أقلام ثقافية

سلمان ناطور المفاجأة

afyf shalyotعندما بحثتُ مع المخرج المسرحي العريق أديب جهشان موضوع انتاج مسرحية "ذاكرة" للكاتب سلمان ناطور، ضمن مشروع انتاج ثلاثية سلمان: "ذاكرة"، "سفر على سفر" و "حكاية حرب ما.."، دُهشت لإصرار المخرج أن يقدّم سلمان ناطور بنفسه هذه الأعمال على خشبة المسرح وليس أي شخص آخر. أعربتُ في البداية عن دهشتي، وتساءلت لماذا لا يقدم هذا العمل ممثل مهني يتقن فن التمثيل المسرحي، فكانت إجابة المخرج واضحة، محددة ولا تقبل المناقشة: "سلمان وفقط سلمان المناسب لتقديم هذا العمل على خشبة المسرح".

لم أفهم في البداية سبب إصرار أديب، ولكني أثق به وبذوقه الفني وبتجربته الغنية في مجال الاخراج المسرحي، فاستسلمتُ لقراره وأنا أترقب ماذا يمكن أن يحصل. إلا أن المفاجأة كانت عندما بدأت المراجعات على مسرحية "ذاكرة"، فاجأني سلمان ناطور بأمورٍ لم أكن أعلمها عنه من قبل، فهو كاتب مرموق وروائي فلسطيني بارز بدون أدنى شك، ولكن لماذا يخوض تجربة التمثيل؟ سؤال حيّرني في البداية، لكني اكتشفت خلال المراجعات على المسرحية، وخاصة في المراحل المتقدمة للمراجعات، أن سلمان ناطور لا يمثل ، بل يعبر عن أحاسيسه ومشاعره على خشبة المسرح، كيف لا وهو مؤلف هذا الانتاج الأدبي الرائع، فهو خير من يعبر عن هذه الأحاسيس والمشاعر التي كشفتها المسرحية ، كما أن سلمان وللحقيقة يتمتع بحضور مميز ملفت للنظر بالاضافة لكونه كاتب مميز.

إن سلمان في "ذاكرة" ينفض غبار السنين عن أحداث حصلت في العام 1948 بحلوها ومرها، مؤكداً أن الذاكرة سلاح يجب أن نستخدمه في مواجهة الواقع الذي تتم محاولة فرضه علينا. فهذه الذاكرة عبارة عن حكايات بسيطة لكنها تكشف عن عالم كبير، فيه ألم بحجم المأساة وفيه ابتسامة بحجم سخريات القدر وفيه حكمة بحجم العالم الفلسطيني العبثي. انها ذاكرة الكاتب الخاصة، وفي الوقت نفسه ذاكرة شعبه، ذاتية وجماعية، "شيخ فقد ذاكرته فأكلته الضباع"، و"أبو صلاح اللواح جعل من الحطة علما وأغنية الشمالية نشيدا وطنيا".

خلال التدريبات أدهشني الكاتب سلمان ناطور بمدى شغفه بالتمثيل المسرحي، ومدى جديته في العمل، فكان يصغي للمخرج بشغف طفولي باحثاً عن كل جديد، وهو على استعداد مذهل للتجدد ، مُقبل على تجربته الجديدة بدون وضع حدود أو عراقيل لولوج التجربة المسرحية. في الحقيقة لم أصدق ما أراه أو أسمعه خلال التدريبات، انسان بتجربة الكاتب سلمان الغنية في مجال الكتابة وبمكانته الأدبية يقدم على تجربة فريدة من هذا النوع، يستحق أكثر من وقفة، فإنها جرأة ما بعدها جرأة، ولكنها تجربة تستحق أن تُجرّب، وسيكون لها ما بعدها.

أعتقد أن سلمان ناطور بعد تجربته الغنية في مجال التأليف والكتابة الأدبية، أدرك أن المسرح سينشر أدبه الى قطاعات لا يستطيع أن يصل إليها عبر الكتاب، وهذه التجربة الفريدة التي يخوضها سلمان ناطور لا شك أنها ستفتح شهية أدباء آخرين، خاصة إذا حققت هذه التجربة مرادها، وهي ستحقق مرادها بدون أدنى شك.

إذاً ، نحن بانتظار ذاكرة سلمان ناطور بفارغ الصبر، هذه الصرخة ضد القتل والدمار، من خلال تجربة جديدة ومغايرة في كيفية التعامل مع النص الأدبي، تجربة سيكون لها ما بعدها.    

 

 

في المثقف اليوم