أقلام ثقافية

الرؤية والتبعية!!

المفكرون والعالمون بالدين والمثقفون يتناولون الأشخاص ويهاجمونهم ويوعزون سبب التداعيات إليهم لأنهم إجتهدوا في موضوعات دينية وفكرية تسببت بتحشدات عنيفة أضرت بالمجتمع والدين، ويغيب عنهم جوهر المعضلة التي تواجهها الأمة، والتي تتلخص بضعف اللغة وسيادة الأمية والميل الكبير للتبعية.

فضعف اللغة العربية تسبب في تحقيق الأمية القرآنية، التي أدت بدورها إلى تعزيز نوازع التبعية والتفاعل مع الذي يفكر ويجتهد، ويتصور وفقا لتجربته وما عنده من قدرات معرفية، حتى يتم تقديس الشخص وتبعيته بعميائية وإنتمائية حمقاء مجردة من أبسط مفردات ثقافته ووعيه للحالة.

ففي مجتمعات الدنيا كافة يظهر مفكرون ومجتهدون وناقدون، ومَن يرون أنهم قد إكتشفوا شيئا ما في هذا النص أو ذاك من النصوص الدينية، بل أن محطات التلفزة تعج بالدعاة والمفكريين الدينين لجميع الأديان، لكن هؤلاء لا يُتبعون إلا بتبصر وتفاعل معرفي وثقافي يوصلهم إلى قناعة ما، وخصوصا في هذا الزمن المعلوماتي المعرفاني الفياض بالمستجدات والتبدلات والإبتكارات، التي نقلت البشرية إلى مراحل أخرى من مستويات الحياة.

وفي مجتمعاتنا تتحقق التبعية العمياء والحمقاء، ذلك أن الأمية الطاغية وجهل لغة الضاد وإهمالها، قد أسهما في إضعاف النفوس وتنضيب العقول، وتجفيف النفوس من عناصر الصيرورة الحضارية المعاصرة، مما أسقط البشر في حفر ظلماء، وسجنهم في مستنقعات تزداد عفونة وأمراضا أصبحت مزمنة وبعضها سرطانية الطباع والسلوك.

ولهذا فأن المفكرين والمثقفين والعالمين بالدين عليهم أن يتوجهوا نحو المجتمع لا نحو الشخص الذي إجتهد وفكر، عليهم أن ينقلوا المجتمع من قيعان الأمية إلى آفاق المعرفة والحرية، ويتفاعلوا معه بلغة عربية فصيحة، ويجتهدوا في تنمية المعجمية العربية عند الإنسان لكي يدرك ما يسمع ويقرأ، ويؤمن بنفسه وقدرته على النظر والرأي، وبهذا تقل نوازع التبعية وتضمحل الظواهر المدمرة للحياة والدين.

إن التركيز على الأشخاص يزيد من أهميتهم ويُحشّد المزيد من الأميين حولهم، وهذا ما يقوم به رموز الأمة الثقافية، إذ ترقب حلقات متواصلة في التلفاز تتحدث عن شخص وتنال منه وتغفل جوهر العلة، التي هي ليست في الشخص وإنما في المجتمع الذي يمتلك الألية العالية للتبعية.

فالأمية وضعف اللغة يجعلان البشر مثل الإسفنج يمتص كل شيئ، أو مثل القشة تتناهبها الرياح أنى تشاء، بينما المعرفة وقوة اللغة تصنعان بشرا صلدا لا تتسرب إليه الأشياء وإنما تصطدم به وترتد، ولا يأخذ منها إلا وما يتفق وما تراكم فيه من معارف وآليات إجتهاد وتصور ورأي.

فالبشر صاحب الرأي لا يتبع، والذي بلا رأي تستعبده التبعية وتصادر إرادته ومصيره.

فهل سنساهم في صناعة بشرٍ ذي رأي أم يتبع ويقبع؟!!

 

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم