الصوت مسموعا أفضل ما يكون". لم أره بعد تلك المصادفة السعيدة. عبد الوهاب في تاريخ الموسيقا العربية مؤسس قالب الأغنية الحديثة التي ظهرت كشكل فني مع ثورة 19 في العشرينيات مواكبة لظهور الأشكال الفنية المصرية الأخرى: القصة القصيرة على يدي محمد تيمور، والرواية على يدي هيكل، والمسرح الغنائي على يدي سيد درويش. عبد الوهاب خالق قالب الأغنية الحديثة، على الرغم من أن آخرين سبقوه مثل القصبجي والسنباطي، لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار في التجديد والتأسيس وظلوا في دائرة لحنية مغلقة، أما عبد الوهاب فقد فاق الجميع تأسيسا للقالب الموسيقى واستمرارا بالتجديد على مدى قرن تقريبا حتى سلم الراية لأبنائه كمال الطويل، ومحمد الموجي الذي قال إنه كان يفز على قدميه احتراما حين تذاع في الراديو أغنية لعبد الوهاب، فلا يسمعها إلا واقفا حتى تنتهي!

في تلك السنة التي رأيت فيها عبد الوهاب تقدم والدي عبد الرحمن الخميسي بأوبريت مهر العروسة لعبد الوهاب لكي يلحنه، ووافق الموسيقار الكبير لكنه ظل يماطل ويسوف وطلب مهلة أربعة أشهر، ثم ثلاثة أخرى حتى انقضى عام ونصف ولم يلحن سوى ثلاث أغنيات! حينذاك عهد والدي بالأوبريت إلى بليغ حمدي، وكتب يوسف إدريس عن ذلك يقول إن: " عبد الوهاب قطع هذا الوعد وهو يعرف تمامًا أنه لن يوفيه وأنه ليس ملحن أوبريت، وأن حياته وثقافته الموسيقية تصب في قالب الغناء العاطفي المفرد الذي تزعمه"، وأضاف إدريس: " وقولنا إن عبد الوهاب ليس ملحن أوبريت ليس طعنا فيه، إلا إذا كان عدم الكتابة للمسرح طعنا في نجيب محفوظ"! نعم عبد الوهاب لم يكن قادرا على الابداع في مجال المسرح الغنائي، لكنه مؤسس " قالب الأغنية" الحديثة المصرية والعربية، ساقته إلى ذلك طبيعته الفنية الذاتية، مثلما ساقت يوسف إدريس طبيعته الذاتية إلى القصة القصيرة وليس الرواية. وعلاوة على الدور التأسيسي لعبد الوهاب فإنه كان المفكر الموسيقي الوحيد بين الموسيقيين المصريين جميعا، ويكفي لإدراك ذلك أن تقرأ كتاب سعد الدين وهبة الذي تضمن حوارات مع عبد الوهاب.

وقد تردد خلال حياة الموسيقار العبقري وربما مازال اتهامه بسرقة الألحان، واستشهد أصحاب ذلك الاتهام السخيف بأن بعض أغنياته تحتوي مقاطع من موسيقا عالمية، وهذا صحيح، لدي عبد الوهاب بعض المقاطع، لكنها لا تمثل في البناء اللحني سوى نقطة للاستلهام تتبدل وتختلف في بناء فني آخر مكتمل لتصبح إبداعا مستقلا. في حوار لعبد الوهاب مع المذيعة ليلى رستم في الستينيات رد عبد الوهاب على سخافة ذلك الاتهام بقوله: " يتأثر الفنان بالموسيقا ويأخذ منها، بعد كده يطلعها لنا في ثمرة جديدة، مثل الابن، يأخذ من الأب والأم، لكنه في الواقع مخلوق جديد بحد ذاته". جرت أغاني عبد الوهاب في مختلف الأشكال : الطقطوقة، والموشح، والأغاني العاطفية، والحوارية، والوطنية، ومقطوعات موسيقية صرف، واغترف خلال ذلك من كل أنهار النغم: حواري المدن، والموسيقا السيمفونية العالمية، وإيقاعات الريف، وطبول الكباريهات، والتراث الغنائي. ولعل عبد الوهاب هو المفكر الموسيقي الوحيد بين الموسيقيين المصريين جميعا، ويكفي لإدراك ذلك أن تقرأ كتاب سعد الدين وهبة الذي تضمن حوارات معه. مازالت حية إلى الآن في أرواح وحياة الملايين فرحة الفن الذي قدمه.

***

د. أحمد الخميسي

قاص وكاتب صحفي مصري

هل بامكان الفتى أن ينام بعيدا عن نيران العاصفة ولا أحد يمنحه الهتاف الأنيق؟!.. لست وحيدا أعبر شوارع العتمة في هذا الطقس الشتوي البارد. خطاي أجنحة من الياسمين ويداي طيور من الحلم تتجه صوب سماوات الروح. هكذا وفي عزلة تامة عن ضجيج المدن وصخب المعارك المندلعة هنا وهناك، يتصفح الرجل الهارب من سراديب الهذيان، ورقات من كتاب المنفى، ولا ينسى أن يتذكر صور الأحبة والرفاق الذين صاروا سرابا.

كيف تسير خطاه باتجاه زهرات المعركة ولم تخنه ذاكرة الزمن الدامي. كم من الصبر والمعاناة والمكابدة يلزمه ليصل إلى حدائق النور وتنطلق به عربات الانتباه إلى فضاءات الدهشة. هاهي ذي الشوارع مقفرة والمدن صامتة والأزقة تبحث عن مشهد لعناق استثنائي. ليس الرحيل سوى عنوانا لانفتاح الكلمات الهاربة من أنياب الصقيع. هل بإمكان الرؤى أن تجعل الكائن البشري الخائف من سطوة اللحظة التاريخية الراهنة أن يقول للجلادين الباحثين عن أصوات الأنين :نحن هنا كأبهى ما يكون الانحناء لرائحة الوردة ومياه الينابيع. أجل وبمنتهى الجرأة والمشاكسة، يكتب الفتى أحلام الأجداد المهدورة ، ليس خوفا من شاحنات النسيان وسماسرة الحروب، إنما وضعا للنقاط على الحروف، لعل اللغة تبعا لذلك، تصير أكثر إشراقا وأقرب لأصوات الفجر. أجل وبمنتهى اللطف واللياقة، يطلب الفتى من شحاذي المدن العتيقة والأحياء الشعبية، أن يصيروا ملوك العصور القادمة!

هذا البحر مدرسة للرحيل

و الحبر طريق طويل لاندلاع الذهول..

هاهو ذا ماء النهريصب في قيعان الدجى

والأزقة الخلفية تبحث عن العشاق القدامى

* *

بالأمس صباحا أحدهم قال لي: كيف تسير وحيدا على رمال الاغتراب ولا أحد من الأهالي الطيبين البسطاء، يضع على كتفيك زهرات الانتماء"لوردة السراب" هكذا وبمحض إرادته يمضي سريعا إلى نوافذ الذهول، ربما يباغته صديق قديم بكتاب" مشاغب ". أسئلة المرحلة لم تعد تعني أي شيئ في سوق السماسرة المتاجرين بقيم الحداثة. أسئلة المرحلة هي الضوء المخيف للحصون التي لا بد أن تتحطم لتزداد ذهولا وصمتا وحيادا. أما من يتحدث عن انطونيو قرامشي وتنظيراته عن"المثقف العضوي" فليذهب إلى جحيم المكان وعزلة الزمان! ليس أشد إرباكا للذاكرة وإمعانا في ترحيل المعنى عن جدران اللغة سوى كتابة فصول مطولة من "أصوات الأنين" هنا وهناك وكأن الأنين لا معنى له وسط هذا الضجيج المتعالي في المدن والأزقة. ليس الخوف من ديمومة الحلم وتنامي فكرة التمرد في جسد الضحية.. الكائن المغترب والمربك للسماسرة والمتاجرين ببهاء اللغة، إنما المربك حقا هو أن يتمادى الجسد القابع تحت ضربات الجلاد في نفي وجود الجلاد ككائن وسيرورة، وهنا تصير أجساد" أصوات الأنين " هي الحاملة لأوجاع المكان والزمان، وتصير ضربات الجلاد هي الجسر الذي تعبره عربات الانتباه نحو مدن الدهشة وقرى البهاء الخارق.

* *

صامتا أمشي في الشوارع والأزقة والحارات المخيفة ولا أتذكر سوى وجهك المنير وعينيك السوداوين الواسعتين المحببتين إلى قلبي وروحي..صوتك الدافئ الخارج من قيعان المعاناة والمكابدة هو الذي أخرجني من دائرة الفراغ القاتل واليأس الذي كاد يأخذني إلى دوائر الاغتراب. دائما يتابعني صوتك كظلي.. كيف سيكون بإمكاني أن أنسى ضحكاتك السابحة في مياه السخرية من مفارقات هذا العالم الغريب العجيب..كيف سيكون بإمكاني أن أنسى إن سافرت غدا أو بعد غد إيمانك العميق بالحرية وانفلات صوت الكائن البشري من أنياب الحيف والاغتراب والارتباك. وحده عنادك الرشيق الذي يأخذني إلى نوافذ الحلم. فأنت تعاندنين الرداءة وتشاكسين مثلي تماما أعداء البهاء. كم كان جسدي المتعب يحتاج إلى صوتك الهادئ الدافئ الحامل بين طياته رحيل اللغة إلى جسد البهاء وانتصار الوردة على "ثقافة" السيف والدماء. كم كنت محتاجا إلى نظرة واحدة من عينيك الواسعتين الجميلتين لتأخذني خطاي إلى مدن السكينة والصمت العميق والهتافات الرشيقة من أجل الوصول إلى نوافذ الياسمين. كم كنت محتاجا إلى عناق طويل لأزداد إيمانا بأن الحياة جديرة بأن تعاش طالما أن هناك أحرار في هذا العالم الغارق في الغرابة. هل هي صدف الحياة جمعتنا أم إرادة الله؟ لست أدري، كل ما فهمته بعد كل الخيبات والطعنات التي انهالت على جسدي المتعب هو أنك الأنثى الاستثنائية التي لا تتكرر هنا وهناك كرقم في طابور كبير وطويل من البشر.أنت النور المتدفق من شرايين الحلم والينابيع الطالعة من أنهار الرؤى. لا أطلب سوى أن تأخذ جسدي هذا إلى ملكوت الدهشة والنبع الفريد، وأن نرحل سويا إلى مدن الشرق من أجل ترسيخ ثقافة الانحناء لرائحة الزهرة.

أنت البوصلة وسط المتاهة، والينبوع في المدن والقرى المقفرة.

***

البشير عبيد - تونس

شاعر وكاتب صحفي

………………….

- فصل من كتاب / مخطوط تحت عنوان: النهر والينابيع

 

تشير المصادر والادبيات السياحية إلى (السفر المستدام) على أنه ببساطة: السفر الذي يحترم فيه المسافر – السائح البيئة الطبيعية بمفهومها الواسع، والمجتمعات المحلية التي تتواجد في المناطق والأماكن التي يتم زيارتها، وذلك من خلال اعتماد سلوكيات منضبطة ومسؤولة تجاههما (مسؤولية أخلاقية واجتماعية وبيئية)، وبالتقيد بالضوابط والتوجيهات التي تصدرها وتعلنها السلطات السياحية والبيئية والثقافية المعنية على ضوء قواعد الاستدامة المعروفة، والرامية إلى المحافظة على البيئة، وحماية الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لتلك المجتمعات، وتطويرها وتنميتها بصورة مستدامة . وهي من أهم الأركان التي تقوم عليها السياحة المستدامة بأشكالها العديدة، مثل السياحة الايكولوجية والسياحة الايكوثقافية والسياحة المجتمعية الثقافية المعروفة اختصارا بـ(سي بي سي تي) والسياحة المسؤولة وغيرها .

ويسمى هذا المسافر ب (المسافر المستدام) الذي عليه أن يختار بعناية ومسؤولة: الوجهة السياحية (تلك التي تتبنى قيم الاستدامة)، وسيلة النقل (المشتركة، الدراجات الهوائية، توكتوك، ركشا، كارو، حنطور + السير على الاقدام + ركوب الخيل والفيلة ..)، مكان الإقامة (فنادق تستخدم الطاقة المتجددة والمياه المستصلحة ...)، الطعام والشراب (مطاعم تستخدم المنتجات الزراعية المحلية العضوية وتقدم المأكولات الطازجة ...)، وبما يتماشى مع القواعد والضوابط المشار اليها أعلاه .

وكان إيجاد السفر المستدام ضروريا في كمبوديا تماشيا مع الاتجاهات الحديثة في صناعة السياحة الرامية إلى الاستدامة، وللحد من الاضرار التي أصابت البيئة والإرث الثقافي من جراء: إزالة الغابات بهدف توسيع الرقعة الزراعية وتأمين المراعي أولا، الامر الذي أفضى إلى فقدان مساحات واسعة من الغابات المطيرة وتآكل التربة وحدوث انهيارات ترابية على نحو خطير مع تهديد الأنظمة الايكولوجية الغنية، وتوسع قائمة الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض في مملكة كمبوديا، وأيضا النمو العشوائي للمساكن والزحف الحضري العمراني على حساب هذه الأنظمة والكائنات الحية النادرة ثانيا، وتدمير جانب كبير من التراث الثقافي للبلد نتيجة الحرب الاهلية والصراعات الداخلية (20 سنة) ثالثا، فحطمت وهربت الكثير من الاثار القيمة التي لا تقدر بثمن . ووجدت المئات من القطع الاثرية طريقها إلى أسواق التحف والمقتنيات الاثرية في مختلف بقاع العالم . كما حدث بالنسبة لمعابد (أنغور وات) الفريدة في مقاطعة (سيم ريب) وقرية (بروهير) ومنطقة (أبسارا) ومدينة المعابد المقدسة في (بريه خان) .

و من أجل إيجاد سفر مستدام حقيقي في كمبوديا فقد لجأت السلطات البيئية – الثقافية – السياحية إلى وضع الضوابط والارشادات الضرورية، والواجب اتباعها من قبل السياح عند زيارتهم للمحميات الطبيعية مثل (أنغ تراباينغ، بريك توال، ثمور) والمنتزهات الوطنية مثل (ريام، بوتوم ساكول) والمعابد الاثرية مثل (أنغور، أنغور وات ثوم) والقرى الثقافية مثل (قرية سيم ريب الثقافية) والمتاحف ومناطق استيطان المجموعات العرقية المتميزة والسكان الأصليين مثل (ستونغ ترينغ، موندولكيري) .

***

بنيامين يوخنا دانيال

سيم ريب – كمبوديا في 25/ 12 / 2015

 

قد يرينا الله سبحانه وتعالى في منامنا الحياة بعد الممات اي مرحلة العبور من الحياة الدنيا إلى حياة الآخرة الأبدية وكيف تجري بنا الأمور هناك وكيف نتصرف وكيف نتكلم أو كيف يكون سلوك النفس البشرية وقد دخلت إلى عالم تختلف فيه الأزمان والأبعاد عن عالمها الأرضي فهو عالم اقرب إلى الخيال.. بلا شك إن هناك حياة بعد الموت تخترقها النفس وتبقى عالقة فيها إلى يوم يبعثون وقد جاء في الآية 87 من سورة النمل وغيرها مايدل على أن هناك حياة أخرى بعد الموت وحساب منتظر: (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض الاّ من شاء الله وكل أتوه داخرين).. في الحقيقة إن الأحلام التي نراها في منامنا هي انعكاس لواقع مابعد الموت على ما يبدو وإلاّ ماهي الحكمة من ان يرينا الله سبحانه في منامنا أمور نعيشها في حياتنا أو لانعيشها فهناك بعضاً من الأحلام يطير صاحبها فوق الغيوم أو يرحل إلى أبعاد أخرى في السماء أو يغور بين الكهوف والظلمات او يرى ويكلم شخصيات من الأموات رحلوا قبل عشرات السنين وهناك من يرى الأنبياء والصالحين او يدخل الى إحداث خارقة لايمكن ان يتلقاها في عالمنا الأرضي وغيرها من التفاصيل المختلفة التي تدل على أن هناك عالم آخر تطاله نفوسنا في يوم قادم ، عالم سرمدي لايعلم أسراره إلاّ الله سبحانه خالق الوجود .

خلاصة القصد.. إن الأحلام التي نراها في منامنا من الممكن أن تكون هي نفسها طبيعة الحياة التي تعيشها النفس البشرية* مابعد الموت التي أشار إليها القرآن الكريم مراراً في آياته الحكيمة ومنها مثلاً الآية 42 من سورة الزمر التي جاء فيها:

(ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلْأُخْرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لآيات لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم .

***

ماهر نصرت

......................

* النفس البشرية: هي المكون الأثيري الذي يحمل تفاصيل الإنسان في حياته وهي التي تحمل حسنات الشخص وسيئاته فهي بمثابة شريط الخزن الذي خزنت عليه جميع أعمال المرء في حياته الدنيوية .

 

 

هناك صوب الشرق، تنتصب جبال شاهقة ذات قمم مدببة تعانق السماء، يخترق هدوء وديانها خرير مياه عذبـة تنحدر مسرعة من فوهات عيون أزلية تناثرت هنا وهناك، غرست الطبيعة حولها باقات من زهورٍ رائعة، تداعبها أجنحة فراشات تحلّق متموجـة في فضاء آتها المترامية بسعادةٍ لانظير لها، وفي خطٍ متوازٍ من منخفضٍ بعيد ارتفعت بنسق أشجار النخيل تقف متراصة بطلعها النضيد تحاور بحفيفها الساحر طيورا" ملونـة تسر الناظرين، بعضها يشدو مغردا" بلحنٍ متقطعٍ حزين، والبعض الآخر يبدو فرحا" يتغازل بصوتٍ رقيق نبرته فيها كبرياء.. وعلى مسافةٍ قريبةٍ من وادٍ عميق، تلتقي الجداول متحدة لتصنع نهرا" كبيرا" يخترق مدينتنا الأثرية ويمضي مرتحلا" بين اشجار كثيفة تمتد بمحاذاتـه على أمتدادِ البصر هو ذلك الذي يسمى (نهر ديالى العظيم).. بعض أسراب الإوز تحلّق عاليا"، تتراصف بنسقٍ منظمٍ يتقدمها قائد السرب، تراه بين الفينةِ والأخرى يتفحص تشكيله بنظرةٍِ ثاقبة ليتمسك الجميع بنظامٍ صارمٍ عند الطيران، فتعود الطيور مطيعة، منضبطة، صافات أجنحتها بسعادةٍ وغرور تطارد أحلامها نحو الغرب.. تجمعت خلف مدينتنا الأثرية في منطقة تسمى بــ (وادي الجن) مياه متسربة لتكوّن بحيرة صغيرة ذات منفذ واحد، تحتل تلك البحيرة كائنات مخيفة، بعض الضفادع تتحول في لحظات الخسوف أو عندما يصبح القمر محاقا" إلى نوعٍ من أنواع العقارب السوداء البشعة! وأسماك تبدو بأشكالٍ مرعبة تحمل رؤوس خفافيش مشعرة ترهب الصيادين، وكائنات برمائية لانعرف سلالاتها تتحول فجأة الى أفاعي طائرة تهاجم الناس بضراوة، بعضها يتـقرفص بحركةٍ عجيبة ليظهر على شكل سلاحف متوحشة تفزع القلوب! بعد ثلاثة أيام من رعشات زلزال خفيف ضرب شمال المدينة أخذت مياه تلك البحيرة تتسرب في شقوقٍ أرضية ظهرت فجأة، أستطلعنا الأمر نحن ثلة من شباب مدينتنا، ورحنا نغوص مع تلك الشقوق بفؤوسنا ومعاولنا بحذر شديد.. واصلنا لأيام عـدة توغلنا نحو المجهول وأذا بنا نعثر بين طبقات الوحل على آثارٍ وكتاباتٍ مسمارية تعود إلى عصورٍ بعيدة، كنا لا نصدق مانرى، فنحن نقف فوق أطلال حضارة خالدة برق منها شعاع العظمة والدهاء وتفاخرت الدنيا بعلمائها وشجعانها وروعة فنونها..وصلنا بعد اختراق شبكة أنفاق مخيفة إلى غرفة صغيرة تفوح منها رائحة التاريخ، هناك على مصطبة متآكلة (علها كانت تابوتا) بقايا عظام نخرة، وفوق رفٍ منزوٍ تقف ثلاث من التماثيل الذهبية تحكي بانحنائها قصة الاضطهاد والعبودية، وبين هذا وذاك صفت جنبا" الى جنب صناديق مكعبة أقفل بعضها بأسلاكٍ تداخلت رؤوسها بطريقة مشفرة تثير الإعجاب

والتأمل، تعاظمت جرأتي، وأستطعت أن أفتح إحداها بضرباتِ فأسٍ عنيفة أوجعت ذراعي، كان داخل الصندوق ألواح طينية نقشت عليها كتابات ورسوم سومرية، لاشك أنها تحكي عن الإله (مردوخ) أو الإله (أنونيت عشتار أكـد) أو شيءٌ عن قراصنة القوافل، أو لعلها كانت قصة الحب المشهورة التي أنتحر فيها الحبيب بعد أن اختطف أبن الملك المشعوذ حبيبته ….يحتوي الصندوق أيضا" على أختامٍ حجرية وقطع نقود معدنية رسمت عليها صورة لرجل وقور يبدو انه إمبراطور زمانه..كان في قعر الصندوق قطعة ذهبية مستطيلة نقشت عليها زخرفة من رموزواشكال عجيبة دعاني تلهفي الجنوني الإسراع إلى (بابان) خبير الآثار ذلك العجوز النحس المعقد(صاحب الكرش المندلق ونبرة الصوت النكرة) لكي يترجم لي تلك الرموز من مجلده الوحيد.

(الكتابة المسمارية) الذي يسبب صداع الرأس المزمن لكل من يتطلع عليه وينهي قراءته فهو كتاب يحتوي على رموز عجيبة فيها رؤوس حيوانات وإشكال مخيفة يقولون إنها رؤوس علماء الجن ! أتضح بعد أن ترجمها لنا أن تلك القطعة ماهي الا أداة تسجيل خُزنت عليها مشاهد صورية حقيقية عن حضارة السومريين والآشوريين والفراعنة وأقوام رومانية نشأت قبل الميلاد وشيء"عن الصحون الطائرة مع شعوب تتخذ من أروقة الكون مواقع لها، أهدتها مركبة فضائية جاءت من مجرة (أندورا سيفال)1 الى (أددوشا) أحد عظماء مملكة أشنونا2 (هذا ما كتب حرفيا" على خاتمة القطعة).

قفزت من مكاني مسرعاً أبحث عن طريقة علمية في ورشتي تعيد إظهار ما خزّن فوق تلك القطعة، استعملت متحسسات رأس الفيديو لألتقط معلومات التسجيل الصورية ولكن دون جدوى، استعنت بعد ذلك ببرنامج حاسوبي لأفك شفرات المعلومات البيانية، وبعد جهدٍ كبير ومشقة وصبرٍ طويل نجحت في الوصول الى ما أسعى إليه، فقد صار بمقدوري أن التقط ما خزن فوق تلك الأداة العجيبة، كانت لحظات مروعـة انتقلت فيها عيناي وما تحويـه الى أعماق التأريخ، وراح جسدي يرتجف وسط جو من الرعب عصف بأجواء ُغرفتي في جوف الليل، وهبط عقلي مذعوراً هو الآخر، يشارك بصري معجزته وهو يشاهد من على شاشة التلفزيون مشاهد حقيقية لآلاف العمال وهم يحملون صخورا" كبيرة فوق عربات ورافعات يصل ارتفاع الواحدة منها الى ستة أمتار يواصلون تحت لهيب الشمس بناء هرم كجبلٍ شاهق، عشرات من النحاتين منهمكون في تعديل أشكالٍ هندسية لصخورٍ كبيرة وعلى مقربة من هذا وذاك يقف ثلاثة من الكهنة يرفعون فوق روؤسهم عين ذئب ربطوها على سارية من الخشب ويصيحون بأصواتٍ مخيفة فترتفع في الهواءِ صخرة كبيرة وسط ضربات من برقٍ ورعد لتستقر على أحد أركان الهرم العظيم، يرحل نظري نحو صحن طائر بحجم ساحة كرة القدم مليء بمصابيح وفسيفساء مدهشة يحوم فوق أحد الأهرامات ليلا"ويطلق حزاما" من أشعة ليزرية على فتحة في أعلى الهرم تمتد الى الأعماق ويختفي وراء السحاب بسرعة البرق.

رأيت ايضاً مجموعة من السفن الصغيرة وسط البحر يقودها ربابنة أشداء يطاردون حيوانٌ ثائر يشبه الى حدٍ ما اخطبوط البحر يضرب باحدى خراطيمه أحدى الزوارق فيحيله الى حطام..يتحول المشهد فجأة صوب سهول وتلال ويظهر مئات من العمال يقومون ببناء دعامات لتثبيت حدائق متناسقة فوق هضبة تتصاعد متدرجة (أعتقد أنها جنائن بابل المعلقة) يرفعون مياه السقي الى أعلى الروابي بطريقة عجيبة (سأبينها لكم بعد أن أكمل بقية المشاهد)، أسوار قلاع شاهقة تحيط بهيكل زقورة ودعامات متينة ثبتت عليها أبراج خشبية محكمة يتنقل عليها مئات العمال وهم منهمكون في بناء أجزائها بتآلف كما في تآلف النحل داخل خلاياه.

مشاهد لأقوام أخرى غلاظ الأجساد، منتفخو العضلات، مشوهو الوجوه، تشبه إشكالهم صور الإنسان البدائي المطبوعة في كتب التأريخ المدرسية، يشقون طرقا"

لعرباتهم الخشبية بين مرتفعات صخرية ملتوية بعضها شديد الانحدار، (تذكرني تلك الوجوه عندما كنت مع طاقم الطائرة العجوز (اليوشن الروسية) ونحن نحلّق صوب الغرب بسرعة نصف ماخ 500 كلم / ساعة فحدث انفجار مفاجئ في مؤخرة الطائرة بسبب توغلنا المفرط داخل غيوم رعدية متلاطمة أدى الى انفصال وحدة الدفة الخلفية فقذفنا أنفسنا من الطائرة وهبطنا بمظلاتنا فوق أدغال كثيفة لنجد أنفسنا وسط أقوام متوحشة من آكلي لحوم البشر، فقدت في معركة معهم سبابتي والإبهام ومازلت اهرب بين الأدغال لأنجو من قبضة هولاء المتوحشون حتى استيقظت صارخا" من كابوس غفوتي المرعب لأجد نفسي محاطا" برفاقي الطلبة في (كافتيريا القسم الداخلي) ههههههههه.

لنعود من فضلكم الى كاسيتنا (ذاكرة الحضارة) الصوري:

تتحول المشاهد فجأة الى الفضاء.. نجوم براّقة لاحصر لها تتناثر في سدم الكون تشير الى عظمة الخالق، ونجوم أخرى متناثرة تحلّق في أروقة السماء حيث اللازمان واللامكان تدعم النظرية النسبية (لأينشتاين)، أنشطارات ذرية هائلة، نوات عاريات، بروتونات مضطربة، إلكترونات متنافرة، موجات، إشعاعات، أيونات، شهب متمردة وأخرى هاربة تتصادم جميعها وتتنافر وسط غبار كوني متلاطم يملأ الفراغ بين مجراتٍ لامعة تبهر الأبصار وتصفع وجوه الملحدين.

نجوم قيد التكوين، وأخرى تلفظ أنفاسا" محتضرة.. تجانس مذهل بين الأجرام ومداراتها، والجحافل المجرية حبيسة لمركز قوة عظيمٌ جبار، شديد اليقظة، محكم القبضة، لاأجلٍ بدون قرار، ولاخروجٍ عن مدار، (ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون)3.

يقترب بي المنظر من كوكبٍ وهاّج تدور حوله المئات من أقمار صناعية عجيبة تعمل بالطاقة النووية بدلا" من تلك الاقمار الأرضية المحملة بأجنحة الخلايا الشمسية المتخلفة، تدور حول الكوكب بمدارٍ أهليجي محكم لازيغ فيه، محطات فضائية ذات أشكالٍ معقدة تديرها كائنات فضية اللون، أجسادها كبيرة، رؤوسها صغيرة لكلٍ منها عين حمراء تتمركز في منتصف الرأس، راحوا ينظرون نحوي من خلال شاشة العرض فأشرت لهم من خوفي وصحت (مرحبا") فلم يجيبني أحد.

يتحول نظري جاحظاً عجباً الى وسط الشاشة صوب كوكب عملاق يحتوي على فوهة ضبابية بحجم الأرض تتقاذف منها العشرات من مركبات فضائية براّقة تنطلق بسرعات مذهلة، تدور حول الكوكب وتعرج بعيدا"عن مداراتها نحو ثقوب سوداء تبتلع الضوء والزمن.

ينقلني مشهد جديد الى معركة كبرى بين أقزام ذوو آذان طويلة يقودون صحون طائرة مهولة ظهر بعضها بحجم مدينة بأكملها، تطلق أشعة ثاقبة صوب نجم ناري تتصاعد منه السنة لهب لمئات الاميال فيقذف هو الآخر اشعة بنفسجية لاهبة لاتخطأ أهدافها واذا بالنجم ينشطر الى نصفففففففف..

توقف العرض فجأة وغرقت الشاشة في ظلامٍ دامس.. بعد ثوان ظهر صوت مخيف كأنه وحيف إعصار يقترب أعقبه صورة لكائنٍ مرعب لا أستطيع أن أصفه لارتجاف قلمي عند الوصف، كان ينظر إليّ بعينين حمراوين جاحظتين تقذف شعاع الموت.. أقشعر جسدي وأرتعد عقلي مذعورا"، أحسست لحظتها بانجذابي الشديد نحو شيءٌ يقودني صوب الموت والفناء، أحاول بملءِ طاقتي أن أصرخ واقفز بعيدا" عن سطوة هذا الكائن المخيف، رأيت ستائر نوافذ غرفتي تُنتحي جانبا" ليدخل شبحٌ أو شيء ما من النافذة.. أغمي علّي من ذلك الرعب، حتى أستيقظت بعدها مرتعشا" لأجد نفسي قد فقدت بصري وصورة ذلك الكائن الشيطاني مازالت تلاحقني في ظلماتي.. أرجوكم أنقذوني..

***

ماهر نصرت - بغداد

........................

1- (أندورا سيفال) تعرف اليوم تلك المجرة بـ (قنطورس A) العملاقة ذات الإشعاعات الراديوية الغريبة والتي تقع في النصف الشمالي من القبة السماوية.

2 - (أشنونا) مملكة عاصرت الحضارة السومرية في العراق ويذكر التأريخ بأنهم قبيلة انفصلت عن السومريون وهاجرت نحو الشمال الشرقي حتى تمركزت في الشريط المحاذي لنهر ديالى شمال شرق بغداد عند ربعه الاخير.

3 - القرآن الكريم الاية 40 من سورة (يس)

 

تحت وطأة التغيرات المناخية

للسياحة في معظم الدول الجزرية الصغيرة النامية المنتشرة في البحر الكاريبي والمحيط الهادي والمحيط الهندي وأفريقيا والبحر المتوسط وبحر الصين الجنوبي أهميات اقتصادية كبرى من حيث مساهمتها العالية في الناتج المحلي الإجمالي (83 % من الناتج المحلي الإجمالي في أنتيغوا وباربودا و50 % في باهاماس و43 % في سانت لوسيا)، ورفدها لخزينة الدولة بالنقد الأجنبي الضروري لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخلقها لفرص العمل الدائمة والمؤقتة (90 % من سكان أنتيغوا وباربودا يعملون بالسياحة)، ودورها في الحد من البطالة والفقر والهجرة وتحقيق الرفاهية، ومساهمتها في تحقيق التوازن والموائمة بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل النقل والصيد البحري والزراعة والحرف اليدوية. ووفقا ل (منظمة السياحة العالمية) التابعة للأمم المتحدة فإن هذه الدول قد استقبلت في عام 2011 نحو (41) مليون سائح دولي، وحققت إيرادات بقيمة (38) مليار دولار أمريكي، وان السياحة تمثل (75) في المائة من صادرات (15) دولة من هذه الدول و(50) في المائة ل (13) دولة. وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن الدول الجزرية الصغيرة النامية الواقعة في منطقة الكاريبي تستقبل وحدها سنويا قرابة (21) مليون سائح دولي، وتشكل السياحة (30 %) من اجمالي صادراتها.                        

أما تأثر السياحة في الدول الجزرية الصغيرة النامية بظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري فكبير رغم صغر حجم بصمتها الكربونية ومساهمتها القليلة في انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري) المسببة للظاهرة (تساهم الدول الجزرية الصغيرة النامية بنسبة أقل من 1 % من اجمالي الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم وفقا لخبراء المناخ وبنسبة 0،01 % لتلك الواقعة في المحيط الهادي). ويعزى ذلك إلى أنظمتها البيئية الهشة، وقلة الإمكانيات والموارد اللازمة لمواجهتها بالنسبة للكثير منها، واعتماد السياحة فيها بالدرجة الأساس على الأنظمة الايكولوجية والموارد البيئية والمغريات الطبيعية، مثل الشواطئ والشعاب المرجانية (أصيب كامل الشعاب المرجانية في بعض المناطق من البحر الكاريبي بالابيضاض من جراء التغيرات المناخية. ويتوقع الخبراء أن تصاب 90 % من اجمالي الشعاب بحلول 2030 و100 % بحلول 2050). وغابات المانغروف (الايك البحري) (فقدت أنتيغوا وباربودا خلال 1980- 1990 نحو 83 % من غابات المانغروف) ومواقع التراث العالمي الطبيعية والثقافية (32 موقعا مسجلا على قائمة اليونسكو)، وبسبب جغرافيتها وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية بحسب معهد الأرض – جامعة كولومبيا الامريكية. ولو أخذنا (أنتيغوا وباربودا) على سبيل المثال نجد أن أعاصير (لويس ومارلين) في عام 1995 قد تسببت بفقدان سبعة آلاف شخص لوظائفهم من أصل (68349) شخص وفقا للإحصاءات الوطنية، ويمثل الرقم الأخير عدد السكان في السنة المذكورة، مع تراجع التدفقات السياحية اليها بنسبة (17) في المائة، والحاق أضرار بليغة بمعظم المنتجعات السياحية والبنية التحتية للبلاد.

***

بنيامين يوخنا دانيال

                    

تحل في الأول من أبريل هذا العام 2023 ذكرى رحيل والدي في1987. بعد الرحيل تذكر محمود السعدني أول مرة التقى به، فكتب: " في الأربعينيات حضر الخميسي إلى قهوة عبد الله ذات مساء وقضى السهرة في ركن أنور المعداوي، وأشاع جوا من البهجة والمرح، وعزم الشلة كلها على العشاء، ودس في يد الولد الذي قام بتلميع حذائه جنيها كاملا، المهم أنه غادر المقهي في ساعة متأخرة من الليل وقد وهب السعادة للجميع.. حديثا وطعاما وهبات.. كان نموذجا للفنان الذي رسمته في خيالي: كان شديد الزهو، شديد البساطة، عظيم الكرم، دائم الفلس، وكان يمشي دائما في الطريق يتبعه أكثر من شخص يلازمونه كظله، ويطيعون إشارته". أما يوسف إدريس فكتب في الأهرام يقول: " هذا الشاعر المخترع الموسيقى كاتب القصة راوي الحكاية.. الخميسي.. كان قويا عملاقا متفائلا إلي ألف عام قادمة، وكان فمه مفتوحا إلي آخره مستعدا لابتلاع الحياة كلها، بكل ما فيها من طعام وشراب وجمال.. وهو قوي مقاتل وطني عنيد". وكتب أحمد بهجت ينعيه: " الخميسي مزيج عجيب من الشخصيات المتداخلة المختلفة المتعددة.. إنه شاعر، يجيد العزف على البيانو، وهو كاتب قصة ينصرف أحيانا إلى اللعب كما يفعل الأطفال، وهو إذا لعب قام بتأليف فرقة مسرحية، أو إخراج فيلم سينمائى، أو كتب قصيدة من الشعر، وكان فى كل ما يلعبه سيدا من سادة اللعبة، إن حقل الفنون جميعا ملعبه وهو يتألق فيه مثل بيليهأو مارادونا". أما الكاتب صلاح عيسى فقص في مقال له حكاية الخميسي مع وزير الداخلية شعراوي جمعة، وكان المسئول عن التنظيم الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، حين التقى شعرواي بوالدي وسأله لماذا لم ينضم للتنظيم الطليعي بينما انضم أغلب التقدميين إليه؟ فقال له والدي: " الحقيقة يا شعرواي بك أنا في عيب وحش قوي.. ما تتبلش في بقي فولة.. وإذا حضرت اجتماعا حزبيا قد أخرج منه وأفشي أسراره.. فيلقون القبض عليكم"!! قهقه وزير الداخلية وقد أدرك أن الخميسي يروغ منه. ومع انقضاء 36 عاما على رحيل والدي لكني لا أذكره إلا ضاحكا، وقويا، وحين كان في المعتقل عام 1954 بعد دعوته مع طه حسين لعودة الجيش إلى الثكنات، أرسل من المعتقل خطابا لأمي، مازال عندي، يحذرها فيه قائلا: " إياك وأن يحزن الأطفال..الحزن يهدم النفوس.. شجعيهم واجعليهم يضحكون، وقولي لهم إنني مسافر وقريبا أعود". وقد سافرت معه من مصر إلى لبنان بالباخرة عام 1972، وعلى سطح الباخرة ونحن في عرض البحر اكتشفت أنه ليس معه مليم واحد من أي عملة في العالم. اكتشفت ذلك حين قلت له: دعنا نشرب شاي من بوفيه الباخرة، فأقسم لي أنه ليس بجيبه مليم واحد. نظرت إليه مذهولا وصناديق ثيابنا حولنا، أفكر كيف إذن سنهبط بيروت؟ ومن أين سنعيش هناك؟ لكنه ضحك وقال: لا تحمل هما. ومع أن كل الكتاب الكبار الذين عاصروه وكتبوا عنه قد لمسوا هذا الجانب أو ذاك من شخصيته الفريدة، إلا أنه كان عشرة أو عشرين فنانا في شخص واحد، وأذكر أنه في حديث له مع التلفزيون سألته المذيعة عن أنشطته المتعددة، في القصة والمسرح والسينما والاذاعة والصحافة والنقد والتمثيل والاخراج والتأليف الموسيقي، فضحك قائلا لها: " أنا أصلي رجل كثير". رحل ذلك الرجل " الكثير" الذي لا أذكره إلا مقترنا بالبهجة والأمل والقوة وخيالاته الساحرة الجميلة.

***

أحمد الخميسي

سأقيمُ من تلقاءِ حزني مهرجانا

للفَرَحْ

*

أدعو إليهِ أحبتي:

الأنهارَ والأشجارَ والأطيارَ

والأطفالَ والفقراءَ والعشاقَ

والعيدَ المؤجَّلَ في تقاويمي

وأقواسَ القُزَحْ

*

أتلو بهِ ندَمي على أخمارِ مُغتبَقي

وكأسِ المُصْطبَحُ

*

لأنامَ مقرورَ التبتّلِ

والرَّبابةِ والمُدامةِ والقَدَحْ

يبدو النص كقصيدة في ومضة، لشدة انسكابٍ واتًساقٍ لغويين، لازماه وألزماه الجمال .

جاءت المفارقة بين (الحزن) و(الفرح) ببلاغة ينثال فيها المعنى على اللغة - انثيال الندى على الزهر، وكأنً الحزن والفرح يتماهيان/ يتحدان، ليوقِعا في النفس تأثيرا واحدا !

** جمع الشاعر السماوي في " دعوتهِ " كل الاطراف المعنية بالجمال والانسانية والشِعر: الانهار/ الاشجار/ الاطيار/ الاطفال/ الفقراء/ العشاق/ العيد المؤجًل - (في تقاويمي واقواس قزح)!

وبذات الومضية راح الشاعر يُعمِلُ مهاراته المفارقاتية في السطرين التاليين:

التلاوة + الندم + اخمار!

وكذلك في:

(أنام مقرور التبتل والربابة والمدامة والقدح) وبكل ما للشِعر من الصوفية !

**

لا ادري كقارئ مَن الذي يمسك بخيط التنظير/ أو النسغ الشِعري، في قصيدة/ ومضة الشاعر: الشاعر المحلًق بين بلاد النهرين ومنفاه في استراليا، ام لغتهِ الذائبة في معانيها/ أم الشِعر الذي لم ينته التعريفُ به حتى الساعة؟!

***

ياسر بريسم العطية

هناك من يعتقد بأن الإبداع الفكري بجوانبه الأدبية والصناعية والتجارية ينحسر في مدينة بغداد على وجه الخصوص على أساس انها المدينة الكبرى التي تستقطب العلماء والادباء والوزراء والصناعيين والتجار والمستثمرين وغيرهم من أصحاب العناوين الذين يعتبرهم بعض المغفلين بأنهم العمود الفقري للدولة ولولاهم لرجعت الدولة الى زمن جحا وبهلول ونسوا او تناسوا الثقل المهم الذي يمثله اصحاب الموهبة من سكنة المحافظات وما يحمله البعض من ادبائها ومفكريها من ابداعات خارقة ترتقي على اقرانهم من اهل بغداد، واليوم قد تغير الوضع كما ترون وصار الانترنيت هو الوسيلة الدعائية المتيسرة التي يستطيع الموهوب من خلالها ان ينشر ما يحلو له من نتاجات وهو يسكن في قرية صغيرة بعيدة عن المدينة فأنكشف الغطاء عن اهل المحافظات وفاضت اقلامهم بما تحمله نفوسهم من ثورة فكرية مازالت شرارتها متوقدة داخل النفوس التواقة الى التغيير فماتت فكرة الاحتكار الادبي والعلمي التي كانت مقتصرة على مفكري بغداد كما يزعمون ودفنت بحججها الكاذبة الى الابد   ..

***

ماهر نصرت – بغداد

عندما تتراكم الهموم وتثقل أوزار الحياة الصعبة في زمن الملوثات اليومية التي تصنعها يد الإنسان حيث تنشر سوادها على واجهة القلب وجدرانه ليزداد عتمة في واضحة النهار يخفت فيها بصيص الأمل في نفق الحياة المظلم ونفقد خيطها الرفيع الذي نمسك به للخروج لأيام قد نعيد رسم ألوانها الزاهية من جديد أو نسترجع قسما من الماضي الجميل. إلى متى نبقى هاربين من الأيام التي وضعت بصمتها على وجوهنا تخبرك على ما فعلته بنا بخطوط متفرقة تنبئك عن قساوتها وجبروتها بعدما أخذتنا بين محطات الحياة بقاطراتها السريعة تجر ورائها سنين الماضي إلى نقطة لا عودة إليها والاستسلام للواقع الذي لا بد منه أن نحط رحالنا في باحته نقترض منها جزء من سويعات الماضي التي لا تزال عالقة في أذهاننا نسلي بها النفوس والعقول عزاء لنا نجاذبها أطراف الحديث الذي فات أوانه وعفا عنه الزمن سوى فتح سجلات الماضي والذكريات الملونة بألوان الحياة   نقلبها بأناملنا وعيون تفيض من الدمع على أيام خلت بتراكماتها طوتها السنين مرت كسراب من الماء يلوذ إليه الضمئان كي يحط رحله ليستريح من عناء السفر الطويل والعمر يجري بنا في زمن تخلى عنا الأهل والصديق والحبيب يتساقطون من حولنا كأوراق الأشجار في الخريف واحدا تلو الآخر نودع ونبكي حسرة على أيام أفل ضيائها سريعا واضعة بصمتها على وجوهنا ونحن مسافرون على أجنحة الزمن الذي لا نعرف متى وأين وكيف يحط رحله لنزيل غباره عن أجساد أتعبها لسنين طوال.

***

ضياء محسن الاسدي

في منطقتنا سكنت عاهرة ذات تاريخ وضيع. على الرغم من سمعتها المشينة، إلا انها تمكنت من كسب شرفاء المنطقة في غفلة من الزمن. بل جعلتهم يعتقدون أنها أشرف من الشرف نفسه. على الرغم من معرفتهم لماضيها المحُقَّر بأن هذه العاهرة قد تسببت بالفعل في تدمير العائلات وفقدان الأرواح عندما عاشت سابقاً في نفس المنطقة، إلا انهم مضوا في طريقهم معتقدين انها كانت حقا قد تابت وأصبحت طاهرة وعفيفة.

لجأت هذه العاهرة الى ابتكار شتى الوسائل لخداع البصر، وذلك من خلال استخدام مستحضرات التجميل لتزين وجهها القبيح وحماية مظهرها، ومع ذلك لم تستطع إخفاء فجورها تمامًا، فكانت تُظهر من حين لآخر عورتها مبرهنةً بذلك على انها مازالت تمضي قدماً في مهنتها. أما الشرفاء من القوم فلم يدركوا ان العاهرة ليست بمقدورها التخلي بسهولة عن عادتها مهما طال الزمن، فرائحة السائل المنوي كانت تضرم شهوتها وتوقظ رغبتها في العودة إلى ممارسة أفعالها السابقة.

القواد الذي دعمها طوال حياتها المهنية تخلى عنها دون ندم، رغم ما قدمته هذه العاهرة من الخدمات والسيولة له، بل أبعدها عن الطريق الى الابد. وبدلاً من هذه العاهرة المنفردة، أحضر معه على متن شاحنة تجارية جميع البغايا الراقدين على أرصفة المدن والأزقة المنسية، بأسمالهن الممزقة الى منطقتنا.

ومن أجل خلق التوازن بين العاهرات الجدد في المنطقة وخشية اتحادهن باعتبار يحملن نفس البذور، منحهن فرصة للتنافس وذلك لتفريق الزبائن وتقسيمهم الى مجاميع صغيرة لاختيار العاهرة التي تناسب رغباتهم، وبالتالي فرض سيطرته الكاملة على السوق.

كما ان القواد الكبير تنفس الصعداء، حين سحب بساط الجاذبية من تحت أقدام العاهرات كي لا يكون لهن تأثير على قراراته، وسمح لهن فقط بجني الأموال من مهنة البغي.

الزبائن الذين لم يحصلوا على مبتغاهم من عاهرات الجدد، أخذوا يترحمون على العاهرة الراحلة مدعين انها كانت أكثر شرفاً من عاهرات اليوم كونها كانت تمارس الدعارة ستة ايام فقط في الأسبوع وبينما هؤلاء العاهرات يمارسن الدعارة سبعة ايام في الاسبوع مع سبق الاصرار. هؤلاء الزبائن لا يرون الشمس في الأفق نورا وإنما يلتفتون فقط الى غروبها معسعس.

القواد الكبير، لضمان تواجده الدائم في السوق ولمنع جيرانه، القوادين المنافسين الآخرين، من السيطرة الكاملة على العاهرات، اختار لنفسه بعض القوادين المحليين الذين مارسوا الشعوذة والسحر في الدروب الفرعية، الذين أظهروا استعدادهم الكامل للتستر على الموبقات والرذيلة بالمواعظ والوعود غير المرئية.

طفق القوادون من الجيران بالتحرك سريعا، والدخول في المنافسة التي وصلت ذروتها. وفي فترة قصيرة استطاع القوادون الجدد من السيطرة على السوق، والذي ساعد في هذا التوغل والتوسع، هو ان القسم الأكبر من هذه العاهرات كانت قد عملت في ملاهيهم الليلية ايام الذل والتشرد.

في المحصلة النهائية استطاع جميع القوادين وبمعونة العاهرات، وعلى الرغم من مصالحهم واهتماماتهم المختلفة في السوق، تخدير عقول البسطاء وكبح جماحهم في مواجهة الرذيلة والخطيئة الحقيقية.

***

كفاح الزهاوي

في المثقف اليوم